الجمعة، 6 سبتمبر 2019

قراءة للأستاذ الناقد/ حيدر الأديب، في القصة القصيرة - مدونة واحة القصة القصيرة


قراءة للأستاذ الناقد / حيدر الأديب


قراءة للأستاذ الناقد/ حيدر الأديب، في القصة القصيرة - مدونة واحة القصة القصيرة


في القصة القصيرة : اللحظة الفاصلة
للأديب / مناف كاظم محسن

هناك ظاهرة جيدة في الأشتغال على الحلم لامن حيث هو تقنية استذكار كي يلجا السرد الى فسحته ليمرر احداثه لا فالقاص اذكى من ذلك ومارس اشتغالا مختلفا ويبدو لي انه برهن بقصته هذه محتملات توجه السرد في نمو الحدث فهو يوصلك بقناعة تامة الى نتيجة ما لكنه يعود ليقود الحدث الى محتمل اخر يستهدفه لحسم االواقعة الادبية وهو انما يفعل ذلك ليحقق في كل محتمل اهداف خاصة تعالج مظاهر وقضايا على انه يبقى مستفيدا من احتمالاته التي تجيب على الفراغات التي يتركها زمن الحدث لا زمن القص
القاص هنا يستخدم وعاء الحلم لا اللغة في عرض الحدث وتبدو اللغة منتجة جدا لا بحالتها وهي مسخرة داخل الحلم لا وانما في انتقالها الذكي بين حلم واخر
وارى انه هذا مبرر كاف لأعفاءه من استخدام الانزياحات والاستعارات والتكثيف والاستغناء عن خدمة الشعر في هذه المواطن
الأحلام كانت اماكن الذات والحزن الذي تنتجه اللغة بفعل سياقها هنا مكان ثالث ورابعا هو الانتظار المر ان هذه الامكنة المتحركة ازاحت الزمان لتقاس بوحدات السرد المستريح الى خاتمته المفجعة
قد يقال ما قيمة السرد المقيد بالواقعية حتى وان اثار مدافن الشعور ؟ فنجيب ان قراءة فاحصة للقصة لم تشتغل على الواقع بما هو واقع انها تقدم لك عبر فضاء الادب فلسفة الانتظار والصبر والحرمان وتطرح سؤالا جوهريا وهو لو امسكنا المشهد من النتيجة ونتسلل الى الواقع هل يجدي ان نشقى وننتظر ونصبر اذا كانت النتيجة الخروج من المشهد ليس دون طفلة فقط بل دون زوجة ودون حياة هذا السؤال بقيمه الاربع الانتظار والصبر والحرمان والموت هو هدية النص للمتلقي كلما التقى به في هذه المواطن الاربع
حيدر الأديب / العراق

نص القصة: (اللحظة الفاصلة)

وقف على جانب الشارع الرئيسي، كان قد حجز لدى طبيب الأطفال لابنته التي دخلت عامها الرّابع، طلب إجازة زمنيّة من عمله، ووقف الآن في انتظار وصولهما معاً هي وأمّها على رصيف الشّارع العام، المحاذي لعيادة الطبيب. كانت السّاعة تقترب من الثالثة والنصف عصراً. السّماء ملبدة بالغيوم, والبرد القارص يتغلغل في العظام. ليلة البارحة لم يستطيعا النّوم هو وزوجته، لقد أتعبهم السّهر معها. كان سعالها جافاً يستمر دونما توقف حتى تقترب من الاختناق. وعندما يحمر وجهها، وتتسع عيناها من شدة السّعال، كان يحتضنها بخوف، شاعراً بالارتباك كلّما أحس بأنها ربما تموت بإحدى هذه النّوبات الحادّة الكريهة. لقد وبّختها امّها كثيراً عندما ابتدأت نوبات السّعال تتزايد، طالبة منها أن تقلل من حركاتها، أن تهدأ قليلا حتى تزول عنها هذه النّوبات المخيفة، لكنّها لم تتوقف عن اللعب، والرّكض في أنحاء المنزل. كانت حركتها مستمرة، مما زاد من سعالها. اعتادت النّوم على ذراع أبيها. كانت زوجته تقول له بأنّه سوف يفسدها بعمله هذا، لكنّه لم يكترث بكلامها، فقد كان يحبُّها ... يحبٌّها جدا. يحبُّ كلامها، حركاتها البريئة، ووجودها الذي انتظره ثمان سنوات. نعم لقد مرّت ثمان سنوات من الحرمان، ثمان سنوات واجه فيها الكثير من نظرات الشّفقة، والكثير من تدخل الآخرين الذين يفرضون أنفسهم عليه. كانوا يتصورون أنّهم بذلك يحسّون بمعاناته, ويقدّمون له المساعدة. بينما في الحقيقة كان يودُّ لو أنّه يستطيع أن يقول لهم الواحد بعد الآخر ((هذه حياتي الخاصّة وأنا أرفض من أيّ أحد منكم التدخل فيما لا يعنيه)), لكنّه لم يستطع أن يقول ذلك. كان قد أقنع نفسه بأن أخلاقه لا تسمح له أن يكون فظًاً مع الآخرين. لم يكن عقيماً، ولم تكن زوجته كذلك. كلّ الفحوصات أثبتت أنّهما طبيعيان مثل بقيّة الأزواج . ربما لم يحن الوقت بعد, ربما بسبب عوامل نفسية, وربما بسبب عوامل روحيّة, يعرفها الروحانيّون فقط, ولا أحد غيرهم من له المقدرة على أن يفعل شيّئا لهما, يجعلهما ينجبان طفلا يزرع  البهجة في أيامهما ولياليهما, مزيلا عنهما كلّ هذا الفراغ القاتل. في البداية رفض بشدة الذهاب الى الروحانيين أو ذهاب زوجته مع امّها اليّهم . لكنّه رضخ أخيرا, ووافق على أن تذهب مع امّها, عندما رأى تأثير الحزن والكآبة عليها. ليال طويلة يسمع بكاءها عاجزاَ عن فعل شيء يزيل كلّ ذاك الحزن عنها. ولكنّ دون جدوى. لم يستطع حتى الروحانيون على فعل شيء . ظلّوا عاجزين أمام حلمه أن يكون أباً, وعن ازالة جزءا يسير من أحزان زوجته التي بدأ اليأس يتسرب إلى نفسها وصارت تحسّ انّها لن تكون امّا أبداً, وسوف تموت هكذا, تملؤها الحسرة لاحتضان طفل يخصها هي ,هي وزوجها. رفض بشدة طلب امّه أن يتزوج بأخرى. كانت امّه قد أصّرت عليه أن يتزوج مرّة اخرى. لكنّه لم يتنازل عن موقفه مؤكّدا لأمّه بأنّ الله سوف يجازي صبره خيراً. الآن وبعد مرور أربع سنوات وخمسة أشهر على ولادة ابنته, تذكّر فجر ذلك اليوم عندما أيقظته امّه, كانت مضطربة جداً, وجهها مشع يعكس فرحاً طفولياً, قالت له ((لقد رأيت رؤيا .... لقد زارني أبوك في المنام حاملاً معه طفلة وجهها كفلقة القمر قائلاً : هذه حفيدتك التي انتظرتموها كل تلك السّنين, سوف تكون معكم بعد اثني عشر شهراً )). كانت زوجته قد سجلت تاريخ ذلك الفجر المبارك, متأكدة من صحّة كلام عمّتها, بينما بقي هو ينظر الى فرح امّه واضطرابها ببلاهة, معتقداً في نفسه بأنّ ذلك ما هو الّا هلوسة , أو ربما أضغاث أحلام . لكن بعد مرور أشهر تأكّد من صحّة الرؤيا. منتظراً يوم ولادة زوجته بفارغ الصبر. كانت الأيام تمرّ بطيئة والأشهر كأنها دهر. كان الانتظار ثقيلاً جداً . تمنّى لو تمرّ الأيام سريعاً وتأتي السّاعة الموعودة. ولن ينسى مهما مرّت عليه الأيام والشّهور والسّنين تلك اللحظة السّعيدة جداً ,عندما وضعوا بين يديه طفلته. كانت ملفوفة بالقماط ووجهها مشعٌّ كأنّها طير من طيور الجنّة . لقد كانت تبكي لكنّه أحسها كملاك مسح على قلبه المضطرب فصار يفيض حبّاً وحناناً. سألته عمّته ماذا تسميها. ((انتظار)) أجابها دون تردد. لقد انتظرناها كل تلك السنين العجاف, لكنّها الآن أعطت لوجودنا في هذا العالم معنى .