قصة قصيرة بعنوان " تميمة الموت " للأديبة/ أميمة الحسن
تميمة الموت
قصة قصيرة
أميمة الحسن / السودان
صوته يرن في أذني كالطبول الأفريقية
ملول دينق.. الغياب ..الحضور ...
الفتى الأبنوسي، طويل الحزن ، مفتول الأمل ،بهي الطلعة والابتسامة التى تشرق من وجه، الذي غاب، وصوته ظل، الصوت الذى على حق لا يغيب.
... الآن أسترجع تلك الصورة، وذلك الصوت ،يأتيان من تلافيف الذاكرة، ثم وضوح يلمع مثل ضوء. - أفكر الآن بهسيس الذاكرة الغائب ،بالخوف مقياس رسم للوقت ،ومناحات توقد نار الوجد والفقد للوطن.
- أذكر تحمسه لي إقامة أركان النقاش المستنيرة في الجامعة ،والتعبير عن آرائه بقوة ،ومناشدته المتكررة، لوقف آلة الحرب ،وقدرته على قيادة الشارع ،و صوته يعلو فوق الجموع مندداً بالمحسوبية، والفساد، والتساقط السياسي، والحزبية الضيقة، رافضاً لسياسة القهر ،والظلم.
-كلما كانت هناك مسيرة أو موكب ،يأتي رجال الأمن إلى سكن الطلبة ليلاً ويأخذونه.
-مكث فى المعتقلات والسجون أكثر من مكوثه فى السكن الداخلي، وهو فى استعداد دائم وحقيبة الصغيرة جاهزة(بيجامه،شفرة حلاقة، ،وصابونة،والإنجيل) ويخرج معهم دون مقاومة أو عناء، وفي وجهه هيبة و إباء كأنه سيتوج ملكاً ،كان يسعى سعياً حثيثاً لسودان جديد ،علمنا معنى النضال والثورة، وقيمتهما، وألا تسمح لأحد أن يعاملك بفوقية وتعال لأنه يمتلك أدوات تحكم أكثر منك
ِ - كنا نتجاذب أطراف الحديث دوماً أثناء رحلتنا اليومية راجلين، من وإلى سكن الطلاب و الكلية، عن الوضع الاقتصادي،ورغبته فى العودة إلى مدينته ،بعد انتهاء الدراسة ، وحلمه بتعمير أرضه، و بوقف آلة الحرب اللعينة، التي كلما طاب جرح فينا، فتحت لنا جروح أخرى،و تشظينا أكثر.
أتسمّع أزيز الهاتف النقال في جيبي يرن، ثم يرن،
حدسي يخبرني أقول بفرح :
- ملوال دينق
ويقول: هلوو
.. احكي
-أحدثه بإسراف عن الموت الذى وسّع ضيق المسافات والمتاهات، وعن بيوت القش، وخيم القماش المهترئة، التي تنهار على ساكنيها بفعل الحرب أو الرياح
عن غزوات قطاع الطرق ،والنّهب المسلح، واغتصاب النساء في مخيمات اللاجيئن،والجوع، والمرض والبرد .
-أتسمّع نحيبه وشهيقه ..
يقول بصوته الحزين:
- أرضعتنا أمهاتنا الدخان من حروب الطائفية ،وقنابل الجوع
ويسألني:
-أين أنت الآن؟
أخبره أنني أعيش في (سورتوني)
و الآن أتناول عصيدة دخن ، وأستمع لأغنية تبث من الراديو ويضحك ملوال
أغاني والحرب مشتعلة؟
أخبره عن حال دارفور، أروي ظمأه المُلح للمعرفة آخر الأخبار، تقطع المحادثة.
-وأثقل على ظل شجرة مهوقني، ويظل صوت (مريدي ).
دوى مرعب!
أعاود الاتصال متعطشاً لمعرفة الأخبار أستغرق فى دوامة الأسئلة ، ويسترق هو متسمعا منتحباً ثم يضحك وتصيبني عدوى الضحك ،الضحك في الحرب تجربة فريدة ومدهشة.
من تأوّد إلى آهات بصوته، قال لي:
-" هى أكيلو " ... الآن أسترجع تلك الصورة وصوته
قلت:
-أتذكر رحلة ذهابنا الى مريدي؟
أحدثه عن ذاك اليوم .. وقتها كنا في فتيانا، ..فرحين بدخولنا الجامعة، تساكنّا في السكن الداخلي المعد للطلاب الوافدين من الولايات.
-أضمرنا أمراً أنا وإثنان من الأصدقاء للسفر معك لزيارة (مريدي) البهية
وتحمسنا للفكرة آنذاك، ذكرتنا أن الرحلة تنطوى على مجازفة، لم نبال نفذناها فى أول عطلة أذكر كل لحظة من الرحلة
منذ لحظةوصولنا إلى بيتكم في الليل، بعد أن هدنا السفر (باللورى) وسيلة السفر الوحيدة المتاحة ودليلنا القمر إن غاب سلكنا ضفاف النيل .
أذكر تلك الغابة الكثيفة المحيطة بقريتكم وشكل البيوت الخشبية الصغير والمتناثرة، وسؤالي الفضولي؟ هل هناك أسود؟ وصمتك وعدم إشباع فضولي وأستطرادك.. المؤكد أنه يوجد غزلان .
-أتذكر الآن في الطريق إلى بيتكم كانت تترامى ثمار المانجو والبابايا، من الشجر الكثيف الممتد في الأرض، بعشوائية وتتبعثر، ولا أنسى احتفال أهل القرية بنا على ضوء القمر، بملابسهم المزركشة زاهية الألوان، و ورقصهم المحموم، وطريقة دقهم للأرض، بدوزنة، وقوة وتناغم مع صوت الخلاخل الفضية في أرجلهم،وأساورهم العاجية في إيديهم، وانعكاس ضوء القمر عليها مع ترديدهم أهازيج لطيفة كلماتها تمجد الأرض والأنسان، أحببت كل ذاك
يومها غسلت لنا أنت ملابسنا تحت شجرة الباباي العتيقة وطبخت لنا أمك وجبة لذيذة من حبيبات الذرة والتف الجميع حولها
قال:
-هذه " أكيلو" ...
قال:
-هي الوجبة الشعبية الأولى في الجنوب واستمرار تناولنا لها يؤكد أننا وحدة واحدة ولم نخضع للتقسيمات ،وقبل سفري للدراسة في الجامعة كنت أتناولها دائما .
قال: و أمي من الشلك..
-وقلت نزوح أهل الجنوب أعمر الشمال ُ ..وخلق تمازج جميل وضحكنا معا .. هو من هناك، وأنا من هنا .. نعم ضحكنا أثناء مع قذف الدانات ، قذف حجر في قلبي ، الأحلام تتشظى ، أو ربما تلك المسافة أصابها الخدر، بيننا والحلم
-قليلا، ثم عدنا، هو إلى البكاء بحرقة وغضب وأنا
متلهف لمعرفة ما يجري لديهم ،من أحداث
قال: تلك القرية غادرنها، تهدمت بفعل الحرب ،ونسكن الآن في معسكر ال..
- ومع صوت الدوي تظل الإجابة مفتاح التساؤل على فضاء الاحتمال.
أميمة الحسن
التسميات: قصة قصيرة
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية