الخميس، 19 مارس 2020

قراءةللأديبة/ منى عز الدين، في القصة القصيرة "لون الحناء"

قراءة للأديبة السورية/ منى عز الدين
في القصة القصيرة " لون الحناء "
للكاتب/ محسن الطوخي


تتوقف العينان أمام هذا النص بنظرة نصفها دهشة نصفها تصوير، وبعد طبع الصور المتلاحقة على المخيلة؛ تحتل نظرة الشغف المحجرين، شغف بمعرفة مدلولات كل صورة من هذه الفسيفساء الجميلة.قاصرة رؤيتي حتما عن الإحاطة بكل مافيها، وفي هذا القصور تشعر بلذة وقوفك أمام لوحة تشكيلية تعجبك لكنك غير قادر على الإمساك بماهية مخيلة الكاتب وهو يرسمها.
نص ترى فيه حركة خارجية من قصة طفل وطفلة وأب وأم؛ يوازيها حركة داخلية في نفس الأب بتجسيد عاطفي متوجس بالحذر .
هنا قصة كانت قد دفنت في بحر اللاشعور إلى أن تغير لون الماء قبل هبوب الريح؛ فهذا البحر ليس به عناوين. والبطل بين لحظة أخرى نتخيله متمثلا دور القبطان الذي لم يهجر البحر بإرادته، كما أنه لم يترك الغليون رغم مداهمة الربو وكانه صراع بين الوعي المدرك وإدراك عدم الوعي.
حياة بكاملها تندس في بللورة عرافة؛ يديرها حول محورها جناح فراشة بجوار القلب حركه لون الحناء .
أما الخاتمة فكانت رائعة جدا(مزروع تحت الظل الوارف وشظايا البقع الشمسية تتراقص فوق لفافة حلوى مأخوذ منها قضمة.......لكل منا ظل ألجأه القيظ إليه وبنا توق إلى لملمة شظايا الشمس المتكسرة فنلبس نظارتنا الشمسية لنجمع بين الأمرين؛ قد ننجح إلى حينأما قطعة الحلوى فما أظن أن أحدا قد أكملها، وإلا فقدت لذة بريقها تحت أشعة شمسٍ ما، لتشعل فينا توقا لإتمامها
قصة رائعة جدا ربما أخجل من التعقيب عليها بقصور أدواتي؛ لكن لن أخفي إعحابي بهذا التقطيع الماهر والانتقال الرشيق بين الوعي واللاوعي، بين الحاضر والماضي، بين الرغبة والرهبة، بين الواجب والحلم، بين حنة الذكرى وشيب الواقع.
إضافة لشيء جميل نستشعره من تقطيع موسيقي للألفاظ.بارك الله فيك أستاذنا؛ مدرسة بكل معنى الكلمة.

______________________ 


نص القصة:

لون الحناء .



" حبروك " صديق طفلتى .. عندما حكت لى عنه لأول مرة، ضحكتُ حتى دمعت عيناى .. فى دار الحضانة قالت لى المربية الشابة وهى تشرق بابتسامة: لدينا أكثر من طفل يُدعى أحمد، نميز بينهم بالألقاب. ترددتْ وأنا أطلب عنوان حبروك، علَّقتْ علىَ نظرة، نصفها مكر، ونصفها دهشة. كان النطاق الأبيض العريض يضيق حول الخصر فى توافقٍ تام مع دم الغزال المنسدل حتى أطراف الركبتين. قلت: زوجتى تنتظر فى الخارج. توارى المكرُ خجلاً، قالت: تعال لتقابل القبطان.
قادتنى إلى غرفة المدير .. قال العجوز: لم أترك البحر بإرادتى. ولما تساءلتْ نظرتى قال: الربو، ومال يشعل غليونه. كان الطفل قد دخل، وقف صامتاً على بعد ذراع، تلامس رأسه المتوهجة بلون الحنّاء - بالكاد - حافة المكتب. راح ينظر إلى مرة، وإلى القبطان مرة، بينما تدفّقتْ فى المكان رائحة الطباق. حرك لون الحنّاء جناحَ فراشة بجوار القلب.
قال الطفل: هى تعثّرتْ فى الدَرَج .. لم أدفعها.
قلت: أعرف .. هى لم تتّهمك.
ثبّتَ نظرته علىّ ولم ينطق .. قلت: ماذا تظننى أحضرت لك ؟
قال وهو يتملص من بين ركبتى: ربما طائر البطريق . .
ابتسمتُ، كنت أعرف خيال ابنتى، وأحفظ كرّاسات صورها الملونة.
********
كوب الشاى الدافىء، وفوق المنضدة أشياء صغيرة. لفافة حلوى مأخوذ منها قضمة، حبات فيشار، وشاح زوجتى الأزرق، مزقٌ من ضوء الشمس. وهى هناك فى الركن، ترقب من تحت النظارة الشمسية لهو الطفلين.
أتذكر كيف تلون وجه القبطان وأنا أطلب عنوان حبروك. لمعت فى عينيه ابتسامة، نصفها مكر، ونصفها ريبة. تلاشى المكرُ فى صفاقةٍ وأنا أذكر له الأسباب. كان يجد الوسيلةَ ليحدثنى عن البحر. قال لى أن البحر ليست به عناوين.
قال: فى البحر تتلقى الإنذار قبل مجىء الأنواء. تتساءل عيناى فيقول: من لون الماء.. قبل هبوب الريح يتغير لون الماء .. حين يدور الماء ويدور، تتكون عين الإعصار .. هل تعرف عين الإعصار ؟
( أعرف نظراتك تلك، من تحت النظارة الشمسية. منذ خرجتُ إليك أسعل من رائحة الغليون، وكأنك عرافة جبل الأوليمب. هل تقدر أن تُخفى كيف يحرك فيك الأشواق، لون الحناء.)
********
هتَفت زوجتيْ محتدة: عجوزٌ مراوغ. أنت تطلب عنواناً .. لا أكثر من عنوان. وافقتُ مرغماً على الانتظار ، استدارتْ، عبَرَتْ الطريق، توارت خلف الباب الشاهق..." قبل هبوب الريح ... يتغير لون الماء " .
********
عادتْ والبشر يزاحم فى عينيها الريبة: هاكَ العنوان. راحت تتلو من ورقة، اسم الشارع، رقم البيت. وأخيراً، نحن أمام البيت المطلوب. لم أفتح باب السيارة. قالت وبريق الريبة يتكاثف: سأذهبْ، لن يتعدى الأمر دقائق. رحتُ أفتش عن قرص الشمس خلف ركام السحب الفضية، وأُعَرِِّضْ صفحة وجهى الساخن لرذاذ المطر المتساقط. عادت لتداعب طفلتنا وتقول: تحيا السيدة فى قصر .
قالت: فى الغد نمر لنصحب "حبروك" فى نزهتنا.
لم أجرؤ أن أسأل، هل شعر الأم بلون الحنّاء. هل تعلو الصدغ الأيمن شامْة ترقد باستحياء ؟
********
حبروك ذو السنوات الخمس الغضة يعرف نقطة ضعفى، يقبلُ، يعبثُ بالحنّاء المشتعلة فوق الجبهة ويقول: فى المرّة القادمة، هل تأتى ماما معنا ؟
أنت ذهبت .. وأنت أتيت بحبروك .. وأنا مزروعٌ تحت الظل الوارف .. وشظايا البقع الشمسية، تتراقص فوق لفافة حلوى، مأخوذ منها القضمة .. وحبّات فيشار .. ووشاح أزرق .. وأحدِّقُ فى عين الإعصار تحت النظارة الشمسية.
تسكبُ بسمة، وتقبّل خد الطفل، وتقول: أجل، سندعو ماما لتلهو معنا .
يتهلل وجه الطفل.
محسن الطوخي

التسميات:

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية