الجمعة، 6 مارس 2020

قصة قصيرة بعنوان " سرد العدس " للأديبة السورية/ منى عز الدين

سرد العدس 
قصة قصيرة 
منى عز الدين / سوريا


- أنتَ الأنسب
قالوها وانفضوا من حوله، وتركُوه قائماً وقد أثقلَت المهمةُ رأسَه .... اتجهَ إلی الباب وطرقه فأشرقَت خالتُه بحنانها الرَحب.
دلفَا إلی أرضِ الدار حيث كانت تجلس تحت العريشةِ، أمام صينيةٍ يشمخُ فيها جبلٌ من العدس، كانت تنحَتُ في سفحهِ كي تُنقيه من الحباتِ الغريبةِ
- خالتي كيف تميزين بين حباتِ العدس والحباتِ الغريبة، شبهٌ كبيرٌ بينهما!!!!
- أنت فهيمٌ يابن أختي، الغريبُ مُريبٌ.
كان أحمد يساعدني في تنقية العدس.
عندما سمع اسم أحمد شعرَ بغُصّةٍ، فأدارَ دفةَ الحديثِ رافعاً بصرَه إلی العناقيد المُتدلية
- بدأ حصرمُ الداليةِ يتلونُ بالأحمر، سيصير عنبا
فجاوبتْه وهي تتابعُ فرزها الدقيق للعدس؛
- رغمَ انقطاعِ الماءِ إلا أنّ أحمد كان يسقيها بسخاءٍ، داليتُنا مثلُ البلدِ كي تثمرَ وتحلو تحتاجُ إلی الدماء الحمراء.
أحسَّ بالعجزِ يكتم أنفاسَه، وقد ضعفَ لسانُه وما عاد يرغبُ بالكلامِ، لكنَّ الوقتَ له بالمرصاد، قطعَ صوتُ خالتهِ سلاسلَ ضعفهِ؛
-كيف تشرب قهوتك؟
- سأشربها كما تحبينها أنت
- سأجعلها حلوةً كما يحبُّها أحمد.
رافقَها إلی المطبخ، وقد شعرَ بالخدرِ يتسللُ إلی قدميه، بينما بدت الخالةُ علی كبرَ سنِّها قويةً نشيطةً ، وهي تنقلُ يديها بين الأوعية والصنبور والملاعق، توهجَت النارُ تحتَ ركوةِ القهوة
- خالتي؛ أريد إخبارك بأمر
قطعَ كلامَه فورانُ القهوةِ من الركوةِ مما أخمدَ النار .
- "فوران القهوة خير ياابني " أرسلوك كي تخبرني أن أحمد استشهد!؟صح؟
شعرَ بالشللِ وماتجرأَ علی النظر في وجهها، تسمرَ نظرُه في عقدةِ حجابِها العفيف، رأی في تلك العقدةِ قوةً خارقة .
- من أخبرك خالتي ؟
- وعَدني بالعودةِ يوم الجمعة
حُكماً فإن لم يعد فقد ........... واليوم السبت.
وتابعَت بصوت حنون؛
- الله يرضی عليه، قلبي محروق منذ البارحة، لكنني وعدتُه ألا أبكي لأنّنا سنلتقي في الجنة، وقد أخبرني أنه قبل الاقتحام سيدعو الله عزّ وجلّ بذلك، وهو وقتُ إجابة .
كم كانوا حمقی ! أمضوا ساعاتٍ وهم يخطّطون لإخبارها وتخفيف صدمتها، قوتُها هزمَت ضعفهم وتخطيطهم.
اهتز صوتها قليلا:
- متی سيصل مهجة قلبي ....؟!
- بعد نصف ساعة تقريبا
- تعال إذن اشرب قهوتك ريثما أنتهي من تنقية العدس
أشرقت ابتسامتها من خلف غيوم زمن تراكم على وجهها المنكب على صينيتها، وأردفت؛
-إذ كل شيء خاضع لقانون الاصطفاء حتى هذا.
منى عزالدين

التسميات:

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية