قصة شهر إبريل... بعنوان " يوم نسينا طعم النعناع الأبيض ".. للأديب السوري/ حمدي بصيري
قصة شهر إبريل 2020
يوم نسينا طعم النعناع الأبيض
للأديب السوري/ حمدي البصيري
أشرفت الأستاذة منال خطاب على تقديم فعالية " قصة الشهر " في الأسبوع الثالث من
شهر إبريل 2020.
والموافق الجمعة 24 /04/ 2020
وتناول الأسبوع قصة " يوم نسينا طعم النعناع
الأبيض "، للأديب / حمدي البصيري.
-
المراجعة اللغوية لنص القصة :
الأستاذة / مهدية أماني.
-
فريق التسجيلات الصوتية :
الأستاذ عامر العيثاوي / الأستاذة غادة
هيكل/ الأستاذة درصاف الذيب/ الأستاذة
إيزيس عباس.
وفيما يلي تسجيل للفعالية، تبدأ بتقديم
الأستاذة منال، ثم نص القصة، يتلوه
تعليقات ومداخلات الأصدقاء بترتيب وصولها إلى
المنشور.يمكن سماع التسجيل
الصوتي على قناة "واحة القصة القصيرة " على يوتويوب.
مع وافر تحياتي
________________________
أحبتي
![]() |
منال خطاب |
خصصت واحة القصة القصيرة الأسبوع الثالث من كل شهر لاستعراض واحد من النصوص علي سبيل المدارسة، وتبادل المعرفة.
ولما كنا نعدكم من أبرز المساهمين في هذا الفن، إبداعا، ورؤية. فإننا نأمل في إثرائكم فاعلية قصة الشهر بتقديم رؤية، ولو في عجالة، عن القصة التي سيتم طرحها للمناقشة الآن،ويرافق النص المكتوب نصا مسموعا على قناة واحة القصة القصيرة المسموعة باليوتيوب (من إعداد فريق الواحة )، و سوف ينشر النص أيضا ببعض الصحف المصرية من قبيل حرص الواحة للإعلام عن مبدعيها. كما ستعد مدونة مكتملة، كتوثيق لكل التعليقات والدراسات، ويحتفظ بها فى أرشيف الواحة.
مع خالص الود والتقدير لكل من يشاركنا العُرس الشهرى.
وقصة هذا الشهر هى ؟
...........................
يوم نسينا طعم النعناع الأبيض
قصة : حمدي البصيري
![]() |
حمدي بصيري |
رويدك يا جدِّي، تمهَّل ، ضع خنجرك ، يا رجل، أنا لم أتبرأ منه ، هو من رماكم في وجهي:
- خــذ هؤلاء أجدادك ، بلّهم واشرب ماءهم .
بحذرٍ وأنـاة حملت أوراقكم الصفراء القديمة، مسحت برفق عنكم غبار السنين، وحفظتكم في صدر مكتبتي . أنا لم أزل " زبيـديَّـاً " ؟! بربِّكم يا أجدادي، من يحفظكم غيري ؟ من يهتف بكم : " زبيـد يا هَلِيْ " من كلِّ أفراد العائلة الكبيرة سواي ؟؟
* * *
كنَّــا قد طوينا سيرته منذ سنين عديدة ، ونسينا معه وردة والمرحوم والليرات وحلو* النعناع الأبيض ، ولكنَّ نبأ سجنه أطبق علينا هذا الصباح . أسرعت إلى مكتبتي ونبشت أجدادي الخمسين:
- استيقظوا ، هيّا ، ماجد في السجن!!
نفض أجدادي الكرى عن عيونهم متثاقلين، فأعدت النبأ عليهم. أمسكني اليمني من ياقة قميصي قائلاً:
- ماجد في السجن !!
وصاح:
- زبيــد يا هَلِيْ !
ابتسمت رغماً عنِّي . نهرني جدي ، وساطني بعينين مزرورتين كحبتي خرز ، وعندما ضحكت، ولم أستطع ضبط نفسي أشهر خنجره وبصق في وجهي :
- تفو عليك ، اخص، يا حيف على الرجال . ولد ، دير بالك . أقسم بالله العظيم ، سأشق بطنك لو تثاقلت عن نصرة ماجد " .
منذ أورثني ماجد قائمة الأجداد التي يرأسها اليمني عمر بن معد يكرب الزبيدي ، وفرائصي ترتعد .. يرعبني هذا الجد اليمني . مزاجه دموي ، ويده لا تفارق الخنجر ، لطالما رجوته بأن ينزع عمامته ، ويستمتع في مكتبتي بأشعار نزار قباني وديك الجن .. لطالما قلت له: " خنجرك يا جــدّي لا يليق بأيامنا الرَّخـوة هذه ".
يـكـزُّ جدي على أسنانه متحسراً ، ويقسم بأن سد مأرب لم يمض عام على انهياره!!
* * *
رويدك يا جدي ، تمهّل ، ظننت النبأ يسرك . بعدما تبــرأ ماجد منك ، وألقــاك في وجهي ! انكمش اليمني أمامي و تحدَّب . مسحت دمعته النابسة بيــدي وربت على ظهره هاتفاً:
- زبيــد يا هَلِيْ
طويت أوراقي مرغماً أجدادي الخمسين على النوم في جيب قميصي ، وحده اليمني عمر بن معد يكرب الزبيدي ، ظلّ مستيقظاً يلسع قلبي برأس خنجره كلّما غفلت عن مصيبة ماجد . لم أجد مفراً من إرضائه . عدت للمضافة حيث ألسنة العائلة الكبيرة ، تلوك بمتعة سيرة ماجد التي انبعثت هذا الصباح. وقفت أمام الباب . صحت بهم :
- زبيــد يا هلي
تقدمت خطوة ثانية مكرراً صيحتي .. وخطوة ثالثة، و رابعة و خامسة ، ومع كلّ خطوة ، صرخت في وجوههم :
- زبيــد يا هلي !!
فردت أوراقي الصفراء القديمة ، وذكرتهم بأجدادي ، فلم يكــترثوا . سخروا منّي .. لم أجد زبيــداً فيهم . ترحَّمت على أبي ماجد .. كان يقول لنا :
- آباؤكم أفلسوا ، لم يعودوا زبيــداً ؟!
لملمت أجدادي، وأعدتهم لمكتبتي . قامت قيامتهم .. تعاركوا مع نزار وديك الجن اللذين لعنا أجدادي، وطالباني بوضع حدٍّ لهذه المهزلة . أشهر اليمني خنجره، وهدد ديك الجن بقطع أنفه إن تنفّس مرّة أخرى. كتم ديك الجن أنفاسه ، بينما لوى نزار فمه، وهو يلملم نساءه وأشعاره. قال جدي :
- دعك منهما . سنذهب معك لنصرة ماجد
- ولكن ؟!
- ولد
ولم أجد مفــرّاً، وافقته على مضض . هتف أجدادي بحماسة :
- زبيــد يا هلي
فقلت بانكسار :
- زبيــد يا هلي
سامحك الله يا أبا ماجد لم أحييتهم ؟!
* * *
كــنَّا نتسابق إليه حين يقبل نحونا، وكانت الليرات والأنصاف تكرج في تلافيف الذاكرة قبل أن يشعل رنينها لهفة جيوبنا الصغيرة .. كنَّا نضمها ، نقبلها ، نحكم قبضاتنا الصغيرة جيداً عليها، ونركض إلى حيث يتربع حلو النعناع الأبيض في دكان أبي ابراهيم :
- أريد ست عشرة قطعة
- وأنا أريد أربعاً وعشرين قطع، معي ليرة كاملة، هيَّا املأ جيوبي ما ألذها !
- أبو ماجد قريبنا يعطينا الليرات . نحن نحبه
- أنا أحبه أكثر منك يا سامر
- وأنت يا أبا ابراهيم ألاَّ تحبه معنا
يهزُّ أبو ابراهيم رأسه مبتسماً فنهتف :
- هيــــــــــــــه ، أبو ابراهيم يحبه معنا
* * *
كـنّـا كذبة ، متملقين صغار ، وعندما كبرنا أول مــرَّة ، كان نعشه يتهادى فوق أكتاف آبائنا ؛ لن يسخروا منه بعد اليوم ، ولن يذكرهم أحد بـ " زبيــد يا هلي " .
وقتها أدركنا، نحن الصغار، خسارتنا، لذا أوصدت ذاكرتنا أبوابها جيداً كي لا تفلت منها نكهة حلو النعناع الأبيض ، و حكاياته الممتعة .
يفـردُ أوراقه الصفراء القديمة أمامنا، ويلهب حماسنا بصيحته:
- زبيد يا هلي
نتحلَّق حوله، يقول لنا:
- أصغوا إليَّ جيداً يا أولاد، هذا جدكم الأول، جاء من اليمن السعيد ، يُــدعى عمر بن معـد يكرب الزبيــدي ، كان أميراً، وشاعراً تهابه القبائل ، احفظوا اسمه و أطيعوه؛ جدّكم لا يحبُّ الكسالى، وذاك جدكم العاشر ، محمد بن حسن ، سكن بصرى الشام، ومنها جاءت ذريتكم، زبيـد يا هلي
فنرد بحماسة أكبر :
- زبيد يا هلي
كنّـا نصغي إليه بمتعة ونبحر معه ، وأنا على الأخص ، كنت أرى أجدادي في أحلامي ولكن ـ الحق يقال، حين أصحو لم يكن يعلق بذاكرتي إلاّ طعم النعناع الأبيض؛ كنت أنسى كلّ الأجداد حتى اليمني عمر بن معد يكرب الزبيدي !!
* * *
بشرف أمِّه الغالي! أقسم زيدٌ ثلاثاً بأن ماجد يحمل قنبلة !! ركضنا، تكذبه ألسنتنا ، وتصدقه عيوننا . كان ماجد يشقُّ طريقه نحونا كطاووس والناس من حوله، يتباعدون ويتقاربون ، تشلُّ الدهشة ألسنتهم، فتقعي واجمة في مغاور مظلمة . اقتربت منه " كم أكرهك يا ماجد دائماً تعرفُ كيف تلفت الأنظار " تأملت القنبلة، كانت أول مرّة أرى فيها قنبلة .
توسَّل إليه آباؤنا، وعرضوا عليه أختي سميرة ، ثمّ عرضوا عليه ابنة عمي زهرة ، إلاَّ أنَّـه بكلّ وقاحة وغرور رفض مصراً على الزواج من وردة ، أو يفجر نفسه ؟!! " برحمة الغالي يا ماجد " رجاه أبي، فكتمت امتعاضي الشّديد منه.
* * *
سبقنا ماجد، عرف كيف يكبرُ قبلنا ، لم يعد يلعب معنا ، تربَّع مكان والده في مضافتنا ، وبات يشرب القهوة المرّةَ مع آبائنا ، لم نكن نولي للأمر كبير شأن ، لكنَّ نبأ زواجه بات محور أحاديثنا .
تداولناه ، وتحاججنا صحته أثناء لعب الكرة ، وفي زقاق العائلة ، وفي البيدر علا جدالنا وصراخنا حتى أننّي تبادلت اللكمات مع سامر؛ اللعين قبضته أدمت فمي .. كنت سأحطمه ، لو لم يأت ماجد بابتسامته الصفراء " كم أكرهك يا ماجد ، دائماً تعرف كيف تهزأ بنا ؟ " فضضنا عراكنا ، فقال ماجد :
- تتعاركون ، أنتم أولاد ؟
- وأنت ؟
- أنا رجل ، انظروا شاربي ، وسأتزوج وردة قريباً
- وردة!!
- أجل وردة . ما بكم أيها الحمقى . هيّـا باركوا لي .
* * *
الآن ، عرفنا لم امتنعت وردة عن اللعب معنا منذ مــدّة ، لم نكن نعلم أنَّها باتت تكبرنا بثدييها اللذين تكوَّرا وتصلبا بين ليلة وضحاها ، بينما بقيت أثداؤنا نحن الصبية على حالها إشارات خجولة في صدورنا .
* * *
" سبقتنا وبتَّ رجلاً ، لا بأس ، نحن أيضاً سنكبر ، تجلس مع آبائنا وتشاركهم شرب القهوة المرَّة ، لا بأس أيضاً ، شريطة ألاّ تهزأ بنا وألاّ تشاركنا اللعب ، ولكن أن تأخذ وردة منَّا ، وتتباهى أمامنا بتقبيل صورتها بين يديك ، هذا أمرٌ لا نقبله أبداً ، أتسمع ؟ " .
وكانت عيوننا تحكي أكثر ، وتصبُّ نظرات ازدرائها واحتقارها لماجد أكثر . أينما اتجهنا كانت سيرة ماجد تهزمنا .. في البيدر و المدرسة و الزقاق ، ظلهُ الثقيل يطبق، على صدورنا ، فنكاد نختنق ، صورة وردة بين يديه تمزِّق قلوبنا .
سيرة والده العطرة ، توارت ، وغاص معها حلو النعناع الأبيض بعيداً ، بعيداً في أقاصي الذاكرة ، تاركاً هذا العلقم المسمى ماجد، يختال أمامنا جيئة وذهاباً .. باتت الأيام طويلة ، والعابنا أقل حركة ومتعة،" يا رب أعد لنـا وردة "
* * *
ولم تطل خطبة وردة .. كنّا نلعب ( الطميمة ) في البيدر ، عندما جاءنا زيدٌ ، وأقسم بشرف أمّه الغالي ثلاثاً بأن وردة فسخت خطبتها من ماجد ، كذبناه كعادتنا ، فكرر قسمه حتى أثلج صدورنا، ولعبنا وقتها كما لم نلعب من قبل .. وردة ستعود لنـا، ولكن هيهات، وردة تكبرنا بأنوثتها اللافتة، ولن تلعب معنا بعد اليوم!!
باتت تجلس فوق السطح ، وتطلُّ علينا في الزقاق . تبتسم لنا حين نناديها ، وتغمز بعينيها الرائعتين للشباب الأكبر منَّـا.
* * *
أصواتنا لم تعد أصواتنا، تغيَّرت، كبرنا ، وبتنا أطول من وردة ، و شواربنا خطَّت سطورها بوهنٍ تحت أنوفنا، أين أنت يا ماجد لترى ، غدونا رجالاً؛ رجالاً أكثر منك .
لوَّحنا بأيدينا لوردة : " كبرنا يا وردة . انظري ؟ " ولكن وردة سبقتنا مــرّة ثانية ، تزوجت رجلاً غريباً عنَّـا .. ليلة زفافها تذكرنا ماجد ، وهتفت بصوت مخنوق : " أين أنت يا ماجد ، وردة ستطير منَّـا " ولكن ماجداً لم يدرِ ما حلَّ بوردة ولم يأت تلك الليلة كما رجونا ربَّنـا .. كان قد هجر بلدتنا منذ سنين عديدة ، واليوم ، جاءنا نبـأ سجنه .
_____________________________________
• حلو النعناع الأبيض : سكاكر بيضاء بنكهة النعنع
____________________________________________
وقد
حظي النص بمجموعة من المناولات النقدية، نستعرضها بترتيب ورودها لكل من
الأساتذة:
1- عمر حمش.
2- إيهاب
بديوي
3- عادل
المعموري.
4- محمودعودة.
5- سيد جعيتم.
6- ميسون
السعدي.
7- سعيد
الصباغ.
8- كريم جبار
الناصري.
9- محمدالرحالي.
10- سليمان
جمعة.
11- زيدان
عبدالملك.
12- عبد السلام
القطري.
13- فاضل فاضل.
14- شادية
محمد.
15- بوحالياسمين.
16- منى عز
الدين.
17- لطيف عبد
السالم.
18- أم صباح
صباح. (أميمة الحسن )
19- الزهرة
الصالح.
20- بلعوام
المصطفى.
21- حمدي
عليوة.
22- نهلاءتوفيق.
23- حدريوي
مصطفى العبدي.
24- حمد حاجي.
25- فاضل
العذاري.
هيا بنا نتابع
آراء أولئك النخبة من أدباء، ونقاد القصة القصيرة
من الواضح أننا أمام كاتبٍٍ مقتدر، له مشروعه الخاص، يعلم ما يريد،
ويسعى إليه، جاهدا كي يزيّن قصتنا الحديثة بنصوصٍ مختلفةٍ، تاركا فيها بصمة
بعينها.
نحن هنا في حضرة كاتب موهوب، ومهندس بارع في فنون الحبك، وتشييد مداميك التكنيك، ولقد وجدته يكتب في قلبه، ويرى في مخيلته قبل الشروع في التطبيق.
وحمدي البصيري هنا - وإن أطال- فهو بلا حشو، أو ظهور على حساب السرد، رشيقٌ، سلسٌ، ومنطقيٌ مقنع بلا استعصاء، ولا استظهار.
ولقد حضرني عادل إمام في فيلم رسالة إلى الوالي حين حاول إيصال استنجاد أهل رشيد بوالٍ تبين أنه قد بات صنما.
هنا أيضا ذات الصرخة ' زبيد يا هلي"، أو ذات الرسالة، بأن كلّ شيء - إذا لم تفيقوا - سيكونٍ مآله الإنهيار
ذاك ماجد المستهتر، الفوضويّ
وذاك والد ماجد صاحب محاولات البقاء على عهد السابقين الكرام، الذي يمنح الصغار فرصة التمتع بسكاكر النعناع الأبيض.
وذاك اليمني الجد الخمسون العائد، والمستجلب من التاريخ ليدقّ نواقيس الخطر، في مواجهة االانكسار
وتلك وردة التي لم يحفظها ماجد، ولم يكن فارسها، فتنحى عنها للغريب
إنّ سلاسة الترميز هنا خدمت النص، فهي من جهةٍ منحته الدسم العميق، ومن جهةٍ أخرى أبعدته عن الاستعصاء، لقد كان ترميزا في متناول اليد، ولكنه أيضا كان بعيدا عن التسطيح، وموفقا إلى حدٍ بعيد.
ومن الجميل في الترميز هنا: أن القصة فتحت الباب للتأويل، ولعدمه، فإن شىت فخذ به، وإن شئت فدعه، وتبقى الحكاية حكاية راوٍ جميل.
ولقد تهشمت الأزمان في النصّ، لتندمج تماما في ذات اللحظة بتقنيات الاستدعاء، والاسترجاع، والتداعي، فالحاضر خجولٌ مقهورٌ ما بين مستقبلٍ مهدد، وماضٍ فخور.
تلك رسالة البصيري، وهي ذاتها رسالة كلّ فنٍ ناجح عرف هدفه .. في البحث القلق داخل الحلم بالخلاص.
إن اللعب على أداة هشم الأزمان لخدمة لحظة زمنٍ بعينها؛ توظيفٌ بارعٌ، وأداة صعبة لا يتقن توظيفها إلا متمرسٌ، وساردٌ راسخٌ رسوخ المبدعين الكبار.
تحياتي للكاتب الجميل، وتهنئتي بحسن الاختيار لطاقم الواحة البديع.
نحن هنا في حضرة كاتب موهوب، ومهندس بارع في فنون الحبك، وتشييد مداميك التكنيك، ولقد وجدته يكتب في قلبه، ويرى في مخيلته قبل الشروع في التطبيق.
وحمدي البصيري هنا - وإن أطال- فهو بلا حشو، أو ظهور على حساب السرد، رشيقٌ، سلسٌ، ومنطقيٌ مقنع بلا استعصاء، ولا استظهار.
ولقد حضرني عادل إمام في فيلم رسالة إلى الوالي حين حاول إيصال استنجاد أهل رشيد بوالٍ تبين أنه قد بات صنما.
هنا أيضا ذات الصرخة ' زبيد يا هلي"، أو ذات الرسالة، بأن كلّ شيء - إذا لم تفيقوا - سيكونٍ مآله الإنهيار
ذاك ماجد المستهتر، الفوضويّ
وذاك والد ماجد صاحب محاولات البقاء على عهد السابقين الكرام، الذي يمنح الصغار فرصة التمتع بسكاكر النعناع الأبيض.
وذاك اليمني الجد الخمسون العائد، والمستجلب من التاريخ ليدقّ نواقيس الخطر، في مواجهة االانكسار
وتلك وردة التي لم يحفظها ماجد، ولم يكن فارسها، فتنحى عنها للغريب
إنّ سلاسة الترميز هنا خدمت النص، فهي من جهةٍ منحته الدسم العميق، ومن جهةٍ أخرى أبعدته عن الاستعصاء، لقد كان ترميزا في متناول اليد، ولكنه أيضا كان بعيدا عن التسطيح، وموفقا إلى حدٍ بعيد.
ومن الجميل في الترميز هنا: أن القصة فتحت الباب للتأويل، ولعدمه، فإن شىت فخذ به، وإن شئت فدعه، وتبقى الحكاية حكاية راوٍ جميل.
ولقد تهشمت الأزمان في النصّ، لتندمج تماما في ذات اللحظة بتقنيات الاستدعاء، والاسترجاع، والتداعي، فالحاضر خجولٌ مقهورٌ ما بين مستقبلٍ مهدد، وماضٍ فخور.
تلك رسالة البصيري، وهي ذاتها رسالة كلّ فنٍ ناجح عرف هدفه .. في البحث القلق داخل الحلم بالخلاص.
إن اللعب على أداة هشم الأزمان لخدمة لحظة زمنٍ بعينها؛ توظيفٌ بارعٌ، وأداة صعبة لا يتقن توظيفها إلا متمرسٌ، وساردٌ راسخٌ رسوخ المبدعين الكبار.
تحياتي للكاتب الجميل، وتهنئتي بحسن الاختيار لطاقم الواحة البديع.
أولا كل
عام وانتم بخير. رمضان كريم..
القصة تحتاج إلى القراءة عدة مرات لإحكام الرؤية على المدلولات والتراكيب الفكرية المتوارية بين العبارات البلاغية والحبكة البنائية. قد نراها قصة فانتازيا تعيش شخصوصها وأحداثها بالكامل في عقل ذلك الصبي الذي يحاول استعادة أمجاد العرب الضائعة. فنرى الرمزية المباشرة في استدعاء شخصيات تاريخية مختلفة بداية من عمرو بن معد وقوته واعتزازه ورغبته الدائمة في حسم الأمور المعلقة بقوة السلاح. وديك الجن ونزار اللذين نعيا الأمة بابيات غاية في القوة والعنف. خمسون جيلا تراقب في خلفية الصورة ما وصل إليه حال الجيل الحالي من ضعف وتفريط وهوان. يراقبون من عليائهم كيف تنهار الحضارة بفعل تنازلات ومواقف عائمة واندماج في دنيا بلا كرامة تذكر. ماجد ووردة يمثلان بؤرة الصراع الرمزي في عقل الراوي. الفتاة التي كبرت سريعا وحرمت من اللعب مع الصبية. خرج من بينهم صبي يحلم بأن يفوز بها. وعندم وعوا للأمر حقدوا عليه وكذبوا أعينهم. لكنه لم ينتظرهم. بل كانت خطواته أسرع منهم وجلس في مجتمع الرجال وشرب قهوتهم المرة كناية عن تحمله لمسئوليات أكبر كثيرا من عمره. لكن الارتباط للم يستمر. مما جعلهم يفرحوت لغبائهم المفرط في عدم اقتران واحد منهم بنجمتهم المفضلة. حتى ذهبت إلى غريب دون ان يستطيعوا فعل شيء. بؤرة الصراع في القصة تتجسد في فرح الراوي على ضياع وردة من ماجد. ثم حزنه الشديد على سجنه. لماذا تم سجن ماجد؟ ومن الذي سجنه. وهل غضبه منهم هو الذي جعله يهجرهم. وهم قد أهملوه ولم يهب واحد منهم لنصرته رغم أنه كان مصدرا للسعادة المباشرة متمثلة في حلوى النعناع؟ لو تعمقنا أكثر في طبيعة النص سنجد أنه يحمل أفكارا قومية وإنسانية وعاطفية مركبة. لم تخرج من الكاتب بصورة واضحة لاعتبارات تتعلق بالبيئة المحيطة وعدم الرغبة في الإفصاح الكامل عن الهدف الأساسي وهو الصرخة العنيفة المكتومة المحاطة بملايين الموانع الشائكة. لغة الكاتب جيدة. اختار نمطا سرديا مركبا يتراوح بين البساطة والتعقيد. النص حافل بالإسقاطات التي بمكن تأويلها على عدة أوجه. استدعاء شخصيات تاريخية لخدمة الفكرة وتأجيج الصراع له حدود ضمنية مرتبطة بثقافة القارئ. الترميز كان زائدا قليلا عن الحد مما يجعل النص غير واضح في بعض نقاطه. في النهاية نحن أمام قصة غير نمطية استخدم فيها الكاتب أدواته بصورة جيدة.. تحيتي للإدارة المبدعة والكاتب .
القصة تحتاج إلى القراءة عدة مرات لإحكام الرؤية على المدلولات والتراكيب الفكرية المتوارية بين العبارات البلاغية والحبكة البنائية. قد نراها قصة فانتازيا تعيش شخصوصها وأحداثها بالكامل في عقل ذلك الصبي الذي يحاول استعادة أمجاد العرب الضائعة. فنرى الرمزية المباشرة في استدعاء شخصيات تاريخية مختلفة بداية من عمرو بن معد وقوته واعتزازه ورغبته الدائمة في حسم الأمور المعلقة بقوة السلاح. وديك الجن ونزار اللذين نعيا الأمة بابيات غاية في القوة والعنف. خمسون جيلا تراقب في خلفية الصورة ما وصل إليه حال الجيل الحالي من ضعف وتفريط وهوان. يراقبون من عليائهم كيف تنهار الحضارة بفعل تنازلات ومواقف عائمة واندماج في دنيا بلا كرامة تذكر. ماجد ووردة يمثلان بؤرة الصراع الرمزي في عقل الراوي. الفتاة التي كبرت سريعا وحرمت من اللعب مع الصبية. خرج من بينهم صبي يحلم بأن يفوز بها. وعندم وعوا للأمر حقدوا عليه وكذبوا أعينهم. لكنه لم ينتظرهم. بل كانت خطواته أسرع منهم وجلس في مجتمع الرجال وشرب قهوتهم المرة كناية عن تحمله لمسئوليات أكبر كثيرا من عمره. لكن الارتباط للم يستمر. مما جعلهم يفرحوت لغبائهم المفرط في عدم اقتران واحد منهم بنجمتهم المفضلة. حتى ذهبت إلى غريب دون ان يستطيعوا فعل شيء. بؤرة الصراع في القصة تتجسد في فرح الراوي على ضياع وردة من ماجد. ثم حزنه الشديد على سجنه. لماذا تم سجن ماجد؟ ومن الذي سجنه. وهل غضبه منهم هو الذي جعله يهجرهم. وهم قد أهملوه ولم يهب واحد منهم لنصرته رغم أنه كان مصدرا للسعادة المباشرة متمثلة في حلوى النعناع؟ لو تعمقنا أكثر في طبيعة النص سنجد أنه يحمل أفكارا قومية وإنسانية وعاطفية مركبة. لم تخرج من الكاتب بصورة واضحة لاعتبارات تتعلق بالبيئة المحيطة وعدم الرغبة في الإفصاح الكامل عن الهدف الأساسي وهو الصرخة العنيفة المكتومة المحاطة بملايين الموانع الشائكة. لغة الكاتب جيدة. اختار نمطا سرديا مركبا يتراوح بين البساطة والتعقيد. النص حافل بالإسقاطات التي بمكن تأويلها على عدة أوجه. استدعاء شخصيات تاريخية لخدمة الفكرة وتأجيج الصراع له حدود ضمنية مرتبطة بثقافة القارئ. الترميز كان زائدا قليلا عن الحد مما يجعل النص غير واضح في بعض نقاطه. في النهاية نحن أمام قصة غير نمطية استخدم فيها الكاتب أدواته بصورة جيدة.. تحيتي للإدارة المبدعة والكاتب .
نص بديع
زانه الاسلوب المتميز الذي استخدمه الكاتب في توصيل المفردة..اضافة الى الصدق
الفني في التعبير .اضاف نكهة محببة تشعر فيها كمتلقي انك تعيش الاجواء بكل حيواتها
بمنتهىالبساطة والتلقائية..
لقد نجح الكاتب في شد المتلقي بطريقة احترافية...
تحياتي له ولمن اتاح لي الفرصة بالثناء على النص باستحقاق اكيد.
لقد نجح الكاتب في شد المتلقي بطريقة احترافية...
تحياتي له ولمن اتاح لي الفرصة بالثناء على النص باستحقاق اكيد.
قراءة في نص ( يوم نسينا طعم النعناع الأبيض ) للكاتب المبدع حمدي
البصيري
العنوان لفت نظري لأن النعناع الأبيض هو النوع من السكاكر الذي لم يطمره عفن الزمن، بل بقي متألقاً يعشقه الكثير من جميع الأعمار ومن الجنسين، وربما إشارة ذكية لربط الماضي بالحاضر .
المتن
ربط الكاتب الماضي بقوة جلده بالحاضر المتراخي من خلال مدخله لنصه ) رويدك ياجدي تمهل، ضع خنجرك، يا رجل، أنا لم أتبرأ منه، هو من رماكم في وجهي: خذ هؤلاء أجدادك، بلهم واشرب ماءهم ) بهذه العبارة التي نحمل الكثيرمن التلغيز استهل الكاتب نصه الذ يدخلنا إلى أعماق التاريخ من خلال، عشيرة الزبيدي التي انطلقت من اليمن، بقيادة الصحابي الجليل " عمرو بن معد يكرب الزبيدي " والذي كان قائد في الفتوحات الإسلامية ( في القادسية ونهوند واليرموك ) وهنا الكاتب أراد بزج إسم الصحابي الزبيدي ليقول للمتلقي أن عائلة الزبيدي المتأصلة في أكثر من بلد عربي أصلها واحد هو هذا الصحابي الجليل وتعمد الكاتب ألا يشير إلأى دوره الإسلامي ومنذ إسلامه مع قبيلته حتى خوض الفتوحات الإسلامية ويقال أنه عاش ما يقارب من 150 عاما والبعض يقول 120 عاماً ....
يأخذنا الكاتب من خلال السارد إلى ماجد وسجنه ولم يقل لنا الكاتب من السجان ولم سجن، ولكن غيرة الأجداد الخمسين وحميتهم على سجنه وتحفيزهم للسارد البطل على مناصرة ماجد في سجنه وعدم تركه، من خلال سجلاتهم في الأوراق الصفراء بالرغم من تخلي ماجد عنها للسارد.. ويدخلنا الكاتب من خلال الشاعريين الكبيرين ديك الجن العباسي ونزار قباني العصري، ويطلب السارد من جده المسجل في الأوراق الصفراء المسجاة في مكتبته مع كتب الشاعريين أن يتعايش معهما ويستمتع بحياتهما الماجنة....
وينقلنا الكاتب بفلاش باك إلى حياة الطفولة وأبو ماجد الرجل الرشيد الذي كان يغدق عليهم بالليرات ( ونوع العملة هنا يدلنا على مسرح أحداث القصة التي لم يذكرها الكاتب وهي بلاد الشام وسوريا بالذات بلد الشاعر ديك الجن الحمصي ونزار قباني الدمشقي... ومن خلال السرد يدخل حلو النعناع الممتع للأطفال، ويدخلنا الكاتب بذكاء إلى ماجد الذي يكبر رفاقه الصبية عمراً، فيتقمص دور والده بعد وفاته ويجلس بين الرجال ويشرب القهوة المرة ، ويتباهي برجولته المبكرة وسعيه للزواج من رفيقتهم وردة التي اختفت من صحبتهم خلف ثدييها النافرين والمتصلبين، وهنا رأيب ملاحظة أختيار إسم وردة هل هو تناص لأسم ديك الجن وحبيبته ورد المسيحية التي اسلمت لحبها لديك الجن حتى يتم الزواج، ثم تنتهي بمأساة ، وهل يرتبط إسم ماجد بديك الجن من ناحية المجون ،، لا أدري ويبقى المعنى في بطن الشاعر.
وأدخلنا الكاتب في دوامة بإصرار ماجد على خطبة وردة بحمله قنبلة ويهدد بتفجير نفسه إذا لم يخطبها، وتتم الخطوبة لكنها لم تستمر والجميع ترك وردة تذهب لرجل غريب، ثم تختفي وردة ويختفي ماجد حتى يأتي نبأ سجنه.. مما يثير تساؤلات كثيرة لدى المتلقي عن سبب سجنه، هل قتل وردة كما فعل ديك الجن مع زوجته ورد، أم انخرط في مع فئة من المقاتلين، خاصة أن مدة غيابه طالت ... ترك الكاتب بذكاء الحبكة مفتوحة .
أرى الكاتب أراد بهذا النص أن يلقي الضوء على تغيب الحمية بين الشعوب العربية ولم تتحرك فيهم نخوة زبيد ياهلي بل ركنوا إلى التراخي حتى تداعت عليهم الأمم، وأصبح كل له همه الخاص ولم تتحرك النخوة لنجدة إبنهم وربما إبن جدهم ماجد حتى لم يبحث أحدهم عن سبب سجنه ..
كل التحية للكاتب المبدع حمدي البصيري على هذا النص والسرد الشيق الذي لم نمله رغم طوله وعلى ما جعلني أنا شخصيا في البحث عن الجد اليمني وكذلك الجد العاشر الذي سكن بصرى الشام والتي كانت عاصمة دولة الغساسنة العربية قبل الإسلام المتحالفة مع الروم .
والشكر موصول لأسرة الواحة وعرابها الإستاذ محسن الطوخي والأستاذة الخلوقة والمربية الفاضل منال خطاب لإتاحة الفرصة لنا للقراءة والإفادة .
العنوان لفت نظري لأن النعناع الأبيض هو النوع من السكاكر الذي لم يطمره عفن الزمن، بل بقي متألقاً يعشقه الكثير من جميع الأعمار ومن الجنسين، وربما إشارة ذكية لربط الماضي بالحاضر .