ابتسم دون أن يدري, وهو يرى عبر الشّارع عندما وقفت سيّارة الأجرة ونزلت منها زوجته وابنته التي ما أن رأته حتى صاحت ((أبي)) راكضة تريد أن تعبر الشّارع لتكون قربه. صاح بها أن تقف بمكانها ولا تتحرك لكنّها لم تنتظر .أفلتت يدها من يد امّها وركضت باتّجاهه, رغم وجود السّيارات المسرعة في الشّارع . كانت لحظة تشبه الكابوس فعلا. لم يستطع أن يلحقها, فقد كانت تركض مسرعة لا ترى أحداً أمامها غيره, من دون أن تلتفت جانبا لترى السّيارة المسرعة القادمة باتجاهها. لم يستطع السّائق أن يوقف السّيارة الّا بعد أن ارتطمت بها ,فارتفعت في الهواء مثل الرّيشة ثم سقطت على زجاجة السّيارة الأمامية, وتدحرجت ليرتطم رأسها على رصيف الشّارع . احتضنها بكلتا يديه. كان رأسها مضرجاً بالدماء. لم يعرف ماذا يفعل وهو يرى الدّماء تخرج من فمها مع كل نفس تأخذه بصعوبة. كانت زوجته قد رمت نفسها فوقه صارخة, مرتعبة مما تراه أمامها, لكنّها لم تسطع أن تفعل شيئا سوى الصّراخ غير المنتظم. اسود العالم أمامه, وصار يحركها مثل المجنون, طالبا من الله ألا يأخذها منه, بعد كلِّ تلك السّنين من الانتظار, بعد كلِّ تلك اللّيالي من المرارة وهو ينصت عاجزاً لبكاء زوجته. لكنّها الآن بين يديه مغسولة بالدّماء, تنظر اليه بعينين مذهولتين، ولا تستطيع أن تنطق بكلمة واحدة. وكلّما أسرعت أنفاسها كلما خرجت الدماء متدفقة من فمها. ((أبي)) أيقظه صوتها المحبوب فتلاشت كلّ تلك الخيالات في العدم . نظر اليها فرحاً, ناسياً كلّ ذلك الألم الذي أحسّه قبل قليل عندما أخذه خياله الى الخط الفاصل بين الحياة والموت. لقد رآها الآن, كانت تمسك يد امّها, نازلتين من سيّارة الأجرة. انتبه إليها وهي تحاول أن تفلت يدها الصغيرة من يد امها كي تعبر الشّارع. صاح عليها أن تقف بمكانها, ركض بكلّ سرعته إليها، كان قد ركض مسرعاً لا يبصر أيّ أحد أمامه غيّرها, هي فقط ,ولا أحد سواها . لم يلتفت جانباً كي يرى السّيارة المسرعة باتجاهه. ارتطم بالسّيارة فارتفع جسمه عالياً في الهواء ثم سقط على زجاج السّيارة الأمامي, تدحرج ليرتطم رأسه برصيف الشارع . اغتسل رأسه بالدماء. حاول أن يرفع رأسه ليرى ابنته المحبوبة سالمة، لكنّه لم يستطع الرؤية، كان يشعر به ثقيلاً جداً, والأشياء صارت تبدو له مشوشة. أغمض عينيه مستسلما لآلامه، فأصبح كلّ شيء من حوله مصبوغاً بالأسود.
مناف كاظم محسن
البصرة – العراق
إقرأ أيضا: قصة قصيرة للأديب نبيل النجار - مدونة الواحة

التسميات:

5 تعليقات:

في 7 سبتمبر 2019 في 4:20 ص , Blogger Unknown يقول...

أرى الناقد ينظر من زاوية رائعة .تسخير السرد تجاه المأمول ..احسنت ننحن بحاجة لمثل هذه الزاوية المهملة

 
في 7 سبتمبر 2019 في 2:28 م , Blogger إبراهيم يقول...

أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

 
في 7 سبتمبر 2019 في 2:30 م , Blogger إبراهيم يقول...

أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

 
في 14 سبتمبر 2019 في 7:01 ص , Blogger واحة القصة القصيرة يقول...

شكرا للمشاركة بالرأي

 
في 15 نوفمبر 2019 في 2:49 م , Blogger إبراهيم يقول...

هل إزالة التعليق ينفي ما قلته؟
إطلاقا .. يبقى المدعي مدعيا

 

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية