الجمعة، 31 يوليو 2020

قصة شهر يوليو2020 " طيور المجذوب" للأديب المغربي/ حدريوي مصطفى العبدي

قصة شهر يوليو 2020

بعنوان "طيور المجذوب"

للأديب المغربي/ حدريوي مصطفى العبدي






‏أشرفت الأستاذة منال خطاب على تقديم فعالية " قصة الشهر " في الأسبوع الرابع من شهر يوليو 2020. والموافق الجمعة 24/7/2020

وتناول الأسبوع قصة " طيور المجذوب "للأديب/ حدريوي مصطفى العبدي

-         المراجعة اللغوية لنص القصة  : الأستاذة / مهدية أماني.

-         فريق التسجيلات الصوتية      : الأستاذ عامر العيثاوي / الأستاذة غادة هيكل/ الأستاذة درصاف الذيب/ الأستاذة إيزيس عباس.

 

وفيما يلي تسجيل للفعالية، تبدأ بتقديم الأستاذة منال، ثم نص القصة، يتلوه تعليقات ومداخلات الأصدقاء بترتيب وصولها إلى المنشور.

يمكن سماع التسجيل الصوتي على قناة  "واحة القصة القصيرة " على يوتويوب.

مع وافر تحياتي

 

أحبتي:
خصصت واحة القصة القصيرة الأسبوع الثالث من كل شهر لاستعراض واحد من النصوص علي سبيل المدارسة، وتبادل المعرفة.
ولما كنا نعدكم من ضمن أبرز المساهمين في هذا الفن، إبداعا، ورؤية. فإننا نأمل في إثرائكم فاعلية قصة الشهر بتقديم دراسة متخصصة ،أو رؤية، ولو في عجالة، عن القصة التي سيتم طرحها للمناقشة الآن. و سوف ينشر النص أيضا ببعض الصحف المصرية من قبيل حرص الواحة للأعلام عن مبدعيها. كما ستعد مدونة مكتملة، كتوثيق لكل التعليقات والدراسات، ويحتفظ بها فى أرشيف الواحة.وسيتم ايضا تحويل القصة الى قصة مسموعة تنشر على قناة الواحة باشراف فريق التسجيلات الصوتية .(اعتذر عن تأخر وصول القصة المسموعة حتى لحظة النشر وسوف تنشر على حدة عند الانتهاء)
مع خالص الود والتقدير لكل من يشاركنا العُرس الشهرى.
والقصة التي فازت بأغلبية التصويت من قبل مدراء الواحة هذا الشهر ، من إبداعات الكاتب المغربى حدريوي مصطفى العبدي…..وقتا ممتعا معكم وبكم .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

طيور المجذوب

تعود فاطمة بعد أربعِ سنواتٍ حيث تقاطرَ عرقُها حبّاتٍ، حباتٍ، وتعالى غناؤُها وماجَت أنّاتُها صدىً، وهي تذرُع المساربَ والرّفقةَ َ تجني حُلوَ الثمرات، فراوْلةٌ كالدم قانيةٌ، وحلوةٌ كالشّهد مذاقا، تُداري الضّنَكَ وراءَ بسماتِها الشاحبة، وتقوّم صبرَها الواهنَ بحمْدلاتها المتواصلةِ؛ وتقفُ على حدود عِرْزالٍ متهالكٍ، تتأملُ الأرضَ الجرداءَ المنبسطةَ أمامَها، ثم تغمغمُ:
ـ من كان يُساوِرُه أن هذه الضّيعةَ تصيرُ خاليةً على عُروشِها، وكأنّ لا ماءَ جرى فوقها، ولا يدَ قَطفتْ ثمارَها، ولا كان لها مجدٌ وخبرٌ؟!
في اللحظةِ ذاتِها تقفُ (مرسديس) بيضاءَ، يترجّلُ راكبُها ، ويقفُ قُربَ فاطمةُ، ثم يُبادرُها يالسؤال:
ـ أما زلتِ تحنّينَ لتلك الأيامِ الخوالي يا فاطمة ؟ ليتها تعودُ ونبدأَ من جديد، وأكون... أفضلَ مما كنتُ عليه...آه... مني آه..!
تلوذُ بالصمت، وكأنها ما سمِعتْ، بل وكأن الحاضرَ لا وجودَ له...!
أتى من حيثُ لا مكان! وحط الرّحالَ على ناصيةِ الزُّقاق؛ و من دكّة على بابٍ مهجورٍ اقتطعَ ركنا ـ ترعاه بفَيْئِها أغصانُ شجرةِ تينٍ تُطلّ من باحةٍ وراءَ سُورٍ مشروخ ـ واتَّخذَه مُتّكأً. لم يبالِ به شبَحُ الأمِّ عائشةُ الهالكةِ صاحبةَ البيت، ولم ينهَرْه كما يتوهّمُ صِبيةُ الجوارِ حينَ يلعبونَ قُرب الباب لحظةَ تراخي موجةُ الصّهدِ عشاءً، أو حين يحاولون جَني ما تدلّى من ثمار الأغصانِ الحانيةِ أيام القِطاف ...
كان شخصاً عاديا، نحيلا شيئا ما، طويلا، أسْبَطَ الشعر، كثَّ اللحيةِ، ينتعلُ جِزمةً ويلبسُ "دجينا" باليا وقميصا كاكيا، بل ما كان شيءٌ مثيرٌ فيه إلا جلستُه القُرفصاءُ الانطوائية، وهيئةُ وقارٍ تفيضُ على وجههِ الهادئ، وما كان يملك من سَقطِ متاعٍ، معطفٍ افترشَه، وجرابٍ، احتضنَه احتضان الأمّ لوليدَها، وعصاً لا حاجة له بها وهو السليمُ البنيةِ، الرشيقُ الهيئة، الخالي من العَرج..
لم يكن يغادر متكأُه إلا لماماً، يظلُّ قابعاً يطالعُ الزقاق الضيّقَ، يمسحُه وسابلتَه بعينين كسيرتين مُتّقدتين فِطنةً ونباهةً ، ولما يتعبُ ـ ربما ـ يشرعُ ينثر أوراقا وصورا أمامَه ، لا أحدَ عَرفَ، أو يعرفُ محتواها، ثم ما يفتأُ يعودُ ويلمُّها حارصا على سلامتِها من الطّيّ والتّلف.
لم تهتمَّ به ساكنةُ الزقاق كثيرا، سريعا ما هضمَت وجودَه بينَها وصار وشجرةَ التين المطلة من وراء السور القديم سَيان ، قد تناولتْه الألسنُ يوما أو يومين، و سرعان ما تناسَتْه..
قدّروا أنه رجلٌ متعلمٌ، خبيرٌ بالكتابة والقراءةِ، وازدادوا يقينا حين رآه بعضُهم يخاطبُ سُيّاحا مرةً باللغة الإنجليزية، ومرة أخرى بالفرنسية بطلاقةٍ وبدون لكْنةٍ وكأنه قادمٌ من وسط باريس، أو سيدٌ من سادة ( لندن ) وهو يقول لهم حين كانوا يحاولون أخذ صورة تذكارية لتعشيقاتٍ زُخرفية على طول إفريزٍ ينمنِمُ منزلَ أمِّ عائشة:
"
تنحوا عن المكان... أُغربوا عن وجهي لستُ تمثالا، ولا المكانَ٠٠ صرحا تاريخيا... إبتعدُوا من هنا "..
بلغ الخبرُ يوما أمُّ حسن، فأتتْه ذاتَ ضُحىً وفي يدها اليمنى شريطٌ من تينٍ جافٍّ، وفي الثانيةِ ظرفٌ وورقةٌ وقلم. وقالت له:
أيها السيدُ الطيّبُ! منذ خمسَ عشْرةً سنةٍ، ركب حسنٌ .. ولدي البحرَ ركوبا غير شرعيّ، ورَسا ورسَّى على أرضِ النصارى، كما أخبرني في رسالتِه الأولى، واشتغلَ في مزرعةِ دجاجٍ كما أخبرني في مكالمةٍ هاتفيةٍ، وبشّرني بأنه سيرسلُ لي قدرا من المالٍ عما قريب، لكن يا حبيبي لم يبقَ يهاتفُني ولا يكاتبُني من يومِها؛ أُكتبْ له من فضلك خطابا حُضّه فيه على أن يَفتكَر أن له أمّا وحيدةً هنا تنتَظرُ إشراقةَ وجهه الجميل، وإن عزّ الطلبُ قل له : "تكفيني بضعُ كلماتٍ على خطّ هاتفي الأخرسَ!"
تأمّلها في صمت وقال لها :
-
أنت يائسةٌ يا أمي، أليس كذلك؟
ردت، وقد طفر يَنبوعُ دمعٍ من عينيها، سرعان ما مسحت أثره بظهر يدها المعروقة:
ـ قل سوداويةٌ يا ولدي!..
غاصَ مرة أخرى في موجةٍ صمتٍ، اسْتطولَتها السيدة، فخرقتَها قائلة.
ـ هل ستفعلْ يا عزيزي.
رد وابتسامةٌ تُضيء وجهَه الملوّحَ بالشمس، والقرّ:
ـ استغفري الله أوّلا، فلا ذنبَ أكبرُ من اليأسِ من رحمة الله، ولا أشدَّ سوءا من القَنطِ من مددِ الرب، سأفعلُ بما تأمرين، وتفاءلي خيرا.
ردت الشّيخة وهي تبتسم:
استغفرُ الله، لا إله إلا هُو، خيرُ الراحمين.
عندئذٍ، أخذ منها الظرفَ والعنوانَ وقال:
عودي بعد ساعة ومعك الطابعَ البريدي...
بعد ثلاثة أسابيعَ كانت أمُّ حسنٍ جَذْلى، يكاد الفرحُ لا يسعُ صدرَها الصغيرَ، توزّع قطعا شهيةً من الخبز الطازَج وحباتِ التمرِ على الأطفال الصّغارِ، وبين حين وآخرَ تردّ على مباركات جاراتِها على ظهورِ حسن من جديد من خلالِ رسالةٍ قادمةٍ من الديار الفرنسية بالدعاء لهن بالخيرِ والبركة، أو تسألُ كل ذي علمٍ بالمال عن قيمةِ صرف الأورو في الأبناك...

ذات صباح، والزقاقُ عائمٌ في سكونِه المعهود، والغريبُ جالسٌ القرفصاءَ على دَكّتِه يرعاه بعينيه المتقدتين، يسحبُهما ذات الشمال وذات اليمين، وإذْ بعنزة تعكّرُ صَفوَ الهدوء بمأمآتها، وركضِها بلا وجهة!.
ضائعةً كانت!.
ربما كانت تبحث عن قطيعها، أو جدْيٍ لها، ولما ضاقت بها الآفاق، قصدت دكّتَه وشرعتْ تأكلُ ما نبتَ حولَها من نَجمٍ وحشائشَ.
كانت قريبةً ، لم تجزعْ منه ولم تخفْ، رمى لها بقايا خبزٍ بجانبه، فأقبلت عليها تلتهمُها بنَهم، ولما فرغَت عفطتْ لتستزيدَ.. فزادَها.
ولما اكتفت مأمأتْ مأمآتٍ متلاليةً مُقلّبة رأسَها ذات اليمين والشمال ثم ثنَتْ قائِمتيها في هدوءٍ و ربَضتْ قربَه لاويةً عنقَها على جنبِها، وأغمضت عينيها...
بعد قليل قام من مكانِه فقامتْ، خطا خطواتٍ، فخطتْ مثلَها عددا وراءَه ككلب، وخاض طولَ الزقاق، وخاضت معه نفس المسافة، عاد القَهقَرى، فالتفّتْ معه وكأنها جزءٌ منه؛ سرّته رفقتُها بل سَعِدَ بها، واستعجبَ منها كما استعجبَ سكان الزقاق والسّابلةُ.
عن قصد أو دونه، ساقتْه رجلاهُ إلى المقهى، فاختار الطّرف وجلس على كرسي فارغ، ربضتِ العنزةُ قربَه.
صاح :
ـ قهوة سوداء ياولدي، وكرواسّان كما هو... الحال!
شرب القهوة وأكل الكرواسان برشاقة ونبلٍ، مسح يديه بمنديل ورقي، ثم أخرج سيجارةً وأطبق عليها شَفتيه دون أن يُشعلَها ...
جال بعينيه في المكان، كان الكلُّ يحسِبُ أنفاسَه، ويتابع حركاتَه وسكناتَه، حتى.. الأطفالُ كانوا حاضرين، فجأة، وقف واعتمد عصاه وقال:
ـ " لعلكم تستعجبون! ؟
رعيّةٌ وراعٍ، ضائعةٌ وضائعٌ!
كنت حزينا هذا الصباح، وكانت هي تائهةً، لا أدري من حيثُ أتتْ، اقتسمنا خبزا زَرَعَ بيننا وِدّا، فشكرتني بصُحبتها، وشكرتُها بالرضَى والقبولِ، سكنَ قلبي وذابَ حزني، رغم أن لا شيء جِدُّ في حياتي البئيسة، وهي اطمأن فؤادُها وشاركتني المسيرةَ عن طيبِ خاطرٍ..رغم أن نَوالي ما كان إلا فَضلةَ خبزٍ
الضعفُ يا سادة قوةٌ، حين يعاضدُه الضعفُ، والحزنُ حين يكبُرُ يصير صرحا تقتعِدُه السعادةُ، لا تيأسوا من رحمة الله، شدّوا الرحيل إليه وأنتم ضعفاءُ ينصرْكم، سيروا وهو في قلوبكم، تَبلغوا وطَرَكم،
ما مسيرة المِلح؟ إلا قوةً ولَّدتها الحاجة، وقلةَ ذات اليدِ عند غاندي
وما مسيرةُ المليون؟ إلا اختمارَ الضعف في قلب مارتن لوتر كينغ و الشوقُ إلى التحررِ والمساواة،
استغفروا الله حين يداهمْكُم اليأسُ من رحمته، فلا حياةَ لكم إن لم تُحسّوا بوجود الله معكم وأنتم تسيرون في دروبِ الابتلاء."
تحركَ، وتقدمَ خطواتٍ أحسّتْ العنزةُ بها فقامت من مكانها وحاذَته ، عندها مد يدَه إلى ضَرعها الكبيرِ ومسحَه براحته فأخذت حَلمتاها معا تنِزانِ حليبا!
طلب كأسين فارغين وصار يوزّع الحليبَ، ويقول: اشربوا لتُحِسوا بالسعادة التي غمرتْني بها وهي تتكرّمُ علي بصداقتها!
أقبلَ الجمعُ على الهدية باندفاع، الكلُّ يريدُ أن يحظَى بالسعادة ويحسَّ بها..
لما اكتفوا، ملأ كاسا له وهَمّ بشُربها، بَيْدَ أن رجلا مضطربا يقفُ أمامه ويسأله:
ـ لمن هذه العنزة يا سيدَنا؟
يقدمُ له الحليبَ ويطلب منه شربَه أوّلا، ثم يجيبُه:
ـ الله وحده و... صاحبَها أعلم!
يردّ الرجل وهو أكثرُ اضطرابا مما كان عليه ويقول:
ـ هي لي.. ضاعت مني هذا الصباح.
دون أن تفارقَه الابتسامةُ يرد عليه:
ـ خذْها فهي لك يا سيدي، وارْعَها ولا تجعلْ عينَك تغفَلْ عنها... إنها عنزةٌ مباركةٌ!.
يجرّ الرجل عنزتَه من رِبْقتها في حين، يلتقطُ هو عصاه من على الأرضِ ويشقُّ طريقا له وسط الجمع مغادرا المقهى.
كان الجوُّ حارا وقتَها، وكانت شمسُ غشتَ في عَليائها، تُلهبُ الجو، وتلفَحُ البشرات العاريةَ، توقفَ عند ساقية الحي، تجرّد من قميصه وشرع يغسلُه ويعرُكُه في مجرى الماء الدافق وكل مرة كان ينثرُ عليه من مسحوق صابون معه، ولما استبرأه رماه على كتفه وعاد إلى دَكتِه وجلس عاريا بعدما نشره.
من بعيد لمحتْه (حسناء) من شرفتها المقابلةِ له، آلمها حالُه، فعمدَت إلى الدولاب واختارت قميصا من قمصان أخيها وحملته له.
لما وقفت عليه، اعتدل واقفا، وَقال لها :
ـ هل من خدمة سيدتي ؟
مدتْ له قميصاً أبيضَ وهي تقول:
ـ خذ... استتِرْ منَ الحرّ، ما ألفناكَ عاريا!
أدْبرت مغادرةً فاستوقَفَها، قائلا:
ـ شكرا سيدتي، على كرمِك وعطائِك.
استرسلَ بعد أن تأمّلها هُنيهةً قائلا:
ـ وكأني بك تحملينَ همّا لا طاقة لكِ به!
ردت بصوت خافت:
ـ لا أبدا.. مطلقا
ـ ولكنك تَبدينَ يائسةً.
ـ بل عانسة ! والعمرُ يمرّ مَر السحاب، ولا عملَ لي يُدِرّ مالا، ولا ...
قاطعها بضحكة خفيفة، قائلا بكل لطفٍ وطيبة:
ـ استغفري الله، فلا ذنبَ أكبرُ من اليأس من رحمة الله ولا أشدّ سوءا من القنط من مدد الرب، لربما الخيرَ قادمٌ، فقط هو آت من بعيد، ويحتاج لوقتٍ أطولَ... الصبحُ قريبٌ إن شاء الله !.
ابتسمتْ وشكرته وانطلقت جاريّةً.
بعد ثلاثةِ أسابيعَ ارتفعتِ الزغاريدُ في الزقاق، وتعالى صوتُ الصّاجِ والموسيقى، وقيل: إن حسناء العانسَ تزوجت.
لم يَسْرِ الخبرُ وينتشرْ دون أن تُذكرَ بركاتُ الغريبِ، ما جعلَ مكانَه مزارًا توضعُ قربَه الأقمصةُ والأقمشةُ، وباتتْ أغصانُ شجرةِ التين، مأواه مِشجباً للتمائم، و أوراقِ المتمنياتِ المكتوبةِ .

سلمى الطبيبةُ الديكارتية ما كانت تُؤمنُ بتلك الخرافاتِ المنتشرة عبرَ أثير الزقاق الطويل، وما كانت تصدّقُ ما يُنسجُ من كراماتٍ حول شخصية الغريب أو المجذوبِ ،كما صيرَ يلقبُ، وما كانت لتُشغلَها أو تهتمَّ بها، ومعاناتُها أكبرَ مما يُتصوَّر!
فابنُها ، ذو العشرِ سنينَ قابعٌ في البيتِ لا حركةَ ولا حسَّ له، جوارحُه كلُّها معطلةٌ، إلا دورانَ عينيه الحزينتين في مِحجَريه يبحثان عن مَخرجٍ من بين زوايا البيت؛ يئسَ الأطباءُ من شفائه، وأوكلوهُ إلى الله، بعدما قال مرض التهابِ السّحايا فيه كلمتَه ذاتَ صيفٍ.
كان بيتُها يضجّ حركةً ونشاطاً و بعد مرضِه صار ساجياً يئن تحت وطأةِ الرتابة والصمت القاتلين، لا يبعثُ الحياةَ فيه إلا حسونُ ولدِها داخل قفصه الحديدي الكبير بشقشقاتِه العذبة.
أحزنَها أن يظلَّ ولدُها صامتا، وهو يشدو ويقفزُ، يذكّرُها بالعجز، وانحسارِ الأملِ . فحملتْه ذات مساء وقصدتِ المجذوبَ.
أمامَه وقفتْ، وعلى الدّكة وضعتَ القفصَ ،
تأملَها المجذوب مَليّا وقال :
ـ هوّني عليك يا سيدتي، سينفطِرُ قلبُك وتغادرين وأنت حزينةٌ هذا العالم.. ولا شيء أفظعَ في حياة الإنسان مِن أن يقضِيَ وقلبُه مفطورٌ، وثقتُه في الله ورحمتِه مهزوزةٌ، استغفري الله وتوبي إليه، فإن مع العسر يسرا. إن مع العسر يسرا.
نظرت إليه دون أن تنبَسَ بكلمة، ولكنها لما تولّت مدبرةً تمتمت كلماتٍ ما تُبِيّنتْ
.
لغريب الصُّدف، بعد ثلاثة أسابيعَ شاعَ في الزقاق شِفاءُ ابن الدكتورة وصار يخرجُ و يلعبُ ويركضُ مع أقرانه.
بعد هذا الحدثِ ازدادَ يقينُ الناس ببركات المجذوب وبات اليائسون يحجُّون إليه محملين بأقفاصهم وقمصانهم وتينهم من كل حَدْبٍ وصوْب، حتى ضاقت به دكته واختنقتْ أنفاسُه من عطايا ما كان يُقربَها، وإنما يهبُها لمن هم في حاجة إليها، إلا الطيورَ ظل راعيا لها، قد وجد فيها عالما ثانيا ينشغِلُ به عَمّا يعتمِلُ بداخله.
قرر إذن المغادرةَ والبحثَ عن مكان جديد لا يعرفه فيه أحدٌ ويبدأَ حياةً جديدة.. لكن لما لمَّ سقْط متاعِه ورماه على كتفه، وبيُسراه حملَ كل حصيلته من الطيور في قفصه الكبير وانْتوى المغادرةَ، استوقفَه شابٌّ في مقتبلِ العمر وقال له: إسمحْ لي سيدي بلحظة من وقتك.
على مضضٍ استجاب قائلا :
ـ هاتْ يا أخي ما عندك:
ظلّ الشاب صامتا هنيهةً وكأنه يبحثُ عن الكلمات المناسبة للتعبير عما يَوَدّ قولَه ثم اندفع مسترسلا:
سيدي كنت بلا عمل، يائسا، أظل طيلة اليوم ألُوكُ الفراغَ، وأنسجُ من الرتابة أملا ميتا؛ يوما وأنت ذاهبٌ تمسحتُ بك بقوةٍ إيمانا مني ببركاتك وأسقطتُك، ومن بعيد رأيتُك وأنت تبتسمُ رغم ركبتيك الداميتين وقميصِك الممزق؛ الجميلُ ... بعد يومين نُودي عليّ للعمل كسائق في مصنع لتكرير البترول، واعترافا بجميلك، اِسمحْ أن أقدمَ لك مقابلا؛ فبما أنك عارف بالقراءة والكتابة، ولا شغلَ لك، فهل تقبل بمأمورية ناطورٍ بمزرعة يديرُها صديقٌ لي؟
ضحك المجذوب وقال له:
ـ أولا لتعلم إنه لا بركاتَ لي، وأن حاجتَك قُضيت لإيمانك بي، وإني صلة وصل بين القادر.. وعباده، ومن يُومِن بالصلة حتما إيمانُه بالقادر حاصلُ، فاستغفر الله ولا تتأخذْ لك بعد اليوم مع الله وسيطا؛ ثانيا عرضُك أقبلُه، فقد جاء في الوقت المناسب، فشكرا لك يا سيدي.

في اليوم الموالي صار المجذوب ناطورا، يأويه عِرزالٌ وطيورَه الخمسين، على باب ضيعة كبيرة، تنتج الفراولة.
عند الصباح كان يفتح باب السياج للعاملات والعمال، ويراقبُ حضورَهم عبر سجّل، وفي المساء قبل الغروب بقليل يتأكدُ من أسماء المغادرين ثم يُغلق الباب الرئيس ويأوي إلى مخدعه، لا نشاطَ له ثانٍ إلا جولةً او جولتين ليلا حول الضيعةِ مفتقِدا سلامتَها وسلامةَ أدوات الرّيّ وحالةَ المضخاتِ المائية، ونسبةَ امتلاء حوضِ السقي.
ارتاح بالمكان الجديد واستمتع بعمله، كما كان يستمتع بالعناية بطيوره حين يُطعمُها من ثمارِ الفراولة أحيانا، لما يَحسّ بأنها ملّت حبوبَ الزّوان... واندمج أيضا مع العمالِ وارتاح لهم كما ارتاحوا لوداعتِه ودَماثَةِ أخلاقِه، وكان أكثر ما يكون سعيدا عند نهاية الأسبوع حين تحضرُ المرسيدس البيضاء وتقفُ قربَ عرزالِه، ليصطفّ أمام زجاجِ بابها المغلقِ طابورُ العمال، و يبدأُ بالمناداةِ على الأسماء لتخرجَ يدٌ تزينُها سلسلةٌ ذهبيةٌ وخاتمٌ ثمينٌ بفصّ من ماسٍ توزعُ الأظرفةَ الواحدة بعد الأخرى.
طارئٌ ما حدثَ !
لا أحدَ يعرف ما هيتَه، غابت إثرَه السيارةُ البيضاءُ أكثر من ستة أشهر، ولم تأتِ كما اعتاد العمال، في حين ظلوا هم في عملً متواصل، والشاحناتُ تغادر محملةً إلى الأسواق بخيراتِ الضيعة، تُفرِغُ وتعودُ، ويغادر العمالُ خاليِّي الوفاضِ كما جاؤوا..
لم يبقَ له شيءٌ مما اكتنزَه.. قد ساعد به كثيرا من المحتاجين ، وأكثرهُم فاطمة!
ما كان للمسكينة عونٌ، زوجٌ أو أخٌ يحمِلُ عنها بعض أعباء الحياة، حتى أبوها كان مريضا في حاجة يومية إلى أنسولين للسّكري وأقراصٍ تعدّل ضغطَ دمه.
ساءت حالُ العمال، واعتلت وجوهَهم قتامةُ الحزن، والخصاصةِ، بعضهُم كان ينزوي وينخرِطُ في البكاء ولا يعود إلا بعد أن يمسحَ دموعَه... طيورُه بدورها تُعاني لم يبقَ يطعمها زوانا، حمد الله أنه عوّدَها على أكل الفراولة.
وكما غابت السيارةُ البيضاءُ، عادت، لكنها دخلت كما خرجت! لم يُعِرِ السيدُ المبجّلُ اهتماما لتلك الأرواحِ المقهورة ولم يطمئِنْها على نِتاجِ عرقِ جبينها.
بعد يومين اثنين عادت البيضاء من جديد، ودخلت ... ولما سمعَ المنبهَ يأمرُه بفتح بوابةِ الخروج كما يفعل دائما، رفضَ ووقفَ وسط الطريق.
جُنّ صاحبُ المزرعة وأخرج رأسه من النافذة صارخا:
ـ ما دهاك يا مجنونُ؟ ألمْ تسمعْ؟
رد المجذوب بكل ثقةِ نفسٍ:
بلى، يا مجنونٌ أنت، أين هو أجرُ الناس؟ ماذا سيأكلون، أين سيجدون فلسا لشراء ولو مسكّنٍ ينسيهم صُداعَ التفكير في أجرهِم المهضوم؟.
نزل صاحب الضيعة، منتفخَ الأوداجِ متعرقَ الجبين والرقبة، مُزبِدا مُرغيا هائجا وصاح:
يا ابن... إن لم تتنحَّ سأقتلك دهسا.
رد عليه :
ـ لن أخافَك حاولْ وسوف ترى..
نادى الرجل على بعض العمال، ليُثنُوا صاحبَهم لكنهم أبَوْا وادّعوا أن لا قِبَلَ لهم به، عندئذ ثارت ثائرتُه، وامتطى السيارة وداس على البنزين، فانطلقت السيارة كصاروخ قاصدةً المجذوب، وكأنه كان مستعدا للحدث قفز قفزة وضعته على الجانب الآخر من الطريق.
انتصب واقفا وهو يرتجف من الغيظِ وقال: بصوت مرتفع :" ليلعنَك الله، بل لينتقمْ منك حتى يراك صُحبي هؤلاء، محسورا، مذموما، كسيرا، تستعطفُ ولا تُجاب".
بعدئذ دخل المجذوب العرزالَ ولمّ حاجياتِه ثم ودّع أصدقاءَه، وانطلق نحو المدينة...،لكن قبل أن يتعدى حائط المزرعة فتح القفص وترك الطيور تغادرُ سجنَها.

قبل غروب الشمس بقليل حطّ المجذوب على الدّكة وألقى ما فَضُلَ من متاعه غير مبالٍ بمئات العيون المتابعة لحركاته وسكناته...
صباحا استيقظ أهل الزقاق ومسحوا بعيونهم دكته فرأوا عطايا كثيرةً وتمائمً ملأت الشجرة وطيورا وأقفاصا، ولكن... لا أثرَ للمجذوب...
انتظروا عودته، ظهوره ولكن بلا فائدة!
قال بعضم إنهم رأوه في المطار يرومُ سفرا
وقال آخر إنه رآه يلقي الأخبار في تلفزة عالمية.
وقال مصطفى ولدُ امّ خدوج المولوعُ بقراءة القصص البوليسية والسلاسل السوداء الجاسوسية: إنه كان في مُهمة سِريةٍ أتمها وذهب ليقوم بأخرى بوجه آخر، وكثيرون من صدقوا هذا الإدعاء حين وصل خبرٌ إلى أم حسن أن ابنها مات منذُ أربعَ عَشْرةَ سنةٍ خلت
النهاية
قرب سيارةِ المرسيديس البيضاءَ تقف سيارةُ ليموزين سوداء، ينزل منها شابٌ جميلُ الطلعة، رشيقُ الهيئة تحجبُ عينيه نظارةٌ سوداءُ ويقف بين فاطمةَ والرجل، ويشرَعُ يمسح بعينيه ـ هو أيضا ـ المكان ثم يسأل:
ـ آه...! ما حلّ بثمار الفراولة السُّكرية الطعم، الهضيمة المذاق؟
ترد فاطمة دون أن تلتفت إليه:
ـ أتت عليها جائحة، لا تُبقي ولا تَذر، فبمجرد ما تستوي الفاكهةُ تخرجُ طيورٌ من حيث لا ندري، طيور حسون كثيرة، وتأتي عليها في أيام، لا تهتم لا بعنبٍ ولا بتينٍ وكأن عقلَها، قلبَها من فراولة، لم تُثنِها لا فزاعات ولا بيوت بلاستيكية، كالعثّ هي... كانت !
يستدرك الرجل جنبها قائلا:
ـ كلاّ يا فاطمة... هي لعنتُه علي، ليتني ما كسّرت له خاطرا، ولا ركبتُ رأسي وحرمتُ العمالَ من مستحقاتهم حينها. ليتَه يعودُ فأتوب على يديه، علّ الله يمسح خطاياي ويغفرَها.
تنحنح الشباب وقال:
حين نحْرِم الطيرَ مما يسكّن صداعَ مناقرها، ولا نفكرُ في قرقرة الأمعاء الفارغةِ لمن حولنا، يصعُب أن ننالَ عفوَ الله ورضاه، وجمالَ مغفرته إن لم يغفر لنا من أذنبْنا في حقهم..
تلتفتُ فاطمةُ وتتَأمَّلُ وجهَ الغريب؛ تجد قسماتِه مألوفةً لديها، لكن لن تكون لمن يساورُها طيفُه أنَّى حلت، وارتحلت، متصنعا يُشيحُ هو عنها بوجهه ثم يُخرجُ من جيبِه ظرفا مليئا نقودا يدسُّه في جيب جُبتِها، ثم يركبُ سيارتَه ويغادر.
يسألها الرجل صاحب السيارة البيضاء:
من هذا؟ أتعرفينَه؟
تمسحُ دمعةً سخية ، وترد وهي تبستم:
ـ إنه هو..نعم... هو... صاحبُك، لاعنك !.

بقلم حدريوى مصطفى العبدي.

_______________ 

 

وقد حظي النص بمجموعة من المناولات النقدية، نستعرضها بترتيب ورودها لكل من الأساتذة:

1-  زهير سعود

2-  محمود فودة

3-  عصامالدين السقا

4-  ليلي عبدلاوي

5-  خولة الأسدي

6-  محمدالبنا

7-  مهاب حسين مصطفى

8-  سيد جعيتم

9-  رئبال الدمشقي

10-       سعيد عثمان

11-       ايهاب بديوي

12-       عبير عزاوي

13-       عبدالرءوف هيكل

14-       زهراء ناجي

15-       محمدالرحالي

16-       لطيف عبد السالم

17-       نهى محمود

18-       منى ناصر

19-       داليا رأفت

20-       بوحالياسمين

21-       نبيل نجار

22-       ميسون السعدي

23-       اسماعيل مسعد

24-       درصاف الذيب

25-       الزهرةالصالح

26-       سليمان جمعة

27-       علي البدر

 

هيا بنا نتابع آراء أولئك النخبة من أدباء، ونقاد القصة القصيرة

 

 

 

 

زهير سعود

دراسة لقصة طيور المجذوب للأستاذ حدريوي مصطفى العبدي
*
مقدمة في رسالة النصّ:
المجذوب شخصيّة الدرويش التي تكررت في تراثنا الثقافي، من خلال الحكايات والروايات والمرويات الشفوية للسكان، المعلّقة أرواحهم بحبل السماءوكثيراً ما بدت شخصيات الدراوشة في هذا التراث بألقاب متشابهة كالبهلول والمجنون والدرويش فما شابه، لتستقر مع كاتب النص هنا في "المجذوب" وهو كما أراد الناظر لا المنظور في عرف الراوي، فقد حملت الشخصية كرامات وخمسين طيراً بدلالات رمزية، كعدد رسائل إخوان الصفى "البصريين الذين ظهروا في القرن العاشر" وقدمت رسائلهم فهماً صوفياً ينتقل بالفهم القرآني من النزعة التفسيرية إلى التأويلية الأخلاقية، وقدسية الحب الإلهي عملاً بالآية الكريمة "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم" فالنفس لها طاقة محدّدة على الفهم والسالك في طريق المعرفة الروحانية تنفتح له أبواب جديدة وكرامات، أراد بنا كاتب القصة أن نلتمسها في مختلف أصناف الوجوه البشرية المتباينة كالديكارتية والعبثية والفئات الدينية، وهم يعانون ويكابدون من قهر وظلامة المسيطر بقوته المادية وجبروته الاقتصادي. حمل النصّ مبدأ القصاص الحياتي بعرضه لخواتيم المسالك التي عبرها الناس، فالظالم يرتدّ ظلمه عليه، والمظلوم الصابر ينال الثواب في دنياه وآخرته، كما حمل لنا تجليّات الفعل الإلهي بواسطة عباده المخلصين، فمصادفة المجذوب لصاحب الحاجة واستماعه ثم الأخذ بنصائحه قرّب المسافة بين العبد وخالقه، وقال تعالى: "إنما وليكم الله والرسول والذين آمنوا...".
*
النوع الأدبي:
تمددت في السرد عناصر القصّة وثالوثها التشكيلي: الشخصيّة، البيئة، الحدث، والقصّة فنّ سردي له أنواع: الرواية، الحكاية، القصّة القصيرة، الأقصوصة. ومع نصّ الكاتب يحضر نموذجاً ابتكارياً لامتزاج الأنواع ورفض إجبار القاص على التزام المخطط الهندسي لتحديد النوع، فمن الرواية تشعبت الشخصية وتعددت، ومن الحكاية عدم الالتزام بالشروط الفنيّة للحبكة، ومن القصّة القصيرة قيمتها الحجمية وعدم الغوص في تفاصيل الشخصية والبيئة، ومن الومضة السطر البياضي للمكتوب وقبوله التأويل والترميز. ما نراه إثبات لفكرة الناقد رولان بارت في رفض فكرة الأجناس والأنواع، وحرصه على متعة السرد وقابلية القراءة والتأويل. ولا يعني ذلك إنكار نظرية الأجناس الأدبية التي شكلت دليلاً مقنعاً لجدوى الكتابة. إن شكل النصّ هو قصّة تضافرت عناصرها لتنبذ مساطر التنويع وتثبت التداخلات السردية.
*
الشخصية القصصية
_
توزع الشخصية في السرد:
الشخصية المحورية: المجذوب
شخصية رئيسية: فاطمة المهاجرة/ صاحب المركبة الفاخرة.
شخصية ثانوية: العنزة/الديكارتية/صاحبة الرسائل/العانس/الطيور/الأشجار/العمال...
_
وظيفة الشخصيات:
المحورية: التفاعل مع بقية الشخصيات لتحقيق التدفق السردي وبلوغ الغاية عبر استخدام الموضوعات المثارة.
_
الرئيسية: إبراز وجهي التناقض بين أحد الوجوه العاشقه العرفانية والوجه المتهتك (النفس الفاجرة) لبلوغ المعرفة وإكمال رحلة البحث (التقوى والكشف).
_
الثانوية: دعم محاور السرد، وإبراز أوجه الشقاء، وحقوق المخلوقات قاطبة "أمم أمثالكم"...
"
يكفي هذا القدر من تفكيك البنية الشكلية في دراسة النصّ، فالغوص في بيئة الحكاية وأحداثها وفضائها السردي، وبياضها، وجملها الإخبارية، وبلاغة المتن. يقتضي تناولاً أكبر من هذا بكثير".
ملاحظة: نقد النصّ لا يعني بالضرورة اتفاق الناقد والكاتب في وجهات النظر حيال الحياة ومناهج فهمها، لكن الموضوعية تقضي تقمص شخصية الكاتب أو الراوي قدر التمكّن، وليس بالضرورة أن يكون الراوي هو الكاتب، فلعل الكاتب كما الناقد حمل وجهة نظر لا تشبعها الحكاية، بل ربما عارضتها...

محمود فودة

 قراءة انطباعية حول قصة طيور الجذوب
بقلم الأديب حدريوي مصطفى العبدي

بادئ ذي بدء فإن الكاتب ابن بيئته، حتمًا يتأثر بها ويكون لها السطوة على فكره وخياله ثم ما يلبث أن ينفك عنها ليسرح بفكره وخياله في عوالم كُثر، والقصة التي بين أيدينا تدور حول أحد المجاذيب الذين تظهر كرماتهم في كل مكان يحطون به رحالهم ويلقون فيها بعصيهم، والمجاذيب طوائف من الصوفية انتشرت في بلاد العرب وشاع وجودهم في مصر وبلاد المغرب العربي، والكاتب هنا يسرد مجموعة من الكرامات التي ظهرت على يدي ذلك المجذوب...
العنوان:
(طيور المجذوب)
وفي اللغة
" جَذَبَهُ: استلبه واستماله
جَذَبَ القلوب: كان موضع حب
وهو يعني محليًا: الرجل الهائم الملهَم المبارك الذي لا يهتم للمظاهر والنافر من أصحاب الرياء والمصالح
الجَذْبٌ في التصوف: حال من أحوال النفس يغيب فيها القلب عن علم ما يجري من أحوال الخلق ويتصل فيها بالعالم العلوي
مجذوب
في اصطلاح الصوفية: من جذبه الحق إلى حضرته وأولاه ما شاء من المواهب بلا كلفة ولا مجاهدة ولا رياضة
يقول الشيخ ابن عطاء الله السكندري:
" فأرباب الجذب يكشف لهم عن كمال ذاته، ثم يردهم إلى شهود صفاته، ثم يرجعهم إلى التعلق بأسمائه، ثم يردهم إلى شهود آثاره. والسالكون على عكس هذا. فنهاية السالكين بداية المجذوبين. وبداية السالكين نهاية المجذوبين، لكن لا بمعنى واحد، فربما التقيا في الطريق، هذا في ترقيه وهذا في تدليه ".
العنوان
وهذا العنوان له دلالته فهو ينم عن نزعة صوفية خالصة لدى الكاتب، وهذا ما نلمحه في قصته، بداية من العنوان وحتى آخر كلمة في قصته. وكما أشرت من قبل أن الكاتب وليد بيئته ونحن نعلم تاريخيا أن دولة المرابطين التي انتشر نفوذها في شمال إفريقيا اتخذت اسمها نسبة إلى القبة التي كان الصوفي يرابط بها.
تبدو تلك المسحة الصوفية في بعض الرموز مثل: قطعة الخبز، والتعبيرات الصوفية الخالصة مثل: رعيّة وراع، ضائعة وضائع! -لا تيأسوا من رحمة الله، شدوا الرحيل إليه وأنتم ضعفاء ينصركم، سيروا وهو في قلوبكم، تبلغوا وطركم - إني صلة وصل بين القادر.. وعباده، ومن يومن بالصلة حتما إيمانه بالقادر حاصل
الفكرة
تدور القصة حول أحد المجاذيب حل - هاربا - بمكان معمور أشار الكاتب إليه وصفا دون أن يصرح باسمه، هذا المجذوب الذي لا يعرف سره أحد نزل المكان وكان عطوفا على فاطمة تلك التي تخلى عنها زوجها وتركها للفقر ينهشها... وسريعا ما بدأت تحل كراماته على أهل هذا المكان وينتشر خبره في المكان وقد دفعه ذلك أن يهرب ثانية و يقبل العمل ناطورًا في إحدى الضيعات والتي وجد فيها نفسه وكان سعيدًا بعمله ثم تتصاعد الأحداث ويرفض صاحب الضيعة أن يعطي العمال أجورهم بل تجرأ عليه وأراد دهسه ، لكن كرامة أخرى تظهر حيث حفظه الله من ذلك الرجل الذي سرعان ما استجاب الله دعاء المجذوب فيه وعاد شقيًا تعيسًا، وها هو يعود إلى الضيعة وقد استحال حالها؛ ليجد فاطمة لم تبرحها وفي ذات الوقت يقدم شابا وسيما في سيارة ليموزين ليعطيها ما كان يصلها به من قبل فتعرف أنه ذلك المجذوب الذي لعن صاحب المرسيدس البيضاء.

الأسلوب
أسلوب الكاتب جذاب وطريقة سرده شيقة ممتعه وبرغم طول القصة فإنك لا تشعر بالملل أو الرغبة في الانصراف عن إكمالها، ولغته بسيطة سهلة قريبة بدون استعراض لمهارة لغوية وكأنّ ثقة الكاتب بقدرته على السرد والإمتاع جعلته لا يهتم بحشد الألفاظ والصور التي تظهر مهارته ككاتب
بناء القصة
- ذهب الكاتب إلى تقسيم قصته إلى بداية ووسط (عالج فيه فكرته) ونهاية وهذا على المعهود في بناء القصة القصيرة التي يترك الكاتب للقارئ هذه المهمة
- هذه القصة وإن كانت تتجاوز ألفين ونص من الكلمات بقليل، لكنها في بنائها تعد قصة طويلة حيث تعددت الأماكن والشخصيات والأحداث،
- برغم طول القصة إلا أن الكاتب ربط بين أجزائها ببراعة من البداية إلى النهاية؛ فهي تسير في خط واحد وبناء فني محكم نامٍ متصاعد ليخدم فكرته التي أراد أن يوصلها والمغزى الذي حمله
- بما أن الكاتب ذو نزعة صوفية فقد اعتمد على الرمز واستخدمه استخدامًا بارعًا مثل: الخبز الذي هو أساس ومن غير الخبز فلا صلاة ولا عبادة، كذلك السيارة الليموزين التي هي وسيلة للسياحة والسفر فالصوفي يقضي حياته سائحا يتقلب بين حل وترحال وكذلك طيور الحسون وغيرها من الرموز التي عجَّتْ بها القصة.

التصوير
صور الكاتب وأخيلته في غاية الروعة والإتقان لم تكن متكلفة بل جاءت لتخدم الفكرة التي أراد طرحها.
مغزى القصة
تهدف القصة إلى أهمية الاعتماد على الله والتوكل عليه في كل أمورنا فهو المستعان وأنه ينبغي عدم التوسل بأحد فإيمان الإنسان بربه يقضي له حاجاته (لتعلم إنه لا بركات لي، وأن حاجتك قضيت لإيمانك بي، وإني صلة وصل بين القادر.. وعباده، ومن يومن بالصلة حتما إيمانه بالقادر حاصل) وبالاستغفار تنفرج القربات وتظهر الكرامات ({فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا (12)} [نوح] كما أن الظلم ظلمات ودمار على صاحبه.
انطباع عام حول القصة
- أرى أنه كان يمكن للكاتب أن يستغني عن المقدمة وأن تكون بدايتها (أتى من حيث لا مكان! وحط الرحال على ناصية الزقاق) دون أن تتأثر القصة بشيء، كما أنه ساق عددًا لا بأس به من كرامات المجذوب وكان يمكنه أن يشير إلى ذلك مكتفيًا بالقليل.
- برغم أن الكاتب وصف مجذوبه بالصفات ذاتها التي عرف بها المجاذيب من قديم الزمان من حيث التقشف وعدم الاهتمام بالملبس والزهد في المأكل والتنقل من مكان إلى مكان واستخدام العصا وظهور الكرامات إلا أن الكاتب زاد على ذلك أن مجذوبه كان مصلحًا اجتماعيًا لا يرضى للناس الذل والمهانة ويرى أنه ينبغي للراعي ان يحفظ رعيته ولا يتكاسل عن أمرها فإن لم يفعل ضاعت الرعية، ويبدو أن الكاتب هنا متأثر بالصوفي (عبد الرحمن المجذوب) صاحب الرباعيات المشهورة ببلاد المغرب ، كما أن هذا المجذوب لم يكن مجنونًا بل كان متعلمًا مثقفًا يجيد بعض اللغات وأن سرًا دفينًا أو حدثًا عظيمًا جعله يزهد الدنيا ويتخلى عنها فصار عبدًا نورانيًا يرى بنور الله ، تجرد من الدنيا فكان الله سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، و يده التي يبطش بها وسخر له من يحفظه.
- لم يستطع الكاتب أن يخفي شخصيته التي ظهرت جلية حينما وقف المجذوب يتحدث إلى رواد المقهى مستدلًا بأقوال لغاندي وديكارت، كما أن الكاتب لم يفلت من براثن الخطابية والتقريرية في بعض مواضع قصته
- تأثر الكاتب بالتراث الشعبي في قصة العنزة التي تصاحب المجذوب أينما حل أو ارتحل، ففي تراثنا العربي بعض الإشارات إلى أن الله يسخر للصالحين ملائكة في صور عدة تؤنسهم وتدفع عنهم الشر.
- اكتنف القصة بعض الغموض مثل اختيار العدد (50) لطيور الحسون وهل يرمز به مثلا إلى خمسين وليًا نجيبًا من الصوفيين العارفين الذين اشتغلوا بحمل أثقال الخلق وإصلاح أمور الناس المتصرفين في حقوق الخلق، كذا بعض الأحداث والإشارات التي لا يفهما إلا المتصوفة، واختياره للسيارة الليموزين في النهاية والتي ربما أراد أن يوحي بها أن من يسير في ركاب الصوفي تتحقق له الراحة لكنه لن يصل إلى مكانته فهو في عالم منفصل عنه.
في النهاية هذه قراءة متواضعة أرجو أن أكون وفقت فيها وأشكر كاتبنا حدريوري مصطفى العبدي على هذه القصة الممتعة وشكرًا لكل القائمين على مجموعة الواحة وكل الأعضاء الكرام.

Esam Eldean Elshaka

 قراءة لنص طيور المجذوب تأليف حدريوي مصطفى العبدي
تناول القصة القصيرة بالشرح والتحليل ليس بالعمل الهين أو اليسير؛فأنت – من المؤكد- أمام خيارات محدودة،قد تسبب لك الضجر والتوتر.
فكرة الكتابة عن نص قصصى ما تمثل فى ذاتها تعاليا على القارئ،كأن تقول:
أيها القارئ انتبه لهذا السطر،ولا تفوّت هذه العبارة،أيها القارئ دعك من هذه الفقرة و...
لن تعدم الأوراق نبذه عن مدارس النقد ورموزها وتاريخها ،ربما أضّمن الأوراق بعض المصطلحات الانجليزية والفرنسية،ليدرك القارئ أنه أمام عقل موسوعى المعرفة وشخصية لافتة.
الآن أيها القارئ..سأقرأ نص "طيور المجذوب" لكاتبه حدريوي مصطفى العبدي..
بداية نعرج للعنوان،المجذوب هو من جذبه الحق إلى الحضرة الإلهية،ومجذوب الحى تعنى المجنون.
وسنرى الآن ماهية المجذوب كما بالنص،ولنقرأ:
فرغنا للتو من قراءة المقدمة،علمنا أن فاطمة عادت للضيعة بعد سنوات أربع،يرسم الكاتب لوحة للمكان المقفر المفتقد لأمارات الحياة،يشاركها التأزم صاحب المرسيدس البيضاء.
يستهل الراوي متن النص بوصف الغريب/المجذوب/الثري:كان شخصا عاديا،نحيلا،طويلا،أسبط الشعر،كث.............السليم البنية.....خبير بالقراءة والكتابة.........رآه بعضهم يخاطب سياحا مرة بالإنجليزية و.......
هذا الشاب أتى من حيث لامكان! لا تسأل عن منبته/موطنه/جذوره،فالغريب / الإنسان ليس سوى ما يصنعه هو بنفسه كما بالمفهوم الوجودى لسارتر،يغمرنا النص بكرامات هذا المجذوب،أم حسن الغائب عنها حسن منذ خمس عشرة سنة ،هاجر لفرنسا دون أجازة شرعية،طلبت من الثرى كتابة رسالة له،يستطلع أسباب الجفوة والإمتناع،حاول الرجل أن يخفف من يأسها وقنوطها،ونصحها بالاستغفار(مفتاح النص)،ووعدها بخط الرسالة،وسرعان ما تلحقها الأجابة والبشارة وأوراق اليورو،سيتبين لنا لاحقا أن المجذوب اصطنع الرد وأرسل اليورو.
الكرامة الثانية المتعلقة بالعنزة التائهة وصاحبها،تبعته للمقهى،استغل انتباه الجميع،أوجز رسالته كما بالنص،"كنت حزينا هذا الصباح ،وكانت هى تائهة،لا أدرى من حيث أتت،اقتسمنا خبزا زرع بيننا ودا،.....ما مسيرة الملح؟إلا قوة ولدتها الحاجة و....،مسيرة الملح ماهى إلا حملات اللاعنف ضد ضريبة الملح البريطانية بالهند أبان الاحتلال،بقيادة الزعيم غاندى،ما مسيرة المليون ؟إلا اختمار الضعف فى قلب مارتر لوتر كينج،الاسم الصحيح هو مارتن لوثر كينج زعيم أمريكى من جذور أفريقية،حصل على جائزة نوبل للسلام،ناهض العنصرية،وقتل رميا بالرصاص، ثم شرب لبنها كما شرب أهل الضيعة،ليحسوا بالسعادة،وهنا يظهر بالمسرح/المقهى صاحبها،يستردها.

.الكرامة الثالثة مع حسناء،حيث وهبته قميصا من قمصان أخيه البيضاء،يستنطقها واقعها،لتخبره أنها عانسة،والعمر يمر مر السحاب و....وينصحها بالاستغفار،بعد ثلاثة أسابيع تتزوج ،لم يسر الخبر وينتشر دون أن تذكر بركات الغريب،مما جعل مكانه مزارا توضع قربه الأقمصة والأقمشة.
الكرامة الرابعة مع سلمى الطبيبة الديكارتية،تتبنى الفكر الفلسفى الحديث،وناموسها :أنا أفكر،أذا أنا موجود،فأبنها ذو العشر سنين مريض بالسحايا؛التهاب الأغشية المخاطية المحيطة بالدماغ،ذهبت للغريب،أهدته طائر الحسون فى قفصه،تأملها الغريب،طلب منها التوبة والاستغفار،ثلاثة أسابيع وينتشر فى الزقاق شفاء الولد.
قرر المغادرة،وكأن رسالته اكتملت،" قرر إذن المغادرة والبحث عن مكان جديد لا يعرفه فيه أحد ويبدأ حياة جديدة، لكن لما لمّ سقْط متاعه ورماه على كتفه وبيسراه حمل كل حصيلته من الطيور في قفصه الكبير وانتوى المغادرة، استوقفه شاب في مقتبل العمر وقال له اسمح لي سيدي بلحظة من وقتك."
الكرامة الخامسة،شاب عاطل،يتمسح به إيمانا ببركاته،يومان فقط ويشتغل سائقا .
يعرض الشاب على المجذوب وظيفة ناطور بمزرعة،سرعان ما يقبل بالوظيفة على باب ضيعة كبيرة تنتج الفراولة،استعرض الكاتب مهام وظيفته،استمر العمل بوتيرة سهلة،عمل،أنتاج،عمال يتقاضون أجورهم بصورة منتظمة،يطرأ ما يعكر المسار،تكبر صاحب العمل والسيارة المرسيدس،رفض دفع الأجور،يصور الكاتب حال العمال ومآلهم ،بالطبع لم يبق للمجذوب شئ مما اكتنزه،ساعد به الكثيرين من المحتاجين،وعلى رأسهم فاطمة، " ما كان للمسكينة عون، زوج أو أخ يتحمل عنها بعض أعباء الحياة، حتى أبوها كان مريضا في حاجة يومية إلى أنسولين وأقراص تعدل من ضغط دمه."
حاول صاحب الضيعة قتله،ولكن باءت محاولته بالفشل:" نادى الرجل على بعض العمال، ليثنوا صاحبهم لكنهم أبوا وادّعوا أن لا قبل لهم به، عندئذ ثارت ثائرته، وامتطى السيارة وداس على البنزين، فانطلقت السيارة كصاروخ قاصدة المجذوب، وكأنه كان مستعدا للحدث قفز قفزة وضعته على الجانب الاخر من الطريق.
انتصب واقفا وهو يرتجف من الغيض وقال: بصوت مرتفع :" لينعلك الله، بل لينتقم منك حتى يراك صحبي هؤلاء، محسورا، مذموما، كسيرا، تستعطف ولا تجاب".
قبل غروب الشمس بقليل حط المجذوب على الدكة،.........صباحا استيقظ أهل الزقاق ومسحوا بعيونهم دكته فرأوا عطايا كثيرة.....ولكن لا أثر للمجذوب،انتظروا عودته...ولكن بلا فائدة.
رحل إلى حيث لا مكان كما جاء ابتداء،تناثرت الأقوال:هناك من قال إنه سافر،وآخرون زعموا رؤيته بإحدى قنوات التلفاز العالمية،يذيع الأخبار،وفئة ثالثة،يتزعمها مصطفى ولد أم خدوج تدعى إنه كان فى مهمة سرية أتمها،وانتقل ليقوم بأخرى.
كثيرون ترسخ لديهم اليقين بالجاسوسية،حينما تأكدوا من موت حسن بطل الكرامة الأولى منذ أربع عشرة سنة.
يلج بنا الكاتب تخوم النهاية،بالرجوع إلى مشهد المقدمة،ويستطرد من حيث ما انتهى بالقول:

" قرب سيارة المرسيديس البيضاء تقف سيارة ليموزين سوداء، ينزل منها شاب جميل الطلعة، رشيق الهيئة تحجب عينيه نظارة سوداء ويقف بين فاطمة والرجل، ويشرع يمسح بعينيه ـ هو أيضا ـ المكان ثم يسأل:
ـ آه...! ما حل بثمار الفراولة السكرية الطعم، الهضيمة المذاق؟......"
غادر الرجل وحلت اللعنة ،فطيور حسون الكثيرة تلتهم الفراولة كما عودها المجذوب،ولم ترض بحبوب الروان،وقبيل الغياب من المشهد يعلل الخراب بقوله:
"
حين نحرم الطير مما يسكّن صداع مناقرها، ولا نفكر في قرقرة الأمعاء الفارغة لمن حولنا، يصعب أن ننال عفو الله ورضاه، وجمال مغفرته إن لم يغفر لنا من أذنبنا في حقهم.."
بالطبع لا ينسى التصدق على فاطمة قبل اسدال الستار.
ملامح عامة:
أولا..النص كلاسيكى بأمتياز:مقدمه،ثم متن،ثم نهاية.
ثانيا..مفتاح النص الاستغفار والتوبة والثقة بالله.
ثالثا..النص طويل ،تجاوزت كلماته ألفين وخمسمئة كلمة.
رابعا..أكتظ النص بالجمل التقريرية والوعظية،انظر: الضعف يا سادة قوة، حين يعاضده الضعف، والحزن حين يكبر يصير صرحا تقتعده السعادة، لا تيأسوا من رحمة الله، شدوا الرحيل إليه وأنتم ضعفاء ينصركم، سيروا وهو في قلوبكم، تبلغوا وطركم،
ما مسيرة الملح؟ إلا قوة ولدتها الحاجة، وقلة ذات اليد عند غاندي
وما مسيرة المليون؟ إلا اختمار الضعف في قلب مارتر لوتر كينغ و الشوق إلى التحرر والمساواة،
استغفروا الله حين يداهمكم اليأس من رحمته، فلا حياة لكم إن لم تحسوا بوجود الله معكم وأنتم تسيرون في دروب الابتلاء."
خامسا..تقسيم النص لمقدمه ومتن ونهاية مع العنونة أصاب القارئ بالصدمة،حيث شعر بانتقاص الكاتب لقدرته العقلية،هذه واحدة ،والثانية،المقدمة والنهاية فقط قصة قصيرة مكتملة، ويمكن استهلال النص بهما مجتمعتين،والمتن فلاش باك.
سادسا..الوصف بالنص رائع،انظر:" وحط الرحال على ناصية الزقاق؛ و من دكّة على باب مهجور اقتطع ركنا ـ ترعاه بفيئها أغصان شجرة تين تطل من باحة وراء سور مشروخ"
سابعا..السرد ماتع،ولكن الإطالة والإطناب أثرا بصورة سلبية على انسيابية القراءة ويسرها.
ثامنا..الألفاظ رصينة معبرة،تنم عن ثقافة لسانية/لغوية ثرية.
تاسعا..يمكن تضمين النص بهامش ،يلقى الضوء على بعض المعلومات التاريخية،مثل مسيرة الملح ومسيرة المليون.
قراءة عصام الدين محمد أحمد
الجيزة
19 /7 /2020

Leila Abdallaoui

الأستاذ القاص المغربي حدريوي مصطفى العبدي..قامة قصصية جادة جديرة بالاحتفاء.الف مبروك استاذي وشكرا لواحتنا الغراء والإخوة الأعضاء على مجهوداتهم القيمة

خولة الأسدي

 قراءة نقدية قصيرة في قصة "طيور المجذوب"

أولاً وقبل أن أقول رأيي الخاص كقارئة بالقصة، سأقدم بعض الأخطاء المختلفة التي وجدتها فيها:
أربع سنوات، لا.. أربعة كما ورد في القصة.
بحمدلاتها المتواصلة× الأصح.. بحمدها المتواصل.
مرسديس×
مرسيدس√
مرسيديس×
تكرر الخطأ هنا في كلمة واحدة أمر يؤخذ على الكاتب.
بالسؤال، وليس.. يالسؤال
ثم ما يفتأ ان يعود ويلمها، وليس.. ثم ما يفتأ ويعود ويلمها!
ورسا ورسى!
ماذا يعني هذا؟
ترك الكاتب للقارئ أمر اختيار الكلمة الصحيحة!؟
الأصح رسا لأنها آتية من الفعل يرسو، فتكتب ألف طويلة.
الأبناك× الأصح.. البنوك.
كروسان× الأصح.. كرسوان.
بالرضى× الأصح.. بالرضا.
لما لم؛ يكرر الكاتب أمر التخيير هنا أيضاً!
الأصح لمّا.
يومن× الأصح.. يؤمن.
تتأخذ× الأصح.. تتخذ.

أعلم أنه لا بركات لي/ وأن حاجتك قضيت لإيمانك بي!!!

وأني صلة وصل بين القادر وعباده/ فاستغفر الله ولا تتخذ لك بعد اليوم مع الله وسيطا!!!

تناقض واضح، وجمل غير متسقة المقاصد!

لا نشاط له ثان× الأصح.. لا نشاطٍ ثانٍ له؛ أفضل.
مفتقداً× الأصح.. متفقداً.
جاؤوا× أظن الأصح.. جاءوا، والأفضل لو كتبت أتوا.
لينعلك× الأصح.. ليلعنك.
المولوع× الأصح.. المولّع.

أما القصة.. فقد كانت ضعيفة البداية، ركيكة النهاية؛ تفتقر لعنصر التشويق والإثارة؛ مليئةً بالحشو والوصف الذي لا يخدم القصة بشيء.
والأهم من كل ذلك.. الفكرة المستهلكة التي لم تُضف شيء للأدب، ولم يتفرد بصوغها، أو بإتيان شيء جديد في تقديمها؛ أضف إلى ذلك أنها لا تناقش قضية مهمة، ولا تثري القارئ بجديد!

مع الأسف، ومع احترامي لشخص الكاتب، وأراء غيري.. أنا كقارئة لم أجد فيها ما يستحق كل هذا الطول، وتضييع الوقت في قراءتها!
طويلة بلا معنىً أو هدف، والشيء الوحيد الذي يحسب لها اللغة الجميلة، الثرية بمفرداتها فقط.

محسن الطوخي خولة الأسدي.. مرحبا بك وبإسهامك. نقدر كل مداخلة تسهم في إضاءة المشهد القصصي، وتلقي الضوء على ايجابيات،وسلبيات النص المطروح.لا شك في أنك مصيبة في معظم تصويباتك اللغوية، فحتى أخطاء الكيبورد على شاكلة كتابة الباء مكان الياء، هي مسؤولية الكاتب، فمن واجبه أن يعتني بالمراجعة والتدقيق.لكن علينا أن نتذكر أننا لا نخطر الكاتب بترشيح نصه كقصة للشهر، إنما يتم الاختيار من ضمن النصوص المنشورة خلال الشهر بدون علمه، أوإخطاره، ولعل مداخلتك تنبهنا إلى ما في ذلك الأسلوب من عوار. وربما نناقش تعديل هذه الجزئية، ونخطر الكاتب مستقبلا ليبذل مزيدا من الجهد في المراجعة،والتصويب. هذا من جانب. أما من جانب آخر فلي تحفظ بسيط على قراءتك النقدية - كما سميتها - للقصة. صحيح أننا في الجروب ننتهج أسلوب التعامل العادل مع النصوص، ونتحرى الصدق، والنأي عن المجاملة في طرح الرأي. لكني لم أحب قراءتك على صدقها. إذ اتسمت بالتعالي، والحدة، وغابت عنها اللباقة، واللياقة المفترض توفرها بين أصدقاء. فالصدق لا يشترط الخشونة، والرأي باعتباره وجه من أوجه النصيحة يحتاج إلى قدر كبير من اللياقة، واللباقة ختى يثمر أثره لدى المستقبل.لا ألومك،ولكن أسدي إليك نصحا أخويا، وربما أبويا بشأن تأثير كلماتك التي أثق في أنك تبغينها مؤثرة، وإيجابية، وذات أثر فعال . كل التحية والتقديرلوجودك بيننا، ولإسهامك بالوقت،والجهد.

Mohamed Elbanna


المجذوب..سيرة أسطورية امتدت عبر التأريخ الزمنى، وجاوزت المكانية الخاصة إلى كافة الأماكن والأعرأق، فقلما أن تجد قصة في الشرق الأقصى إلا وجدت نظيرها تلوكه ألسنة وأمسيات الغرب الأقصى في مبتغاها وإن اختلف محتواها، فكل سيرة تتماهى ووأقع حال مرددوها، وتتناسب قطعا مع بيئتهم عبر أجيال وأجيال.
ومجذوب قصتنا مغربي الهوية مسلم الديانة، متصوف الهيئة ظاهرها وباطنها، في تماهي شديد مع ما نعرفه عن أهلنا المغاربة، وراوي سيرته أيضًا قاص مغربي يهتم بتفاصيل التفاصيل، شأنه في ذلك معظم كاتبي القص القصير ( المغاربة )، وأوتاد أقصوصته أيضًا تحمل رائحة المغرب في تفاصيلها المقيمة والمكونة من مشاكل عامة اختص بها المغرب العربي وأشهرها الهجرة إلى بلاد الفرنجة..استعراض أفقي للأحداث، ممتد عبر فترات زمنية متقاربة في تناص مقارب للخضر عليه السلام من زاوية الزهد والانعزالية، وتناص آخر مع آي الكهف( الحديقة وصاحبها ).
المجذوب شخصية رمزية، هدفها أن تصالحوا مع ربكم ينصلح حالكم، عليكم السعي وعلى ربكم الرزق.
النص تعرض لقضية الوسيلة مؤيدًا لها بالأحداث، ومنكرًا لها كفكر منهجي موروث ( اللجوء إلى العباد دون رب العباد )، ومشيرًا بقوة إلى أن الصلة بالله لا تحتاج وسيط، إلا عملك ودعاؤك وايمانك، ومؤكدًا على ذلك بفقرة تنويرية قبيل كل توطئة لفك عقدة أو تيسير صعب.
الراوي المتكيف مع بيئته وموروث أجداده، لا يعارضه إلا لينا، يتماشى معه ويؤكد حاجته( المجذوب ) الدنيوية، شإنه شأن كل عبد.
اللغة بسيطة وجزلة وإن شابها قلة من كلمات محلية ( الزوان،..).
الحبكة..تدويرية، عند الانتهاء عاد للبدء، عابها القطع الواضح دون رابط بين مشهدين ( الأول، الثاني )
المعالجة جيدة وقد أسهبت فيها في فقرتي الاولى.
الفكرة المعتمدة كمنطقية للنص تستند على الحديث الشريف ( رب أشعث أغبر، لو أقسم على الله لأبرّه ).
يتبقى لدينا معضلة النص وصلب عنوانه المختار ( الطيور )، وهى معضلة أٌغلق علىّ فك رمزيتها، لتناقضها شبه الكامل مع ما تختزنه ذاكرتي عن الطيور..طباعها رمزيتها تأويلاتها الذهنية والأدبية، فطيور المجذوب محبوسة طول الوقت، يطعمها ويأنس إليها، ويحتفظ بها، أي أنها مفعول به والمجذوب فاعل والمعروف المتعقل أن المفعول به عاجز والفاعل قادر، ومن عنوان النص ( طيور المجذوب ) انتماء الفرع للأصل والجزء للكل، وطيور القرآن بلا استثناء وردت فاعل ( ترميهم بحجارة من سجيل )ومؤثر استخباراتي ( وجدت امرأة تملكهم) ومرشد معلم ( يواري سوءة أخيه ) والطير في الادب حلم وحب وخير، والمجذوب فاعل خير ( الخضر من زاوية ما ) ويحبس الطير !!..وإطلاقه في نهاية النص!!..أعلامة أنقطاع خير، أم انتهاء مهمة؟...لازلت عالقًا في تأويلها إلى حين.
نقطة أخيرة..هناك انتقال غير محسوس، وانتقال محسوس، والفرق بينهما جلي وبين، والمهارة تكمن في الانتقال الذي لا يحس به المتلقي ويتقبله ولا يتوقف عنده ذهنيًا، اللهم إلا لغاية تنبيه( لآت ) او تصادم متعمد ( مع ما هو آت )، وللأسف وربما لقصور مني كمتلقي لم أتبين أيًا منهما، وكما قلت حضرتك هذا مألوف في المسرح بل ومن ركائز الكتابة المسرحية ( مشاهد مختلفة )، ولكن في القص القصير، كل حرف له ضرورته، وكل مشهد له اتصاله حتى ولو فلاشباك.

مهاب حسين مصطفى

 قراءة قد لاترتقي لأبداعات أساتذتنا النقاد الكبار، لكنها تعافر للغوص في البنية المعرفية للنص:

• بداية:
النص الأدبي مرتبط بلا شعور صاحبه مع وجود بنية نفسية متجذرة في لاوعي المبدع تتجلى بشكل رمزي على سطح النص ، وأثناء تحليله لابد من استحضار هذه البنية.
وفي نصنا تتجلى شخصية الغريب أو المجذوب" الولي".. كمحور للأحداث.
والتى تكررت في أدبنا العربي على مناحي شتى.

منها شخصية " الحلاج "لصلاح عبد الصبور، الذي انحاز للبسطاء، وتغنى بأشعاره الصوفية، فصلبوه على جذع شجرة بنهر دجله، بعدما تخلى عنه العامه، وحاكمته السلطه بتهمة الزندقة:
" ألم ننهك عن العالمين".

وكذلك في التراث والمعتقدات القديمة: يُنظر إلى الشخص المجذوب، على أنه غريب الأطوار، لكنه يحمل أشياء تجعله مصدر قداسة، أو ولاية، وبعض الصوفيين يرون مظهره السيئ رمزًا للزهد والقداسة، فتجدهم ينسجون حوله الأساطير، فإذا اختفى فجأة يومًا أو يومين يقولون إنه من أهل الخطوة، أي الذين يتجاوزون حدود الزمان والمكان، وإذا مات ينصبون له المقامات، ويزورونها من حين إلى آخر، ويقيمون حولها الموالد.

كما اعتبر ابن خلدون ..
المجذوب وصاحب الحال عند المتصوفة : نوعا من الأولياء مع سقوط التكاليف عنهم. وفسر سبب ذهاب عقلهم بالتجلي الإلهي الذي أتاهم على غفلة فذهب بعقولهم،
وجعلهم يعيشون في عالم آخر

أما قصص الكرامات فقد كانت منهلا خصبا للأدب العالمي والعربي، لأنها وظفت توظيفا انتشل الأدب من التقريرية إلى الخيال اللامحدود والرؤى الشعرية. بل ان النص الكراماتي التراثي أثرى الحكي الأدبي، واستطاع الأدباء ان ينتجوا نصا مغايراً للنص التراثي.

فالكرامة تختص بالأولياء والمعجزة تختص بالأنبياء .
وظائف الكرامات، وظيفتان أساسيتان هما:
- إثبات الولاية.
- التنفيس الإبداعي عن أفراد المجتمع.

الوظيفة الأولى، خاصة بالمتصوفين وحدهم، إما الثانية، فهي إنتاج ابداعي جماعي لأفراد المجتمع إما لإرضاء حاجة الابداع لديهم، وإما لتكون قناعا لمجابهة حاكم ظالم، أو لستر فضيحة إجتماعية او لتحقيق مكسب اجتماعي لايمكن تحقيقه إلا بوساطة إدعاء الكرامة للإنكسار الذي يعانيه شعب ما.

وهناك وظيفة اخرى للكرامة هي الوظيفة التعليمية وفيها الحض على مكارم الأخلاق وعلى الجهاد ضد العدو وعلى البذل والإحسان.

راوي لايعلم شيئا عن أصل شخصية الغريب، حتى اسمه، بل يزيدها غموضا..
بما يحمله النص من إشارات ذات مغزى، مثل قهوة القرية الفقيرة كما فهمنا من السياق، لكنها تقدم مع ذلك لروادها الكرواسان والقهوة السوداء.
"
ذكر غاندي، مارتر لوتر كينغ، ومليونية الملح، ومسيرة مليونية، وتعضيد الضعيف بالضعيف".
كلها إشارات للتحرر وغرس بذور المقاومة والرفض وكذلك للربيع العربي. كأنه المثقف الولي، وليس المجذوب الولي!.

نهره للأجانب الوافدين لتصوير منمنات زخرفية، في غلظة تتنافى مع طبيعته الوقورة.. وذلك من أمام منزل أم عائشة، وهو المكان الذي اختاره وقصده منذ البداية، ليربض أمامه، وما قد يحمله أيضا من دلالة.
ثم أخيرا عقابه لصاحب المزرعة الجشع، وعودته في هيئة مغايرة، عما كان عليه، مما يعزز فيه صفة الولي ذو الكرامات.

"
البطل، فاطمة، الكرامات، الطيور.."
هي محور الأحداث..

#العقدة والحل:

بالمفهوم التقليدي، لا توجد عقدة، إلا إذا اعتبرناها: منع صاحب الضيعة الجشع الرواتب عن العمال، المزرعة التي صارت أرضا جدباء. وأيضا اختفاء الغريب وتحير الناس!.
لأن هذا النوع من القص، يعتمد على تتبع مسار الشخصية والتغيرات التي تصنعها في أحوال الناس، والكرامات المتتالية.. لتجعل القارى في تشوق، ينتظر لحظة التنوير، التي تفسر له كل مايجرى.

#الخاتمة:

وتتشكل جملة النهاية من جملتين:
-
جملة النص المكتوب، وينتهي بها النص موقعا.
-
وجملة اخرى ينفتح بها النص على القراءة، والتأويل.
ويميز الناقد الفرنسي " فيليب هاون" بين خاتمة النص، ونهايته. فإذا كانت الخاتمة تعلن إغلاق النص فعلا، فليس من الضروري أن يكون قد بلغ نهايته. وليس من الضروري أن تنتهي كل علاقة للقارىء مع النص رغم بلوغ النهاية المباشرة.

وتكمن مهارة الكاتب في اختيار النهاية وضبطها لضمان نجاح النص القصصي، بلوغا لكماله، وتتويجا لرؤية الكاتب، وبلورة موقفه تجاه المسألة المطروحة في النص.
الوظائف السردية للنهاية:

١- الوظيفة الإغلاقية: وهي الوظيفة الأساسية لنهايات القصص، إذ يسعى النص إلى الانتهاء، والانغلاق على نفسه بوصفه منتجا لغويا مستقلا بذاته.

٢- الوظيفة التوليدية: يقصد بها تكوين النص، ونموه في ذهن المتلقي، حيث يتفرع المعنى ويتوالد لينتهي مفتوحا على التأويل، حيث يشارك فيه القارىء لإعادة بنائه مرة أخرى، حيث تتحرك مخيلته ويتم استثارتها بما يعد امتدادا للنص المكتوب.

**
في هذا النص البديع، وظف كاتبنا الكبير أكثر من نهاية على النحو التالي:

-
مقدمة النص:
تبرز فيها نهاية الضيعة، ونري فاطمة تتطلع للمستقبل متناسية الحاضر الجهم.
-
نهاية مفتوحة:
تتمثل في تحير أهل القرية من اختفاء الغريب، والتكهنات حول أسبابه.
-
عودة الغريب:
بعد اختفاؤه، في ثوب عصري، يهب إحدى عطاياه لفاطمة، كأنه يستأمنها على مستقبل الأرض والقرية.

*
ودلالة اسم فاطمة في الموروث الأدبي، ليس خافيا، كرمز للخصب والأمان .

استمتعت كثيرا بقراءة نص كاتبنا الكبير، وأشكر الناقدة الكبيرة الخلوقة الأستاذة/ منال خطاب على إسهاماتها المخلصة في المجال الأدبي والنقدي، وإتاحة الفرصة لي.

مهاب حسين.

مراجع:
ا/سعيد المصري
د. محمد أبو الفضل بدران
د. سحر شريف

رئبال الدمشقي

السلام عليكم:
أشكر أ.منال على عملها الدؤوب وسعيها الحثيث في خدمة الأدب والأدباء. وبوركت جهودكم المبذولة في هذا الصرح وكل القائمين عليه.

تحية طيبة لأستاذنا 
حدريوي مصطفى العبدي والذي أمتعنا بهذا النص الدسم، من خلال أسلوبه وسرده وجزالة اللغة.

صحيح أنه لم يبق لي الأساتذة من قبلي ما أضيفه على قراءتهم ونقدهم وتحليلاتهم، إلا أني سأقف على بضع نقاط في عجالة وبعيدا عن فلسفة النقد المعتادة.

1_ النص يعتبر بحد ذاته مدرسة لكل كاتب قاص كان أو روائي.
وذلك لأن السردية فيه مع جزالة اللغة واستحكام الأسلوب في نص طويل، تظهر مقدرة الكاتب ومهارته في استخدام الأدوات المطلوبة من مفردات وصيغ دون تشتيت للقارئ أو تكرار ممل. ويسعنا أن نصف ذلك بالقبطان الماهر المتحكم بقيادته رغم طول الطريق.
ربما يغفل الكثيرين عن هذه النقطة وخاصة المتتبعين لحداثة النصوص القصيرة التي تكون خاطفة، فلا تفضح الكاتب.
2_ يؤخذ على الكاتب(تسمية نوع السيارة بالميرسيدس) ولو اكتفى بقول سيارته فقط لكان أفضل، وذلك لترك المساحة لمخيلة الكاتب في وضع القصة بالزمان الذي يراه توافقه، هذا لأن لو أراد الكاتب تحديد زمن بعينه لأشار له، في حال كان يخدم النص ذلك.

3_جوهر القصة:
هنا في هذه النقطة أتكلم عن وجهة نظري لا نقدا.

التصوف؛ يجب أن يعلم الناس عامة والمسلمون خاصة أن الدين
(قال الله، قال رسول الله)، وبفهم من نزل عليهم القرآن من صحابة وتابعين.
وأن فضل العالم على العابد كفضل النبي على أدنى البشر.
يقول الله في كتابه:
(إنما يخشى الله من عباده العلماء)
ويقول تعالى:
(شهد الله أن لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم).
ولنا في سنة نبينا صلى الله عليه وسلم عظة واستدلال، بحديث الرجل من بني إسرائيل الذي قتل تسعا وتسعون شخصا ثم أراد التوبة، فدلوه على العابد الزاهد فأفتاه بغير علم أن لاتوبة لك. فقتله وأتم به المئة.
ثم دلوه على عالم، فقال له ومن يحول بين توبة العبد وربه، ثم دله على طريق التوبة ومايصنع، ولما مات في طريقه اختلفت ملائكة الرحمة والعذاب فيه فأرسل الله ملكا يحكم بينهم، ليجعله الله في رحمته ويتوب عليه.
الحديث بما معناه وهو صحيح.

وبهذا نعلم ونفهم أن العلم الصحيح أفضل وأقرب إلى الله من عبادة قائمة على بدع وأمور ما أنزل الله بها من سلطان. بل كانت سببا في تجهيل الأمة وتضييع شبابها بين فرق وطوائف.
لم يرسل الله الأنبياء والرسل والكتب السماوية لأن الناس كانت تكفر بوجود الله.
بل كانت قريشا تعبد الله وتقيم شعائر الحج وتسقي الحجيج وتوقف القتال في الأشهر الحرم.
حتى عبد المطلب قال لأبرهة الحبشي حينما أراد هدم الكعبة، أن للبيت رب يحميه.
لكنهم كانوا يتخذون بعض الأوثان وسيلة تقربهم لله زلفى.
وهذا ما نراه اليوم من جعل بعض القبور مزارات يدعى إليها وربما يذبح لها وأناس تصدروا بعمائهم الخالية من العلم المجالس ليتبارك الناس فيهم ويقبلون أيديهم وكأنهم الوساطة بين الناس وربهم.
بل قال الله في كتابه لنبيه:
(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان).

نعم.. هناك لأولياء الله الصالحين كرامات، أولئك الذين اتبعوا ما أمروا ولم يحيدوا عن النهج الحق، يقول الله:
(ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ماتولى ونصله جهنم وساءت مصيرا).

فلا يلتبس على الناس ولا تأخذهم المظاهر أو ينفتنوا، بل يتتبعوا العلم والنهج الصحيح الذي يوصلهم ويقربهم إلى الله، لا المجاذيب.

هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

وعذرا للإطالة.
وشكرا لكم جميعا أساتذتي.

سيد جعيتم

(المجذوب)، هومن تدور حلوله الأحداث والرابط بين فواصل القصة، مثل هذا الرجل في بلادنا يفتتن به الناس وينظرون إليه بقداسة، ويصنع له مقام وضريح بعد موته يزوره العامة ولا يكلف أحدهم نفسه في البحث عن حقيقة صاحب المقام، والقصة سبق للكثيرين الكتابة في موضوعها ولا أري عيبًا في تكرارها فالمحاكم مليئة بالحكايات المكررة ومن غير المعقول الكتابة فيها.
المجذوب أو صاحب الحالة كما يسميه المتصوفة، أو الدرويش كما يسميه العامة، شخصية مشهورة في عالمنا العربي كله بل نجد أمثال الشخصية في العالم المتمدين خارج عالمنا العربي مع اختلاف الثقافات، أشهرهم من سقط عنهم التكاليف فيأتون أحيانًا بأعمال غير مفهومة ويرتدون ملابس ملونة ومرقعة ويشتركون في حلقات الذكر (بالتفقير أي التطوح يمينا ويسارًا مع المنشد) ، وكثيرًا ما يغيبون عن الوعي مع التفوه بكلمات مثل :( وحدوه - مدد.. الخ).

مجذوبنا هنا ينتمي لفئة السالكين الذين يصعدون أو يقطعون الطريق من أوله فينظرون للعالم بمنظار متعمق فيروه أكثر وضوحًا، وقد تأتي علي أياديهم بعض المعجزات، وإن كان اتباع الشيطان أيضًا يمكن أن تجري علي يديهم معجزات.
وإن كانت الأحداث في نهاية القصة تجعلنا نفكر في انتم البطل لهذه الفئة.
أستاذنا/ حدريوي مصطفى العبدي من الواضح أن ومضاته الصوفية مضيئة متغلغلة في أعماقه، صنع بطل مفكر متوازن ومعتدل وهيأنا حتي لانستغرب ما أتي به من أفعال ترقي لحد المعجزات، وقد تذكرت قصة حقيقية لرجل كان يعيش في حديقة أنطونياس بالإسكندرية وكان الطلبة يلجئون إليه في ترجمة دروسهم ووصل أمره للشرطة وبتفتيشه وجد معه بسبور قديم من أيام الملكية لونه أحمر من الذي كان يستخرج للأشخاص المهمين، وأتضح أنه حاصل علي درجة الدكتوراه من إحدى الدول الأوربية ولما عاد كان تخصصه غير معمول به في مصر فسكن الحديقة رغم أن أهله ما زالوا من علية القوم في مصر.

نعود للقصة فقد وضع لها كاتبنا علي غير العادة مقدمة لينبهنا لما هو أت ويمسك بتلاليب عقلنا فنقبل على حروف القصة التي أمسكت بنا هي الأخرى ونتمعن في كل حرف فيها، فنشاهد فاطمة وقد عادت بعد أربع سنوات، تمد يدها لتقطف واحدة من الفراولة من شجرة قاومت وصمدت وسط الأرض الجرداء المنبسطة أمامها، وهي نفس الشجرة التي أطعم منها طيوره في أيام الجدب والجفاف.
تتحصر فاطمة علي الضيعة، ويخترق المشهد راكب المرسيدس البيضاء يسألها عن الحنين للأيام المثمرة ، فتعتبره وكأنه غير موجود، فهو العامل الأساسي في خراب الضيعة.
ويدخلنا كاتبنا بسلاسة للمجذوب وكأنه سقط من السماء فللسماء مدد دائمًا، وكأنه أنزل من الجنة ليعمر الضيعة، جلس تحت شجرة التين المثمرة والغير محرمة، أأتلف الناس معه، فهو المخلص الذي تواكلوا وانتظروه لينتشلهم من ثباتهم، هو لا يقامر بالأوراق والصور أمامه فهي صحفه وكتبه لكل منها دور أت، وهو الناسك أو غاندي مع معزته يحلب اللبن من ضرع العنزة ليشرب منه الجميع.
المجذوب هنا يحمل صفات ابوالبشر وصفات الأنبياء والمخلص المنتظر والزهاد.



عاد كاتبنا لينبهنا بانتهاء زمن المعجزات فالرجل يستعين بعلمه الدنيوي، وببركته، وبما رفع الله له الحجاب عنه، ويسعي لحث الناس علي أن ينالوا حقوقهم بأنفسهم وبأتباع تعليمات الخالق،(شدوا الرحيل إليه وأنتم ضعفاء ينصركم، سيروا وهو في قلوبكم، تبلغوا وطركم)- (ـ أولا لتعلم إنه لا بركات لي، وأن حاجتك قضيت لإيمانك بي، وإني صلة وصل بين القادر.. وعباده، ومن يومن بالصلة حتما إيمانه بالقادر حاصل، فاستغفر الله ولا تتأخذ لك بعد اليوم مع الله وسيطا؛ ثانيا عرضك أقبله، فقد جاء في الوقت المناسب).

تظهر رسالة الكاتب جلية فقد فاجئنا بأنه خلع صفة المجذوب عن بطل قصته وألبسه ثوب العامل الثائر المكافح فقد قبل الوظيفة التي عرضت عليه وصار يُشحذ الهمم و يطالب بالحقوق.
الحقيقة حيرت في رمزية الطيور التي أهديت إليه فنماها وانتقلت معه وعاشت علي ثمار الفراولة ، أعتقد أن كل طائر منها يمثل رمزًا أو إشارة لمفكرين في حقبة تاريخية معينة ، وإن كان فكرهم حجر عليه كطيور المجذوب محبوسة في اقفاصها.
مشهد النهاية مرهق جعلني أظن أن لكاتبنا رؤية أخري للمجذوب، فبلعنه لصاحب الضيعة خربت الضيعة، ونراه خلع عنه صفة المجذوب فقد عاد يركب عربة فارهة سوداء.

لغة سهلة وسرد سلس رائع صور لنا الأحداث وكأننا نعيشها، وإن كنت أشعر بقرب كتابتها من السيناريو، ولم تكن بالقصة قفزات بين الأزمان بل كان الزمن مرتبًا محددًا، وبرغم طول القصة ووجود رموز كثيرة بها وتعدد الشخصيات والأحداث والأماكن، فقد أفلح أستاذنا في أن نظل واعين مركزين حتي نهاية القصة.
تحياتي أستاذي

Ali Albadir أحسنت رؤية رائعة والقصة لما احتوتها من مواقف قد تصلح لأن تكون عدة قصص. لقد امتلكت تناسقا هارمونياً وبدت كقطعة موسيقية رائعة. ونلاحظ السيناريو والحوار الذي رُسِم بحنكة وروعة نادرة، أو ما نراه مع الدكتورة الديكارتية مثلاً. وأحياناً يخضع الفرد للسلوك الجمعي أو ما يسمى سلوك القطيع herd behavior ، كما حدث للطبيبة الديكارتية سلمى، عندما جاءت اليه مع ولدها المريض من اجل بركاته في شفاء. هوَّنَ عليها قائلاً "... استغفري الله وتوبي إليه، فإن مع العسر يسرا. إن مع العسر يسرا."، حيث شاع بعد ثلاثة أسابيع " شفاء ابن الطبيبة...". وهذا رسخ اعتقاد الناس أكثر بأنه يمتلك المعجزات من خلال كراماته. وصفة الديكارتية تعني أن الطبيبة لا تعتقد إلا بالقضايا العلمية العقلية فهي تشك في قدرة الفرد على شفاء الآخرين. وجاءت التسمية اعتماداً على مبدأ ديكارت René Descartes في الشك. فبعد أن فشل الطب من شفاء إبنها لابد أن تتمسك بقشة كما الغريق، وعليه فقد انساقت نحوه طلباً للشفاء. ونتساءل هل شفي ابنها فعلاً؟
وللإجابة لابد أن نتذكر زغاريد العانس وقبلها فرحة الأم التي تواصل ابنها معها وأرساله المال، لكننا لم نر رد فعل بخصوص الطبيبة التي " لما تولت مدبرة ، تمتمت كلمات ماتبينت." ، وبالتأكيد كلمات شك ديكارتية، ونلاحظ هنا الاستعمال الذكي والتلاعب بالكلمات فهي تولت مدبرة وتمتمت، ولو كانت مقتنعة لأغرقت المجذوب بأعذب نعوت الشكر والعرفان والتوسل ولكن هذا من المستحيل لتعارضه مع العلم الذي درسته وإلى تلك الطريقة التي توصلها إلى الحقيقة عن طريق الشك. ويبدو أن السارد قد سهل علينا الأمر بمنحنا ومضة مضيئة
flash point وردت بانسيابية عابرة والقاريء الحذر يتمكن من إصطيادها ليقرر بأن الإبن بقي على حاله "حيث شاع بعد ثلاثة أسابيع " في الزقاق شفاء ابن الطبيبة وصار يخرج و يلعب ويركض مع أقرانه.". إنها مجرد إشاعة مقترنة برجل اشتهرت كراماته في المنطقة وامتلك زخماً إيجابياً غير إعيتادي.

Said Osman

 قراءه في نص المجذوب
.....
اقول بدايه..
ماذا يراد من النص السردي ؟
وماذا يراد من القص؟
متعه قراءه ..
وقيمه ..
واري ان النص قد استوفي كليهما وربح في ان ينحت لنفسه مكانا في نفس القاريء وتذوقه..
من الجاءز ان تكون هنه هنا او هناك..
لكن في النهايه اكتمل المشهد ..
وحدث الامتاع والتشويق
واتضحت القيمه كانصع ما يكون وان شابها في تقديري بعض انحناءات غير متسقه .. وافصاح قد يتراوح كثيرا او قليلا عند البعض من تقبله..
اللغه بغض النظر عن بعض اخطاء من الواضح جدا انها طباعه لا نقص المام .. اللغه كانت سهله التراكيب .. بليغه المدلول ..شيقه الاشارات والمواءمه..
والسرد ابحر بنا الهوينا ..
مثل قارب يعلو حينا ويهبط احيانا لكنه لا يفقد شراعا ولا يضيع منه اتجاه..
حتي وان غالي الربان احيانا في اظهار كل يمتلكه من امكانات .. فخالط السرد مثلما قلت بعض الزوايا الحاده الانحناءات غير المبررة ..
في نهايه الامر ..
انها لوحه اختلفت فيها الاركان بعض الشيء وتباينت ..
لكنها بالرغم من ذلك ظلت واضحه متماسكه..
..
لدي فقط ملحوظه بسيطه تخص فهمي للنص اكثر مما تلزم كاتبه..
لم احد في عتبه النص " المجذوب" ما يشير اليه داخل النص ..
فالرجل اعطي الدرس البليغ في التوكل لا التواكل
اثر العمل علي سهوله الاستجداء..
دافع عن الحق فعلا لا انتظار تحقق دعاء
قصد الخالق لا الطلب من المخلوق..
الخ ..
وكلها صفات وافعال لا تتسق مع ما وقر في الاذهان ما للمجذوب من صفات..
....
واخيرا
تحيه لمبدع النص استاذنا الدكتور الاديب حدريوي العبدي
والاستاذه الفاضله منال خطاب
واستاذنا الناقد الاديب محسن الطوخي
وكل فريق الواحه علي هذا الجهد الذي اوجد تلك المساحه الخضراء كي نلتقي ..
وعذرا عن اخطاء املائيه سببها ذلك اللعين الذي ندعوه بالمحمول..

محسن الطوخي
عرفتك في كل مداخلاتك، وتعليقاتك رصينا، أريبا، تزن المقال، وتصيب الهدف.
انصفت النص، وصاحبه. معيار المتعة المزجاة هو معيار صادق، ومنصف. فالأصل في فنون الكلمة هو تقديم التجربة الإنسانية في إهاب من المتعة، والقبول. ورغم أن استطرادات القصة قد تخالف مبدأ التكثيف. إلا أني ألاحظ إجماعا يكاد يكون شاملا من قبل المعلقين على ان الاستطردات لم تشكل عائقا في سبيل التلقي، بل أبدى بعض المعلقين استحسانهم، وشغفهم بجمال اللغة، وبراعتها، الأمر الذي جعل من طول النص عاملا من عوامل الاستزادة من المتعة. ولقد ابديت رأيا في اكثر من مناسبة، مفاده أن بعض النصوص تتمرد على التصنيف بما تتمتع به من عوامل التميز، والتفوق، حددت من بينها نصوص استاذنا سليمان جمعة، ونصوص أستاذنا بوقراعة، وإبداعات عمر حمش، وبسام الأشرم، وهاأنا اضم إليهم إبداعات الأستاذ حدريوي، لما تمتاز به نصوصه من جزالة اللغة، وتفوقها. وإن كان النص رغم ذلك يتمتع بشهادة العديد من المعلقين بحظ وافر من خصائص القص، ولا يهملها إهمالا تاما.
فيمكن للمتلقي ان يلمح معالم القصة الكلاسيكية، ورأينا من تحدث عن معالم أزمة، وأشار صديقي البنا إلى مهارة التدوير.
ولم يفتك استاذنا التعرض لشخصية المجذوب التي فرضت نفسها على معظم المداخلات، والتعليقات، وهي شخصية ملتبسة نظرا للاختلاف البين بين المفهوم الصوفي، وبين التصور الشعبي الدارج. يعكس الاول موقفا إيجابيا يمثله التوكل بمعناه الفقهي، بينما للثاني بعدا سلبيا يمثله التواكل. نلمح الأول في مراتب التدرج في المقامات الصوفية التي تسلك طريق المجاهدة، لينما نلمح الثاني في الممارسات الشعبية كالموالد، والحظوة التي ينالها اصحاب العاهات، والتي ذكر طرفا منها صديقي عصام السقا. ولقد كان يمكن ان يستقيم الأمر لو واصل استاذنا المبدع حدريوي تعريف الرجل بوصف الغريب كما جرى عليه الحال في القسم الأول من القصة، تاركا لفظ " المجذوب " للعامة يعرفون به الرجل، ولكني رأيت السرد في النصف الثاني ينساق فيعرف الرجل باسم المجذوب اعتبارا من مقطع الديكارتية. ولو حافظ السرد على لسان الراصد، على وصف الغريب لأمكن فض الاشتباك بين التصورين المتضادين.
شكرا لك أستاذنا سعيد عثمان على تناولك الثري.

Ali Albadir

 تحياتي اليك مبدعنا العزيز سعيد عثمان، لقد حاول القاص حدريوي مصطفى العبدي أن يضخ ويشحن طاقة فكرية خلاقة بالرجل الغريب، حيث نمت شخصيته وتمددت وهو تبئير واقتدار محسوب تطابق مع الموعظة التي أعطاها في المقهى وأيضاً مع تصرفه اللافت الذي لايتناسب مع مظهره، عندما " شرب القهوة وأكل الكروسان برشاقة ونبل ومسح بمنديل ورقي، ثم أخرج سيكارة وأطبق عليها بشفتيه دون أن يشعلها...". نلاحظ عدم الإستعجال والأتكيت في الشرب والأكل واستعمال المنديل الورقي وليست يده أو كم قميصه. ولكن ذروة تصرفه التي تعكس عمق ثقافته هي عدم شعل سيكارته وهو في مكان عام لكي لا يؤذي ويضايق الاخرين خاصة عدم المدخنين أي المدخنون السلبيون الذين يستنشقون الدخان وهم لا يدخنون. وقد عكس هذا المشهد مدى الفهم العميق للحبكة القصصية والإصرار على مشاركة المتلقي في تفكيك النص

د.إيهاب بديوي

 

العتبة الأولى.. العنوان
في عقلنا الباطن صورة نمطية متكررة ومحفوظة للطيور التي تحب ان تتجمع حول المجذوب طيب القلب مخيف الهيئة للناظرين من بعيد. يوزع من طعامه على الطيور ويوفر لها ملجأ آمنا فتتكون حوله دوائر متكررة. صورة نمطية توضح مجموعة من المتناقضات. الشخصية التي يراها الجميع شريرة. هي في حقيقتها طيبة منكسرة تعاني من رفض للمجتمع وانفصال عنه لأسباب قهرية. وعادة تكون لذلك المجذوب سيرة قديمة كان فيها شخصا عاديا فاعلا في الحياة. لكن حدث كبير او مجموعة من الأحداث المتتالية الصغيرة فصلته في النهاية تماما عن المجتمع. من العتبة الأولى إذا يتضح لنا مشهد فيه إسقاط على واقع سنتتبعه لنرى تلك الاحداث المتتالية.
العتبة الثانية..
المقدمة. يدخل النص مباشرة في قلب الاحداث دون تمهيد. جملة فعلية مضارعة توضح الحدث الذي يتم الآن. تتضح ايضا لغة الكاتب الثرية غير التقليدية او المتداولة مع شيء من الشعرية. يسهب الكاتب في وصف المشهد تلو المشهد. وينزلق الاسلوب السردي إلي الخطابة التقريرية في عدة مواضع. ويفقد للقارئ شغفه بمتابعة الحكاية مع شعوره بتحول القصة إلى مقال منشور في صحيفة دينية. ويفقد بعض الترابط بين الأحداث مع عدم وضوح الصورة الكاملة ولا الهدف من القصة. يستمر الاسلوب الوعظي المباشر متواريا بين زخرفات لغوية مبالغ فيها جدا تحول المشهد الذي لا يحتمل كل هذه الحليات الي لوحة جميلة بلا روح. ظهور المجذوب تحميل سيرته الخير والسر تيمة قديمة وتقليدية لم يستطع النص الاستفادة منها كما يجب. وانزلق إلى الوصف المطول الذي لا يناسب السرد القصصي وليس له مبرر فني داخل العمل. التطور الدرامي افتقد للمنطقية في تبرير كرامات المجذوب خاصة في عملية شفاء الطفل الصغير. والمجذوب لا يحبس طيوره ابدا بل هي التي تتبعه. مقطع العنزة لا قيمة له ولن يضر القصة شيئا لو تم حذفه بالكامل. رغم أن فيها إسقاطا لا استسيغه لأن العنزة الوحيدة التي نعرف انها قد ادرت لبنا بالمسح عليها هي عنزة السيدة العجوز في رحلة الهجرة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. فقد النص ترابطه بعد المشهد الأول. وفقد الكاتب بوصلته في الجنس القصصي الذي يريده. هل هو فانتازي أم واقعي ام تقريري مباشر.


ﻋﺒﻴﺮ عزاوي

 

 منظومة الفعل ورد الفعل في قصة طيور المجذوب
الزمن الفيزيائي : المطروح في الاستهلال اربع سنوات
الزمن النفسي متداخل مفتوح متكرر ملتف حول نفسه .
المكان : يبدو توصيفيا متنوعا بين قرية ومدينة مقهى زقاق .. منظومة مفتوحة الاطراف ./ جاء من مكان مجهول ومضى لمكان مجهول /
الشخصية الرئيسة: المجذوب الدرويش ؛ المبروك؛ تتعدد التسميات لمعنى واحد وهي تسمية تعني أشخاصا اختصوا بحب الذات الإلهية والتماهي معها فحازوا كرامات رفعتهم فوق نظرائهم وجعلت الناس يطلبون بركاتهم ويتشفعون بهم وبنفس الوقت يشيع أن من يعاديهم يلق جزاء مهلكا و هلاكا محتما .
وقد بقي لهم خصوصية في المجتمعات التي تنظر بعين الإكبار للصوفية والمتصوفة وقد اشتهر منهم كثيرون شعراء ومنشدون ومحدثون .
تقوم الصوفية في عمقها على منظومة الفعل ورد الفعل .وهذا ماسبب خلافها مع بقية المذاهب الإسلامية ففي عرف الصوفية الحب أساس الخلق انطلاقا من مقولة /أن الله أحب أن يعرف فخلق / فالحب فعل مبتدأ من الخالق / المولى السيد
وهو نفسه أي الحب رد فعل ( خبري ) من العباد /العبيد ولذلك فكل نظريات المتصوفة تقوم في منطقها العميق على الفعل ورد الفعل .ومن هنا سأسلط الضوء بما تسعفني قراءتي الأولية للقصة ..سأتتبع حركة الأفعال والردود المجاوبة لها بالقدر الذي يسمح لي بالغوص في حركة السرد :
الفعل: يتعب القارئ كثيرا وهو يتتبع الأحداث في القصة لأنها غارقة في ثنايا الوصف المسهب للأشخاص والاماكن بتفصيل يجعل المشهد القصصي وكأنه مشهد مشغول سينمائيا فالكاتب يعتمد على تقنية المشهدية البصرية في معظم سرده مشفوعة بلغة متمكنة بعيدة المأخذ ذات غزارة لفظية ومعنوية هائلة. وهذا ما يتميز به الكاتب دائما .
رد الفعل : متباين مختلف سريع في بعض المواضع وبطيء الحدوث في مواضع أخرى
نبدأ ب أفعال الاستهلال
( تعود فاطمة) الفعل الأول الافتتاحي من اين تعود ولماذا وكيف ؟!
يضيع سبب عودتها بعد غرق السرد في سلسلة طويلة من الوصف الحسي والنفسي
لتظهر لنا مباشرة نتيجة ما سيأتي من أحداث
( من كان يساوره أن هذه الضيعة ......وخبز .) يضع الكاتب القراء في حالة عصف ذهني لاجتذاب الانتباه والشد والتشويق لكنه يضيع هو الآخر في سلسلة أخرى من الوصف المسهب للمكان واستمرار المشهدية البصرية دون التركيز على الحدث .
يردف الحدث الاستهلالي حدث آخر لا يقل أهمية ومفاجئة حضور المرسيدس البيضاء " رد فعل "
وينداح السؤال الذي يشكل العبارة المفتاحية:
/أما زلت تحنين لتلك الأيام الخوالي يافاطمة /
السؤال فعل ويأتي رد الغعل على شكل تذكر نفسي للقصة الحقيقية المختبئة وراء الاستهلال الطويل . ولو بدأت القصة من هنا وتكثف كل الاستهلال بعبارات موجزة موحية مندغمة في ثنايا النص التالية لكانت القصة أكثر انتماء لجنس القصة القصيرة ولحققت محورية السرد وعنصر التكثيف الذي يميز السرد القصصي الحداثي وكذلك لابتعدت عن التداخل المحير مع الرواية في بنائها السردي وبنية الجملة القائمة على الوصف والحال وسيطرة الفعل المضارع .وسمتها الاساسية في التركيز على الشخصية وليس الحدث .الرواية قصة الشخصية أما القصة القصيرة فهي قصة الحدث وكل مايلي هذا العنوان من آليات سردية وتقنيات قص تنطوي تحت هذا العنوان
و لو أن الكاتب ركز على الحدث الرئيس وهو مواجهة المجذوب للسيد المستبد الذي يسرق جهد عماله وينتقص أجورهم لاختصرت القصة إلى النصف من حيث الطول ولتفردت من حيث الأهمية ولوفرت على القراء الكثير من الجمل التقريرية والعبارات الوعظية ولأوصلت لهم الفكرة والمغزى المراد بشكل اكثر فعالية .
حضور المحذوب الى الزقاق فعل ..
انكشاف امره لساكني الزقاق ..حكاية أم حسن سلسلة من الأفعال ..منحها الأمل رغم أنه أمل وهمي تطور مع تصاعد الاحداث ليصير فعلاً محورياً نقل الفعل من الخاص إلى العام ومن التهويم إلى حيز الوجود الواقعي .. /
وتميز السرد هنا بالتطويل المبالغ به فقد استخدمه الكاتب لتمرير أفكار وعظية حول الاستغفار ودوره في تفريج الكربات ..
حضور العنزة إليه اصطحابها الى المقهى والسرد الطويل عن اتباع العنزة له في خطواته واحتفاله بحضورها في المقهى ثم استخدامها كالعادة في تمرير موعظة حول علاقة الراعي بالرعية ..(ضائعة وضائع ) وهنا نلمس عمق التفكير فقد جعل ضياع الرعية سابقة لضياع الراعي فالرعية هي التي تقود الراعي في الحقيقة/ على المستوى الاجتماعي / وهي التي تقوم اعوجاجه فان ضاعت فقد ضاع الراعي وتمادى في غيه فخنق الرعية بحبال وصايته وهذا يتعمق ببعده السياسي في استحضار مسيرة الملح وغاندي ومسيرة المليون ومارتن لوثر كنغ ..واظن أن الكاتب قد ابتعد عن استحضار أمثلة من الواقع العربي وذلك لالتزامه بعالمية التأثير للإسلام من منطلقه الصوفي وربما لأن الامثلة خطيرة ومتباينة من حيث موقف الحكم عليها.

مرض ابن سلمى الطبيبة الديكارتية فعل كان الرد عليه لجوءها الى بركات المجذوب وتلقيها نبوءته ثم شفاؤه ..ومرة أخرى يمرر الكاتب إحدى وعظياته ( لاشيء أفظع من حياة الانسان ....إن مع العسر يسرا)
تتضافر مجموعة من هذه الافعال ليكون رد الفعل عليها تقاطر الناس على المجذوب لنيل البركات ثم انكشاف سره ليتحول الى مكان جديد وحياة جديدة لايعرفه فيها أحد ويبدأ مسيرته من جديد في تكرار فلسفي طوباوي لمسيرة الدراويش ( صلة وصل بين القادر وعباده ) كما ورد على لسان المجذوب في رده على الشاب اليائس
ثم يتحول مسار الأحداث فجأة ( طارئ ماحدث لا احد يعرف ماهيته .....ساءت حال العمال .. وكما غابت السيارة البيضاء عادت . لم يعر السيد المبجل اهتماما لتلك الارواح المقهورة ..... ) هنا يتحول رد الفعل الى فعل عنيف يتناسب والمواجهة الدامية التي حدثت بين المجذوب ورب العمل ..هذه المواجهة هي الفعل الرئيس في القصة وهي البؤرة التي كان يجب أن تتمحور حولها الاحداث ورغم ان الكاتب بنى الافعال الصغيرة ليصل الى هذاالفعل الكبير كانت مقولته واضحة ان الافعال الكبيرة لاتأني من فراغ ولا تحدث فجأة بل تحتاج عملا متواصلا متواترا متدرجا ..
فتكون اللعنة التي يطلقها المجذوب لتلاحق رب العمل وتأتي عليه وعلى عمله وتقوم الطيور بتنفيذ الانتقام المروع . ان فعل الطيور هو رد فعل على الظلم ..هو فعل رغم عنفه تنويري بالقدر الذي تتطلبه ظلامية القهر الواقع على الناس . فعل يذكرنا بالطير الأبابيل التي هاجمت جيش أبرهة دفاعا عن الكعبة ..ربما يبدو استحضارا بعيدا لكنه ورد ببالي في معرض تفكيري برمزية الطيور
إذ يأتي العقاب من جنس الإساءة
تتسلط طيور المبروك على منشآت رب العمل المسيء فتحيلها ركاما
ورمزية الطيور التي رافقته في مسيرته الباعثة للأمل ولكنها تتحول الى فعل عنيف مدمر عندما تنتهك حرمة العمال ويتعرضون للاضطهاد والنيل من حقوقهم من قبل رب عملهم
وتم استخدام الطيور برمزيتها للتاريخية والاسطورية
فالطيور هي الأمة الوحيدة من خلق الله التي تحافظ فطريا على خصوصيتها في الميل نحو الانعتاق وعدم التهادن ..وكذاك في الوفاء لصاحبها والعلاقة المميزة بينها وبين المبروك
وقد استعملت كثيرا في الادب لتحقق المقولات التي يريدها الكاتب ومنها العقاب المفروض بعد خرق قانون السرية الغامض للمبروك

أتمنى ان أكون قد وفقت في قراءة بعض معطيات النص وهو قابل لقراءات أخرى على مستويات متعددة تحية للكاتب المبدع ولفريق الواحة الرائع

عبد الرءوف هيكل

 بداية تحياتي أ. منال و كل الشكر لدعوتكم الراقية لتناول هذا النص
عندما نتناول نصا سرديا يجب ان نصنفه اولا هل هو قصة قصيرة او قصة طويلة أو رواية ؛ هذا النص يدخل تحت الرواية أكثر منه تحت القصة القصيرة أو الطويلة و ذلك لكثرة الأحداث و الشخصيات و الأماكن و الأزمنة
العتبة
"طيور المجذوب"
بداية لم يكن الرجل ( الشخصية الرئيسة) في القصة مجذوبا بالفعل بل كان كما قدمه الكاتب حكيما و علي لسانه قدم الدرس المقصود في القصة و هو أن الله هو من يمدنا بالعون ؛ برغم تعارض أحداث القصة مع هذا الدرس ، فالعانس تزوجت ببركة هذا الرجل و القعيد شفي ببركة هذا الرجل و اليائس وجد عملا و العنزة حلبت لبنا يكفي كل من في المقهى و المزرعة تدمرت بسبب غضبه. أليس هذا تناقض مع هذا الدرس!
المتن
الأحداث التي يتناولها العمل في العصر الحديث بدليل الهجرة غير الشرعية للشاب الذي تجاهل امه في البداية و ببركة المجذوب ارسل إليها ؛ و رغم هذا فالأحداث تدور في مكان أشبه بالأماكن في روايات نجيب محفوظ او روايات القرن التاسع عشر في الأدب الغربي. و ايضا اللغة التي استخدمها الكاتب علي لسان المجذوب لغة عالية جدا بالنسبة لهذه التي تتعامل مع أشخاص بسطاء في زقاق او حارة و مع عمال المزرعة!
كنت اتمنى أن يستخدم الكاتب هذه اللغة الثرية جدا و الممتعة علي لسان شخصية اكثر إلتصاقا بالثقافة و العلم من هذه الشخصية المستهلكة في الأدب العربي.
أعتذر إذا كنت أطلت و أتمنى الا أكون مزعجا و لكن هو النقد الذي يرتقي بنتاجنا الأدبي!
تحياتي للجميع

Zahraa Najii

 بالبدء أود أن اقدم شكري الجزيل للاستاذةمنال خطاب
لعملها الدؤوب والمثابر في هذا المنتدى الرائع
وشكري الجزيل لانها دوما تعمل لي اشارة
وانا احاول جاهدة أن الحق القافلة بكل مافيها
لكن عبثا ماذا عساني وأنا أركب دابة دب الضعف في أعضائها كصاحبتها ..
متع الله جميعكم بالصحة والعافية
وسوف أضع رأيي المتواضع بهذا النص الجميل( طيور المجذوب) بقلم كاتب قاص مبدع الاستاذ حدريوى مصطفى العبدي
(فكرة النص ) للوهلة الأولى وجدت نفسي اثناء القراءة
أمام موقف يحدث في رواية كبيرة بأحداثها التي تبحث عن الفكر الصوفي الذي طالما وجدنا اقلام مميزة كتبت عنه والامثلة كثيرة بدأ من رواية ( قواعد العشق الأربعون )
ورواية ( موت صغير)
فجاء في مخليتي رواية (جارات أبي موسى) للكاتب المغربي ( أحمد توفيق ) التي تتحدث عن شخصية أبي موسى صاحب الكرامات
واذا رجعنا أن اصول الكاتب من نفس البلد وماتحمله من البيئة وماتترك في نفوس ساكنها عندما يتعايش مع ظروفها
مابين الثقافة الفرنسية والعربية
مااجده في النص من دلالات ورموز يبحث في امور كثيرة من عنوان القصة (طيور المجذوب) لاحداثها والى نهاية القصة
لاجد ان بطل القصة يحمل تلك الكرامات ويحقق للعامة بعض من الامور المستعصية التي لاتتحقق ربما أو انها بعيدة المنال
كما حدث (لأم حسن، وحسناء، وحتى تلك الطبيبة التي لم تؤمن بالخرافات
حول كرامات هذا الغريب ليتغير بعدها فكرها عندما يشفى طفلها المريض بفضل كراماته
ليزداد يقين الناس بيه
الذي شاع في الفترة الماضية القريبة والحالية ايضا ان بعض البشر لهم القدرة عل فك الرموز وفك ااسحر والشعوذة ولا انتقص من فكرة القصة
اذا ماوجدتها تتبلور في هذا الشي
ذكر الكاتب العنزة وانها مباركة (كناقة صالح) والطيور
وكيف انها تأتي عل المحصول كلعنة او كعثه بسبب دعاء المجذوب عل صاحب الأرض كطير الابابيل مثلا
يخطر في عقلي سؤال
هل ان الكاتب من خلال قصته أراد أن يصل بنا أن هناك اناس لهم هذه القدرة العجيبة والكرامات التي تجعل من دعاءهم ميستجاب ليحقق للناس مايتمنون
بعيد عن أن بطل القصة أنسان ورع مؤمن يحمل في قلبه الزهد عن الحياة والرضا بمشيئة الله

مقدمة القصة والسرد كان مطول نوعا ما
كان ممكن ٱن يختصر
وممكن أن يطول بالقدر الذي يريده الكاتب فتكون مشروع رواية
(لغة القصة) جميلة ثرية فقط تخللتها بعض الالفاظ الدارجة العامية
(السرد والوصف) استخدم الكاتب مهاراته بشكل جميل لينتج هذه القطعة الادبية بمهارة
ولا يخفى علينا قلمه القوي كمدرسة نتعلم منها
تحياتي مودتي 

محمد الرحالي

 المجدوب في العرف المغربي من رجال الصوفية عابد، زاهد، تخرج من فمه الحكمة وتظهر على يديه كرامات لا تحصى، وقد يكون شاعرا ( زجالا) يحفظ الناس شعره عن ظهر قلب عبر أجيال متلاحقة وسيرته بين الناس جليلة وعظيمة لا ينقطع خبرها مهما طال الزمان.

والمجذوب في قصة أديبنا الرائع رجل يدعو الناس أن يستغفروه وألا يجعلوا بينهم وبين الله تعالى واسطة وأن لا ييأسوا ...كقوله لأم حسن.
" استغفري الله أولا"
وقوله لرواد المقهى
" لا تيأسوا من رحمة الله، شدوا الرحيل إليه وأنتم ضعفاء ينصركم... "
وقوله للحسناء التي تصدقت عليه بقميص أخيها.
" استغفري الله، فلا ذنب أكبر من اليأس من رحمة الله..."
وقوله للذي أسقطه وأدمى ركبتيه.
" ... ولا تتخذ لك بعد اليوم مع الله وسيطا "
وهو كذلك في هذه القصة - ذات النفس الطويل التي أعتبرها مشروع رواية - يختلف عن المجاذيب الذين عرفناهم من خلال الروايات الشفهية فهو :
* يلبس دجينا وقميصا
* خبير بالكتابة والقراءة
* يتكلم بلسان أجنبي بطلاقة
* من رواد المقهى
* يأكل كروسان برشاقة ونبل
* يمسح يديه بمنديل ورقي
* مدخن
* يعرف غاندي ومارتر لوتر كينغ * يملك سيارة ليموزين سوداء
* يرضى العمل
* وووو وأشياء أخرى
مع العلم أن المجاذيب عندنا إما ينقطعون عن العالم وينزون في الجبال حتى يشاع خبرهم فيتخذون مزارا رغم أن بلوغ مكانهم فيه مشقة وتعبا، خاصة حين يذكر عامة الناس أنهم
وجدوا عندهم فاكهة الصيف في فصل الشتاء.
وإما نجد هؤلاء المجاذيب متسولون يهيمون في الأرض طولا وعرضا وينسبون أصلهم للنسب الشريف.

الكاتب في قصته اللولبية والتدويرية هذه يستهلها بمقطع ترِد أحداثه بنهايتها، ولو وضعت شرطتان بين المقطع الإستهلالي والمقطع الأخير لما أحسسنا بفجوة بين المقاطع المتلاحقة.
الراوي العليم يخبرنا أن الذي جعله الناس مبروكا وصاحب كرامات أتى من حيث لا مكان وهذا ما لا يقبله عقل مادام يعيش في دنيانا وأظن هذه الجملة تشبه ما قاله إليا أبو ماضي
" جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت "

تتوالى الأحداث ويحدثنا القاص عن الطبيبة الديكارتية التي لا تؤمن بخرافات أهل الحي، لكن مباشرة بعد زيارتها له في المكان المتواجد به لتعطيه طائر ابنها المريض يشاع أن ابنها شفي الأمر الذي جعل الناس يزدادون يقينا ببركته وأصبحوا يحجون إليه من كل حدب وصوب، مما جعله يقرر مغادرة المكان والقبول بدعوة الشاب الذي استوقفه، للعمل في المزرعة ناطورا.
ولكن ما لا أفهمه لماذا اختارته دونا عن غيره لتعطيه طائر الحسون الذي صار بقدرة قادر خمسون حسونا فيما بعد، حتى ولو كان مربيا للطيور فهي بفعلها تصنع جسرا للتواصل بينها وبينه وأمثال هذه لا تفعل ذلك حتى ولو كلفها إطلاق طائر الحسون في الهواء.
بعد هذا الحدث يصف الكاتب الأحداث اليومية التي تقع داخل المزرعة التي أصابتها بعد ذلك جائحة أتت على كل ما فيها فأصبحت خالية على عروشها بسبب صاحبها المتجبر الذي رفض أداء مستحقات العمال وبسبب محاولته دهس المجذوب بسيارته الذي رمى عليه لعنته.

" لينعلك الله، بل لينتقم منك حتى يراك صحبي هؤلاء محسورا، مذموما، كسيرا، تستعطف ولا تجاب "

وهذا يأكد ما ينفيه المجذوب عن نفسه.

" أولا لتعلم إنه لا بركات لي "

(وحتى لا أنسى وأواصل الإسترسال في قراءتي المتواضعة للنص أود أن أنبه أستاذي الكريم أنه أخطأ سهوا في كتابته ليلعنك )

أظن أن نواة القصة كلها وحدثها الأبرز ما وقع في المزرعة ولا أدري لماذا أقحم الكاتب أحداث الحي بالقصة مع العلم أنه كان بإمكانه وباستطاعته خلق أحداث وليس حدث وحيد تبين كرامات المجذوب وسط المزرعة.

الطيور التي فتح لها المجذوب القفص وتركها تغادر سجنها على قول الراوي قبل أن يغادر المزرعة هي التي أصبحت تخرج من حيث لا يدري الناس لتأتي على ثمار الفراولة وهذا يتعدى المنطق فكيف لخمسين طيرا أن يحويها قفص واحد.

" قبل أن يتعدى حائط المزرعة فتح القفص وترك الطيور تغادر سجنها "
وكيف أصبحت تأتمر بأمره بعد أن نالت حريتها منه بما أنه تركها تغادر سجنها.
حين "نادى صاحب المزرعة على بعض العمال ليثنوا صاحبهم"
أجابوه بأنهم لا قبل لهم به. كيف عرفوا بقوته الخارقة (مجذوب ) والسارد العليم لم يذكر لنا شيء حدث في المزرعة يجعلهم يخافونه بهذا الشكل.
قبل أن أنتهي من قراءة القصة اعتتقدت أن فاطمة من أهل الحي الذي أخذ نصيب الأسد من أحداث القصة لكني بعد انتهائي من قراءتها وجدتها منفصلة عنه تماما ولا تمت له بصلة، والكاتب قد حدد دورها في أحداث القصة وجعلها شاهدة فقط على ما أصاب المزرعة من لعنة، وهي بالنهاية مجرد عاملة لا أقل ولا أكثر.
لكن الذي يقرأ الغير محكي يجد أن الكاتب أخفى بين السطور من خلال حديث مريم مع صاحب المزرعة علاقة غرامية كان الحب فيها من طرف واحد، وإلا لما هي بالضبط من دون العمال الآخرين من شدها الحنين إلى ذلك المكان ولم تستطع نسيانه رغم مرور سنوات غير قليلة.
القصة مازالت تخفي الكثير من الأحداث الغامضة والمبهة وتطرح العديد من الأسئلة:
- كيف أصبح المجذوب غنيا يملك ليموزين ويتصدق على مريم بالمال ؟

برأيي أظن قصة طيور المجذوب تصلح أن تحول إلى رواية فالقصة فستان (فضفاض ) يخفي أكثر ما يبدي من مفاتن.
تحيتي لك أستاذي مصطفى على هذه القصة الشائقة الماتعة وعلى أسلوبك الجميل ولغتك الطيعة التي أغبطك عليها

 

لطيف عبد سالم

البُعدُ الروحيّ في معالجةِ أزمات الإنسان المعاصرة... قراءة في قصة طيور المجذوب للكاتب المغربي حدريوي مصطفى العبدي
لطيف عبد سالم
ضَمَّنَ الكاتبَ المغربي حدريوي مصطفى العبدي فضاءه السردي في قصةِ (طيور المجذوب) أكثر من قصةٍ في سياقِ عرضٍ متواصل. وقد كان القاسم المشترك في عموم حبكته السرديَّة خليط من الألم والأمل؛ تجسيدًا لتداعياتِ جملة قضايا استمدت حضورها في الحياة العامة من واقعٍ مأزوم.
اعتمد الكاتب في صياغةِ ثيمة قصته موضوع بحثنا على معطياتِ البيئة الإجتماعية التي يعيش فيها، ونحن لسنا بعيدين عنها. ولعلَّ أهم ما يميز البيئة المذكورة هو أنَّها خصبة بالحيْرَة والقلق، بالإضافة إلى ما من شأنه أنْ يقودَ إلى استجابةٍ مرتفعة للاضطراب النفسي بعد أنْ تسللَ الخوف بشدةٍ إلى نفوس أناس تلك البيئة، واقترب منهم أكثر فأكثر، فأصبح اليأس يُخيّم على مشاعرِ الملايين منهم في ظلِ ما عاشوه من خيباتٍ وأوجاع وانكسارات، الأمر الذي أفضى إلى جنوحِ الكثير منهم إلى ممارسة بعض الطقوس الشائعة منذ زمن بعيد. ولعلَّ دكة المجذوب خير مصداق على ما تقدم، حيث اعتقدت شريحة واسعة من الناس، أنَّ بإمكانها أنْ تساهمَ في تحقيقِ أمنياتهم، وتقلص مما تعرضوا له من إخفاقات، وتمنحهم قسطًا من العدالةِ التي ترسم البسمة على وجوهِهم.
شكوى الناس من تزايد همومهم، فضلًا عمَّا صار إليه حالهم، يعبر في واقعِه الموضوعيّ عن آثارٍ واضحة لإرهاصاتِ ذلك الواقع المتأتي من إعاقةٍ مستدامة لإدارة ولاة الأمور أحوال الرعية، والتي تتجسد بالاستناد إلى الحقائقِ التي لا غبارَ عليها في الإجراءاتِ المتعثرة والمخارج القلقة لأزماتِ الإنسان، ما يعني وجوب ضرورة مقاومة اليأس، واللجوء إلى خيارِ التغيير الحاسم.
بحسبِ مجريات القصة هذه، وما تضمنته وقائعها من دلالاتٍ وإشارات، فإنَّ جميعَ الإدارات بما تباين من قوانينِها الوضعية ليس بمقدورها أنْ تُحدثَ شرخًا في مسبباتِ هموم الإنسان ومعاناته قصد تقليص كينونتها؛ لأجلِ أسعاد البشريَّة وتخليصها من أدرانها، فأمر التغيير المرتجى منوط حصريًا وبشكلٍ أساس بالجانبِ الروحي، بوصفِه الوسيلة فاعلة الأثر لهذه المهمة الكبيرة التي شغلت - وما تزال - تشغل المُجتمع الإنساني برمته، والتي تقوم آلياتها على التقرب من الله تبارك وتعالى. وهي من أبلغ الرسائل التي لا ينقطع حبلها، والتي توجب أنْ يجتمعَ حولها الناس على اختلاف مشاربهم وتباين درجة تفكيرهم؛ لِمَّا تفضي إليه من مودةٍ ووصل للقلوب، فالمسار المذكور يستوجب التمسك بالتعاليم الدينيَّة التي تحرص على إلزامِ الفرد التقيد بقيمِ الخير، والمثلِ الفاضلة، واتباع السلوك الإنساني النبيل.
يمكن القول بأنَّ جدليةَ الألمَ والأمل شكت العمود الفقري لجملة المشاعرَ الإنسانيَّة المتباينة والمتناقضة التي جاءت متأرجحة في سياقِ أحداث القصة ما بين معطيات الحب والخوف والبغض والغضب والتشاؤم، إلا أنَّ الإنسانَ بالاستناد إلى رؤية كاتب القصة لا ينبغي أنْ يغلقَ باب الأمل تعبيرًا عن استبعادِ حصولَ الفرَج، فالأمل يُعَدّ بلسمًا لداء اليأس والقنوط، إذ أنَّ اليأس رزية كبرى تطفئ سراج الحياة التي ليس بوسعِها الاستمرار بمعزلٍ عن الأمل.
في رسالته البليغة، وما اكتنفها من عبرٍ ودروس من صلب الحياة، يبدو أنَّ الحدريوي استمد آفاقها من منابعٍ صوفية مفعمة بالمودةِ والتسامح والدعوةِ إلى قيمِ الخير، ونشر بذوره، لكنها كانت متأثرة إلى حدٍ ما بموروثاتِ أديانٍ وعقائد مذهبية مختلفة لا أريد الخوض في تفاصيلها هُنا!.

إنَّ سلاسةَ أسلوب كتابة طيور المجذوب، و الطريقة التي اعتمدها كاتبها في التعبير عما يجول في خاطره، فضلًا عن تباين معاناة الشخصيات التي جرى اختيارها، لا تمنع من يطلع على القصة هذه من إبداء بعض الملاحظات وكما مبين تاليًا:
1.
أرى أنَّ كاتبَ القصة المذكورة كان بوسعه أنْ يعمدَ إلى إكسابِ قصته مزيدًا من الأناقةِ بالركون إلى تقنين عدد الشخصيات الفاعلة في سياقِ أحداثها؛ بالنظر لتشابه أدوارها، ووحدة مقاصدها، إذ أنَّ رشاقةَ القصة لا تسلب الكاتب إمكانية خلق عمق أدبي بقيمةٍ إبداعية. ولو أبحرنا بإمعانٍ في الحكاياتِ التي نسجها حدريوي في سياق قصته، لوجدنا أنَّ جميعها تتمحور حول رؤية واحدة لهدفٍ واحد يتخلص في مواجهة اليأس بالتضرع إلى الرحمن في مواجهة اليأس والقنوط.
ا. حكاية أم حسن:
"
رد وابتسامة تضيء وجهه الملوّح بالشمس، والقر:
استغفري الله أولا، فلا ذنب أكبر من اليأس من رحمة الله، ولا أشد سوءا من القنط من مدد الرب، سأفعل بما تأمرين، وتفاءلي خيرا"
***
ب. حكاية العنزة:
- "
استغفروا الله حين يداهمكم اليأس من رحمته، فلا حياة لكم إن لم تحسوا بوجود الله معكم وأنتم تسيرون في دروب الابتلاء."
***
جـ. حكاية الفتاة العانسة:
"
قاطعها بضحكة خفيفة، وقال لها بكل لطف وطيبة:
استغفري الله، فلا ذنب أكبر من اليأس من رحمة الله ولا أشد سوءا من القنط من مدد الرب، لربما الخير قادم، فقط هو آت من بعيد، ويحتاج لوقت أطول... الصبح قريب إن شاء الله !."
***
د. حكاية سلمى الطبيبة الديكارتية:
"
تأملها المجذوب مليا وقال لها:
ـ هوني عليك يا سيدتي، سينفطر قلبك، وتغادرين وأنت حزينة هذا العالم.. ولا شيء أفظع في حياة الإنسان أن يقضي وقلبه مفطور، وثقته في الله ورحمته مهزوزة، استغفري الله وتوبي إليه، فإن مع العسر يسرا. إن مع العسر يسرا".
***
هـ. حكاية الشاب العاطل عن العمل:
"
ضحك المجذوب وقال له:
-
أولا لتعلم إنه لا بركات لي، وأن حاجتك قضيت لإيمانك بي، وإني صلة وصل بين القادر.. وعباده، ومن يومن بالصلة حتما إيمانه بالقادر حاصل، فاستغفر الله ولا تتأخذ لك بعد اليوم مع الله وسيطا؛ ثانيا عرضك أقبله، فقد جاء في الوقت المناسب، فشكرا لك يا سيدي.".
2.
استخدام الحدريوي منهجية مختارة تضمنت المقدمة والمتن والخاتمة بفواصلٍ تميزها عن بعضها، جعل القصة بشكلها العام قريبةً من المنهجيةِ المعتمدة في إعداد البحوث، إذ كان بمقدوره ربط مضامين العتبات الثلاث باطارٍ قصصي واحد من دوُن اللجوء إلى التخصيص في العنوانات، مع العرض أنَّه أجادَ في مهمة ربط الأحداث كما هو الحال في مسالة طيور المجذوب عند مباغتتها المزرعة، وتدميرها ثمار الفراولة في غزوةٍ قد تبدو مشابهة لجائحةِ كورونا التي أقضت مضاجع البشريَّة في عالمِ اليوم.
3.
اعتماده مفردة بلفظها الدارج محليًا في بعض المُجتمعات العربية المحلية وهي: (لينعلك الله).
ختامًا أشد على يد الكاتب حدريوي مصطفى العبدي، وأبارك له عمله الأدبي هذا، متمنيًا له دوام العطاء المتجدد.

نهى محمود

قصة جميلة عميقة بأحداثها وسردها المحكم.. لا أعلم أراها قد تكون فصل في رواية.. ولكنها كانت شيقة كقصة قصيرة..
أرى الكثير من القراءات النقدية وذلك السعادة القصوى لكاتبة مثلي تهوى الاستفادة ورؤية ما غاب عنها والاستمتاع بتحليلات نقدية لكبار الكتاب..
وكل الشكر لأستاذتنا الغالية 
منال خطاب على هذا الجهد في إفادتنا وإخراج لقصة الشهر وتحفيز هذا الحوار النقدي الماتع البناء..
مبارك لك ا. 
حدريوي مصطفى العبدي على فوز قصتك بالتوفيق دائما

 

منى نآصر

 



تحية طيبة للقائمين على هذه المجموعة العريقة، مع شكر وامتناني لأستاذتي
منال خطاب على جهودها المبذولة ومتابعتها الحثيثة وللدعوة الطيبة🌹
........
رؤيتي في قصة (طيور المجذوب)
للكاتب والقاص المبدع الأستاذ/ حدريوي مصطفى العبدي

...
أولا
حمل مضمون وشكل القصة الآتي:
_البعد الروحي (الصوفية)
_البعد الجغرافي (الزمكان)
_البعد الثقافي (المصدر)

ثانيا
القصة أخذت شكل الرواية المُصغرة، كونها جمعت شخوصا عِدة، وتفاصيل متشعبة، وأكثر من حدث..

ثالثا
اتسمت القصة بجزالة اللغة، وترابط السرد المتقن رغم طولها مع تناقض بسيط حملتها بعض الجمل وأحدث خللا إلى حدٍ ما في وصول المقصد الروحي الذي تبناه بطل القصة.

رابعا

كانت القصة أقرب للوعظ، وابتعدت عن المؤثر والاستجابة (المسؤولان على شد وجذب انتباه القارئ)، وذلك بسبب الخضوع للواقعية التي تجعل من قلم الكاتب مُحاصر لنقل الصورة كما هي، رغم أن هذا لا يتنافى من تقليل ذلك وخلق حدث خيالي خاصة في مقدمة القصة ومدخلها الذي بدا ثقيلاً.

خامسا

يُفضل في القصة أن يقلل من الحوار، وإن وجد فالأحرى أن يكون للضروة القصوى، فالمحافظة على أسلوب الراوي العليم أو المخاطب يكسب القصة زخما أكبر لاستيعابها..

هذا ما أحببت المشاركة به وخاصة لوجود قراءات متعددة فيمن سبقوني من الأساتذة النقاد الأفاضل.. بالتوفيق للجميع.

محسن الطوخي 
تحياتي لك ولرؤيتك صديقتي منى ناصر، قدمت عرضا مرتبا يحمل وجهة نظرك، وهي جديرة بالانتباه، وتستحق التقدير.
إلا أن لي تحفظا واحدا على ماورد في تعليقك من تفضيل تقليل الحوار في القصة القصيرة.
وهذا رأي قاطع، وعلى إطلاقه، ولا يتفق في الحقيقة مع واقع الحال.
الحوار صديقتي واحد من اهم اركان القصة القصيرة إن اعتبرنا أركان القص تاتي في تلمرتبة الثانية من الأهمية بعد خصائص القص.
وهو من المهارات المتاحة للكاتب، ويفي بكثير من المهام كالتعريف غير المباسر بالخصائص النفسية للشخصيات، كما انه وسيلة لاستعراض المعلومات عن السخصيات الثانوية، وعن تفاصيل، وخلفيات الحدث، كما أنه يكشف إضمارا نوايا الشخصيات، ويكشف تحولانها، وانتماءاتها.
أما عن كيفية استخدامه في القص، فإنما يرجع ذلك إلى خطة الكاتب، وإلى مدى احتياج التجربة القصصية. لا يمكننا الحكم على إطلاقه بالاقتصاد في الحوار، او الافراط فيه. فلكل تجربة خصائصها واحتياجاته.
أذكر اننا نشرنا منذ سنوات قصة لكاتبة إفريقية من أربع صفحات لم تستخدم إلا الحوار، ولا توجد جملة سردية واحدة. واعتبرتها وقتها من أفضل ماقرأت. يأحاول أن أعثر عليها، وأظهرها.
خلاصة القول هو انه لا يصح التعميم في هذه المسألة، فقد يستخدم القاص الحوار بطريقة مفرطة تتسم بالسذاجة، والتكرار فيلام. أما إن استخدمه بحرفية لتحقيق المقاصد السابق ذكرها فقد حالفه التوفيق.
مع وافر تحياتي

داليا رأفت

 

 كل الشكر لأستاذتنا منال خطاب على إشارتها الكريمة

القصة الرائعة طيور المجذوب
المرة الأولى لقرائتها شعرت ببعض التطويل والإسهاب في بعض المواضع.. لكن في القراءة الثانية، وجدت أنه ناسب الموضوع وربما كان ضروريا لمعالجته. إنها من النصوص الباذخة معنى وفكرة و أسلوب ولغة.. أستطيع أن أقول أنها قصة معلمة.. ومن النصوص التي يجب قراءتها أكثر من مرة للتعلم والمتعة أيضا.

الشكر والتقدير للواحة ومبدعيها والقائمين عليها.
وكل التقدير للأستاذ حدريوي مصطفى العبدي

 

بوح الياسمين

 انطباعاتي حول قصة طيور المجذوب للأديب حدريوي مصطفى العبدي
________________________________________________

لن أتطرق إلى النقد الأدبي للنص،والذي له أصوله وأهله، ولا أجدني جديرة بخوضه.لكني أسجل انطباعاتي كقارئة حول فكرة النص ومغزاه،بدءاً من سمات الشخصية المحورية .

القصة تدور حول رجل مجهول الأصل والمنبت يأتي إلى قرية ما، ويتخذ سكنه فيها من دكة تظلها تينة تدلت أغصانها من سور دار مهجورة.
سمات الشخصية المحورية في النص:
=========================
أولاً: أنه ليس متشرداً معدماً بل هو إنسان كان ذا مال وأهلٍ وعلم ( يشرع ينثر أوراقاً وصوراً ) الأوراق هنا تشير إلى مستندات ربما كانت شهادات علمية أو شهادات ملكية عقارية، توحي بأنه ربما عرض للرجل أمر حياتي جلل أو وقع عليه ظلم كبير جعله يهجر بيئته ويزهد في الحياة ، فضل الكاتب أن يشير إليها دون شرح واف. وتتأكد هذه السمة من خلال ملاحظة أهل الزقاق أنه يتكلم الانكليزية والفرنسية مع السياح، ويخوض في عبر الماضي ( ثورة الملح مع غاندي، ومسيرة المليون مع مارتن لوثر كينغ … ) ويقدم المال لأم حسن ، ولفاطمة، ثم في فقرة ( شرب القهوة وأكل الكروسان برشاقة ونبل ، مسح يديه بمنديل ورقي … ) كلها دلائل على أنه شخص متعلم كريم اليد ومتحضر .

ثانياً: مع تطور السياق نجد أنه ليس (مجذوباً بمعنى الدرويش أو العابد المتصوف ) تقليدياً مثل الذين تزخر بذكرهم ذاكرة التراث الشعبي في البلاد الإسلامية قاطبة والتي يبدو فيها المبروك رجلاً منقطعاً للعلم الديني والتأمل والزهد والتصوف والحكمة حتى ترفع عنه الحجب ويحلق في ملكوت الله وتغدق عليه الكرامات العليا.بل إنه تصور يولد ويترعرع في ذهن المجتمع المحيط به بعد حادثة أم حسن التي تتلقى رسالة ونقوداً من ابنها الغائب منذ خمس عشرة سنة ويبدو أنه من كتب الرسالة وضمنها النقود، فينسبون إليه (الكرامات) التي لا تعدو كونها محض مصادفات ( العنزة، العانس، وابن الطبيبة) ويصر هو نفسه على اعتبارها هباتٍ إلهيةً بحتة لا فضل له فيها ويعظ القوم بالتوكل على الله ونبذ وساطات الأولياء والصالحين الذين لا يملكون من الأمر شيئاً، لكن الأحداث المتتابعة تزيدهم تمسكاً بتقديسه .

ثالثاً: نرى الرجل يضيق ذرعاً بصفة (المبروك) التي يسبغها عليه فيها الناس ، حتى يتمسح به ذوو الحاحات ويحج اليائسون إليه لقضاء حاجاتهم محملين بالعطايا التي لا يقربها بل يتركها للمحتاجين .
وهنا أجد تناقضاً في سلوك الشخصية عندما يقول لمن أجيب سؤله وحصل على وظيفة بعد أن تمسح به ( اعلم إنه لا بركات لي، و أن حاجتك قضيت لإيمانك بي وإني صلة وصل بين القادر وعباده ومن يؤمن بالصلة حتماً إيمانه بالقدر واصل ) أعتقد أن تركيب العبارة به خطأ ما ، فبدت وكأنها دعوة صريحة للشرك واتخاذ الوسيط بين الله وعباده لا أعتقد أن الكاتب قصدها، خاصة أنها تناقض الجملة التي أتت بعدها( فاستغفر الله ولا تتخذ لك بعد اليوم مع الله وسيطاً )

رابعاً :( المجذوب) يعود إلى السعي من أجل الرزق الحلال وممارسة حياته العادية إذ يستغل أول فرصة لكي يترك القرية ويذهب إلى ضيعة الفراولة التي تؤتي أكلها رغداً وتغدق الخير على صاحبها وعلى العاملين فيها ، ويعمل ناطوراً يعلم الطيور أكل الثمار، ربما في إشارة إلى الحديث الشريف( فلا يغرس المسلم غرساً فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا طير إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة )
لكن صاحب الضيعة يطغى ويبدأ بمنع العاملين أجورهم، فيتصدى له ويدعو عليه وقبل أن يمضي يطلق طيوره لتأتي على الزرع والضرع ويدعو عليه لتصبح خاوية على عروشها، وهذا يتنافى مع سلوك الزهاد الدراويش الذين ينقطعون للعبادة والتأمل و يعطفون على المسيء المذنب أكثر من غيره، لا يدعون ولا ينتقمون بل يتركون أمر الخلق للخالق.

خامساً: يتكرر ظهور ( المجذوب) في القرية ثم يختفي عندما يعود أهلها لسابق عهدهم في تقديم العطايا إليه بين يدي حاجاتهم. وفي المشهد الأخير يعاود الظهور في ضيعة الفراولة متخفياً، إلى جانب المالك الجاحد لأنعم الله وفاطمة الفقيرة المعدمة التي بخسها حقها مثل باقي العاملين، معلناً عن رغبته في التوبة وأمتيته في عودة لاعنه (المجذوب) كي يتوب على يديه، متجاهلاً أن التوبة تكون بالندم على الذنب والإقلاع عنه والإسراع بعمل المعروف وإيتاء العباد حقوقهم ثم إعلان التوبة بينه وبين ربه الذي هو وحده غافر الذنب وقابل التوب.


الفكرة والمغزى:
=====================
يدعو الكاتب في نصه إلى الاتكال على الله ونبذ فكرة التوسل بأصحاب الكرامات لتحقيق الغايات وقضاء الحاجات وكأنه يشير إلى أن مجتمعنا هو الذي صنع (مجاذيبه) بيديه وألبسهم رداء الكرامة على مدار التاريخ ، ثم صدق الخدعة واستمر في غيه متبركاً بهم متمسحاً بأعتابهم وقبورهم، وهي ذات العقلية التي ماتزال تحكمه وتدفعه لذات الممارسات الضالة، بينما الكرامات متاحة للعباد يؤتيها الله من أحسن الإيمان واتكل على ربه واستغفره ، فيجده غفاراً يرسل السماء عليه مدرارا ويمدده بزينة الحياة الدنيا .

أخيراً، مدلولات الطيور التي احتلت مساحة مهمة في النص من العتبة حتى الخاتمة.

الطير الأبابيل، التي ورد ذكرها في القرآن، والتي نزلت على جيش أبرهة الأشرم عندما أراد هدم بيت الله ، فرفع عبد المطلب سيد قريش ( المشركة ) يديه إلى السماء دون وسيط موقناً بقدرة الله: " إن للبيت رباً يحميه"

والطير من التطير عادة قديمة عند العرب منذ الجاهلية ، حتى أتى الإسلام ونهى عنها كما ورد في الحديث الشريف ( لا عدوى ولا طيرة وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه)
يشير الكاتب إلى أن الطيور التي كانت في حوزة (المجذوب) ارتبطت بالكرامات لأن عمل صاحبها طيب متقبل، وهي نفسها عندما أطلقها لازمت عنق الظالم ( مالك الضيعة) فكان سلوكها انعكاساً لعمله الخبيث وأكله أموال الناس بالباطل، وأصبحت لعنة أتت على الأخضر واليابس كأنها طير أبابيل ترمي رزقه بحجارة من سجيل.

أرجو أن أكون قد وفقت في رؤيتي المتواضعة لنص الأديب المبدع حدريوي مصطفى العبدي

 

Nabeel Najjar

 تأصيل:
كلمات مثل: السالكون، الواصلون، درويش مجذوب، صاحب طريقة، العارف بالله،.......
ضيعت الدين وضيعت الأرض وسحبتنا في مجال التخلف والعداوة والتفرقة، أصحاب الحلول قتلوا أصحاب التجسيد، وأصحاب الظاهر سحلوا أصحاب الباطن ومازالوا ومازلنا.
زرعت ترهات الوصول، وأصحاب االكرامات في العقول البليدة، فصاروا أولياء وصرنا نتمسح بقبور الأولياء، لا أذكر من قال الأيدي الكسولة تسد ابواب السماء.
تأسيس: عندما قرأت القصة أول مرة الشهر الماضي قلت انها درس يحتذى في أهمية تأسيس أي حدث
فلايجوز إقحام شخص أو موقف من العدم .
يومها ضربت مثلاً بالطيور التي جعلها الكاتب عنوان قصته، الطيور التي جمع منها خمسونا، كأعطيات ورد جميل، علمها اكل الفراولة لتصبح في النهاية لعنة على صاحب المزرعة وتنتقم بأكل المحصول كالجراد.
وهنا اضيف أن الكاتب ببراعة أسس لزرع بذور الشك في شخصية المجذوب منذ بداية النص تقريبا، فهو يتكلم بأكثر من لغة، ويلقي خطبا عن مشاهير أجانب، ثم يزداد الشك اكثر عند ظهور بعض النتائج الغريبة لمساعدته لأشخاص القصة حتى يتهمه بعضهم بأنه جاسوس،
ليتضح في النهاية بأنه كان شخصا ثريا يلعب دوراً ما ومتخفيا بإزار درويش.
أؤكد على كلامي السابق بأن القصة تعتبر درساً منهجيا في عدم القفز فوق الأحداث والشخصيات وضرورة رسمها بتخطيط مسبق بحيث لايصدر منها أفعال شاذة عما رسم لها وحدد مسبقاً.

Maisoun Al Saadi

 

 سرد ممتع وشيق أخذنا حتى آخر كلمة...أوصل الكاتب رسائل إنسانية واضحة المعالم عن طريق بطله...لا خلاف اذا كان البطل صوفيا أو علمانيا. ...الغاية هي دفع الحقوق ومشاركة الآخرين آلامهم وتقديم يد العون
وقدم مفهوم جميل للسعادة والأكتفاء كلنا يبحث عنه بطرق مختلفة قد تنجح وقد تخيب
برأي لم يكن داعي لذكر غاندي ومارتن لوثر كنج. ..قد جنحت القصة شيئا ما إلى التعليم والمباشرة ..ولكن بالنهاية هي أبداع ملفت نتعلم منه ونزداد خبرة
كلمة الأبناك أتت غريبة عنا وقد اعتدنا كلمة البنوك
كل الشكر للكاتب المبدع ولنقله لنا أجواء المغرب العزيز والشكر لفريق العمل على خياره الموفق لهذا النص الرائع
لا إطالة بالنص لأن من صفات الأدب تحقيق المتعة للقارىء وهذا قد تحقق

 

Ismail Mosaad

 

 منذ الوهلة الأولى أدركت أنني أمام قلم قوي بلا شك. يمتلك خزينة لغوية متخمة، تنم عن امتلاك أدوات الكتابة الإبداعية بأريحية، تجعل السرد منسابا كما الجدول. علاوة على الدلالات الواسعة والمسكوت عنه الذي يحمله النص، وثراء الحكي رغم الإسترسال بالحوار والوصف. والذي فرض على وعي المتلقي أجواء رواية وليست قصة قصيرة. وذلك ما حرم القارئ من المساحات البيضاء الصغيرة التي يفترض بالقصة القصيرة تبنيها ليسهم القارئ بوضع نقاط الوصل. ولكن صديقي أصر خلال السرد على توصيل كل شاردة وواردة لقارئه بعناية شديدة مركزا على جمال العبارة في لغتها، ولم يعتمد على تداعيات المعاني المختصرة لرنين العبارة، فخاض سرده بحب لغوي متوحش. جعل من كتابة تعليق يليق بالقصة أمر شاق ومرهق. شكرا جزيلا لصاحب القلم وللقائمين على العرض، ومتع الله الحضور جميعا بالصحة والعلم، شكرا لوقتكم

 

درصاف الذيب

 

 نص ممتع وجداني يلامس القلب و يفتح للقارئ سبل التفكر في قدرة النفس و كذلك معجزات الله اللامتناهية..

كتب النص ضمن نمط قريب من الرواية الدرامية و كنت حينما قرأته أتنقل بين الكلمات و السطور بنسق مطرد دونما ملل و هذا ما يحسب لكاتبنا الجليل..

استطاع استاذي حدريوي العمل بأدوات الرواية و نسج قصة متكاملة الأركان تستجيب لأسس القصة القصيرة في مضمونها و لكن بعيدة شكلا عن النص المكثف للقصة القصيرة..

كنت حينها أتخيله وهو يحمل كراسه و يحدد شخوصه في مشاهد متعددة.. ثم ينسج حولها أحداثه.. كحال كتاب الرواية جميعا..

عند الكتابة قام كاتبنا باستعراض درامي للأحداث.. يمكننا تعريفه على هذا المنوال ...
"
بداية القصة فيها اضاءة على العقدة من خلال تقديم الزلة و الإبتلاء ثم الوقوف على العقدة و أخيرا الانفراجة حيث تأتي بمعرفة مكنون الخطأ و منها غلق النص بشكل درامي فيه تقف الشخصيات على الأسباب و يقف القارئ على العبرة المستخلصة"..
وهنا نرى جانبا من الوعض أراد الكاتب نشره..

منذ بداية النص حتى أتى من حيث لا مكان..".. قدم كاتبنا فاتحة النص مبنية على زلة و ابتلاء ولكن استترت تفاصيلها من خلال الحوار الذي جمع صاب المرسيدس و فاطمة حتى يضفي التشويق ثم ومن خلال آداة الفلاش باك انطلق في الحكي حتى وصل بالقارئ عند أصلها.. "أرض صارت بورا بسبب لعنة أحدهم.."..

الأسهاب في النص كان عامل قوة فكان دعامة لإقناع القارئ بجدوى العقدة كاشفا عن ثناياها من خلال اقحام شخصيات عديدة أحدثت هي و أفعالها و حواراتها و أزماتها الصغيرة شخصية الحدث أو البطل المحوري وجعلته يعتلي منصب البطولة بجدارة.. ثم تتغير الأحداث فندخل في مرحلة عظمة العقدة، التأزم التأزم، فحتى بعد اختفاء السيارة و عودتها لا يتغير حال العمال و هنا تتأزم الأحداث بنحو لا يطاق بالنسبة للشخصيات و البطل في آن.. و كما تكون تفاصيل الحدث الدرامي في القصص القرآنية مثل قصة النبي يوسف..
يتضرع البطل الى قوة سماوية من خلال دعوة المجذوب على ظالمه صاحب المرسيدس البيضاء..
لم يكتفي كاتبنا بأن جعل الدعوة تتمثل في شكلها الدرامي المطروح من خلال تصوير مشهدي دقيق فقط بل نسجها بواقعية تظافرت فيها الأحداث السابقة لتحديد بنود الإنفراجة و منها الإنتقام...
نجد انفسنا أخيرا أمام انتصار إلاهي سمواي بأدوات طبيعية و فعل ضمني انساني" علم المجذوب طيور الحسون أكل الفراولة فكانت النقمة من مناقيرها"..
يسترسل البناء الدرامي لتصل قصة المجذوب إلى النهاية و الإنفراج..
يعود المجذوب قادرا بقدرة خالقه و تتقهقر صورة صاحب المزرعة بذات القدرة و كأننا امام صاحب الجنتين من سورة الكهف.. و هنا ادراك الخطأ و تتمة النهاية..

و يمكن اختصار هذا النمط الدرامي بابراز الشخوص المحيطة بالبطل في حالاتها الثلاث.. ضعف ثم قوة ثم ضعف من جديد..
وهذا البناء الدرامي جائز اذا ما كان هدف الكاتب رسالة إصلاح مجتمعية..
اللجوء الى التذكير بقدرة الخالق و تقدير قدرة المرءضمن حدودها على أنها ضعيفة تستوجب الإستجداء و التضرع إلى الله سبحانه..
أخيرا أرجو أن أكون أصبت فيما خلصت إليه أفكاري..
دام اليراع استاذي حدريوي مصطفى العبدي

 

الزهرة الصالح

 

 المجذوب، اسم مفعول، رغم أنه فاعل، يجذب الناس... بالحكمة! بالكلمة الموزونة! باللباقة والمرونة! أو ربما بالدهاء. له تأثير مغناطيسي على العقول اليائسة، البائسة...
من هو المجذوب؟! هل هو شخص اصطفاه الله؟! أم يدعي الاصطفاء؟! هل هو حقا مبروك؟! أم مجنون! أو يدعي الهَبَل...
لننظر "طيور المجذوب" ونرى ما خبأ لنا السرد، وما أخبرنا به الراوي المُصاحِب الذي لا يعلم أكثر مما تعلم الشخصيات الحكائية... يصفها وينتظر تحركاتها ليروي الأحداث دون إصدار حكم أو تدخل...
"طيور المجذوب" عنوان يحيلنا إلى أن للطيور دورا كبيرا في النص، لماذا؟ ما الغاية؟ ما الهدف؟ ما الحكمة؟ وهل مجذوب النص حقا مجذوب؟! هل له كرامات؟! كيف يراه الناس؟!...
يبدأ النص بحسرةِ امرأة (فاطمة)تقف على أرض "خاوية على عروشها" يبدو أنها فيما مضى كانت جنة مثمرة؛ وحسرةِ رجل يقف بجانبها – شخصية رسمية! أو مهاجر أتى من بلاد غربية أو ربما رجل أعمال( في المغرب أغلب من يركبون المرسيدس إما رجال أعمال أو شخصيات حكومية أو مهاجرون) - وتمنيه بعودة الماضي وإصلاح ما فات والذي يبدو أنه كان السبب في ما آلت إليه الأرض (...ليتها تعود ونبدأ من جديد وأكون...أفضل مما كنت عليه...آه...مني آه.)...
لينتقل بنا السرد إلى مكان آخر وزمن فات... رجل لا يُعرف من أين أتى، قوي البنية كث اللحية، طويل القامة لا يحمل متاعا إلا معطفا وعصاة(أهذا زهد أم فقر؟!)، لا غرابة في مظهره سوى قعدته القرفصاء، يتخذ من بيت مهجور مسكنا، من حين لآخر يسرح أوراقا وصور ثم يجمعها!
تأتيه أم حسن بشريط من تين جاف (في المغرب التين الجاف له دوما صلة بكل ما هو روحاني، يُقَدَّم للرجل الذي يقال عنه مبارك أو المجذوب، لشيخ الجامع في القرى، يوزًّع على الصبية كصدقة عند زيارة المقابر...) محبطة يائسة، فاقدة يقينها بالله؛ ليكتب خطابا لابنها المغترب، فيحثها على الاستغفار...ويكتب ويأتيها الجواب...
تأتيه العانس الفاقدة للأمل بقميص، يحثها أيضا على الاستغفار، فتتزوج...
ثم الطبية التي لا تؤمن إلا بالعقل والدليل والبرهان(الطبيبة الديكارتية)، حاملة ابنها المريض بالسحايا (
la méningite) فيدعوها للتوبة والاستغفار ويعيدها لليقين(فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا)، فيشفى ابنها...
تحوم حوله عنزة فيطعمها ولا تفارقه، تركض خلفه أينما ذهب، تسقيه الحليب وهو بدوره يسقي الناس...هل العنزة تائهة، أم ضاعت عن صاحبها أو الفريق؟... أم هي عنزة مباركة أتته ككرامة؟!
هل هذه صفاتُ وتصرفاتُ مؤمن عالم باليقين، أم مجذوبٍ مكروم؟!...
أجزم الناس على أنه مجذوب فأصبح مأواه مزارا للتبرك...
ونحن!... هل نراه كذلك؟!...
لقد تمسك السارد برؤيته المُصاحبة وأخبرنا في المقابل أن الرجل يرتدي دجينا وقميصا بدل القفطان والعمامة، يتقن لغتين( الفرنسية والانجليزية) بدل الاكتفاء باللغة المحلية، يذهب للمقهى لتناول الطعام بدل الجلوس على الأرض، يطلب "الكرواسان" بدل الخبز، مثقف، منفتح على العالم، ملم بالتاريخ، يدعو للتضامن، للحرية...لم يدّعِ أنه مجذوب ولا أنه مبارك(حث الناس على التوبة والاستغفار والتوكل على الله). ولكن الناس لم تعِ ذلك ولم تستوعبه، وازداد يقينها ببركته يوما بعد يوم وزاد التمسح، وكثرت العطايا، وفي المقابل كان هو زاهدا في كل شيء...
يبدأ العمل كناطور في مزرعة، بعد توسط شاب قال أنه حلت عليه بركته من قبل(سيدي كنت بلا عمل...تمسحت بك بقوة إيمانا ببركاتك...بعد يومين نودي علي للعمل...)، فيعمل بتفان وإخلاص، يطعم الطيور ولا يفارقها، يتصدى لرب العمل ليرفع الظلم عن العمال، ثم يعود إلى دكته ويختفي، فتتداول حوله الأقاويل! منهم من رآه يلقي الأخبار في إذاعة عالمية، ومن رآه في المطار، ومن اعتبره جاسوسا...
ويعود ثانية إلى أرض العمل بعد أربع سنوات، لكن هاته المرة ليس على رجليه بل راكبا ليموزين، ليجد طيوره أتت على كل الثمرات!!...

أتانا السرد بلغة جزلة، وأسلوب ماتع رغم كثرة الإطناب(ولن أقول الإسهاب)، وطوله، وكثرة الأحداث التي أراها أمتعت وأوضحت ولكنها بكل صدق أتعبتني "شخصيا" حين حاولت تحليل النص وكنت أحبذ التكثيف...
اعتمد السرد طريقتي التدوير والفلاش باك، بحيث بدأ من النهاية، ثم الأحداث التي تسبقها وأخيرا ختم بها، الشيء الذي زاد التشويق والفضول عند المتلقي لتتبع الأحداث...
أتى السرد على لسان الراوي المصاحب الذي لا يعرف بواطن الشخصيات وانفعالاتها ولكن فقط يرصد أفعالها وتحركاتها، ولا يعلم أكثر مما تعلم هي وتظهره، الشيء الذي جعله النص القريب للإخبار...
للتعريف بالشخصية الحكائية والإلمام بها اعتمد السرد بحرفية فائقة تقنية التناقض فجعل لها صفات وتصرفات تخص المجاذيب (أتى من حيث لا مكان...حط الرحال على ناصية الزقاق...اتخذ متكأ في ركن من دكة بيت مهجور...كث اللحية، يجلس القرفصاء، هاديء، عليه هيئة الوقار، لا يحمل إلا معطفا وجوارب وعصا رغم أنه سليم البنية، ينثر أوراقا وصورا ثم يعيد لمها، لا يبرح مكانه إلا قليلا، يهتم بعنزة ليست له ويطعمها ثم يحلبها ويصفها بالمباركة...)، وفي المقابل أخرى تخص الإنسان المتعلم، المثقف، المساير للعصر، الذي يعتمد المنطق والعلم في تعامله(شخص عادي، يرتدي دجينز وقميص، خبير بالكتابة والقراءة، يتكلم الفرنسية والإنجليزية، يجلس في المقهى، يأكل الكرواسان، ملم بالتاريخ، ينصح الناس بحسن الظن بالله، يحثهم على الإيمان والاستغفار، يقر ويؤكد أنه ليس مبروكا، يشتغل ويكسب، يحزن، يحس أيضا بالضياع كباقي الخلق...)، يأخذنا السرد بعيدا جدا عن الزهد ويدخلنا في البذخ والترف "في النهاية يركب البطل المسمى المجذوب "سيارة ليموزين"، الشيء الذي يجعلنا نفهم أن النص يخصنا برسالة قوية، وقوية جدا؛ وهي أننا نحن من نصنع المجذوب، والمبارك، وووو... وذلك بيأسنا، وعمى بصيرتنا... وأن إيماننا بالشيء هو من يجعل لدينا القوة ويحثنا على الوصول للمبتغى، والأوْلى بنا الإيمان بالله، وأنه لا وساطة بين الله وعبده...
أما بالنسبة لطيور المجذوب فلم تَقِلّ رسالتها عن رسالته: اهتم بها البطل وأطعمها وهي راضية داخل الأقفاص، ولكنها بعد ظلم صاحب المزرعة حين جاعت ونالت حريتها، قضت على كل شيء وي كأن السرد يريد أن يخبرنا عواقب الظلم، وويل للظالم من المظلوم إن استقوى...
بالنسبة لبناء النص، لا أرى قصة قصيرة بمفهومها الحديث بحيث أنها لم تعتمد عقدة ولا حدثا واحدا ولا صراعا، أو تصعيدا، ولا اعتمدت الراوي العليم الذي ينقل الانفعالات والأحاسيس، ولا عرفت بالشخصية الحكائية وجعلتها مبهمة حتى الأخير(على الأقل بالنسبة لي)، بل صيغت بطريقة كلاسيكية مركزة على هدفها ورسالتها السامية، وهذا إن دل، إنما يدل على حرص الكاتب أن يكون لقلمه رسالة تخدم الإنسانية --وهذا النص يخدم أيضا العقيدة- وألا يقتصر قلمه على المتعة...
تحيتي وتقديري أستاذي، وعذرا إن قصرت أو بالغت، فأنا كما تعلم لست ناقدة، ولكني أعرف جيدا أن النص يحمل الكثير، ولقد كانت هذه أول تجربة لي في شبه قراءة لنص طويل...

محسن الطوخي

جميل ماطرحت أستاذة.
أظنك افضل من حلل شخصية الغريب/ المجذوب، وبين موقف الكاتب/ السارد منه.
فالسرد لم يقدم الرجل بوصفه مجذوبا، إنما العامة من فعلت ذلك. وكافة مانسب إلى الرجل من كرامات، بين السرد بحرفية احتمالية كونها مجرد مصادفات. أو أعطيات. فرسالة حسن كانت مجرد صدقة مخفية، إذ تبين وفاة الشاب منذ زمن، وزواج حسناء بعد لقائها بالغريب يحتمل الصدفة، وشفاء ابن الديكارتية غير مقطوع به، فقد ورد في السرد بلفظ " شاع في الزقاق... ". واعتقاد الشاب ببركة التماس مع الغريب التي أوجدت له عملا قد يكون مبالغة. الحدث الوحيد الذي شذ وانطوى على بركة مؤكدة هو حادث العنزة، ومع ذلك فالعنزة أتت ببركتها وليس هناك مايقطع بأن الغريب هو صاحب البركة، أو مسببها.
العوام إذن هم من صنعوا أسطورة المجذوب لهوى في أنفسهم، أو لنقل لميل فطري متأصل في وجدان الطبقات الشعبية.
فلنقل ان الفكرة الكامنة في القصة هي دحض ذلك الميل، وانتقاد لجوء العامة الى وسيط لتلبية الحاجات. يؤكد ذلك إصرار السرد على إيراد مايدل على فداحة اليأس من رحمة الله عند كل مفصل من مفاصل الحكاية.
استمتعت بتعليقك استاذة الزهرة، تقبلي تحياتي، وتقديري.

 

سليمان جمعة

 

 قراءة في
"طيور المجذوب "للكاتب:
#حدريوي مصطفى العبدي
قصة حياة ثقافة يعيشها الناس بين يقين بها وشك مرواغ.
اذا اعتبرنا ان الكتابة في بعض غاياتها هي مشروع تغيير يقترحه الكاتب لحياة فكرة فيمنحها حركة تسلك بها او لحظة حياة محتملة برقابة العقل ..
يكون نص القصة متخييلا هو مرجعية ذاته..
فالمجذوب ثقافة يلبسها الناس شخصية يعتقدون ان السماء تستجيب لها فتحصل "الكرامات " على يدها .
هل المجذوب صاحب كرامة ام الناس البسوه ذلك فمشى فيه او انكره ؟
لا ريب انه قد رفض لانه يعرف نفسه ..ولكنهم لا يعرفون ..جاء من طبقة غنية وهذا ما اثبته النص في امرين : انه في المطعم كان سلوكه يدل على يسر ..وفي النهاية جاء بسيارة فاق ثمنها سيارة صاحب البستان الغني وكان بحلة انيقة .وهو مثقف ايضا يتكلم عدة لغات . وهو مؤمن ذو شخصية تفاؤلية وعميق الايمان بان العناية الالهية عادلة ولا تترك من يحتاج اليها .
هنا نلمس ضفتين يأس الناس وتفاؤل "المجذوب ".
فلنرصد حركة الناس اليائسة ..ام حسن طلبت مساعدته ليرد ابنها على رسائلها فكان لها ذلك مع العلم ان ابنها قد توفي منذ زمن بعيد .وكانت كلماته هي ان تتبنى الامل .فابتدعه لها .
العانس كذلك تزوجت اذ بحضوره تيسر امرها فتزوجت .والعنزة التي آلفته ودر ضرعها بلمسة يده ..وابن الطبيبة شفي من مرضها ..بعد ان عجز
علم امه..
وكذلك البستاني الذي ظلم عماله عاقبه هو بطيور كان قد تآلف معها.
اذن هو جاء يعيش مع الناس تجربة حياة .
فتخلى عن غناه واندمج معهم واوصل اليهم ثقافة الامل واليقين .فكانت النتيجة ان ألبسوه صفة المجذوب ..
وهنا نلمس اشكالية الثقافة الموروثة ..
فنقول :
السما تستجيب لمن يدعوها .ادعوني فاستجب لكم ...
ولكن السما تستجب للمجذوب كما يرون .فيلتبس وجوده عليهم .. فينسبوا انه ببركته يحصلون على مأربهم فتحل امورهم او مشاكلهم الصعبة .
انها اشكالية لايبررها الا انه قد شاركهم يقينهم..الذي تزعزع بالشك ...وحاجتهم الى واسطة ..كما تعودوا على ذلك.
فهو يقول لهم استغفروا الله وآمنوا برحمته وغفرانه ولا تيأسوا فيستجاب لكم ..
وهنا يستحضر تناصات عديدة من المسيح الذي اشفى انسانا مريضا لمجرد ايمانه بلمسه ..هوالذي دبر له وظيفة ناطور بستان .والبستاني هو تناص مع القرآن والرجل الذي كان له جنة فكفر بنعمة الله وقال في سره كيف تزول هذه ..فأزالها بكفره..وكذلك تناص مركب مع عنزة غاندي وشاة العجوز الذي تقول السيرة ان النبي التقاها في طريق هجرته فمسح ضرعها فدر لبنا كثيرا..هذه التناصات تثبت لهم الايمان بقدرة الايمان على تجاوز المصائب .ثوابا وعقابا .
هذا الخلل بين الايمان واللاثقة به والحاجة للوسيط هو لب القصة .
ان الزمن الذي يستغرقه استجابة السماء لدعائنا ..وبين الزمن الذي بين يدي المجذوب.. الفارق يشكل ..الشك والقلق والاستعجال لثقل الامر .. فالله يمهل ولا يهمل ..والله غفور رحيم
ومن يدعو يستجب له فهو اقرب اليه من حبل الوتين..كلها في ثقافته .ولكن ...يراها قد تحققت بسرعة مع المجذوب ولم تتحقق مع صاحب الاشكالية ..
المجذوب يمثل المؤمن الواثق الثابت على ايمانه ولا فرق بين غني وفقير في ذلك ...هو يأمل بمغفرة ربه وعونه ..فيكون له ..وهو قال لهم استغفار كم واملكم يحل لكم قضاياكم ..ولكن استقرار ثقافة موروثة يسد عليهم الافق ..
فالبستاني وفاطمة حبيبان لماذا لم يقترنا ؟
والتقيا بعد ان نال عقابه من طيور المجذوب..
ما هذه الطيور ..؟
هي جنود الله كطيور الابابيل ..اتخذت وظيفة الانتقام من الظالم..فكانت تدمر ثماره ..
اذن العدالة تتبع الايمان والامل ..
المجذوب يؤكد ذاته وينفي ما نعتوه به ..اي يخلع مجذوبيته .بعودته في الليموزين ..وفي سلوكه الطبيعي .
فهل خلع الناس من عقولهم وهما ..
سليمان جمعة.

 

علــــي البدر

 التحليل النقدي لقصة "طيور المجذوب" للقاص حدريوي مصطفى العبدي..
تبدأ القصة (بالمقدمة). ومن غير المألوف تنبيه المتلقي بهذه الكلمة. ويفترض أن تهيئنا للدخول بالتفاصيل ضمن هيكل القص structure ونتساءل: هل ينوي القاص حدريوي مصطفى بمساعدتنا في لم أفكارنا التي لابد أن تعيننا لتفكيك بؤرة وفحوى وجوهر القصة theme؟ ويأتي الجواب بعد قراءتنا القصة، بأن هذه المقدمة ماهي إلاً جزء من الخاتمة part of its conclusion. حيث نتعثر بجملة مطبات تحثنا على الخروج منها بربط خيوطها خلال تتبع حذر لمفاصل السرد.
ونتعرف في المقدمة على إسم فاطمة التي تعود بعد أربع سنوات ، حيث كشفه القاص ضمن البعد الزمكاني، لإن المهم هو معرفة سبب تحول المزرعة إلى أرض جرداء منبسطة بعد أن كانت "تجني حلو الثمرات، فرولة كالدم القانية..". لفاطمة إذن تأريخ يربطها مع المكان لكنها الآن "تقف على حدود عرزال متهالك، تتأمل الأرض الجرداء المنبسطة أمامها...". ولكن من هي فاطمة التي تحدث نفسها وبحرقة "من كان يساوره أن هذه الضيعة تصير خالية على عروشها....؟ ويتعمق الغموض عندما " تقف (مرسيدس) بيضاء، يترجل صاحبها ويقف قرب فاطمة، ثم يبادرها بالسؤال." أما زلت تحنين لتلك الأيام الخوالي، يا فاطمة، ليتها تعود ونبدأ من جديد، وأكون... أفضل مما كنت عليه...آه... مني آه..!". ويبدو أنه عاشق ولهان كان يحبها وتركها ثم عاد إليها معترفاً بذنبه وهو يعدها بأن " نبدأ من جديد وأكون أفضل مما كنت عليه..". ويستمر بالندم حيث يجلد ذاته أمامها... آه...مني آه..!". وبالتأكيد سنتفاجأ عندما ينجلي سبب الآه وما حل بالضيعة من خراب وأرض جرداء..، ونفهم أن ما إستنتجناه مجرد وهم، وهذا بالطبع يؤكد أن هذه المقدمة قد كتبت بدراية وكاتبها متمرس بإثارة المتلقي لتحفيزه، وبالتالي ربطه بالنص. ولو نطقت فاطمة لساعدتنا بالخروج من دائرة تساؤلاتنا لكنها لاذت "بالصمت، وكأنها ماسمعت، بل وكأن الحاضر لا وجود له...!"
وعند الدخول في هيكل القصة structure or body نرى القاص يتحدث عن شخص " أتى من حيث لا مكان! وحط الرحال على ناصية الزقاق؛ و من دكّة على باب مهجور اقتطع ركنا ـ ترعاه بفيئها أغصان شجرة تين تطل من باحة وراء سور مشروخ..". وهذه مواصفات إنسان متشرد لا أهل له ولا سكن وفقير الحال. والغريب أنه لا أحد إعترض على وجوده، ولابد من وجود شيء في شخصيته وهيئته يمنع الآخرين على رفضه رغم أنه ." كان شخصا عاديا، نحيلا شيئا ما وطويلا، أسبط الشعر، كث اللحية، ينتعل جزمة ويلبس "دجينا" باليا وقميصا كاكيا...". أما الشيء الذي يمنع الآخرين على رفضه فهو طريقة جلسته القرفصاء الإنطوائية وأيضاً "هيئةُ وقارٍ تفيضُ على وجهه الهادئ....". وكثير من الفقراء والمشردين وحتى الأغنياء تبدو ملامحُ الذلةِ humiliation والمسكنةِ wretchednessمرسومةً على وجوههم were stamped upon their faces بينما لم نشعر بهتين الصفتين عليه، وإنما استطاع فرض وجوده واحترامه منذ الوهلة الأولى. يا ترى ما السبب؟ وما هي الكوامن التي يستند عليها والتي تعطيه ثقة إنسيابة ومتواضعة تثير الود والألفة بينه وبين الناس. أجل لابد من وجود شيءٍ في اعماقه، يؤمن به بفهم عميق ودراية يمنحه الهيبة والإحترام. " وما كان يملك من سقط متاع: معطفٍ افترشه، وجرابٍ، احتضنه احتضان الأم لوليدها، وعصاً لا حاجة له بها وهو السليم البنية، الرشيق الهيئة، الخالي من العرج..".
ومما زاد من احترام الناس له هو أنهم " قدروا أنه رجل متعلم، خبير بالكتابة والقراءة، وازدادوا يقينا حين رآه بعضهم يخاطب سياحاً مرة باللغة الإنجليزية، وبالفرنسية مرة أخرى بطلاقة وبدون لكنةٍ وكأنه قادم من وسط باريس."، وبنفس الوقت أظهر حزماً وثقة بالنفس عندما رفض أن يأخذوا الصور"....أغربوا عن وجهي. لست تمثالاً ولا المكان صرحاً تأريخياً. إبتعدوا من هنا.."، حيث انتشر هذا الخبر الذي شجع أم حسن أن تطلب منه كتابة رسالة إلى إبنها الذي غاب عنها عله يجيبها. وبالتأكيد كانت تأمل أن أسلوبه كفيل بجعل الإبن يكتب لأمه، والكاتب هنا استعمل أم حسن ومعاناتها كسيمياءsymbol تُعزز وجوده الإجتماعى لاحقاً وهو أيضاً بداية ذكية لحوادث لاحقة. حيث تأمل قليلاً وحاول بأسلوبه السيطرة نفسياً عليها وجعلها تبكي ألماً وتستغفر وكأنها فاقدة الإرادة أمامه" أنت يائسة يا أمي.... إستغفري الله أولاً، فلا ذنب أكبر من اليأس من رحمة الله، ولا أشد سوءً من القنط من مدد الرب، سأفعل بما تأمرين، وتفاءلي خيرا...". وما هي إلا أسابيع ثلاثة وعمت فرحة أم حسن عند تلقيها الجواب ومبلغاً من المال. وكلمة "يا أمي"، تعني أن المتحدث شابٌ وإن عدم اعتماده على العصى يعزز هذا الرأي، أما لماذا يحملها، فلنا رأي سنبينه لاحقاً.
لكن الحادثة الأكثر تأثيرا هي أن عَنزةً قصدت دكته وشرعت تأكل ما نبت حولها من نجم وحشائش...." بكل اطمئنان وهدوء "، رمى لها بقايا خبز بجانبه، فأقبلت عليها تلتهمها بنهم، ولما فرغت عفطت لتستزيد.. فزادها..."، وبدا نوع من الإنسجام بينهما. فها هو يزرع الإطمئنان للآخرين وتعداهم إلى الحيوان حيث قلبت " رأسها ذات اليمين والشمال ثم ثنت رجليها في هدوء لاوية عنقها على جنبها، وأغمضت عينيها.." وبدا هنا أن القاص حدريوي مصطفى وبكل براعة يستعمل لغة الجسد body language or language of gestures ليعكس الأمان والإستقرار بنفس الحيوان حيث الصفات المشتركة التي تربط الإنسان به، ليقوم بنفس الإيماءات، وهذا يعني أن مشاعر الحب والألفة لا تحتاج أحياناً إلى كلام وإنما تشع من الأعماق لتمنح الأمان. لقد فهمت العنزة عمق هذا الغريب وتلك القوة التي تجعلها تلوي رقبتها وتغمض عينيها. والإغماضة هنا عمق فكري فلسفي يعبر عن الأمان كما الطفل وسط حضن أمه.
ويستمر القاص وببراعة لافتة تصوير مشاعر الود والالفة عندما " قام من مكانه فقامت، خطا خطوات، فخطت مثلها عددا وراءه ككلب، وخاض طول الزقاق، وخاضت معه نفس المسافة، عاد القهقرى، فالتفّتْ معه وكأنها جزء منه...". أجل كل مخلوق بحاجة إلى من يفهمه. قد يصرخ أو يبكي ليفرغ ما بأعماقه، وعندما تأتي المحبة فإنها تمسح الألم وتزرع الود وترسخ الرفقة التي تمنح الأمان وعليه فقد " سرّته رفقتها بل سعد بها، واستعجب منها كما استعجب سكان الزقاق والسابلة." وهنا تصل الميول الإنسانية في الألفة إلى ذروتها حيث تتساوى الإنفعالات التي تربطه مع الحيوان مع مشاعر الود من الاخرين. وهنا تجلت براعة الكاتب ضمن عملية أنسنة أو تشخيص personification لافتة. وعليه يذهب الإثنان إلى المقهى"...وجلس على كرسي فارغ، وأعتقدُ بأن الصفةَ التي أتصفَ بها الكرسي ممكن حذفها، لأن الجلوس لابد أن يكون على كرسي فارغ ولكن من الممكن إعطاء تبرير لآستعماله هذه الكلمة هو التأكيد على الكرسي وليست على الأرض كما كان يجلس على الدكة والمعزى بقربه.
ربضت العنزةُ قربه "...و كان الكلُّ يحسبُ أنفاسَهُ، ويتابع حركاتِه وسكناته، حتى.. الأطفال كانوا حاضرين...". ونرى هنا عمق تأثيره على رواد المقهى، يتأملون كلامه ، فبدا كداعية للتفاؤل." ... كنت حزينا هذا الصباح، وكانت هي تائهة، لا أدري من حيث أتت، اقتسمنا خبزا زَرَعَ بيننا ودًا، فشكرتني بصحبتها، وشكرتها بالرضى والقبول..."، أجل قطعة خبز من قلب صادق ونية حسنة رَسَّخَ الرضى والوفاء بينهما، وهو هنا يمنح درساً وعبرة غير مباشرة عاكساً علاقته مع الحيوان كنموذج مؤثر يرسخ القيم الإنسانية. "...سكن قلبي وذاب حزني... وشاركتني المسيرة عن طيب خاطر...". واستمر الحاضرون بالإنشداد نحوة حيث تأججت كوامنه وبدا يعكس ذاته بوضوح reveals himself ويتحول الضعف ألى قوة تعزز رصانة شخصيته ويصبح " الضعف ياسادة قوة" حين يعاضده الضعف... لا تيأسوا من رحمة الله، شدوا الرحيل إليه....".
وعندما يكون المبدأ الإنساني رصيناً مستنداً على مباديء أخلاقية وإنسانية أو سماوية، يكون بالتأكيد خلاقاً. وهاهو مع عنزته، تتفجر القيم السماوية في أعماقه لتمنحته إرادة وثقة متواضعة بالنفس بعيدة عن الخنوع والذلة والمسكنة. وَقَبْلَهُ المهاتما غاندي الذي هزم فكراً استعبادياً بملابسه البسيطة وعنزتهِ. ". تحرك، وتقدم خطوات أحست العنزة بها فقامت من مكانها وحاذته ، عندها مد يده إلى ضرعها الكبير ومسحه براحته فأخذت حلمتاها معا تنز حليبا!.... اشربوا لتحسوا بالسعادة التي غمرتني بها وهي تتكرم عليَّ بصداقتها!." ونلاحظ هنا مدى نكران الذات التي بدت عليه.. عنزة آواها وخلصها من الضياع، لكنه فضلها عليه ورفع من شأنها فهي التي تكرمت عليه بصداقتها" ، وخلصته من وحدته ورسخت وجوده بأن أشبعت رواد المقهى، وبكل فرح سلمها لصاحبها وهو يوصيه "... خذها فهي لك يا سيدي، وارعها ولا تجعل عينيك تغفل عنها... إنها عنزة مباركة!.".
وضمن معطيات السرد، تتعمق شخصية الغريب من خلال وضوح مبادئه التي اكتسبت مزج الدين بالحياة. ورغم وضوح الفكر الديني الأسلامي ، بدا تأثره واحترامه لغاندي الذي يعتنقق المذهب الهندوسي "...ما مسيرة الملح إلا قوة ولدتها الحاجة وقلة ذات اليد عند غاندي.."، واحترامه لمارتن لوثر كنك المسيحي الذي دعا " إلى التحرر والمساواة..." واستعماله "عصاً لا حاجة له بها وهو السليم البنية الرشيق الهيأة الخالي من العرج ..."، تشبيها بالنبي موسى عليه السلام وله بها مآرب أخرى. أو تشبيهاً بالسيد المسيح عليه السلام، والآن.. لابد من التساؤل. هل أن ذهابه إلى المقهى مبرمجاً أم جاء عفويا؟ ورغم أن القاص هو الذي يوجه شخصياته ويحركها، نراه هنا قد تبرأ تماماً من المسؤولية وتظاهر بأنه لايعلم. "... عن قصد أو دونه، ساقته رجلاه الى المقهى...". ومن يتبرأ من شيء، لابد أن يكون عذره مقبولاً. وعندما تسوقه رجلاه يعني إما وجود من يسوقها فهو إذن يعتمد على قصد مبرمج، أو كان يسير من غير هدى ولم يقرر الذهاب إلى المقهى خاصة وان رفيقته معه وقد يكون هذا غير مألوف. وبرأيي المتواضع، أعتقد بوجود قصد خاصة وإنه طلب القهوة والكروسان Croissantوهي نوع من المعجنات قد تُصَبِّر أو تسد رمقَ جائعٍ. وقد بدا في المقهى كواعظ ديني preacher حيث كشف لنا حماسه، وجود خطة للمجيء إلى المقهى..
لقد حاول القاص حدريوي مصطفى العبدي أن يضخ ويشحن طاقة فكرية خلاقة بالرجل الغريب، حيث نمت شخصيته وتمددت وأصبحت متمردة على الذي ابتكرها وإن الإنكار المسبق تبئير واقتدار محسوب تطابق مع الموعظة التي أعطاها وأيضاً مع تصرفه اللافت الذي لايتناسب مع مظهره، عندما " شرب القهوة وأكل الكروسان برشاقة ونبل ومسح بمنديل ورقي، ثم أخرج سيكارة وأطبق عليها بشفتيه دون أن يشعلها...". نلاحظ عدم الإستعجال والأتكيت في الشرب والأكل واستعمال المنديل الورقي وليست يده أو كم قميصه. ولكن ذروة تصرفه التي تعكس عمق ثقافته هي عدم شعل سيكارته وهو في مكان عام لكي لا يؤذي ويضايق الاخرين خاصة عدم المدخنين passive smokers أي المدخنون السلبيون الذين يستنشقون الدخان وهم لا يدخنون. وقد عكس هذا المشهد مدى الفهم العميق للحبكة القصصية plot والإصرار على مشاركة المتلقي في تفكيك النص.
والآن نراه وحيداً بعد خروجه من المقهى، ولابد من خلق حوار من أجل استمرار الحدث. قرر الغريب غسل قميصه بالساقية، لتراه إمرأة حسناء وتجلب له قميصاً من البيت ويرتديه " خذ.. أستتر عن الحر. ما ألفناك عارياً..". وهذا يعكس مدى احترام الآخرين له والرصيد الإيجابي المخزون في ذاكرتهم عنه. ونعلم من حوار بينهما أنها عانسة " والعمر يمر مر السحاب ولا عمل لي يدر مالاً.."، حيث يسارع بالقول " استغفري الله، فلا ذنب أكبر من اليأس من رحمة الله ولا أشد سوء من القنط من مدد الرب، لربما الخير قادم، فقط هو آت من بعيد، ويحتاج لوقت أطول... الصبح قريب إن شاء الله !.". نلاحظ هنا اسلوبه الذكي والمؤثر وهو يزرع التفاؤل والصبر، وفعلاً جاء الخير "وارتفعت الزغاريد... وقيل أن الحسناء العانس تزوجت.". حادثة منحته هالة من القدسية وصفة الكرامة وبات الآخرون يتفاءلون به فقد أصبح وسيلة لقضاء الحاجات " مما جعل مكانه مزاراً توضع قربه الاقمشة وباتت له أغصان شجرة التين مأواً للتمائم، و أوراق المتمنيات المكتوبة."
وأحياناً يخضع الفرد للسلوك الجمعي أو ما يسمى سلوك القطيع herd behavior ، كما حدث للطبيبة الديكارتية سلمى، عندما جاءت اليه مع ولدها المريض من اجل بركاته في شفاء. هوَّنَ عليها قائلاً "... استغفري الله وتوبي إليه، فإن مع العسر يسرا. إن مع العسر يسرا."، حيث شاع بعد ثلاثة أسابيع " شفاء ابن الطبيبة...". وهذا رسخ اعتقاد الناس أكثر بأنه يمتلك المعجزات من خلال كراماته. وصفة الديكارتية تعني أن الطبيبة لا تعتقد إلا بالقضايا العلمية العقلية فهي تشك في قدرة الفرد على شفاء الآخرين. وجاءت التسمية اعتماداً على مبدأ ديكارت René Descartes في الشك. فبعد أن فشل الطب من شفاء إبنها لابد أن تتمسك بقشة كما الغريق، وعليه فقد انساقت نحوه طلباً للشفاء. ونتساءل هل شفي ابنها فعلاً؟
وللإجابة لابد أن نتذكر زغاريد العانس وقبلها فرحة الأم التي تواصل ابنها معها وأرساله المال، لكننا لم نر رد فعل بخصوص الطبيبة التي " لما تولت مدبرة ، تمتمت كلمات ماتبينت." ، وبالتأكيد كلمات شك ديكارتية، ونلاحظ هنا الاستعمال الذكي والتلاعب بالكلمات فهي تولت مدبرة وتمتمت، ولو كانت مقتنعة لأغرقت المجذوب بأعذب نعوت الشكر والعرفان والتوسل ولكن هذا من المستحيل لتعارضه مع العلم الذي درسته وإلى تلك الطريقة التي توصلها إلى الحقيقة عن طريق الشك. ويبدو أن السارد قد سهل علينا الأمر بمنحنا ومضة مضيئة flash point وردت بانسيابية عابرة والقاريء الحذر يتمكن من إصطيادها ليقرر بأن الإبن بقي على حاله "حيث شاع بعد ثلاثة أسابيع " في الزقاق شفاء ابن الطبيبة وصار يخرج و يلعب ويركض مع أقرانه.". إنها مجرد إشاعة مقترنة برجل اشتهرت كراماته في المنطقة وامتلك زخماً إيجابياً غير إعيتادي.
وهكذا " ازداد يقين الناس ببركات المجذوب وبات اليائسون يحجون إليه محملين بأقفاصهم وقمصانهم وتينهم من كل حدب وصوب، حتى ضاقت به دكته واختنقت أنفاسه من العطايا التي ما كان يقربها، وإنما يهبها لمن هم في حاجة إليها، (إلا) الطيور ظل راعيا لها، قد وجد فيها عالما ثانيا ينشغل به عن ما يعتمل هو بداخله.". ونلاحظ استعمال أداة الإستثناء التي أعطت للطيور دوراً مفصلياً أخفاه السارد عناّ ليفاجئنا وبالحقيقة يصدمنا بالذي سيحدث بسببها...فقد " استوقفه شاب في مقتبل العمر .... اندفع مسترسلا: تمسحتُ بك بقوة إيمانا مني ببركاتك وأسقطتك،.... وبعد يومين نُودي عليّ للعمل كسائق في مصنع لتكرير البترول ،... اسمح لي أن اقدم لك مقابلا: هل تقبل بمأمورية ناطور بمزرعة يديرها صديق لي؟". وتأتي الموافقة فوراً ليكون المجذوب " في اليوم الموالي ناطورا، يأوي عرزالا وطيورَه الخمسين، على باب ضيعة كبيرة، تنتج الفراولة.".
وقد" ارتاح بالمكان الجديد واستمتع بعمله، كما كان يستمتع بالعناية بطيوره حين يطعمها من ثمار الفراولة أحيانا، لما يحسها بأنها قد ملت حبوب الزوان... واندمج أيضا مع العمال وارتاح لهم كما ارتاحوا لوداعته ودماثة أخلاقه، وكان أكثر ما يكون سعيدًا عند نهاية الأسبوع حين تحضر المرسيدس البيضاء وتقف قرب عرزاله، ليصطف أمام زجاج بابها المغلق طابور العمال، و يبدأ بالمناداة على الأسماء لتخرج يد تزينها سلسلة ذهبية وخاتما ثمينا بفص من ماس توزع الأظرفة الواحد بعد الأخر.". ونلاحظ هنا تعود الطيور على أكل الفراولة، وأيضاً ظهور سيارة "المرسيدس البيضاء"ثانية بعد أن نسيناها، حيث سربها لنا القاص في
ما أسماه بالمقدمة والتي هي بالحقيقة جزء مفصلي من النهاية، كما أوضحنا في البداية.
ولسبب غير معروف يبقى العمال بدون أجر حيث غابت " السيارة البيضاء أكثر من ستة أشهر ... في حين ظلوا هم في عمل متواصل، والشاحنات تغادر محملة إلى الأسواق بخيرات الضيعة، تفرغ وتعود، ويغادر العمال خاليّ الوفاض كما جاؤوا.. ". وقد انبرى المجذوب بمساعدة العمال خاصة فاطمة التي تعين أباها المريض. وتأتي المفاجأة بمجيء المرسيدس البيضاء وكأن شيئاً لم يكن حيث " دخلت كما خرجت! لم يعر السيد المبجل اهتماما لتلك الأرواح المقهورة ولم يطمئنها على نتاج عرق جبينها.". وهنا يبرز دور المجذوب الذي نذر نفسه لخدمة الآخرين منذ أن كان على دكة بيت خرب، حيث تأججت ثورة الإحتجاج في أعماقه للدفاع عن المظلومين. وعندما دخلت السيارة البيضاء ثانية بعد يومين وهمت بالخروج، رفض المجذوب فتح الباب ووقف وسط الطريق ليزداد الشاب غضبا ويحاول دهس المجذوب الذي " قفز قفزة وضعته على الجانب الاخر من الطريق.".
وقف غاضباً ومتألماً رافضاً الظلم والإستغلال " وقال بصوت مرتفع :" لينعلك الله، بل لينتقم منك حتى يراك صحبي هؤلاء، محسورا، مذموما، كسيرا، تستعطف ولا تجاب". لملم حاجاته وانطلق نحو المدينة...، وقبل أن يتعدى حائط المزرعة فتح القفص وترك الطيور تغادر سجنها.".، حيث وجد نفسه على الدكة ثانية قبل غروب الشمس. وعندما " استيقظ أهل الزقاق ومسحوا بعيونهم دكته، رأوا عطايا كثيرة وتمائم ملأت الشجرة وطيورا وأقفاصا، ولكن... لا أثر للمجذوب...". إشاعات تسربت منها " إنه كان في مهمة سرية أتمها وذهب ليقوم بأخرى بوجه آخر.." وقد صدقها البعض خاصة عند وصول خبر الى أم حسن أن إبنها مات منذ أربعة عشر سنة خلت.." وهذا بالتأكيد ساعد على إضعاف هالة الكرامات التي وصفوه بها.
وقبل تحليلنا خاتمة القصة، لابد أن نرجع إلى بداية السرد ونتعرف ثانية على الشخص الذي يترجل من سيارة المرسيدس البيضاء والذي يحاور فاطمة ليبدو لنا لاحقا انه مالك الضيعة حيث يتاسف على ما حل بضيعته" ليتها تعود ونبدأ من جديد واكون أفضل مما كنت عليه... آه...مني آه.". مالك المزرعة يبدي ندمه محاوراً فاطمة بعد مضي أربعة سنوات، لكن المفاجأة كانت غير متوقعة عندما تقف سيارة ليموزين سوداء قرب سيارة المارسيدس البيضاء و " ، ينزل منها شاب جميل الطلعة، رشيق الهيئة تحجب عينيه نظارة سوداء ويقف بين فاطمة والرجل، ويشرع يمسح بعينيه المكان ثم يسأل:
ـ آه...! ما حل بثمار الفراولة السكرية الطعم....."
وقد أراد السارد أن يبين أن الشاب الثاني أكثر ثراء بواسطة الفرق بين السيارتين وكونه يلبس نظارة يعني وجود لغز في شخصيته. ياترى.. من هو؟ ولكي يبقى مفعول الغموض سارياً، نرى أن فاطمة " ترد دون أن تلتفت إليه" ولو التفتت لكشفته في الحال وهذه ضربة إبداعية مضافة تدل على الصبر والتروي بكشف المستور:
"
ـ أتت عليها جائحة، لا تبقي ولا تذر، فبمجرد ما تستوي الفاكهة تخرج طيور من حيث لا ندري طيور حسون كثيرة، وتأتي عليها في أيام، لا تهتم لا بعنب ولا بتين وكأن عقلها، قلبها من فراولة، لم يثنها لا فزاعات ولا بيوت بلاستيكية، كالعث هي... كانت !". وأخيرا عرفنا أسم المجذوب الذي عود طيوره على أكل الفرولة وكأنها أدمنت عليها. تلتفت فاطمة وتتأمل وجه الغريب، تجد قسماته مألوفة لديها. يخرج ظرفاً به نقود ويدسه في جيب جبتها، ثم يركب سيارته ويغادر. ويستغرب مالك السيارة البيضاء لكن فاطمة تمسح دمعة سخية ، وترد وهي تبستم:
ـ إنه هو..نعم... هو... صاحبُكَ، لاعِنُكَ !.
ومما تقدم نجد أن تركيب القصة اعتمد على عدة شخصيات، واحدة منها أساسية تمحورت القصة عليها هي شخصية الغريب، المجذوب حيث ينكشف لنا إسمه بآخر الأسطر. إن (الحدث) قد تمركز عليه ضمن مسار (زمكاني محدد ). وهذه العناصر الثلاثة لتركيب القصة: ألشخصية والحدث والبعد الزمانى المكاني، قد ُنسجت بتناسق هارموني لافت، أعطت لحناً ضمن مشاهد وانتقالات عشنا وسطها وانسجمنا معها وكأننا جزء منها. وعليه يستحسن إلغاء التقسيم القهري للنص. وعندما تقمص البطل شخصية المتشرد، لم يظهر عليه الإنكسار نتيجة القهر الإقتصادي الظاهر عليه أو الإحساس بالضياع alienation وهذا يعني، لمن يتعمق بالنص، أنه إما غير مقهور إقتصاديا أو بسبب مبدء واعتقاد في أعماقه يأخذها مساراً في حياته. وقد اكتسب المجذوب هنا الصفتين حيث يتجلى عمق فلسفته بكل وضوح.. تصرفٌ عَكَسَ شخصية صوفية مبهرةغاية في العمق، نجح القاص برسم ملامحها الإنسانية التي تبهر الإنسان والحيوان. جميل أن نمنح الأمان والأمل ونساهم بخلق السعادة للآخرين من خلال الكلمة والسلوك المرتكز على المحبة والعطاء ولكن... لاينبغي لنا الخنوع للظلم والقهر واستغلال جهود الآخرين وهذا ما لاحظناه بموقف حسون وتحديه لمالك الضيعة ودفاعه المستميت من أجل الفقراء العاملين فيها، وكيف عرَّض نفسه لمخاطر الدهس من أجلهم.
إنَّ "الذي أتى من حيث اللامكان وحط الرحال على ناصية الزقاق..."، ما هو إلا رمزٌ لمبدءٍ بدت إنزياحاته تتكشف تتدريجياً وبصورة مبهرة جدا، نحو قيم نحن بحاجة إليها، ولابد أن تكون إنسانيةً متسامحةً تذرف دموعا لأجل سعادة الآخرين وتنزف دماً من أجل الحق وإزالة الظلم. وأراني أجد القاص حدريوي مصطفي العبدي قد رسمها بل نقشها على شخصية المجذوب الذي إغناه الله بالمال والعلم والقيم النبيلة التي تؤثر بالاخرين من خلال التعامل الإنساني، وإنَّ دورَهُ كفقير مشرد يدل على أن الغنى ليست هو العامل الحاسم في التغيير وإنما بإمكان أي فرد أن يؤدي دوره لخدمة المجتمع ضمن القيم الفاضلة.
لقد تنوعت الحوارات في القصة وهذا أكسبها تشويقاً وإصراراً لافتاً على المتابعة. وقد ساد السرد الروائي novel narration أكثر من التكنيك الحاد للقصة القصيرة short story technic وحاول الكاتب أبعاده عن السرد الحكائي من خلال ومضات تتطلب التفكير ومساحات فكرية لابد من دخول القاريء إليها. لقد كانت الحوارات الثنائية dialogues مبهرة وهي بالحقيقة دروس وحكم تعدت إلى ما يشبه الوعظ preaching ، عندما تحين أية فرصة يستغلها المجذوب لنجدها في كل حواراته بطريقة لافتة نشعر بأننا بحاجة إلى المزيد. لقد ابتعد القاص في أماكن غير قليلة عن تسريب المعلومة المباشرة مثل المرحلة العمرية للمجذوب ولكن بإمكاننا أن نعرف أنه شاب من محاورته مع المرأة التي غاب ابنها عنها : " أنت يائسة يا أمي، أليس كذلك؟". لكننا نلاحظ في الأسطر الأخيرة تلك المعلومة المباشرة :"قرب سيارة المرسيدس تقف سيارة ليموزين سوداء، ينزل منها شاب جميل الطلعة....". وعليه ، فالذي فاته الحوار مع المرأة، أم حسن، يدركه من بيان المعلومة المباشرة.
وقد بين لنا القاص ثقافة المجذوب ومعرفته للقراءة من خلال نثره لأوراق"وصور أمامه، لا أحد قد عرف، أو يعرف محتواها..." إضافة إلى محاورته وهو " يخاطب سياحًا مرة باللغة الإنكليزية، وبالفرنسية مرة أخرى....". وإن رفْضَهُ أخذ الصور التذكارية معهم، لكي لا تنكشف شخصيته الحقيقية، حينما نهرهم قائلاً: "أغربوا عن وجهي. لست تمثالاً ولا المكان صرحاً تأريخياً..."، فهو شاب غني رأيناه ينزل من"سيارة لوموزين سوداء..."ويدس " ظرفاً مليئاً نقوداً.." بجيب جبة فاطمة. وهذه إشارة إلى الطبقة الإقتصادية التي ينتمي إليها المجذوب أو الغريب أو حسون كما ورد بالنص. ولا يشترط وجود صراع طبقي classes conflict حاد بين الغني والفقير عندما تسود العدالة والمساواة والتي بدت هنا من خلال استيعاب وفهم القيم الدينية بصورة صحيحة. وقد يكون البطل أنا أو أنت أو أي شخص إخر إذا تمسكنا بالفضائل التي نسير على هداها. إن كل الأسماء التي اكتسبها البطل لها دلالاتها المؤثرة ولكن يبقى "حسون" فضاءً يحتوي كل الإحتمالات وبالتأكيد هو إسمٌ غير حقيقي اختاره الذي" أتى من حيث لامكان، وحط الرحال على ناصية الزقاق..."، ليسهل لنا أن نكون "هوَ" وبنفس القيم العليا ورفعة النفس، وأجدنى شاعراً وبكل ثقة أن تلك القيم النبيلة يحملها من كتب رائعة "طيور المجذوب...". تحياتي إليك وأنت تسطر هكذا إبداع.. نحن سعداء وأنت بيننا.
علي البدر
قاص وناقد أدبي وتشكيلي..
تموز 2020 العراق

 

حدريوي مصطفى العبدي

 

 وللكاتب كلمة
أولا:
أعشق الطيور.
أحبها كما كل الناس، ربما أكثر شيئا ما!
وأكثر ما أحب الكتابة عنها... أحيانا لا اشعر إلا وهي تلعب بحروفي وكلماتي في نصوص القصصية.. في غفلة مني.
يوما وانا استمتع برؤيتي حسوني وهو يستمتع بأكل فرولة قدمتها له كما العادة..أيام تواجدها في الأسواق..حادثت نفسي وقلت:
ماذا لو أطلقت هذا الحسون واهبا له حريته، فتوالد ونقل إلى لصغاره حبه للفراولة...
قدرت أنه سيكون وبالا على المزارع نسله.
عند ذاك ولدت في أعماقي نواة القصيصية..
لم يكتب لهذا الحسون الحرية بل مات المسكين داخل القفص بعد هجوم هيثم عليه..وقد وثقت للحدث بقصيصة ( موجودة بالواحة مذ سنتين ربما ) تحت عنوان هل ذا ما تقول الرسالة؟
تشاء الظروف ان تطفو سانحة تحيي رميم فكرة الحسون والفرولة..فاستغللتها وكتبتها بل تمددت أيما تمدد عبرها؛ فبعدما كنت قانعا بحصرها في صفحة أو صفحتين... وجدتني أسيح في رحابها فكانت أقرب. إلى نص مسرحي احتفالي..
أتت كتابتها على السجية، واتت حافلة بالأحداث ما خططت لها، بل كانت تنهمر كالمطر..وكأن روح ثان سكنني..هي حالة عشتها في قصص أخرى مثل قنطازيا على ضفاف النيل، و وداعا سانتا ماريا...
الشخصية الرئيسة هي المجذوب، ولكن مجذوب بشكل ثاني...سريالي الهيئة والأقوال والأفعال. أقرب إلى السيد المسيح مما هو إلى الدراويش والصوفيين المعهودين..إذ يعتمد على الحس الإيجابي في نفوس الناس، يوظفه ليصلح من شانهم وأحوالهم النفسية المريضة..وحين ينجحون يرجعون الأمر إليه ( كما جاء في انجيل مرقس اذهب فإيمانك من شافاك)... المجذوب شخصية مطلقة... هو أنت وذاك...هو ابن ادام السوي
ثانيا:
شكرا لأصدقائي الأدباء وصديقاتي الأديبات الذين واكبوا هذا النشاط المائز بمداخلاتهم القيمة الجميلة كل حسب رؤيته ومدرسته التي ينتمي.
إني إن شكرت... وشكرت لا ولن استوفيهم حقهم، فقد غمروني بفيض كرمهم ،إذ استقطعوا من وقتهم الثمين ـ وما أضيق الوقت! ـ اهدوه لي، وفوقه ثناءهم واستحسانهم، وتقديرهم.. أتمنى أن أكون بحق جديرا بهذا العطاء الطامي والكرم الطائي...وأتمنى ان يوفقني الله فيما هو أسمى وابهى..
وشكرا لمن غابوا تبعة مرض او شأن او عسر... عند الكتابة، فالكتابة وخاصة النقد بأنواعه ليس سهلا...فإن لم تتوفر ظروفه لن يتاتى بل يأبى..
وأخيرا جزيل شكري لسدنة الواحة..
اليوم وقفت بحق على الجهد التي تقوم به الأخت منال؛ من متابعة وتنسيق وتنظيم...وجدته بحق مرهقا وانا أتمثله....بل في غاية الصعوبة!
ولامست عن كثب عمل الخلية المعلوماتية الساهرة على القراءة والتوضيب والإخراج كل من الأخ عامر ودرصاف..
وأخيرا أتوجه بالشكر الجزيل لصديقي محسن الطوخي..
قد الفت قراءته لنصوصي ومباركتها... ولكن هذا الأسبوع وجدته أكثر نشاطا بل استشعرت وكأن مجمل مداخلاته هي في الاصل قراءة لنصي بطريقة غير مباشرة...
أخيرا شكرا لكم أصدقائي وصديقاتي شكرا بلا حدود. موصولا بخالص حبي وتقديري

________________________

 

 تحية عرفان، للأستاذة منال خطاب.
أدارت أسبوع القصة بعناية فائقة، وروح قتالية، بمتابعتها اللصيقة، والحميمة، لولاها ماتحقق كل هذا الثراء للفعالية.
وتمنياتي بالتوفيق للأستاذ المبدع حدريويمصطفى العبدي، لولا نصه الباذخ، لما تحقق للأسبوع هذا الثراء الفكري، والنقدي.
وكل الشكر للأساتذة الأجلاء، الذين قدموا عصارة فكرهم، وأمتعونا بدراساتهم، وقراءاتهم، وانطباعاتهم.
اتمنى لكم جميعا التوفيق، وأشكركم من كل قلبي.
وإلى لقاء في أسبوع جديد لقصة الشهر.

محسن الطوخي


التسميات:

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية