رؤية نقدية للقصة القصيرة : صوت الذاكرة - مدونة واحة القصة القصيرة
رؤية نقدية للقصة القصيرة
صوت
الذاكرة .. للأديبة/ صديقة صديق علي
بقلم الأستاذ الناقد / حيدر الأديب
![]() |
حيدر الأديب |
على هذا الضوء، سنناقش كفاءة النص، وأرجو أن يتفهم صاحب النص أن هذا الذي أقدمه هو قراءة ضمن قراءات، لأن النص هو ( قراءاته
المتعاقبة ). فليست القيمة في صحة أو خطأ هذه القراءة. فما كان مبكياً لي، هو مضحك
لغيري، والعكس صحيح، ولا يعني هذا تهافت القيم، واعتباطية الدلالات، بقدر ما يعني
تمثل الذات القارئة كدلالة يحدها فهم معين إزاء نص هو مدلول، يعود لمرجعيات هذه
الذات تحت سقف سياق النص، وبهذا المشترك يمكن التعاقد على معنى النص، وهكذا تعقبها
قراءة أخرى وأخرى، والسطور التالية تتكفل بهذا الفهم، كأطروحة من عدة أطروحات، لذا
فالدفاع عن النص، هو دفاع عن حصص دلالية مؤقتة، لاطائل تحتها>
* طبق القش هذا لم يجب على حتمية الصراع الطبقي، تلك اللعبة الماركسية المطورة عن ديالكتيك هيجل، ولكنه كان ممراً لفسحة في الذاكرة، تكشف عن ضحايا هذا الصراع، استثمر فيها الوصف بجهد أراح السرد.. هذا المكر الذي لعبه الوصف، مؤزراً بصدى العنوان المترامي في الذكرة، سرعان ما يذوب أمام سطوة القول الفلسفي في مطلع القصة، (إن تاريخ كل مجتمع موجود إلى يومنا هذا هو تاريخ الصراع الطبقي)، ذلك أن القول الفلسفي ذا منطوق عقلي، فإذا ما جاور أي منطوق، تغلب عليه، أو أزعجه بسطوعه، وكما نعلم، فالأدب ذا منطوق تخييلي، جمالي، لذا إذا فات على السارد تذويب هذا المنطوق العقلي في المنطوق التخيلي، فإنه إن لم يفعل ذلك، يظل حاكماً عليه ... نعم هو لا يظهر مع تشغيل السرد حتى نهاية القصة، لكن بمجرد أن ينتهي السرد، يبرز للسطح ثانية، (إن تاريخ كل مجتمع موجود إلى يومنا هذا هو تاريخ الصراع الطبقي)، وكأنه متوالية تكرارية، والسبب أن السارد بعد أن أكده بأنه عنوان لمحاضرة، ثم زاده خطوة ب(من يذكر لي أسباب حتمية الصراع الطبقي ؟) تخلى عنه، غير ملتفت إلى اشتغال الاقوال الفلسفية في الخلفية على تدمير بنية السرد الأدبي، إلا في حالة محاصرته في سياق يضمن سكوته، وإلا فإنه يعمل على مزاحمة التلقي بين فينة وأخرى، ولعل هذا لا يظهر في مستويات القارئ البسيط، ولكنه لدى القارئ المطلع، يمثل إشكالية في البناء الجمالي للقصة.
* زمن القصة زمن نفسي، (قذف سؤاله بي / غبت) والزمن هنا هو الحدث، زمن القش
* يستعرض السارد جانباً من شخصيته الثقافية، والسلوكية، فعرض القول الفلسفي وتأكيده بسؤال هو له، لا للشخصية داخل القص، وهذا ما يبدو لي كذلك القول: (ركّزتُ نظري بعينيه مما أربكهُ.)، ويبدو أن هذين القولان هما لافتة قد تسللت من اللاوعي، إلى السرد مباشرة، لأن سياق القول، سياق تأكيدي، (محاضرتي / نظري)، فصوت الراوي متواجد أكثر من صوت الشخصية / هكذا يبدو لي /
* هناك تغييب متعمد لمحتملات الحدث داخل قاعة المحاضرة، تغييب لصوت المدلول الفلسفي / لصوت المعترض في كلتي حالتيه / تغييب المعترضون الاخرون، ومصادرتهم لجانب صوت الذكريات، وقد يقول قائل، إن المعترض شخصية ثانوية، أقول نعم لكنها خلخلت المستهل بنسق مضمر، وهو أفول الفلسفة الماركسية، ولعلها واعية، وغير ساذجة، كما صورها السارد لكنه غيبها.
كذلك نرى تغييباً لطبق الدش، كان من الممكن أن يزيد من كفاءة الدلالة الساخرة>
* أقول هذه الإشكاليات تقع داخل السرد، وهو يشتغل، فالسارد معذور، من جهة أنه يستهدف ذكريات مرصودة سلفا، توزعت وفق وعي داخل السرد، هكذا يراد لها، وأنه يتقصد طبق القش، ويرد عليه أن هناك أكثر من محتمل للسرد يغطي ما غاب عن هذا الشكل، وأن هذه النقلة غير موفقة تماما، فالوصف ذكي جداً، لكنه اشتغل بقوة في دلالة منغلقة على ذاتها، وإلا ماذا يراد من طبق القش، فإذا كانت المدلول لمجرد الذكرى، فهذا رصد شخصي، يتلاشى، لأنه لا يعد من المشتركات الإنسانية إلا في ذهن السارد، ومن له صلة بهذه الفسحة من الذاكرة>
* إن القراءة، هي عملية تحويل من الكاتب إلى المتلقي، فالأدب استكشاف في الذات، والأشياء، تتكفل اللغة تحويله إلى ذهن المتلقي كواقعة وعي، ينفتح على أكثر من تأويل، ولكن في هذا النص، نرى أن الدلالة منكفئة، وعائدة إلى ذاتها، فلم يعد المتلقي شريكا، أو كاشفاً لما خبأه النص، سوى براعة الوصف لحدث مخصص، أو قل لزمن نفسي معاد عبر الاسترجاع داخل الذات الساردة.
* طبق القش هذا لم يجب على حتمية الصراع الطبقي، تلك اللعبة الماركسية المطورة عن ديالكتيك هيجل، ولكنه كان ممراً لفسحة في الذاكرة، تكشف عن ضحايا هذا الصراع، استثمر فيها الوصف بجهد أراح السرد.. هذا المكر الذي لعبه الوصف، مؤزراً بصدى العنوان المترامي في الذكرة، سرعان ما يذوب أمام سطوة القول الفلسفي في مطلع القصة، (إن تاريخ كل مجتمع موجود إلى يومنا هذا هو تاريخ الصراع الطبقي)، ذلك أن القول الفلسفي ذا منطوق عقلي، فإذا ما جاور أي منطوق، تغلب عليه، أو أزعجه بسطوعه، وكما نعلم، فالأدب ذا منطوق تخييلي، جمالي، لذا إذا فات على السارد تذويب هذا المنطوق العقلي في المنطوق التخيلي، فإنه إن لم يفعل ذلك، يظل حاكماً عليه ... نعم هو لا يظهر مع تشغيل السرد حتى نهاية القصة، لكن بمجرد أن ينتهي السرد، يبرز للسطح ثانية، (إن تاريخ كل مجتمع موجود إلى يومنا هذا هو تاريخ الصراع الطبقي)، وكأنه متوالية تكرارية، والسبب أن السارد بعد أن أكده بأنه عنوان لمحاضرة، ثم زاده خطوة ب(من يذكر لي أسباب حتمية الصراع الطبقي ؟) تخلى عنه، غير ملتفت إلى اشتغال الاقوال الفلسفية في الخلفية على تدمير بنية السرد الأدبي، إلا في حالة محاصرته في سياق يضمن سكوته، وإلا فإنه يعمل على مزاحمة التلقي بين فينة وأخرى، ولعل هذا لا يظهر في مستويات القارئ البسيط، ولكنه لدى القارئ المطلع، يمثل إشكالية في البناء الجمالي للقصة.
* زمن القصة زمن نفسي، (قذف سؤاله بي / غبت) والزمن هنا هو الحدث، زمن القش
* يستعرض السارد جانباً من شخصيته الثقافية، والسلوكية، فعرض القول الفلسفي وتأكيده بسؤال هو له، لا للشخصية داخل القص، وهذا ما يبدو لي كذلك القول: (ركّزتُ نظري بعينيه مما أربكهُ.)، ويبدو أن هذين القولان هما لافتة قد تسللت من اللاوعي، إلى السرد مباشرة، لأن سياق القول، سياق تأكيدي، (محاضرتي / نظري)، فصوت الراوي متواجد أكثر من صوت الشخصية / هكذا يبدو لي /
* هناك تغييب متعمد لمحتملات الحدث داخل قاعة المحاضرة، تغييب لصوت المدلول الفلسفي / لصوت المعترض في كلتي حالتيه / تغييب المعترضون الاخرون، ومصادرتهم لجانب صوت الذكريات، وقد يقول قائل، إن المعترض شخصية ثانوية، أقول نعم لكنها خلخلت المستهل بنسق مضمر، وهو أفول الفلسفة الماركسية، ولعلها واعية، وغير ساذجة، كما صورها السارد لكنه غيبها.
كذلك نرى تغييباً لطبق الدش، كان من الممكن أن يزيد من كفاءة الدلالة الساخرة>
* أقول هذه الإشكاليات تقع داخل السرد، وهو يشتغل، فالسارد معذور، من جهة أنه يستهدف ذكريات مرصودة سلفا، توزعت وفق وعي داخل السرد، هكذا يراد لها، وأنه يتقصد طبق القش، ويرد عليه أن هناك أكثر من محتمل للسرد يغطي ما غاب عن هذا الشكل، وأن هذه النقلة غير موفقة تماما، فالوصف ذكي جداً، لكنه اشتغل بقوة في دلالة منغلقة على ذاتها، وإلا ماذا يراد من طبق القش، فإذا كانت المدلول لمجرد الذكرى، فهذا رصد شخصي، يتلاشى، لأنه لا يعد من المشتركات الإنسانية إلا في ذهن السارد، ومن له صلة بهذه الفسحة من الذاكرة>
* إن القراءة، هي عملية تحويل من الكاتب إلى المتلقي، فالأدب استكشاف في الذات، والأشياء، تتكفل اللغة تحويله إلى ذهن المتلقي كواقعة وعي، ينفتح على أكثر من تأويل، ولكن في هذا النص، نرى أن الدلالة منكفئة، وعائدة إلى ذاتها، فلم يعد المتلقي شريكا، أو كاشفاً لما خبأه النص، سوى براعة الوصف لحدث مخصص، أو قل لزمن نفسي معاد عبر الاسترجاع داخل الذات الساردة.
نص القصة
صوت الذاكرة
“إن تاريخ كل مجتمع موجود إلى يومنا هذا هو تاريخ الصراع الطبقي"
كتبت هذا -وكان محور محاضرتي- على اللوح والتفتُّ الى أعين لا أقرأ منها إلّا الجمود و عدم الاهتمام ...وكي انتشلهم من سباتهم ...سألت :
-من يذكر لي أسباب حتمية الصراع الطبقي ؟
أتاني صوت احد المتندرين :
ـأي طبق تقصد ؟ ..طبق القش أم( الدشّ) ؟ويقصد الصحون اللاقطة،ركّزتُ نظري بعينيه مما أربكهُ.
قذف سؤاله بي إلى محيط طبق قش مصنوع من سيقان القمح ..تعلوه بسخاء أرغفة الخبز والقليل القليل من كل ماعداها. نتربع على حصير أنا وأخوتي الستة. تلاصقُ رُكَبنا ببعض يسهل علينا النكز، و بث رسائل التذمُّر، والسخرية، دون أن نلفت نظر والديّنا ...الّلذين لا ينتبهان لأحاديثنا المشفّرة إلّا إن فلتت من أحدنا ضحكة تكرج وراءها ضحكات متتالية كالدومينو، ما يستدعي تلويح العصا بيد أمي أو نظرة صارمة لائمة من أبي تُخرسنا .
تصل الى مسامعي همسات الطلبة المكبوته ...و تساؤلاتهم حول صمتي والجميع ينتظر حكمي ويتنقّلون بأعين الترقب بيني وبين من تجرّأ على السخرية بمحاضرتي سألته :
ـوهل رأيت يوما طبق القش ...؟
ودون ان أسمع جوابه غبت ، ...في لمعان صينية نحاسية مطعّمه بالفضة تتّكِئ بغرورها على حائط تفوح منه رائحة الكلس المنتشي مع الطين ...تبدو نشازاً وهي ترقب فقرنا و تحتقر هشاشة طبق القش وتتحدّى آمالنا في التحلّق حولها يوما ..لكن هيهات فأمّي تحرّم علينا المساس بأيقونتها الشاهدة على عزّ أبيها المنصرم أمام إسرافه ونزواته .
وحدها أختي كانت تلمسها لتنظف الغبار عنها ..وكانت لاتعني لها بشيء سوى كرهها لها ، لأنّها تضيف إلى أعبائها عبئاً تافهاً كما كانت تسمّيه ...أفهمتني فيما بعد أنّه لا قداسة لما نقوم بتنظيفه ولا نستطيع تناول قوتنا منه ،وهذا ما برّر لي تشفّيها من دائرة بيضاء كانت مُرتَسماً للصينية على الحائط لم يطَلها الاصفرار كما وجوهنا، يوم ولولت أمي إذ أفاقت على سرقة مجدها ،وهي تلوم أبي وتتّهمه بتسهيل السرقة من بابٍ تركه موارباً للّصوص كي يقطع جذورها ،يومها بكينا مع أمي خسارتها إلّا أختي فقد كانت شامتة.و كان أبي لا مبالياً.
قلت:
في العمق و باللاوعي عند أمّي.. لم تكن الصينية بقطرها الكبير هدية ثمينة من أمها و تاريخ زاخر من الطفولة كانت تهطل على ذاكرتها برداً وسلاماً فقط، بل كانت سلاحها الصامت المشهور دائما في وجه أبي، لتذكّره بتضحيتها العظيمة أمام حبّها الكبير المتهالك بأفواهنا .
صحوتُ على تصفيق الطلبة وأدركت أنني كنت أفكر بصوت يتابعونه بشغف.
صديقة صديق علي / سوريا
ودون ان أسمع جوابه غبت ، ...في لمعان صينية نحاسية مطعّمه بالفضة تتّكِئ بغرورها على حائط تفوح منه رائحة الكلس المنتشي مع الطين ...تبدو نشازاً وهي ترقب فقرنا و تحتقر هشاشة طبق القش وتتحدّى آمالنا في التحلّق حولها يوما ..لكن هيهات فأمّي تحرّم علينا المساس بأيقونتها الشاهدة على عزّ أبيها المنصرم أمام إسرافه ونزواته .
وحدها أختي كانت تلمسها لتنظف الغبار عنها ..وكانت لاتعني لها بشيء سوى كرهها لها ، لأنّها تضيف إلى أعبائها عبئاً تافهاً كما كانت تسمّيه ...أفهمتني فيما بعد أنّه لا قداسة لما نقوم بتنظيفه ولا نستطيع تناول قوتنا منه ،وهذا ما برّر لي تشفّيها من دائرة بيضاء كانت مُرتَسماً للصينية على الحائط لم يطَلها الاصفرار كما وجوهنا، يوم ولولت أمي إذ أفاقت على سرقة مجدها ،وهي تلوم أبي وتتّهمه بتسهيل السرقة من بابٍ تركه موارباً للّصوص كي يقطع جذورها ،يومها بكينا مع أمي خسارتها إلّا أختي فقد كانت شامتة.و كان أبي لا مبالياً.
قلت:
في العمق و باللاوعي عند أمّي.. لم تكن الصينية بقطرها الكبير هدية ثمينة من أمها و تاريخ زاخر من الطفولة كانت تهطل على ذاكرتها برداً وسلاماً فقط، بل كانت سلاحها الصامت المشهور دائما في وجه أبي، لتذكّره بتضحيتها العظيمة أمام حبّها الكبير المتهالك بأفواهنا .
صحوتُ على تصفيق الطلبة وأدركت أنني كنت أفكر بصوت يتابعونه بشغف.
صديقة صديق علي / سوريا
أقرأ أيضا: قصة قصيرة آخر البطولات- نص وقراءتان
التسميات: دراسات