المتن
ربط الكاتب الماضي بقوة جلده بالحاضر المتراخي من خلال مدخله لنصه ) رويدك ياجدي تمهل، ضع خنجرك، يا رجل، أنا لم أتبرأ منه، هو من رماكم في وجهي: خذ هؤلاء أجدادك، بلهم واشرب ماءهم ) بهذه العبارة التي نحمل الكثيرمن التلغيز استهل الكاتب نصه الذ يدخلنا إلى أعماق التاريخ من خلال، عشيرة الزبيدي التي انطلقت من اليمن، بقيادة الصحابي الجليل " عمرو بن معد يكرب الزبيدي " والذي كان قائد في الفتوحات الإسلامية ( في القادسية ونهوند واليرموك ) وهنا الكاتب أراد بزج إسم الصحابي الزبيدي ليقول للمتلقي أن عائلة الزبيدي المتأصلة في أكثر من بلد عربي أصلها واحد هو هذا الصحابي الجليل وتعمد الكاتب ألا يشير إلأى دوره الإسلامي ومنذ إسلامه مع قبيلته حتى خوض الفتوحات الإسلامية ويقال أنه عاش ما يقارب من 150 عاما والبعض يقول 120 عاماً ....
يأخذنا الكاتب من خلال السارد إلى ماجد وسجنه ولم يقل لنا الكاتب من السجان ولم سجن، ولكن غيرة الأجداد الخمسين وحميتهم على سجنه وتحفيزهم للسارد البطل على مناصرة ماجد في سجنه وعدم تركه، من خلال سجلاتهم في الأوراق الصفراء بالرغم من تخلي ماجد عنها للسارد.. ويدخلنا الكاتب من خلال الشاعريين الكبيرين ديك الجن العباسي ونزار قباني العصري، ويطلب السارد من جده المسجل في الأوراق الصفراء المسجاة في مكتبته مع كتب الشاعريين أن يتعايش معهما ويستمتع بحياتهما الماجنة....
وينقلنا الكاتب بفلاش باك إلى حياة الطفولة وأبو ماجد الرجل الرشيد الذي كان يغدق عليهم بالليرات ( ونوع العملة هنا يدلنا على مسرح أحداث القصة التي لم يذكرها الكاتب وهي بلاد الشام وسوريا بالذات بلد الشاعر ديك الجن الحمصي ونزار قباني الدمشقي... ومن خلال السرد يدخل حلو النعناع الممتع للأطفال، ويدخلنا الكاتب بذكاء إلى ماجد الذي يكبر رفاقه الصبية عمراً، فيتقمص دور والده بعد وفاته ويجلس بين الرجال ويشرب القهوة المرة ، ويتباهي برجولته المبكرة وسعيه للزواج من رفيقتهم وردة التي اختفت من صحبتهم خلف ثدييها النافرين والمتصلبين، وهنا رأيب ملاحظة أختيار إسم وردة هل هو تناص لأسم ديك الجن وحبيبته ورد المسيحية التي اسلمت لحبها لديك الجن حتى يتم الزواج، ثم تنتهي بمأساة ، وهل يرتبط إسم ماجد بديك الجن من ناحية المجون ،، لا أدري ويبقى المعنى في بطن الشاعر.
وأدخلنا الكاتب في دوامة بإصرار ماجد على خطبة وردة بحمله قنبلة ويهدد بتفجير نفسه إذا لم يخطبها، وتتم الخطوبة لكنها لم تستمر والجميع ترك وردة تذهب لرجل غريب، ثم تختفي وردة ويختفي ماجد حتى يأتي نبأ سجنه.. مما يثير تساؤلات كثيرة لدى المتلقي عن سبب سجنه، هل قتل وردة كما فعل ديك الجن مع زوجته ورد، أم انخرط في مع فئة من المقاتلين، خاصة أن مدة غيابه طالت ... ترك الكاتب بذكاء الحبكة مفتوحة .
أرى الكاتب أراد بهذا النص أن يلقي الضوء على تغيب الحمية بين الشعوب العربية ولم تتحرك فيهم نخوة زبيد ياهلي بل ركنوا إلى التراخي حتى تداعت عليهم الأمم، وأصبح كل له همه الخاص ولم تتحرك النخوة لنجدة إبنهم وربما إبن جدهم ماجد حتى لم يبحث أحدهم عن سبب سجنه ..
كل التحية للكاتب المبدع حمدي البصيري على هذا النص والسرد الشيق الذي لم نمله رغم طوله وعلى ما جعلني أنا شخصيا في البحث عن الجد اليمني وكذلك الجد العاشر الذي سكن بصرى الشام والتي كانت عاصمة دولة الغساسنة العربية قبل الإسلام المتحالفة مع الروم .
والشكر موصول لأسرة الواحة وعرابها الإستاذ محسن الطوخي والأستاذة الخلوقة والمربية الفاضل منال خطاب لإتاحة الفرصة لنا للقراءة والإفادة .
سيد جعيتم
أستاذنا
حمدي البصيري في نص الاحترافي الإبداعي( يوم نسينا طعم النعناع الأبيض) أخرج نصًا
مميزًا في فكرته التي سرده
ا بسلاسة وحبكة، وقد وضعني في حيرة فالنص ثمين جعل
الرؤية المتكاملة له صعبة.
رمز لأصالة أسرته بجده الأكبر فارس العرب عمرو بن معد يكرب بو ثور الزبيدي) وقد حركة مؤشر البحث لجوجل ) فعرفت أنه أحد صحابة رسولنا الكريم صلي الله عليه, شارك في الفتوحات الإسلامية و قتل رستم فرخزاد قائد الجيش الفارسي في عهد آخر ملوك الدولة الساسانية، ونال الشهادة في موقعة نهاوند.
جال بخاطري عند القراءة هل يقصد كاتبنا بـ ( زبيد) التذكير بأنهم من النسل الكريم الضارب في الأصالة، أم أراد لصق (الذبد) الذي يعلو الرغوة عديم الفائدة، بالجيل الجديد من العائلة لتخاذلهم ، وأنا أميل للوصف الثاني، و أعتبره أسقاط علي واقعنا المشتت في عالمنا العربي.
شخصية (ماجد) هي شخصنة لشخصية الزعيم أي زعيم ( زعيم قبيلة / ثورة/ تمرد/ حاكم)، و تطور ماجد من طور الطفولة والبراءة حتي ملكته الدنيا في طور رجولته أشاره لبدايات الزعماء البيضاء ونهاية زعامات بعضهم نهاية غير مرضية، وما كان إصرار ماجد علي قطف وردة والاستئثار بها إلا أشاره للانفراد بالرأي، ويعرج علي حالنا واكتفائنا بدور المتفرجين.
دخول ماجد السجن ترك لنا فسحة لنجول بخيالنا في السبب، وهل هجره للوطن كان هروبًا أم نفي.
نعود لحلوي النعناع الأبيض والسعادة التي يجلبها وهو الخيط الوحيد الذي جمع الكل وأسعدهم.
النص مملوء بحنين الكاتب للأصالة وشعوره بالمرارة من واقع نحياه لم يمحو طعم مرارتها النعناع الحلو ، كنت أتمني الإقلال من الرمزية المشحون بها النص فأجهدنا في فهم مقصده والنفاذ إلي مناطق لم نستطيع ارتيادها في متن النص.
توجد إطالة في وصف بعض الأحداث لم تخل بالنص.
رمز لأصالة أسرته بجده الأكبر فارس العرب عمرو بن معد يكرب بو ثور الزبيدي) وقد حركة مؤشر البحث لجوجل ) فعرفت أنه أحد صحابة رسولنا الكريم صلي الله عليه, شارك في الفتوحات الإسلامية و قتل رستم فرخزاد قائد الجيش الفارسي في عهد آخر ملوك الدولة الساسانية، ونال الشهادة في موقعة نهاوند.
جال بخاطري عند القراءة هل يقصد كاتبنا بـ ( زبيد) التذكير بأنهم من النسل الكريم الضارب في الأصالة، أم أراد لصق (الذبد) الذي يعلو الرغوة عديم الفائدة، بالجيل الجديد من العائلة لتخاذلهم ، وأنا أميل للوصف الثاني، و أعتبره أسقاط علي واقعنا المشتت في عالمنا العربي.
شخصية (ماجد) هي شخصنة لشخصية الزعيم أي زعيم ( زعيم قبيلة / ثورة/ تمرد/ حاكم)، و تطور ماجد من طور الطفولة والبراءة حتي ملكته الدنيا في طور رجولته أشاره لبدايات الزعماء البيضاء ونهاية زعامات بعضهم نهاية غير مرضية، وما كان إصرار ماجد علي قطف وردة والاستئثار بها إلا أشاره للانفراد بالرأي، ويعرج علي حالنا واكتفائنا بدور المتفرجين.
دخول ماجد السجن ترك لنا فسحة لنجول بخيالنا في السبب، وهل هجره للوطن كان هروبًا أم نفي.
نعود لحلوي النعناع الأبيض والسعادة التي يجلبها وهو الخيط الوحيد الذي جمع الكل وأسعدهم.
النص مملوء بحنين الكاتب للأصالة وشعوره بالمرارة من واقع نحياه لم يمحو طعم مرارتها النعناع الحلو ، كنت أتمني الإقلال من الرمزية المشحون بها النص فأجهدنا في فهم مقصده والنفاذ إلي مناطق لم نستطيع ارتيادها في متن النص.
توجد إطالة في وصف بعض الأحداث لم تخل بالنص.
عنوان
ملفت مبتكر فيه رائحة طفولة جميلة
النص بكل التفاصيل التي ذكرت يقول:نحن أبناء الريف والنجوع تنوء أكتافنا بموروثنا ولو كان كريما..العادات تمحي تفردنا. .يختصر شبابنا وطفولتنا
نعم عاداتنا تقول نحن للجميع والجميع لنا في المحن والنوائب، لكن هذا يحمينا ويرهقنا بنفس الوقت
ونحن ننسى القول الكريم:ربوا أولادكم لزمن غير زمنكم
بالنسبة لتفاصيل النص وبعض النقاط التي كانت برأيي غير ملائمةعبارة يارجل لانها غير ملائمة أن تقال لرجل كبير في السن في مقام كالذي يصفه الكاتب
بلهم يمكن استبدالها بكلمة أشد وقعا أنقعهم. ..
أرى لو بدأ النص من المقطع الثاني كان أجمل وأقل اسهابا..أتت جملة حبتي خرز زائدة...أكثر الكاتب المبدع
من تكرار جملة زيد ياهلي...
أرى جمال وتفرد النص الحقيقي بمقطع سبقنا ماجد.اجاد الكاتب بوصف مشاعر اليافعين...مقطع مميز لم يتطرق الكثيرون لوصف هذه التفاصيل الممتعة الغنية بدراسةنفسية دقيقة.
يبقى أن أقول أن سبب تعثر النص في بعض مقاطعه ولو كانت جميلة ومبدعة أذا وقفت وحدها،أن القصة القصيرة لاتتحمل أن نعالج محاور مختلفة وجوديةواجتماعية ....تاريخية ومعاصرة معا...هذا يرهقها ويشتتها...النهاية بدت ملامحها من خلال السرد
سيبقى المقطع الذي يصف مشاعر الكاتب تجاه ماجد طويلا في ذاكرتي و، يرسم بسمة حقيقة من القلب
الأدب يجعلنا نعيش حياة أخرى فلا نميز أهو مر بنا حقا
أو مجرد سطور سبكها كاتب مبدع جميل ككاتبنا
كل الشكر والتقدير..أبدعت استاذي
النص بكل التفاصيل التي ذكرت يقول:نحن أبناء الريف والنجوع تنوء أكتافنا بموروثنا ولو كان كريما..العادات تمحي تفردنا. .يختصر شبابنا وطفولتنا
نعم عاداتنا تقول نحن للجميع والجميع لنا في المحن والنوائب، لكن هذا يحمينا ويرهقنا بنفس الوقت
ونحن ننسى القول الكريم:ربوا أولادكم لزمن غير زمنكم
بالنسبة لتفاصيل النص وبعض النقاط التي كانت برأيي غير ملائمةعبارة يارجل لانها غير ملائمة أن تقال لرجل كبير في السن في مقام كالذي يصفه الكاتب
بلهم يمكن استبدالها بكلمة أشد وقعا أنقعهم. ..
أرى لو بدأ النص من المقطع الثاني كان أجمل وأقل اسهابا..أتت جملة حبتي خرز زائدة...أكثر الكاتب المبدع
من تكرار جملة زيد ياهلي...
أرى جمال وتفرد النص الحقيقي بمقطع سبقنا ماجد.اجاد الكاتب بوصف مشاعر اليافعين...مقطع مميز لم يتطرق الكثيرون لوصف هذه التفاصيل الممتعة الغنية بدراسةنفسية دقيقة.
يبقى أن أقول أن سبب تعثر النص في بعض مقاطعه ولو كانت جميلة ومبدعة أذا وقفت وحدها،أن القصة القصيرة لاتتحمل أن نعالج محاور مختلفة وجوديةواجتماعية ....تاريخية ومعاصرة معا...هذا يرهقها ويشتتها...النهاية بدت ملامحها من خلال السرد
سيبقى المقطع الذي يصف مشاعر الكاتب تجاه ماجد طويلا في ذاكرتي و، يرسم بسمة حقيقة من القلب
الأدب يجعلنا نعيش حياة أخرى فلا نميز أهو مر بنا حقا
أو مجرد سطور سبكها كاتب مبدع جميل ككاتبنا
كل الشكر والتقدير..أبدعت استاذي
استمتعت
بهذه القصة القصيرة من حيث البناء الدرامى والتصاعد المتنامى واللغة المنضبطة شكلا
وجوهرا.
من الصعب أن يحافظ كاتب القصة على وحدة الموضوع عندما يلجأ للفلاش باك (اللعب فى ومع الماضى) ومحاولة ربطه بالحاضر المعاش فهى لعبة بها الكثير من الخطورة على النص ووحدته وترابطه وأيضا مفرداته لأن هذا النوع من الكتابة له مفردات خاصة كما فى الأشكال الأخرى.
لكن هنا تكون الصعوبة أكثر للربط بين الماضى والحاضر فعندما يشعر بالمعاناة الحياتية يعود إلى الماضى بحلوه ونعناعه الابيض
الذى كدنا أن ننساه !
ولماذا نعناع وابيض؟!
الإجابة :
لان النعناع مادة طيارة لاتبقى كثيرا فتطير سريعا بحلاوتها
كما الماضى الجميل الذى طار وتبخر مع حلاوته ؛ هكذا جاء الرمز هنا لخدمة الموضوع.
ولماذا اللون الابيض للنعناع ؟!
لأنه فى علم الالوان سواء فى الفن التشكيلي او المسرح أو السينما الخ يكون اللون الابيض هو دلالة على النقاء والشفافيةو الرُقى الخ
هكذا مزج الكاتب حلاوة وجمال الماضى بآلام ومعاناة الحاضر.
فقد انتصر كاتبنا وتخطى هه الخطورة التى أشرت إليها مسبقا
لقد أجاد كاتبنا فى إظهار الروح الاجتماعية والرفاقية بمستوياتها
المختلفة.
جاءت اللغة رشيقة جميلة مريحة للقارئ ؛ مع عدم الأخطاء النحوية بها وهذا أعطى شكلا بديعا للمُنتَج.
هذه قراءتى النقدية وقد يختلف معى الكاتب وهذا حقه بالطبع
لكننى قرأتها من خلال رؤيتى.
تحياتى لكاتبنا المبدع على هذا العمل الادبى الجيد مع تمنياتي له بالمزيد من الابداع والنجاح.
شكرا لاديبتنا المبدعة الكبيرة
الأستاذة/منال خطاب
وواحة القصة القصيرة على ماتقدمه لنا من أعمال تبدعنا وتمتعنا.
لكم جميعا منى ارق تحياتى.
من الصعب أن يحافظ كاتب القصة على وحدة الموضوع عندما يلجأ للفلاش باك (اللعب فى ومع الماضى) ومحاولة ربطه بالحاضر المعاش فهى لعبة بها الكثير من الخطورة على النص ووحدته وترابطه وأيضا مفرداته لأن هذا النوع من الكتابة له مفردات خاصة كما فى الأشكال الأخرى.
لكن هنا تكون الصعوبة أكثر للربط بين الماضى والحاضر فعندما يشعر بالمعاناة الحياتية يعود إلى الماضى بحلوه ونعناعه الابيض
الذى كدنا أن ننساه !
ولماذا نعناع وابيض؟!
الإجابة :
لان النعناع مادة طيارة لاتبقى كثيرا فتطير سريعا بحلاوتها
كما الماضى الجميل الذى طار وتبخر مع حلاوته ؛ هكذا جاء الرمز هنا لخدمة الموضوع.
ولماذا اللون الابيض للنعناع ؟!
لأنه فى علم الالوان سواء فى الفن التشكيلي او المسرح أو السينما الخ يكون اللون الابيض هو دلالة على النقاء والشفافيةو الرُقى الخ
هكذا مزج الكاتب حلاوة وجمال الماضى بآلام ومعاناة الحاضر.
فقد انتصر كاتبنا وتخطى هه الخطورة التى أشرت إليها مسبقا
لقد أجاد كاتبنا فى إظهار الروح الاجتماعية والرفاقية بمستوياتها
المختلفة.
جاءت اللغة رشيقة جميلة مريحة للقارئ ؛ مع عدم الأخطاء النحوية بها وهذا أعطى شكلا بديعا للمُنتَج.
هذه قراءتى النقدية وقد يختلف معى الكاتب وهذا حقه بالطبع
لكننى قرأتها من خلال رؤيتى.
تحياتى لكاتبنا المبدع على هذا العمل الادبى الجيد مع تمنياتي له بالمزيد من الابداع والنجاح.
شكرا لاديبتنا المبدعة الكبيرة
الأستاذة/منال خطاب
وواحة القصة القصيرة على ماتقدمه لنا من أعمال تبدعنا وتمتعنا.
لكم جميعا منى ارق تحياتى.
قراءة في قصة ( يوم نسينا طعم النعناع الابيض) للقاص حمدي البصيري
قراءة القاص / كريم جبار الناصري
قصة تحاكي الاسترجاع الى أيام الطفولة والماضي ، وظف فيها القاص التناص مابين تاريخ الأجداد والشعر ، فالشخصية الراوية للحدث وهي إحدى شخصيات القصة تتحدث عن الأجداد وعن شخص قد سجن (ماجد) فهي تعتز بانتمائها القلبي ( زبيد ياهلي ) أو أشارة الى الانتماء للأمة وأجداده العرب ( حملت أوراقكم الصفراء القديمة ) .وعند تواصله المجازي مع الأجداد وإخبارهم بان ماجد قد سجن . يوصون بالتكاتف معه ولا يتركون قضيته وبنصرته ، حيث يخاطب الجد الراوي ( سأشق بطنك لو تثاقلت عن نصرة ماجد ) ..بينما الراوي لا يرغب بالعنف والقسوة التي يتمتع بها أجداده (يرعبني هذا الجد اليمني ، مزاجه دموي ويده لا تفارق الخنجر ) وهنا إشارة لما يحمله البعض حاليا من الاعاربة .. ويرغب بان يستمتعوا بشعر نزار وديك الجن إشارة الى الاستمرار مع النضج الفكري مابين الماضي والحاضر ..وهنا دالة الموضوع الفكري بين المستساغ الحديث وغير المستساغ القديم ..
تنتقل القصة الى مراحل الطفولة وعن حكايات أبي ماجد عن الأجداد والذي يعطي النقود لللاطفال لشراء (حلو النعناع الأبيض )وعن ماجد الذي كان يلعب معهم والذي احب وردة وبعد وفاة والده كبر ماجد وابتعد عنهم وابتعدت وردة التي هي كبرت مع تنامي جسدها الأنثوي فما مجال للعب بعد .فقد كبرت وابتعدت عنهم بزواج شخص غريب بعد فسخ خطوبتها من ماجد ..وفي المشهد الأخير .يحن الراوي الى عودة الأيام الجميلة واستذكار ماجد ( أين أنت ياماجد وردة ستطير منا ) ولكن ما أدركه الصباح فماجد غريب عن الوطن وهو الآن في السجن فطعم الحلو النعناع أصبح مع طيات النسيان ..
قصة تمثل آلياتها السردية الفنية مع آلياتها الفكرية الموضوع بلغة جيدة وسرد متراتب مع الحدث بداية وحبكة ونهاية..تحية لقاصنا حمدي البصيري
قراءة القاص / كريم جبار الناصري
قصة تحاكي الاسترجاع الى أيام الطفولة والماضي ، وظف فيها القاص التناص مابين تاريخ الأجداد والشعر ، فالشخصية الراوية للحدث وهي إحدى شخصيات القصة تتحدث عن الأجداد وعن شخص قد سجن (ماجد) فهي تعتز بانتمائها القلبي ( زبيد ياهلي ) أو أشارة الى الانتماء للأمة وأجداده العرب ( حملت أوراقكم الصفراء القديمة ) .وعند تواصله المجازي مع الأجداد وإخبارهم بان ماجد قد سجن . يوصون بالتكاتف معه ولا يتركون قضيته وبنصرته ، حيث يخاطب الجد الراوي ( سأشق بطنك لو تثاقلت عن نصرة ماجد ) ..بينما الراوي لا يرغب بالعنف والقسوة التي يتمتع بها أجداده (يرعبني هذا الجد اليمني ، مزاجه دموي ويده لا تفارق الخنجر ) وهنا إشارة لما يحمله البعض حاليا من الاعاربة .. ويرغب بان يستمتعوا بشعر نزار وديك الجن إشارة الى الاستمرار مع النضج الفكري مابين الماضي والحاضر ..وهنا دالة الموضوع الفكري بين المستساغ الحديث وغير المستساغ القديم ..
تنتقل القصة الى مراحل الطفولة وعن حكايات أبي ماجد عن الأجداد والذي يعطي النقود لللاطفال لشراء (حلو النعناع الأبيض )وعن ماجد الذي كان يلعب معهم والذي احب وردة وبعد وفاة والده كبر ماجد وابتعد عنهم وابتعدت وردة التي هي كبرت مع تنامي جسدها الأنثوي فما مجال للعب بعد .فقد كبرت وابتعدت عنهم بزواج شخص غريب بعد فسخ خطوبتها من ماجد ..وفي المشهد الأخير .يحن الراوي الى عودة الأيام الجميلة واستذكار ماجد ( أين أنت ياماجد وردة ستطير منا ) ولكن ما أدركه الصباح فماجد غريب عن الوطن وهو الآن في السجن فطعم الحلو النعناع أصبح مع طيات النسيان ..
قصة تمثل آلياتها السردية الفنية مع آلياتها الفكرية الموضوع بلغة جيدة وسرد متراتب مع الحدث بداية وحبكة ونهاية..تحية لقاصنا حمدي البصيري
اتبع
القاص في هذه القصة ذات المقاطع العشرة، مسارا لولبيا فكانت النهاية هي البداية.
تبدأ القصة بداية غير تقليدية تتضمن حوارا ذاتيا بين السارد وجده وشخص يحمل خنجرا ...ولن يتكشف للقارئ هذا الحوار المنولوجي إلا بمتابعة الأحداث المتعاقبة.
لا وجود لها في الحياة الواقعية إلا في أغوار الشخصية الساردة،يستدعيهم أمامه ليبرر لهم ردة فعله مع الشخص الذي رمى صورهم على وجهه، وليدفع عن نفسه ملامتهم الضمنية له.
" رويدك يا جدي، تمهل، ضع خنجرك، يا رجل، أنا لم أتبرأ منه هو من رماكم في وجهي "
وادعى السارد أمامهم أن لا أحد من أفراد العائلة حفظ تراثهم مثله، وأن انتمائه " للزبيدية" لم تدنسه شائبة.
" مسحت برفق عنكم الغبار "
" أنا لم أزل زبيديا"
"من يحفظكم غيري "
في المقطع الثاني يستأنف فيه الكاتب السرد من داخل النص بصيغة الماضي على لسان السارد الذي اندمغت شخصيته مع بطل القصة
" كنا قد طوينا " "نسينا معه" "أطبق علينا" "أسرعت إلى مكتبتي" "نبشت أجدي"
ثم ينتقل السارد إلى حوار ( خارجي نسبيا )منولوجي مطلقا مع أجداده الخمسين ومن خلاله يتبين أن السارد بإخباره لهم دخول "ماجد" السجن، شامت به، وكأنه يلومهم ضمنيا على انحيازهم لصفه، ولعله كان يتوقع من أجداده ردة فعل ساخطة على "ماجد" إلا أنه فوجئ بعكس ما يتوقعه، لقي وعيدا شديدا منهم إن تخلف عن نصرة " ماجد".
وينتهي الحوار ليعود الكاتب بالسارد إلى اكمال أحداث القصة فيعرج على بوابة التاريخ ليخبرنا أن قائمة أجداده التي ورثها عن "ماجد" تضم فارس العرب كما قيل عنه " عمر بن معد يكرب " وذلك ليبرر لنا سبب فخره وعزته ب " الزبيدية " وليبرر لنا أيضا سبب خوفه ورعبه منه، ومن كان هذا جده فلن يستطيع أحد حتى حفيده من إقناعه أن يطرح ثوب الفارس عنه لأن السلام حل بالبلاد.
" يرعبني هذا الجد "
" يده لا تفارق الخنجر"
" لطالما رجوته بأن ينزع عمامته"
"لطالما قلت له: خنجرك يا جدي لا يليق بأيامنا الرخوة هذه "
ثم ينتقل السارد بنا إلى وصف حالة جده الأقرب بتذكره ما آل إليه " سد مأرب" وقد آلمه ذلك لأنه كان رمزا للأمن والرخاء على مر التاريخ وحلقة وصل بينه وبين أجداده، وكأنه يقول له ضمنيا لا تفقد " ماجد" فهو صلة وصل بيني وبينك.
ولعل ما شدني للنص عند قراءته لأول مرة " سد مأرب" ما قرأته حتى هتفت في نفسي هذا كاتب يمني وسرعان ما تذكرت الشاعر الكبير والناقد الأكاديمي "عبد العزيز المقالح " لأني من خلال قصيدته التي كتبها منذ سنوات مضت تعرفت على " سد مأرب" وحين عدت أبحث عنها بين أوراقي لم أفلح في العثور عليها.
تتوالى الأحداث في المقطع الثالث وتتصاعد كانت البداية بحوار السارد مع جده فذكر له أن خبر سجن ماجد ظن أنه سيفرحه.
ثم يصف لنا السارد حزن "اليمني" الشديد وحرصه على تذكير حفيده بماجد ولو بلسعة من خنجره.
يحاور السارد عائلته الكبيرة "لنصرة "ماجد" بمحاولته زرع روح الإنتماء والعزة فيهم بلازمة تكررت كثيرا في النص " زبيد يا هلي" لكنهم سخروا منه ولم يكترثوا له بتاتا. وحده ماجد عرف حقيقتهم وينكر عليهم تنكرهم لماضيهم لهذا أحبه الأجداد.
لملم السارد أجداده وأعادهم للمكتبة حيث باتوا يقطنون لكنهم لم يسلموا حتى من ألسنة اللذين يجاورونهم اللذين كانوا من المفروض عليهم نصرتهم .
" تعاركوا مع نزار وديك الجن الذين لعنا أجدادي "
ينتهي المقطع الثالث بترديد السارد "زبيد يا هلي " بانكسار لأنه أرغم على نصرة ماجد.
يليه المقطع الرابع الذي يبتدأ باسترجاع السارد أحداث الصبا التي عاشها مع أقرانه والتي كان يعطيهم فيها ماجد الليرات التي كانوا يشترون بها حلو النعناع الأبيض من عند العم ابراهيم.
" كنا نتسابق "
"كانت الليرات"
"كنا نضمها"
"نركض إلى حيث يتربع حلو النعنع الأبيض"
ثم يأتي المقطع الخامس ليصف السارد حقيقة مرة أدركها وأصدقائه متأخرين وهي خسارتهم للذي كانوا يتملقونه ليعطيهم الليرات لشراء السكاكر وخسارتهم لشخص طالما ذكرهم برجال خلدهم التاريخ " عمرو بن معد بن يكرب " و " محمد حسن"
تبدأ القصة بداية غير تقليدية تتضمن حوارا ذاتيا بين السارد وجده وشخص يحمل خنجرا ...ولن يتكشف للقارئ هذا الحوار المنولوجي إلا بمتابعة الأحداث المتعاقبة.
لا وجود لها في الحياة الواقعية إلا في أغوار الشخصية الساردة،يستدعيهم أمامه ليبرر لهم ردة فعله مع الشخص الذي رمى صورهم على وجهه، وليدفع عن نفسه ملامتهم الضمنية له.
" رويدك يا جدي، تمهل، ضع خنجرك، يا رجل، أنا لم أتبرأ منه هو من رماكم في وجهي "
وادعى السارد أمامهم أن لا أحد من أفراد العائلة حفظ تراثهم مثله، وأن انتمائه " للزبيدية" لم تدنسه شائبة.
" مسحت برفق عنكم الغبار "
" أنا لم أزل زبيديا"
"من يحفظكم غيري "
في المقطع الثاني يستأنف فيه الكاتب السرد من داخل النص بصيغة الماضي على لسان السارد الذي اندمغت شخصيته مع بطل القصة
" كنا قد طوينا " "نسينا معه" "أطبق علينا" "أسرعت إلى مكتبتي" "نبشت أجدي"
ثم ينتقل السارد إلى حوار ( خارجي نسبيا )منولوجي مطلقا مع أجداده الخمسين ومن خلاله يتبين أن السارد بإخباره لهم دخول "ماجد" السجن، شامت به، وكأنه يلومهم ضمنيا على انحيازهم لصفه، ولعله كان يتوقع من أجداده ردة فعل ساخطة على "ماجد" إلا أنه فوجئ بعكس ما يتوقعه، لقي وعيدا شديدا منهم إن تخلف عن نصرة " ماجد".
وينتهي الحوار ليعود الكاتب بالسارد إلى اكمال أحداث القصة فيعرج على بوابة التاريخ ليخبرنا أن قائمة أجداده التي ورثها عن "ماجد" تضم فارس العرب كما قيل عنه " عمر بن معد يكرب " وذلك ليبرر لنا سبب فخره وعزته ب " الزبيدية " وليبرر لنا أيضا سبب خوفه ورعبه منه، ومن كان هذا جده فلن يستطيع أحد حتى حفيده من إقناعه أن يطرح ثوب الفارس عنه لأن السلام حل بالبلاد.
" يرعبني هذا الجد "
" يده لا تفارق الخنجر"
" لطالما رجوته بأن ينزع عمامته"
"لطالما قلت له: خنجرك يا جدي لا يليق بأيامنا الرخوة هذه "
ثم ينتقل السارد بنا إلى وصف حالة جده الأقرب بتذكره ما آل إليه " سد مأرب" وقد آلمه ذلك لأنه كان رمزا للأمن والرخاء على مر التاريخ وحلقة وصل بينه وبين أجداده، وكأنه يقول له ضمنيا لا تفقد " ماجد" فهو صلة وصل بيني وبينك.
ولعل ما شدني للنص عند قراءته لأول مرة " سد مأرب" ما قرأته حتى هتفت في نفسي هذا كاتب يمني وسرعان ما تذكرت الشاعر الكبير والناقد الأكاديمي "عبد العزيز المقالح " لأني من خلال قصيدته التي كتبها منذ سنوات مضت تعرفت على " سد مأرب" وحين عدت أبحث عنها بين أوراقي لم أفلح في العثور عليها.
تتوالى الأحداث في المقطع الثالث وتتصاعد كانت البداية بحوار السارد مع جده فذكر له أن خبر سجن ماجد ظن أنه سيفرحه.
ثم يصف لنا السارد حزن "اليمني" الشديد وحرصه على تذكير حفيده بماجد ولو بلسعة من خنجره.
يحاور السارد عائلته الكبيرة "لنصرة "ماجد" بمحاولته زرع روح الإنتماء والعزة فيهم بلازمة تكررت كثيرا في النص " زبيد يا هلي" لكنهم سخروا منه ولم يكترثوا له بتاتا. وحده ماجد عرف حقيقتهم وينكر عليهم تنكرهم لماضيهم لهذا أحبه الأجداد.
لملم السارد أجداده وأعادهم للمكتبة حيث باتوا يقطنون لكنهم لم يسلموا حتى من ألسنة اللذين يجاورونهم اللذين كانوا من المفروض عليهم نصرتهم .
" تعاركوا مع نزار وديك الجن الذين لعنا أجدادي "
ينتهي المقطع الثالث بترديد السارد "زبيد يا هلي " بانكسار لأنه أرغم على نصرة ماجد.
يليه المقطع الرابع الذي يبتدأ باسترجاع السارد أحداث الصبا التي عاشها مع أقرانه والتي كان يعطيهم فيها ماجد الليرات التي كانوا يشترون بها حلو النعناع الأبيض من عند العم ابراهيم.
" كنا نتسابق "
"كانت الليرات"
"كنا نضمها"
"نركض إلى حيث يتربع حلو النعنع الأبيض"
ثم يأتي المقطع الخامس ليصف السارد حقيقة مرة أدركها وأصدقائه متأخرين وهي خسارتهم للذي كانوا يتملقونه ليعطيهم الليرات لشراء السكاكر وخسارتهم لشخص طالما ذكرهم برجال خلدهم التاريخ " عمرو بن معد بن يكرب " و " محمد حسن"
المقطع
السادس
في هذا المقطع توقفت قليلا لأرتب المقاطع السابقة في مخيلتي فشعرت أني داخل متاهة حلزونية أصابتني بالدوار فحاولت ربط المقاطع ببعضها بسلسلة الإسترجاع فتهت أكثر وضللت الطريق الذي كان سيوصلني إلى نهاية الطريق فلم أجد بدا من أن آخذ بمقولتنا الشعبية المغربية " يلا تْلَفْتْ شَدْ الأرض " ولو أن لهذه المقولة بعدا رمزيا غير الذي يفهم من ظاهر الجملة .... فجلست إلى الأرض وعدت للنص أسبر أغواره وقلت كيف يكون ماجد هذا مرة أبا يرث عنه السارد أوراق جده الصفراء، ومرة صديقا له ولأصدقائه الصغار، ومرة يعرضون عليه تزويجه سميرة أخت السارد في حين أن ماجد أراد الزواج من وردة صديقتهم التي تلعب معهم.
فإذا ماجد يقفز إلى مخيلتي ويقول فيم العجب إذا كان اسمي " ماجد"... ماجد رمز يا هذا واسمي دال عليه، ووردة كذلك.
في المقطع السابع
يذكر السارد لنا أن " ماجد " انقطع عن اللعب معهم وخبر زواجه من وردة الكاملة الأنوثة أصبح حديث الصغار.
المقطع الثامن
يستأنف السارد امتعاض أصدقائه من تصرفات ماجد حتى أنه أصبح ظلا ثقيلا يطبق على صدورهم، وبابتعاد وردة أصبحت ألعابهم أقل متعة.
المقطع التاسع
يذكر السارد خيبة أملهم فيما كانوا يرجونه من وردة فقد أصبحت تبتسم لهم فقط حين تطل عليهم في الزقاق.
المقطع العاشر والأخير
يذكر السارد أنهم أصبحوا رجالا ومع ذلك لم يظفروا بوردة التي تزوجت رجلا غريبا عنهم مرة ثانية، فتحسروا على ماجد وتمنوا عودته لينقد وردة، لكن ماجد لن يعود قريبا فقد تناهى إلى سمعهم خبر سجنه.
و هكذا تنتهي القصة التي أغرقها الكاتب بالحمولات الرمزية وبالإيحاءات الغامضة نهاية مفتوحة على جميع الإحتمالات مادام ماجد سيعود بعد قضاء مدة عقوبته في السجن.
في هذا المقطع توقفت قليلا لأرتب المقاطع السابقة في مخيلتي فشعرت أني داخل متاهة حلزونية أصابتني بالدوار فحاولت ربط المقاطع ببعضها بسلسلة الإسترجاع فتهت أكثر وضللت الطريق الذي كان سيوصلني إلى نهاية الطريق فلم أجد بدا من أن آخذ بمقولتنا الشعبية المغربية " يلا تْلَفْتْ شَدْ الأرض " ولو أن لهذه المقولة بعدا رمزيا غير الذي يفهم من ظاهر الجملة .... فجلست إلى الأرض وعدت للنص أسبر أغواره وقلت كيف يكون ماجد هذا مرة أبا يرث عنه السارد أوراق جده الصفراء، ومرة صديقا له ولأصدقائه الصغار، ومرة يعرضون عليه تزويجه سميرة أخت السارد في حين أن ماجد أراد الزواج من وردة صديقتهم التي تلعب معهم.
فإذا ماجد يقفز إلى مخيلتي ويقول فيم العجب إذا كان اسمي " ماجد"... ماجد رمز يا هذا واسمي دال عليه، ووردة كذلك.
في المقطع السابع
يذكر السارد لنا أن " ماجد " انقطع عن اللعب معهم وخبر زواجه من وردة الكاملة الأنوثة أصبح حديث الصغار.
المقطع الثامن
يستأنف السارد امتعاض أصدقائه من تصرفات ماجد حتى أنه أصبح ظلا ثقيلا يطبق على صدورهم، وبابتعاد وردة أصبحت ألعابهم أقل متعة.
المقطع التاسع
يذكر السارد خيبة أملهم فيما كانوا يرجونه من وردة فقد أصبحت تبتسم لهم فقط حين تطل عليهم في الزقاق.
المقطع العاشر والأخير
يذكر السارد أنهم أصبحوا رجالا ومع ذلك لم يظفروا بوردة التي تزوجت رجلا غريبا عنهم مرة ثانية، فتحسروا على ماجد وتمنوا عودته لينقد وردة، لكن ماجد لن يعود قريبا فقد تناهى إلى سمعهم خبر سجنه.
و هكذا تنتهي القصة التي أغرقها الكاتب بالحمولات الرمزية وبالإيحاءات الغامضة نهاية مفتوحة على جميع الإحتمالات مادام ماجد سيعود بعد قضاء مدة عقوبته في السجن.
السارد
هو الواقع
الثقافي والذاكرة الممتدة ...
والمتمثلة بالمكتبة اي التراث ....والاوراق الصفراء ..والاسماء الخمسين الاول والاخير ..والاصل المكاني بين اليمن وسدها و الشام وبصراها .. اذن
العلامات ..تمنح النص رؤياها ...التاريخية والثقافية ... يقدم السارد هذه الرؤيا الى مجتمعه ..وينبش الذاكرة ...في قضية هي مساعدة ماجد ..السجين.
من ماجد ..؟
هو من الحاضر الذي رمى ارث والدها ابي ماجد للسارد/ ا لحاضر الآخر الذي يعايش الواقع ويداريه ...
ماجد يرى الى الارث القديم باصلابه وثقافته ..نقيع ماء لا يشفي من مرض ..ولا يحل مشاكل الحاضر .. يمثلها الجد الاول بخنجره.. وحماسه وتعنيفه للسارد حين ابتسم وحين ضحك ... ....او حين عرف بقصة سجن ماجد ..
...ماجد هو المتمرد على هذا التواصل الدموي والثقافي والذي تمرد على واقعها وعاداته المتمثل بارادته ان يتزوج من وردة ..فعرض قوته قنبلة وليس خنجرا اي سلاحا حديثا وهذه علامه حداثية ترفض الوسيلة القديمة ..وما تقدمه من علاقات داخلية اذ عرضوا له ب.يلا عن وردة.... اذن ماجد الذي سجن لاسباب تقدمها الاحداث بالاشارة من بعيد ..انه متمرد على واقع يجعل الناس يخضعون للقبيلة وامتداداتها وقوانينها .."زبيد ياهلي"
هذا التمرد على سلطة التراث وسلطة القبيلة .. ستؤدي به الى ااسجن لان من يحكم الواقع هو القبيلة والتراث بالوراثة .. ماجد غادر تلك الثقافة ان يعايشها في مكانها ايضا فغادر القرية حيث بؤرة السلطة تتمركز ..
السارد يغار من ماجد لانه يريد ان يكون مثله متمردا ..فهو اذ اخذ مكان ابيه وكان يعقد المصالحات اي هو فاعلية
متحركة يسبقهم باتخاذ القرار وبارادته.. واذ تخلى اخيرا عن وردة ..لاسباب كذلك مبهمة ووردة اختارت غريبا ليس من شباب القرية لماذا لانها امتداد لماجد وحبيبته ..تمناها الشبتب ان تعود اليهم فهي تمثل لهم ماجداً...آخر...اي افعاله..والبيئة تحصرهم ضمن زبيد يا هلي الذي قالها السارد بانكسار ..
وردة كانت ستمثل مع ماجد جيلا متمردا ..ففرقته السلطة بسرية ..سجنت ماجد وابعدت وردة عن رفاق ماجد الذين كبروا مثله ..ونبت لهم شوارب وطلسوا مجلسه مع اهلهم..ولكنهم ما زالوا ..في عباءة زبيد يا هلي..
واذا ما استرجعنا قليلا سيرة ابي ماجد..والاطفال.. هو من كان يحتفظ بسيرة الاجداد ويحمس الاطفال للاحتفاظ بذلك.. كان يقدم الليرات للاولاد ليشتروا من الدكان حلو النعناع.... لا يتذكرون من ابي ماجد الا ذلك ... فهل تكون عتبة النص ..يوم نسينا حلو النعناع الابيض ..
ماذا يقول هذا العنوان ؟
هل يريد ان يذكرنا بابي ماجد الذي يربطهم بالتراث والاجداد اذ كانت الليرات ..مناسبة لاستمالتهم لهذا الخيار اذ كانوا يحبونه ..الاطفال مازالوا يتذكرون يوم حمل اهلهم نعشه على اكتافه.. ابو ماجد يمثل صلة الوصل الذي اعطى ماجد الاوراق الصفراء وماجد رماها للسارد....العنوان يقول ..اننا نكون ماجدا وابا ماجد معا .. التاريخ والحداثة ..وتطور عاداتنا ..كوردة اي نخرج من ضيق العلاقات ..
وتبقى قصة التراث بين رؤية ديك الجن ورؤية نزار وقبلها رؤية عمر بن معد يكرب.
رؤى تتضافر او تتصل او تتضارب او ترضع بعضها ..اذ تمثل مراحل
هل نقطع مع عمر يكرب ومع ديك الجن ونزار..؟
الثقافة تواصل وتطور ..
وهنا تكون القطيعة المعرفية ليس كتصرف ماجد.كليا وليس كتصرف الجد اليمني القاسي .. انما كشوق السارد لابي ماجد .. اي ان يحتل ابو ماجد وماجد ووردة رؤانا فنقهر السلطة وننقذ ماجد بأبي ماجد ..ولا تخرج وردة الى غريب..
اي لا تكفي زبيد يا هلي ..لانقاذ ماجد..نحتاج الى ثورة ماجد بحكمة ابيه ..
هذا البنى المعرفية التي قدمت نفسها للمعنى وحركته رؤية تكامل التاريخ وتطوره الى العصرنة والحداثة ..كان موقفها مركبا من سيرة ماجد وفي ذاكرة السارد في دكان ابي ابراهيم والاطفال..
البناء متكسر الزمن استرجاعي وذلك يتوافق مع الصراع بين الحاضر والماضي وكيف تتكون ثقافة جيل .. اي هي الهوية
الممتدة في عمق جذورها وتكو ن قابلة للحياة والحركة..ماجد تعطلت حركته لان هويته لم تكتمل والسلطة مستبدة غير قابلة للحياة لانها لم تحتضن تمرد ماجد ..ووردة ليتولد منهما جيلا جديدا جديرا بالحياة .
الهوية عندما لم يكتمل خطتبها فشلت.
الثقافي والذاكرة الممتدة ...
والمتمثلة بالمكتبة اي التراث ....والاوراق الصفراء ..والاسماء الخمسين الاول والاخير ..والاصل المكاني بين اليمن وسدها و الشام وبصراها .. اذن
العلامات ..تمنح النص رؤياها ...التاريخية والثقافية ... يقدم السارد هذه الرؤيا الى مجتمعه ..وينبش الذاكرة ...في قضية هي مساعدة ماجد ..السجين.
من ماجد ..؟
هو من الحاضر الذي رمى ارث والدها ابي ماجد للسارد/ ا لحاضر الآخر الذي يعايش الواقع ويداريه ...
ماجد يرى الى الارث القديم باصلابه وثقافته ..نقيع ماء لا يشفي من مرض ..ولا يحل مشاكل الحاضر .. يمثلها الجد الاول بخنجره.. وحماسه وتعنيفه للسارد حين ابتسم وحين ضحك ... ....او حين عرف بقصة سجن ماجد ..
...ماجد هو المتمرد على هذا التواصل الدموي والثقافي والذي تمرد على واقعها وعاداته المتمثل بارادته ان يتزوج من وردة ..فعرض قوته قنبلة وليس خنجرا اي سلاحا حديثا وهذه علامه حداثية ترفض الوسيلة القديمة ..وما تقدمه من علاقات داخلية اذ عرضوا له ب.يلا عن وردة.... اذن ماجد الذي سجن لاسباب تقدمها الاحداث بالاشارة من بعيد ..انه متمرد على واقع يجعل الناس يخضعون للقبيلة وامتداداتها وقوانينها .."زبيد ياهلي"
هذا التمرد على سلطة التراث وسلطة القبيلة .. ستؤدي به الى ااسجن لان من يحكم الواقع هو القبيلة والتراث بالوراثة .. ماجد غادر تلك الثقافة ان يعايشها في مكانها ايضا فغادر القرية حيث بؤرة السلطة تتمركز ..
السارد يغار من ماجد لانه يريد ان يكون مثله متمردا ..فهو اذ اخذ مكان ابيه وكان يعقد المصالحات اي هو فاعلية
متحركة يسبقهم باتخاذ القرار وبارادته.. واذ تخلى اخيرا عن وردة ..لاسباب كذلك مبهمة ووردة اختارت غريبا ليس من شباب القرية لماذا لانها امتداد لماجد وحبيبته ..تمناها الشبتب ان تعود اليهم فهي تمثل لهم ماجداً...آخر...اي افعاله..والبيئة تحصرهم ضمن زبيد يا هلي الذي قالها السارد بانكسار ..
وردة كانت ستمثل مع ماجد جيلا متمردا ..ففرقته السلطة بسرية ..سجنت ماجد وابعدت وردة عن رفاق ماجد الذين كبروا مثله ..ونبت لهم شوارب وطلسوا مجلسه مع اهلهم..ولكنهم ما زالوا ..في عباءة زبيد يا هلي..
واذا ما استرجعنا قليلا سيرة ابي ماجد..والاطفال.. هو من كان يحتفظ بسيرة الاجداد ويحمس الاطفال للاحتفاظ بذلك.. كان يقدم الليرات للاولاد ليشتروا من الدكان حلو النعناع.... لا يتذكرون من ابي ماجد الا ذلك ... فهل تكون عتبة النص ..يوم نسينا حلو النعناع الابيض ..
ماذا يقول هذا العنوان ؟
هل يريد ان يذكرنا بابي ماجد الذي يربطهم بالتراث والاجداد اذ كانت الليرات ..مناسبة لاستمالتهم لهذا الخيار اذ كانوا يحبونه ..الاطفال مازالوا يتذكرون يوم حمل اهلهم نعشه على اكتافه.. ابو ماجد يمثل صلة الوصل الذي اعطى ماجد الاوراق الصفراء وماجد رماها للسارد....العنوان يقول ..اننا نكون ماجدا وابا ماجد معا .. التاريخ والحداثة ..وتطور عاداتنا ..كوردة اي نخرج من ضيق العلاقات ..
وتبقى قصة التراث بين رؤية ديك الجن ورؤية نزار وقبلها رؤية عمر بن معد يكرب.
رؤى تتضافر او تتصل او تتضارب او ترضع بعضها ..اذ تمثل مراحل
هل نقطع مع عمر يكرب ومع ديك الجن ونزار..؟
الثقافة تواصل وتطور ..
وهنا تكون القطيعة المعرفية ليس كتصرف ماجد.كليا وليس كتصرف الجد اليمني القاسي .. انما كشوق السارد لابي ماجد .. اي ان يحتل ابو ماجد وماجد ووردة رؤانا فنقهر السلطة وننقذ ماجد بأبي ماجد ..ولا تخرج وردة الى غريب..
اي لا تكفي زبيد يا هلي ..لانقاذ ماجد..نحتاج الى ثورة ماجد بحكمة ابيه ..
هذا البنى المعرفية التي قدمت نفسها للمعنى وحركته رؤية تكامل التاريخ وتطوره الى العصرنة والحداثة ..كان موقفها مركبا من سيرة ماجد وفي ذاكرة السارد في دكان ابي ابراهيم والاطفال..
البناء متكسر الزمن استرجاعي وذلك يتوافق مع الصراع بين الحاضر والماضي وكيف تتكون ثقافة جيل .. اي هي الهوية
الممتدة في عمق جذورها وتكو ن قابلة للحياة والحركة..ماجد تعطلت حركته لان هويته لم تكتمل والسلطة مستبدة غير قابلة للحياة لانها لم تحتضن تمرد ماجد ..ووردة ليتولد منهما جيلا جديدا جديرا بالحياة .
الهوية عندما لم يكتمل خطتبها فشلت.
قراءة انطباعية في نص
(يوم نسينا النعناع الأبيض) ج1
للكاتب حمدي البصيري
نص يصور فيه الكاتب الواقع العربي، رابطاً بين ماض زاهر وحاضر هش، يعاني التفرقة، والتشرذم، والخذلان... يسرد لنا الراوي قصة أجداده التي احتفظ بسفرها في مكتبته شاهداً على شجاعتهم، وبطولاتهم، ومفاخرهم، وجميل شيمهم التي يعتز بها./اختزلها مجحفاً/ بدءاً من سجن ماجد، وصرخته(الراوي) في وجه العائلة لنصرته دونما فائدة ترجى، مقابلاً بين شجاعة الأجداد ومآثرهم، وبين حاضر متداعٍ فُقدت فيه النخوة ونصرة الأخ، ليتحسر على الموروث الزاهر الذي غاب في طي الأيام، ويتذكر (ماجداً) وعنفوانه وشجاعته، وتهوره أحياناً، وخطبته (وردة) وكيف فسخت خطبتها، ثم زواجها من غريب عنهم، وهجرته، ونسيان ذكره، وكرم أبي ماجد وعطاءاته الصغار ليشتروا النعناع الأبيض، وكيف كان يغرس فيهم عزة الأجداد وبطولاتهم ومآثرهم، كما يذكرهم بحاضرهم القائم على القول دون الفعل، مقارناً بين بطولة الأجداد وتقاعس الأحفاد عن نصرة أخيهم ماجد، وهتافه أخيراً: أين أنت يا ماجد؟ دون أن يدري الجميع لماذا هاجر، وكيف عاد سجيناً؟
نص كتب بحرفية عالية، يحار القارئ كيف يتناوله، ويلوص بما يزخر من تلغيز أو رمز، ومن غموض يكدّ ذهن متلقّيه في تأويل قد لا يستقر عليه، فيعود ليبحث ويستنطق الشخوص والأحداث ليستنبط تأويلاً آخر.
نص يجهد ذهن القارئ ويستفزه، يشده ليحسن تتبع القفز السردي بين أحداث ماضٍ عريق، وحاضر متردٍ ومشوش، ويتطلب منه تتبع دلالاته وترميزاته لفهم مقاصدها، وملاحقة مقاصد شخصياته، وأحدثه التي ربط فيها الواقع بالمتخيل الفانتازي من خلال الحوار مع الأجداد (الأموات). ارتبطت تلك المدلولات - كما أزعم - وقد يخالفني في ذلك كثيرون؛ أن النعناع الأبيض في العنونة يمثل الأصالة والطيبة والبراءة، تلك التي بقيت ذكرى للماضي الجميل، والطفولة الغضة، والتي صارت منسية في الآخر، وصار طعمها منسياً بفعل الزمن، وإرهاصات الأحداث.
وإذا ما انتقلنا للنص نجد الرواي أنه القارئ للتاريخ، والمتتبع لأحداثه، والشاهد على الحاضر ومجرياته، وتعلقه بالماضي الزاهر، أصله ومحتده، يحن إليه "حملت أوراقكم الصفراء القديمة، مسحت برفق عنكم غبار السنين، وحفظتكم في صدر مكتبتي. أنا لم أزل "زبيدياً"؟!... من يحفظكم غيري؟" وبعد تشجيع الجد لنصرة ماجد يعود إلى المضافة ليجد العائلة تلوك سيرة ماجد، فيصرخ مكرراً "زبيد هلي"؛ لكنه يُصدم "لم يكترثوا، سخروا مني.. لم أجد زبيداً فيهم"، ويتذكر قولة أبي ماجد "آباؤكم أفلسوا، لم يعودوا زبيداً؟! ". يشعر بالحزن والانكسار، ويرى أن التاريخ لم يعد يجدي نفعاً، يقول لجده "خذْ هؤلاء أجدادك بلّهم واشرب ماءهم"، وبفعل الأحداث لم يعد يراهم حتى في أحلامه، ولم يتذكر إلّا النعناع الأبيض "حين أصحوا لم يكن يعلق بذاكرتي إلا طعم النعناع الأبيض؛ كنت أنسى كل الأجداد... "؛ لكنه يلملم ذكراهم، ويحفظها في مكتبته وفاء لهم.
أمّا ماجد الشجاع الوارث عن أبيه سفر الأجداد، والمقدام حتى التهور، المعجب بـوردة (القضية) التي يقاتل من أجلها، تفسخ الخطوبة عندما تكتشف تهوره، وقصوره المبطن، فيتخلى عنها، وعن سفر الأجداد، ويضطر للهجرة دون شرح الأسباب المضمرة في نفسه، ومحيطه. ماجد الذي استبق جيله يكون مكروهاً لتعلقه بوردة (القضية)، يحاول احتكارها، ويصير مثار جدل، وحوار بسبب علاقته بوردة، وعراك يفضّه بنفسه؛ ليظهر رجولته، وأنه الأوعى "أنا رجل، انظروا شاربي، وستأزوح وردة..." ؛ لكنهم يفرحون حين تُفسخ الخطوبة، يشعرون أنهم استردوها منه، لقد عادت وردة (القضية) لهم، إنهم سيكبرون، لكنها "تغمز بعينبها الرائعتين للشباب الأكبر..." الشباب الذي نضج لتحمّل المسؤولية...
(يوم نسينا النعناع الأبيض) ج1
للكاتب حمدي البصيري
نص يصور فيه الكاتب الواقع العربي، رابطاً بين ماض زاهر وحاضر هش، يعاني التفرقة، والتشرذم، والخذلان... يسرد لنا الراوي قصة أجداده التي احتفظ بسفرها في مكتبته شاهداً على شجاعتهم، وبطولاتهم، ومفاخرهم، وجميل شيمهم التي يعتز بها./اختزلها مجحفاً/ بدءاً من سجن ماجد، وصرخته(الراوي) في وجه العائلة لنصرته دونما فائدة ترجى، مقابلاً بين شجاعة الأجداد ومآثرهم، وبين حاضر متداعٍ فُقدت فيه النخوة ونصرة الأخ، ليتحسر على الموروث الزاهر الذي غاب في طي الأيام، ويتذكر (ماجداً) وعنفوانه وشجاعته، وتهوره أحياناً، وخطبته (وردة) وكيف فسخت خطبتها، ثم زواجها من غريب عنهم، وهجرته، ونسيان ذكره، وكرم أبي ماجد وعطاءاته الصغار ليشتروا النعناع الأبيض، وكيف كان يغرس فيهم عزة الأجداد وبطولاتهم ومآثرهم، كما يذكرهم بحاضرهم القائم على القول دون الفعل، مقارناً بين بطولة الأجداد وتقاعس الأحفاد عن نصرة أخيهم ماجد، وهتافه أخيراً: أين أنت يا ماجد؟ دون أن يدري الجميع لماذا هاجر، وكيف عاد سجيناً؟
نص كتب بحرفية عالية، يحار القارئ كيف يتناوله، ويلوص بما يزخر من تلغيز أو رمز، ومن غموض يكدّ ذهن متلقّيه في تأويل قد لا يستقر عليه، فيعود ليبحث ويستنطق الشخوص والأحداث ليستنبط تأويلاً آخر.
نص يجهد ذهن القارئ ويستفزه، يشده ليحسن تتبع القفز السردي بين أحداث ماضٍ عريق، وحاضر متردٍ ومشوش، ويتطلب منه تتبع دلالاته وترميزاته لفهم مقاصدها، وملاحقة مقاصد شخصياته، وأحدثه التي ربط فيها الواقع بالمتخيل الفانتازي من خلال الحوار مع الأجداد (الأموات). ارتبطت تلك المدلولات - كما أزعم - وقد يخالفني في ذلك كثيرون؛ أن النعناع الأبيض في العنونة يمثل الأصالة والطيبة والبراءة، تلك التي بقيت ذكرى للماضي الجميل، والطفولة الغضة، والتي صارت منسية في الآخر، وصار طعمها منسياً بفعل الزمن، وإرهاصات الأحداث.
وإذا ما انتقلنا للنص نجد الرواي أنه القارئ للتاريخ، والمتتبع لأحداثه، والشاهد على الحاضر ومجرياته، وتعلقه بالماضي الزاهر، أصله ومحتده، يحن إليه "حملت أوراقكم الصفراء القديمة، مسحت برفق عنكم غبار السنين، وحفظتكم في صدر مكتبتي. أنا لم أزل "زبيدياً"؟!... من يحفظكم غيري؟" وبعد تشجيع الجد لنصرة ماجد يعود إلى المضافة ليجد العائلة تلوك سيرة ماجد، فيصرخ مكرراً "زبيد هلي"؛ لكنه يُصدم "لم يكترثوا، سخروا مني.. لم أجد زبيداً فيهم"، ويتذكر قولة أبي ماجد "آباؤكم أفلسوا، لم يعودوا زبيداً؟! ". يشعر بالحزن والانكسار، ويرى أن التاريخ لم يعد يجدي نفعاً، يقول لجده "خذْ هؤلاء أجدادك بلّهم واشرب ماءهم"، وبفعل الأحداث لم يعد يراهم حتى في أحلامه، ولم يتذكر إلّا النعناع الأبيض "حين أصحوا لم يكن يعلق بذاكرتي إلا طعم النعناع الأبيض؛ كنت أنسى كل الأجداد... "؛ لكنه يلملم ذكراهم، ويحفظها في مكتبته وفاء لهم.
أمّا ماجد الشجاع الوارث عن أبيه سفر الأجداد، والمقدام حتى التهور، المعجب بـوردة (القضية) التي يقاتل من أجلها، تفسخ الخطوبة عندما تكتشف تهوره، وقصوره المبطن، فيتخلى عنها، وعن سفر الأجداد، ويضطر للهجرة دون شرح الأسباب المضمرة في نفسه، ومحيطه. ماجد الذي استبق جيله يكون مكروهاً لتعلقه بوردة (القضية)، يحاول احتكارها، ويصير مثار جدل، وحوار بسبب علاقته بوردة، وعراك يفضّه بنفسه؛ ليظهر رجولته، وأنه الأوعى "أنا رجل، انظروا شاربي، وستأزوح وردة..." ؛ لكنهم يفرحون حين تُفسخ الخطوبة، يشعرون أنهم استردوها منه، لقد عادت وردة (القضية) لهم، إنهم سيكبرون، لكنها "تغمز بعينبها الرائعتين للشباب الأكبر..." الشباب الذي نضج لتحمّل المسؤولية...
وردة
(القضية) التي يتعلّقها الجميع، ويتقاتلون من أجلها يحتكرها ماجد، ويخسرها لتهوره،
تكبر في عيونهم، وأمامهم، وهم يكبرون، غدوا رجالاً؛ لكنهم لم يكونوا على قدر
المسؤولية لهذا لم تكن لهم، يخسرونها، يتبنّاها غيرهم، غريب عنهم، ليس زبيدياً
(عروبياً) يلوّحون لها، وحين تُخطف منهم يتذكرون ماجداً، ويأتي الهتاف مخنوقاً
"أين أنت يا ماجد، وردة ستطير منّا"، ولن ينفع الهتاف عندها؛ لأن ماجداً
كان مهاجراً و"لم يدرِ ما حلّ بوردة، ولم يأتِ تلك الليلة كما رجونا
ربّنا".
أبو ماجد الكريم العارف والحافظ لسفر الأجداد، يغرسه في نفوس الأحفاد، ويلهب حماستهم "أصغوا إليّ يا أولاد، هذا جدكم الأول، جاء من اليمن السعيد، يُدعى عمرو بن معديكرب الزبيدي، كان أميراً، وشاعراً تهابه القبائل... جدكم لا يحبّ الكسالى... زبيداً يا هلي فنرد بحماسة أكبر... " كان أقرانه يتحاشونه؛ لأنه يذكّرهم بالأجداد، وماضيهم العريق "زبيد ياهلي" فيكشفهم ويعريهم أمام أولادهم "أباؤكم أفلسوا، لم يعودوا زبيداً؟! ".
ولا بدّ من الإشارة إلى علاقة الثنائية في التقابل أو التضاد بين شخوص القصة والأحداث، التي منحت الحكائية تشويقاً، وشغفاً للمتابعة دون ملل، تلك الثنائية أو التناقض في شخصية ماجد الموزعة بين شعورين: الانتماء إلى القضية (وردة) وعشقها حتى الموت من أجلها، وبين التخلي عن الأهل وعنها، وهجر الوطن. وكذلك بين هدوء الراوي وصحبه الصغار، وبين شجاعة وتكبّر وتهور ماجد التي عبر عنها الراوي "كم أكرهك يا ماجد"، ويتناسى كل ذلك عندما تختطف وردة ليهتف "أين أنت يا ماجد"، أو بين الأجداد ومواقف البطولة والشجاعة والإقدام ونصرة الأهل، وبين موقف الأحفاد "كنّا كَذَبة متملقين صغاراً" و"فرائصي ترتعد.. يرعبني هذا الجد اليمني مزاجه دموي، ويده لا تفارق الخنجر" و" خنجرك يا جدي لا يليق بأيامنا الرخوة هذه" و"تعاركوا مع نزار وديك الجن... أشهر اليمني خنجره، وهدد ديك الجن بقطع أنفه... لوى نزار فمه، وهو يلملم نساءه وأشعاره" و" آباؤكم إفلسوا، لم يعودوا زبيداً" وتحسّرهم على ما آل إليه الأحفاد بعد تلك القوة "انكمش اليمني أمامي وتحدّب" و"يكزّ جدي على أسنانه متحسراً" حتى غدا مثاراً للشفقة "مسحت دمعته النابسة بيدي وربتّ على ظهره". ولا تفوتني دلالة المضافة (جامعة العرب) وتخاذلها عن نصرة الأخ عندما صرخ في وجوههم "زبيد يا هلي ... فلم يكترثوا. سخروا مني.. لم أجد زبيداً فيهم" بينما يجيبه اليمني" زبيداً يا هلي"، "ياحيف على الرجال... أقسم بالله العظيم، سأشق بطنك لو تثاقلت عن نصرة ماجد".
كل ذلك من خلال حكائية، وسرد ممتع يقوم على المرونة في خلخلة الزمن السردي متنقلاً بين الماضي والحاضر بذكاء يجعل القارئ لا يشعر بالتخلخل أو الانقطاع. وتداخل السرد والوصف، واللغة السلسة الرشيقة، والتصوير الجميل الذي يزخر بالصور الحية البديعة، والكلمة المعبرة، يستهوي المتلقي، ويشده للمتابعة حتى النهاية، من مثل (حفظتكم في صدر مكتبتي، نبشت أجدادي، ساطني بعينين مزرورتين كحبتي خرز، انكمش.. وتحدّب، تكرج في تلافيف الذاكرة...) وحوار يكشف بين حروفه عن الجانب النفسي للمتحاورين، ويوضح طبيعة شخصياتهم، وأفكارهم.
وكم كان بودي إبداء بعضاً من بقايا قوة وألّا يصل التردي وانهيار الموقف درجة الخذلان واللجوء إلى الدعاء منقذاً "يا ربّ أعد لنا وردة"، معلنين استسلامهم دون إبداء مقاومة. كما يشتم في النص من خلال تكرار "زبيد يا هلي" روح القبيلة، بمقدار ما تحمل من اعتزاز، وأصالة عروبية.
ولي تساؤل: لِمَ لم يفصح النص عن إشارة توحي بسبب هجر ماجد وسجنه؟ ويتركها لتخمين المتلقي.
والحق، هناك الكثير فاتني بين ثنايا النص، فهو يحتاج وقفة مطولة، ومتأنية للإحاطة بكل جوانبه لرصد دالاته ومقاصدها.
أرجو أن أكون وُفّقتُ في بعض رؤاي.
تحياتي وتقديري للكاتب حمدي البصيري، والأستاذة منال خطاب، وللحادي الأستاذ محسن الطوخي، والقائمين على العمل في منتدى واحة القصة القصير
أبو ماجد الكريم العارف والحافظ لسفر الأجداد، يغرسه في نفوس الأحفاد، ويلهب حماستهم "أصغوا إليّ يا أولاد، هذا جدكم الأول، جاء من اليمن السعيد، يُدعى عمرو بن معديكرب الزبيدي، كان أميراً، وشاعراً تهابه القبائل... جدكم لا يحبّ الكسالى... زبيداً يا هلي فنرد بحماسة أكبر... " كان أقرانه يتحاشونه؛ لأنه يذكّرهم بالأجداد، وماضيهم العريق "زبيد ياهلي" فيكشفهم ويعريهم أمام أولادهم "أباؤكم أفلسوا، لم يعودوا زبيداً؟! ".
ولا بدّ من الإشارة إلى علاقة الثنائية في التقابل أو التضاد بين شخوص القصة والأحداث، التي منحت الحكائية تشويقاً، وشغفاً للمتابعة دون ملل، تلك الثنائية أو التناقض في شخصية ماجد الموزعة بين شعورين: الانتماء إلى القضية (وردة) وعشقها حتى الموت من أجلها، وبين التخلي عن الأهل وعنها، وهجر الوطن. وكذلك بين هدوء الراوي وصحبه الصغار، وبين شجاعة وتكبّر وتهور ماجد التي عبر عنها الراوي "كم أكرهك يا ماجد"، ويتناسى كل ذلك عندما تختطف وردة ليهتف "أين أنت يا ماجد"، أو بين الأجداد ومواقف البطولة والشجاعة والإقدام ونصرة الأهل، وبين موقف الأحفاد "كنّا كَذَبة متملقين صغاراً" و"فرائصي ترتعد.. يرعبني هذا الجد اليمني مزاجه دموي، ويده لا تفارق الخنجر" و" خنجرك يا جدي لا يليق بأيامنا الرخوة هذه" و"تعاركوا مع نزار وديك الجن... أشهر اليمني خنجره، وهدد ديك الجن بقطع أنفه... لوى نزار فمه، وهو يلملم نساءه وأشعاره" و" آباؤكم إفلسوا، لم يعودوا زبيداً" وتحسّرهم على ما آل إليه الأحفاد بعد تلك القوة "انكمش اليمني أمامي وتحدّب" و"يكزّ جدي على أسنانه متحسراً" حتى غدا مثاراً للشفقة "مسحت دمعته النابسة بيدي وربتّ على ظهره". ولا تفوتني دلالة المضافة (جامعة العرب) وتخاذلها عن نصرة الأخ عندما صرخ في وجوههم "زبيد يا هلي ... فلم يكترثوا. سخروا مني.. لم أجد زبيداً فيهم" بينما يجيبه اليمني" زبيداً يا هلي"، "ياحيف على الرجال... أقسم بالله العظيم، سأشق بطنك لو تثاقلت عن نصرة ماجد".
كل ذلك من خلال حكائية، وسرد ممتع يقوم على المرونة في خلخلة الزمن السردي متنقلاً بين الماضي والحاضر بذكاء يجعل القارئ لا يشعر بالتخلخل أو الانقطاع. وتداخل السرد والوصف، واللغة السلسة الرشيقة، والتصوير الجميل الذي يزخر بالصور الحية البديعة، والكلمة المعبرة، يستهوي المتلقي، ويشده للمتابعة حتى النهاية، من مثل (حفظتكم في صدر مكتبتي، نبشت أجدادي، ساطني بعينين مزرورتين كحبتي خرز، انكمش.. وتحدّب، تكرج في تلافيف الذاكرة...) وحوار يكشف بين حروفه عن الجانب النفسي للمتحاورين، ويوضح طبيعة شخصياتهم، وأفكارهم.
وكم كان بودي إبداء بعضاً من بقايا قوة وألّا يصل التردي وانهيار الموقف درجة الخذلان واللجوء إلى الدعاء منقذاً "يا ربّ أعد لنا وردة"، معلنين استسلامهم دون إبداء مقاومة. كما يشتم في النص من خلال تكرار "زبيد يا هلي" روح القبيلة، بمقدار ما تحمل من اعتزاز، وأصالة عروبية.
ولي تساؤل: لِمَ لم يفصح النص عن إشارة توحي بسبب هجر ماجد وسجنه؟ ويتركها لتخمين المتلقي.
والحق، هناك الكثير فاتني بين ثنايا النص، فهو يحتاج وقفة مطولة، ومتأنية للإحاطة بكل جوانبه لرصد دالاته ومقاصدها.
أرجو أن أكون وُفّقتُ في بعض رؤاي.
تحياتي وتقديري للكاتب حمدي البصيري، والأستاذة منال خطاب، وللحادي الأستاذ محسن الطوخي، والقائمين على العمل في منتدى واحة القصة القصير
عبدالسلام القطري
الله
عليك وعلى روعة هذا النص البديع والعميق في معناه والمتعدي لحواجز الزمن والذي طاف
بنا بين اليمن السعيد وانهيار سد مأرب وهجرة القبائل اليمنية في شتى بقاع الأرض
وتمسكها بتقاليدها وعاداتها في الموطن الجديد وبين الحداثة الفجة التي تريد ان
تضرب عرض الحائط بتلك العادات والتقاليد ، ويالروعة اشارتك إلى عراقة هذا الخنجر
اليمني المعقوف، علامة الرجولة والبطولة والاعتزاز بالنفس، أنا نفسي قضيت سنتين في
انشاء طريق بين صنعاء و مأرب عام 1977-1978 وزرت منطقة السد التاريخي والتقطت بعض
الصور فوق آثاره وذلك قبل أن تقوم الإمارات العربية ببناء السد الجديد ، بل لم أنس
أن التقط لنفسي صورة وأنا متمنطق بالخنجر اليمني العتيد ، عنوان الرجولة الذي لا
يقدر بثمن بمقبضه المصنوع من قرن وحيد القرن والمزدان بالذهب والفضة ، وتلك هي
ميزة النصوص الروائع، تجعلك تتعايش مع النص وتتفاعل معه وتحس نفسك جزءا منه ، لا
مراقبا فقط لأحداثة، مثل تلك النصوص الإبداعية لا تمحى من ذاكرة القارئ بسهولة
وتدل على شدة براعة كاتبها وتمكنه من الإمساك ببراعة بناصية النص ، يوجهه حيث يشاء
، وأيضا يتجلى الإبداع في مفردات النص الراقية والبليغة ، نقطة أخيرة لو سألتني عن
رأيي في اسم النص لقلت أنني كنت أتمنى لو أسميت هذا النص البديع: (زبيد ياهلي) ،
ففي هذا المسمى تكمن روح النص، أحسنت أستاذي الفاضل والأديب الكبير ، أحسنت أحسن
الله إليك وجزاك خيرا وبركة وفرج قريب إن شاء الله وكل عام وأنتم بخير وعافية وصل
اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا وشكرا جزيلا أستاذتي
الفاضلة والأدبية الرائعة منال
خطاب على دعوتك الكريمة لي للتعقيب على النص. تحياتي لك وكل عام
وأنتم بخير.
قرأت
القصة اكثر من مرة وكتبت تعليق تحتها في الواحة ، وها انا اعود الى كتابة قراءتي
لها:
يوم نسينا النعناع الابيض
فالكاتب ارادة من العنوان ان يعطي للقارئ انه يتحدث عن ثيمه تأريخية مهمة الا وهي النعناع الذي له جذورة واغصان ترتبط بتاريخ الكاتب او اي قارئ فالكل يتذكر النعناع باصالته وارتباطه بالطفولة بل بالعائلة العربية الريفية بالذات منها فالكل مضغه واستطعمه فكأنه بعنوانه يقول نسينا تاريخنا وعمقنا واصالتنا .
في المدخل يخاطب الاجداد ليقول لهم انني حفظت اوراقكم الصفراء وهو هنا اشارة لثيمتين اولا الاوراق الصفراء اشارة لتاريخ سئ للرجال
ثانيا الاوراق الصفراء هي الاوراق السائدة في الازمنة القديمة في الكتابة
ثم يفصح عن انتماءه الى قبيلة زبيد القبيلة العربية اليمانية الاصل والتي لاتزال شامخة في جنوب اليمن
الاشارات التاريخية واضحة في النص لزبيد والليرات والخنجر والنعناع الابيض ووردة واوحى لنا الكاتب بان البطل اراد نسيان التاريخ والتبرئ من الاجداد ونسيانهم ،لكن حدث ما وهو سجن ماجد ايقظ البطل ويستمر النص بالتبرأ من تاريخ الاجداد الذي لايفهم الا القوة والذي رمز له بمعد يكرب وخنجره
واراد ان يعيش بعصر الجمال والرقة والتي رمز لها باشعار نزاز قباني لكن تاريخ الاجداد ورمزية ماجد يضغط ان يعود لهذا التاريخ او يبقى حبيسه.
بطل القصة اوحى لنا انه يعيش الصراع بين حاضر مبهج رقيق جميل رمزه نزار وماض مسلح صخري صلب رمزه الاجداد
واعطى الكاتب رمزية لرجل محبوب في العائلة وبين الاطفال هو واهب الليرات والسبب في شراء النعناع الابيض الذي جمع الاطفال ووحدهم وكان محرضا للتذكير بالنسب لزبيد وعندما مات ماتت معه ذكريات النعناع او الانتماء القبلي.
ثم تدخل القصة الى الربط التنافس بين ماجد وبقية شباب العائلة والغيرة منه لانه اخذ مكان ابية الرمز في العائلة ورفضه للزواج من بنات العم يدل على تمرده على عادات الاجداد واعطاءه لشخصة التميز عن الصغار الاخرين بمكانته ومقامه ونضجه واستأثاره بوردة الناضجة
ثم ينحدر النص للنهاية بحصول التغير في نضج الصغار واصبحوا رجال ووردة رمز للتغير الحياتي في حياة العائلة والتغير الحيوي الجسدي وزواجها من غريب ورحيل ماجد وسجنه ربما رمز الكاتب الى التغير في الواقع من التشبث بالتاريخ الى التمرد عليه
ملاحظة : هي النص مطول ممكن اختصاره بحذف جمل مكررة لكن الكاتب ربما اشار في نصه لابي ماجد رمز للتاريخ والتشبث به لكن ماجد لم يتميز بتمرده على التاريخ سوى باشياء تافه كالجلوس في المضيف وشرب القهوة واخذ مكان ابيه وعدم اللعب مع اقرانه فكان الكتتب يقول لنا ان الواقع العربي واقع قشور. النص يدل على كاتب قدير متمكن فتحية له وللاستاذة منال خطاب
فاضل العباس العراق
يوم نسينا النعناع الابيض
فالكاتب ارادة من العنوان ان يعطي للقارئ انه يتحدث عن ثيمه تأريخية مهمة الا وهي النعناع الذي له جذورة واغصان ترتبط بتاريخ الكاتب او اي قارئ فالكل يتذكر النعناع باصالته وارتباطه بالطفولة بل بالعائلة العربية الريفية بالذات منها فالكل مضغه واستطعمه فكأنه بعنوانه يقول نسينا تاريخنا وعمقنا واصالتنا .
في المدخل يخاطب الاجداد ليقول لهم انني حفظت اوراقكم الصفراء وهو هنا اشارة لثيمتين اولا الاوراق الصفراء اشارة لتاريخ سئ للرجال
ثانيا الاوراق الصفراء هي الاوراق السائدة في الازمنة القديمة في الكتابة
ثم يفصح عن انتماءه الى قبيلة زبيد القبيلة العربية اليمانية الاصل والتي لاتزال شامخة في جنوب اليمن
الاشارات التاريخية واضحة في النص لزبيد والليرات والخنجر والنعناع الابيض ووردة واوحى لنا الكاتب بان البطل اراد نسيان التاريخ والتبرئ من الاجداد ونسيانهم ،لكن حدث ما وهو سجن ماجد ايقظ البطل ويستمر النص بالتبرأ من تاريخ الاجداد الذي لايفهم الا القوة والذي رمز له بمعد يكرب وخنجره
واراد ان يعيش بعصر الجمال والرقة والتي رمز لها باشعار نزاز قباني لكن تاريخ الاجداد ورمزية ماجد يضغط ان يعود لهذا التاريخ او يبقى حبيسه.
بطل القصة اوحى لنا انه يعيش الصراع بين حاضر مبهج رقيق جميل رمزه نزار وماض مسلح صخري صلب رمزه الاجداد
واعطى الكاتب رمزية لرجل محبوب في العائلة وبين الاطفال هو واهب الليرات والسبب في شراء النعناع الابيض الذي جمع الاطفال ووحدهم وكان محرضا للتذكير بالنسب لزبيد وعندما مات ماتت معه ذكريات النعناع او الانتماء القبلي.
ثم تدخل القصة الى الربط التنافس بين ماجد وبقية شباب العائلة والغيرة منه لانه اخذ مكان ابية الرمز في العائلة ورفضه للزواج من بنات العم يدل على تمرده على عادات الاجداد واعطاءه لشخصة التميز عن الصغار الاخرين بمكانته ومقامه ونضجه واستأثاره بوردة الناضجة
ثم ينحدر النص للنهاية بحصول التغير في نضج الصغار واصبحوا رجال ووردة رمز للتغير الحياتي في حياة العائلة والتغير الحيوي الجسدي وزواجها من غريب ورحيل ماجد وسجنه ربما رمز الكاتب الى التغير في الواقع من التشبث بالتاريخ الى التمرد عليه
ملاحظة : هي النص مطول ممكن اختصاره بحذف جمل مكررة لكن الكاتب ربما اشار في نصه لابي ماجد رمز للتاريخ والتشبث به لكن ماجد لم يتميز بتمرده على التاريخ سوى باشياء تافه كالجلوس في المضيف وشرب القهوة واخذ مكان ابيه وعدم اللعب مع اقرانه فكان الكتتب يقول لنا ان الواقع العربي واقع قشور. النص يدل على كاتب قدير متمكن فتحية له وللاستاذة منال خطاب
فاضل العباس العراق
اولا العنوان
أرى ان الكاتب وفق تماما في اختياره فهو مناسب جدا لفكرة القصة والموضوع الذي تدور حوله فالنعناع الابيض تلك الحلوى المحببة للجميع خاصة للأطفال والتي لكثير منا ذكريات معها تربطنا بالماضي واعتقد أن هذا ما اراده الكاتب وهو ربط الماضي بالحاضر فكانت حلوى النعناع الأبيض التي نساها بطل القصة واقرانه ففقدوا جزءا كبيرا من ارتباطهم بتقاليدهم وتاريخهم العريق
القصة حملت دلالات رمزية كثيرة بدءا من الاجداد الراقدون في تلك الاوراق الصفراء التي تعبر عن كتب التاريخ التي جاء ذكرهم فيها والتي اصبحت مقرا لهم بدلا من أن يصبح مكانهم في عقولنا وقلوبنا وضمائرنا ،أما ماجد فهو رمز لذلك المواطن العربي الذي يثور على التقاليد الموروثات القديمة ويريد ان يشق طريقه الخاص بعيدا عن الماضي بشخوصه و دلالاته وقيمه حتى أنه يتمرد على الجميع محاولا اثبات ذاته وفرض رأيه عليهم بالزواج من وردة التي أرى من قرائتي ان المقصود بها سوريا أو الوطن بشكل عام ،لكن و لسبب ما حدث الانفصال قد يكون لعيب في ماجد الذي لم يكن مدركا لضعف قدراته ومتطلبات وطن ينضج و يحتاج لجهد و فكر يتخطاه أو لعيب في وطن يلفظ ابناءه حتى يكفرون به وبتاريخه فيهربون ويتركونه،
يحاول الجد الأكبر الذي يرمز لتاريخ و عراقة ورقي هذه الأمة البحث عن ماجد و اخراجه من سجنه بمساعدة راوي القصة الذي يرمز للشباب المثقف المهتم بثقافة وطنه ولكنه لا يجد من يسانده حتى من هم اكبر سنا فيجدهم قد فقدوا حميتهم و ارتباطهم بتاريخهم فكانت النتيجة هى ذلك الضعف الذي أصاب الاوطان وضاعت وردة أو الوطن لتقع فريسة ذلك الأجنبي الذي كانت تخايله بثرواتها و طبيعتها ،ضاعت وردة كما ضاعت كل ورودنا سواءا كان الخاطف محتلا أو حاكما مستبدا ،ضاع الوطن ليس بسبب ظلم الحاكم فقط و لكن بسبب خنوع الرعية و لفظهم لتارخهم وعروبتهم و هويتهم لتصبح اوطاننا بلا هوية
احسنت و اجدت استاذ حمدي
قصة ولا أروع
أرى ان الكاتب وفق تماما في اختياره فهو مناسب جدا لفكرة القصة والموضوع الذي تدور حوله فالنعناع الابيض تلك الحلوى المحببة للجميع خاصة للأطفال والتي لكثير منا ذكريات معها تربطنا بالماضي واعتقد أن هذا ما اراده الكاتب وهو ربط الماضي بالحاضر فكانت حلوى النعناع الأبيض التي نساها بطل القصة واقرانه ففقدوا جزءا كبيرا من ارتباطهم بتقاليدهم وتاريخهم العريق
القصة حملت دلالات رمزية كثيرة بدءا من الاجداد الراقدون في تلك الاوراق الصفراء التي تعبر عن كتب التاريخ التي جاء ذكرهم فيها والتي اصبحت مقرا لهم بدلا من أن يصبح مكانهم في عقولنا وقلوبنا وضمائرنا ،أما ماجد فهو رمز لذلك المواطن العربي الذي يثور على التقاليد الموروثات القديمة ويريد ان يشق طريقه الخاص بعيدا عن الماضي بشخوصه و دلالاته وقيمه حتى أنه يتمرد على الجميع محاولا اثبات ذاته وفرض رأيه عليهم بالزواج من وردة التي أرى من قرائتي ان المقصود بها سوريا أو الوطن بشكل عام ،لكن و لسبب ما حدث الانفصال قد يكون لعيب في ماجد الذي لم يكن مدركا لضعف قدراته ومتطلبات وطن ينضج و يحتاج لجهد و فكر يتخطاه أو لعيب في وطن يلفظ ابناءه حتى يكفرون به وبتاريخه فيهربون ويتركونه،
يحاول الجد الأكبر الذي يرمز لتاريخ و عراقة ورقي هذه الأمة البحث عن ماجد و اخراجه من سجنه بمساعدة راوي القصة الذي يرمز للشباب المثقف المهتم بثقافة وطنه ولكنه لا يجد من يسانده حتى من هم اكبر سنا فيجدهم قد فقدوا حميتهم و ارتباطهم بتاريخهم فكانت النتيجة هى ذلك الضعف الذي أصاب الاوطان وضاعت وردة أو الوطن لتقع فريسة ذلك الأجنبي الذي كانت تخايله بثرواتها و طبيعتها ،ضاعت وردة كما ضاعت كل ورودنا سواءا كان الخاطف محتلا أو حاكما مستبدا ،ضاع الوطن ليس بسبب ظلم الحاكم فقط و لكن بسبب خنوع الرعية و لفظهم لتارخهم وعروبتهم و هويتهم لتصبح اوطاننا بلا هوية
احسنت و اجدت استاذ حمدي
قصة ولا أروع
قراءة في
قصة / يوم نسينا النعناع الأبيض
القصة محبوكة بمهارة فائقة ، باستخدام أسلوب السرد المتداخل بين التاريخ المجيد الموروث وواقع الهوان والتردي الذي يخيم على أمة العرب ، بمشاهد زاخرة بالدلالات الرمزية ،
لا بد من الاعتراف بأنها وجبة دسمة للمتلقي المتمرس ( و عسيرة الهضم على الأقل بالنسبة لقارئ عادي مثلي ) ، ما اضطرني لقراءتها مرات قبل أن أستطيع تفكيك رموزها ، أو هكذا خيل لي
عمرو بن معد يكرب ، الجد الذي عرف بالقوة والشكيمة ، رجل أعطاه الله بسطة في الجسم والإيمان وامتلك قوة الف رجل ، شهد معركة اليرموك وكان من أشد الفرسان قتالاً وبسالة ، وأرسله عمر بن الخطاب مع طليحة خويلد إلى سعد بن ابي وقاص _ عندما طلب منه المدد إبان معركة القادسية _ وكتب إليه بأني قد أمددتك بألفي رجل ، وهو الذي قتل رستم فرخزاد قائد الفرس في تلك المعر كة ( ربما كان في اختيار الكاتب لهذا الجد كقمة في سلالة المجد إشارة إلى عودة النفوذ الفارسي وتغوله في أرض العرب من جديد )، وختم بطولاته شهيدا في معركة نهاوند ، ليضيء نجمه جنبات تاريخ تليد .
القصة تشير إلى أمجاد الآباء الأولين الذين رفعوا راية التوحيد ونشروا النور في الأرض تسامياً إلى نعيم الأخرة ولم يترددوا في بذل النفس في سبيلها ، فملؤوا صفحات التاريخ بالانتصارات والفتوحات الكبرى التي امتدت إلى أقاصي الأرض ، و ترمز إلى تفريط العرب بهذا التاريخ الرفيع و تثاقلهم إلى ملذات الحياة الدنيا في واقع بات مزرياً، و تغشاهم عار لم يعودوا يملكون الهروب منه إلا بالتمرد عليه بسيوف من ورق وشعر ممثلة في نزار وديك الجن .
أبو ماجد يمثل القلة التي بقيت تتمسك بأمجادها السالفة وأصالتها الفريدة وظلت تجهد في إذكاء المبادئ وحث المثل العليا بين الأجيال الفتية ، وتدلي إليها ببعض مذاقها الفريد ( حلو النعناع الابيض ) على أمل أن يشتد عودها يوما وتستيقظ فيها الشهامة النائمة ، وتعود لتحيي ماضيها المجيد .
وردة التي ترمز إلى الخير والقيم الجميلة الباقية في ضمير الأجيال راسخة في عمق وجدانهم تحمل بين ثناياها بذرة التغيير إلى الأجمل ( الأمل ) ، لا تفتأ تلاعبهم وتدغدغ قلوبهم الفتية ، حتى نما لها برعمان ما بين عشية وضحاها ، فنضجت واشرأبت وتحولت إلى صبية يانعة (ثورات الربيع ) فهاجت فيهم الرغبة العارمة توقا للحصول عليها ، ولكن آمالهم خابت لأن هناك من سبقهم إليها وطلب يدها ( ماجد ) الذي استمات في سبيلها ولم يرض بديلاً عنها فارتبطت به ، لكنه ما إن خلف أباه في الكرسي حتى تخلى عن وردة ( مبادئه التي نادى بها إبان الثورة ) و تركها تذهب لغيره ، وتضيع من الجميع …
الفتيان الذين كبروا لاحقاً و دخلوا حقبة الرجولة ، كانت وردة قد أقصيت عن عالمهم وانسحبت إلى دار مليكها الجديد ، فصاروا يرمقونها متحسرين وهي تبتسم وتومئ لهم من بعيد .
ماجد الذي وقع في الأسر ، ربما خذل مبادئه ووقع في أسر أهوائه بملكه راضياً مختاراً ، أو أنه فعلاً غُيّب قسرا ووقع أسيراً في يد أعدائه ( وفي بلادنا الوقوع في الاسر يعدل الموت )
وفي كلتا الحالتين ، أحجم الجميع عن نصحه اوتقاعسوا عن نجدته قبل يرتدي جلادوه زي القضاة ، لتبقى مشنقته تتأرجح فارغة بلا بطل يكتب ولو سطراً في سجل المجد .
القصة إبداع محكم الحبك ، خرجت بأسلوب و بلغة متمكنة من أدوات القص ، طغى عليها الترميز إلى الحد الذي لم تكتف بتوظيف كل التفاصيل الصغيرة ، بل خرجت في بعض المشاهد عن إطارها الواقعي لتلائم مقاس الرمز الذي تعبر عنه …
أرجو قبول قراءتي المتواضعة بانتظار الاضاءات التي يجود بها الأساتذة النقاد المختصون …تحيتي للمبدع / حمدي البصيري
وعظيم الشكر لإدارة وأعضاء الواحة الكرام
القصة محبوكة بمهارة فائقة ، باستخدام أسلوب السرد المتداخل بين التاريخ المجيد الموروث وواقع الهوان والتردي الذي يخيم على أمة العرب ، بمشاهد زاخرة بالدلالات الرمزية ،
لا بد من الاعتراف بأنها وجبة دسمة للمتلقي المتمرس ( و عسيرة الهضم على الأقل بالنسبة لقارئ عادي مثلي ) ، ما اضطرني لقراءتها مرات قبل أن أستطيع تفكيك رموزها ، أو هكذا خيل لي
عمرو بن معد يكرب ، الجد الذي عرف بالقوة والشكيمة ، رجل أعطاه الله بسطة في الجسم والإيمان وامتلك قوة الف رجل ، شهد معركة اليرموك وكان من أشد الفرسان قتالاً وبسالة ، وأرسله عمر بن الخطاب مع طليحة خويلد إلى سعد بن ابي وقاص _ عندما طلب منه المدد إبان معركة القادسية _ وكتب إليه بأني قد أمددتك بألفي رجل ، وهو الذي قتل رستم فرخزاد قائد الفرس في تلك المعر كة ( ربما كان في اختيار الكاتب لهذا الجد كقمة في سلالة المجد إشارة إلى عودة النفوذ الفارسي وتغوله في أرض العرب من جديد )، وختم بطولاته شهيدا في معركة نهاوند ، ليضيء نجمه جنبات تاريخ تليد .
القصة تشير إلى أمجاد الآباء الأولين الذين رفعوا راية التوحيد ونشروا النور في الأرض تسامياً إلى نعيم الأخرة ولم يترددوا في بذل النفس في سبيلها ، فملؤوا صفحات التاريخ بالانتصارات والفتوحات الكبرى التي امتدت إلى أقاصي الأرض ، و ترمز إلى تفريط العرب بهذا التاريخ الرفيع و تثاقلهم إلى ملذات الحياة الدنيا في واقع بات مزرياً، و تغشاهم عار لم يعودوا يملكون الهروب منه إلا بالتمرد عليه بسيوف من ورق وشعر ممثلة في نزار وديك الجن .
أبو ماجد يمثل القلة التي بقيت تتمسك بأمجادها السالفة وأصالتها الفريدة وظلت تجهد في إذكاء المبادئ وحث المثل العليا بين الأجيال الفتية ، وتدلي إليها ببعض مذاقها الفريد ( حلو النعناع الابيض ) على أمل أن يشتد عودها يوما وتستيقظ فيها الشهامة النائمة ، وتعود لتحيي ماضيها المجيد .
وردة التي ترمز إلى الخير والقيم الجميلة الباقية في ضمير الأجيال راسخة في عمق وجدانهم تحمل بين ثناياها بذرة التغيير إلى الأجمل ( الأمل ) ، لا تفتأ تلاعبهم وتدغدغ قلوبهم الفتية ، حتى نما لها برعمان ما بين عشية وضحاها ، فنضجت واشرأبت وتحولت إلى صبية يانعة (ثورات الربيع ) فهاجت فيهم الرغبة العارمة توقا للحصول عليها ، ولكن آمالهم خابت لأن هناك من سبقهم إليها وطلب يدها ( ماجد ) الذي استمات في سبيلها ولم يرض بديلاً عنها فارتبطت به ، لكنه ما إن خلف أباه في الكرسي حتى تخلى عن وردة ( مبادئه التي نادى بها إبان الثورة ) و تركها تذهب لغيره ، وتضيع من الجميع …
الفتيان الذين كبروا لاحقاً و دخلوا حقبة الرجولة ، كانت وردة قد أقصيت عن عالمهم وانسحبت إلى دار مليكها الجديد ، فصاروا يرمقونها متحسرين وهي تبتسم وتومئ لهم من بعيد .
ماجد الذي وقع في الأسر ، ربما خذل مبادئه ووقع في أسر أهوائه بملكه راضياً مختاراً ، أو أنه فعلاً غُيّب قسرا ووقع أسيراً في يد أعدائه ( وفي بلادنا الوقوع في الاسر يعدل الموت )
وفي كلتا الحالتين ، أحجم الجميع عن نصحه اوتقاعسوا عن نجدته قبل يرتدي جلادوه زي القضاة ، لتبقى مشنقته تتأرجح فارغة بلا بطل يكتب ولو سطراً في سجل المجد .
القصة إبداع محكم الحبك ، خرجت بأسلوب و بلغة متمكنة من أدوات القص ، طغى عليها الترميز إلى الحد الذي لم تكتف بتوظيف كل التفاصيل الصغيرة ، بل خرجت في بعض المشاهد عن إطارها الواقعي لتلائم مقاس الرمز الذي تعبر عنه …
أرجو قبول قراءتي المتواضعة بانتظار الاضاءات التي يجود بها الأساتذة النقاد المختصون …تحيتي للمبدع / حمدي البصيري
وعظيم الشكر لإدارة وأعضاء الواحة الكرام
السلام
عليكم ورحمة الله وبركاته؛
قصة رائعة وأراها للنخبة
بالنسبة للبناء الفني في غاية الإتقان وكذلك اللغة وذلك الانتقال الرشيق بين الأزمنة وما سأقدمه مجرد رأي انطباعي؛
لعل القصة امتداد فكري لتاريخ عربي مطعون بخنجر الغدر ... ماجد مجدٌ عربيٌّ غابر مأسور في زنازين الغياب المفروشة بأوراق صفراء عتيقة بالكاد تحفظ سطورها أسماء الأجداد .... لم يبق من المجد العربي إلا خناجر الزينة التي وضعت في غير موضعها فهي غالبا للغدر والطعن بينما تعمد الكاتب تغييب السيوف لأنها رمز الفروسية والشجاعة ... فشلَ ماجد العربي بامتداد شعبه العربي وامتداد نسبه بين الشام واليمن في قطف وردة النصر التي أخذها الطغاة والغزاة ...بيننا بقي الكاتب مع من تبقى من الصابرين يلعبون على بيادر العبث والضياع لأن صرخته الزبيدية لأهله ضاعت دون صدى ... النص اعتراف مرٌّ بعجز وفشل القومية العربية في جمع أطراف المجد الضائع وفي صون رموزه ، والدليل أن ماجداً كان الغائب والأسير والمهاجر من أول النص إلى آخره ... وهذا مايعزز الهوة بين أجداد أمناء على المجد وأحفاد ضيعوه وفرطوا فيه فلم يعد ذلك المجد إلا في ذكريات الطفولة وفي رائحة أقراص النعناع التي يستقر طعمها اللاذع في الألسنة المقطوعة التي لم تعد تجرؤ على قول الحق ، بينما يفوح عطرها الحاد في الأنوف الذليلة التي لم تعد تعرف الأنفة ....
كل الشكر لجهودك أستاذة منال
مع التقدير للأستاذ محسن ووافر الأمنيات للكاتب المبدع المتميز .
قصة رائعة وأراها للنخبة
بالنسبة للبناء الفني في غاية الإتقان وكذلك اللغة وذلك الانتقال الرشيق بين الأزمنة وما سأقدمه مجرد رأي انطباعي؛
لعل القصة امتداد فكري لتاريخ عربي مطعون بخنجر الغدر ... ماجد مجدٌ عربيٌّ غابر مأسور في زنازين الغياب المفروشة بأوراق صفراء عتيقة بالكاد تحفظ سطورها أسماء الأجداد .... لم يبق من المجد العربي إلا خناجر الزينة التي وضعت في غير موضعها فهي غالبا للغدر والطعن بينما تعمد الكاتب تغييب السيوف لأنها رمز الفروسية والشجاعة ... فشلَ ماجد العربي بامتداد شعبه العربي وامتداد نسبه بين الشام واليمن في قطف وردة النصر التي أخذها الطغاة والغزاة ...بيننا بقي الكاتب مع من تبقى من الصابرين يلعبون على بيادر العبث والضياع لأن صرخته الزبيدية لأهله ضاعت دون صدى ... النص اعتراف مرٌّ بعجز وفشل القومية العربية في جمع أطراف المجد الضائع وفي صون رموزه ، والدليل أن ماجداً كان الغائب والأسير والمهاجر من أول النص إلى آخره ... وهذا مايعزز الهوة بين أجداد أمناء على المجد وأحفاد ضيعوه وفرطوا فيه فلم يعد ذلك المجد إلا في ذكريات الطفولة وفي رائحة أقراص النعناع التي يستقر طعمها اللاذع في الألسنة المقطوعة التي لم تعد تجرؤ على قول الحق ، بينما يفوح عطرها الحاد في الأنوف الذليلة التي لم تعد تعرف الأنفة ....
كل الشكر لجهودك أستاذة منال
مع التقدير للأستاذ محسن ووافر الأمنيات للكاتب المبدع المتميز .
دلالة الرمز في قصة يومَ نسيْنا طعمَ النعناعِ الأبيضِ للقاص حمدي البصيري.. قراءةٌ نقدية
لطيف عبد سالم
(1 – 2)
________
مِن المؤكّـد أنَّ عقدةَ الحنين إلى الماضي، ومحاكاة رموزه، والتفاخر بالزاهرِ من أمجاده، تُعَدّ بوصفها مدعاة لتكريس اهتمام شريحة واسعة من الأدباء والمفكرين العرب على اختلاف مشاربهم، وتنوع معارفهم، إذ كانت - وما تزال - تلقى اهتماماً متزايداً في الكثير من النتاجات الأدبية والفكريَّة، حتى أصبح هذا النوع من الشعور الذي ما انفك عن مطاردة تلك الشريحة المؤثرة في المشهد الثقافيّ العربي، ظاهرة لافته للنظر.
ما أظننا نغلو في القول إنَّ القاصَ حمدي البصيري جنح في كتابةِ قصته الموسومة (يومَ نسيْنا طعمَ النعناعِ الأبيضِ) إلى الاسفاف في اعتماد الرمزيَّة بمهمة بناء نصه، الأمر الذي ساهم في جعل التأويلات والتفسيرات تتزاحم في ذهنِ المتلقي، حيث جاءت العديد من المفردات التي عَمَد إلى استخدامها في مضامين سرده وهي تحمل في طياتها الكثير من الدلالات. ولعلَّ ما يحسب للكاتب أيضاً هو تمكنه عبور حاجز المحليَّة بفضل حسن توظيفه لبعض المشتركات بالشخصيَّة العربيَّة في سياق سرده لأحداثِ القصة وصناعة مجرياتها.
تُعَدُّ القصةَ موضوع بحثنا، محاولة ذكية لمحاكاة راهن الواقع (العربي)، من خلال ربط كاتبها لأحداث عاشتها أجيالٍ عدة تناسلت من قبيلةٍ عربيَّة واحدة، حتى استيقظ جيل (الراوي) منها على غير ما وصل إليه من الموروثات التي تشير إلى الرفعةِ والسمو والتكافل الذي كان طاغياً على حياة الماضين من أبناء تلك القبيلة، إذ جبلَّ أبناء جيله على طعم الخنوع والذل الذي قادهم إلى تجرعِ الاستسلام والهوان والاستلاب الذي بدا وضوحه جلياً في إشارة القاص إلى غياب الحمية - بمفهومها القبليّ - لنصرة (ماجد) عند ورود خبر حبسه. وعلى الرغم من أنَّ ماجد يبدو في الوهلة الأولى شخصاً معاصراً ثائراً على تقاليد القبيلة بدليل استخدامه أداة قتل حديثة، لكن طريقة تصرفه بالأداة ذاتها لا يمكن أن يجعله بمنأى عن صفة التهور أو محاولة تبني بطولات زائفة. ولعلَّ تاريخ العرب المعاصر خير شاهد على ما أفرزته الساحة السياسيَّة العربيَّة من قادةٍ آلت بهم الصفات المذكورة إلى الزوال عن سدة الحكم.
يمكن الجزم بأنَّ توارد الأخبار عن سجن ماجد وتخلي أبناء قبيلته عنه، شكل رمزاً ذكياً للدلالةِ على إهمال القبيلة لوشائج روابطها التي عُرفتْ بها. وهذه الدلالة جاءت للتعبير عن حالة التشتت التي تعيشها الشعوب العربيَّة في حاضرها، إذ أنَّ من بين رسائل القاص البصيري المهمة التي يمكن إدراكها من خلال قراءة النص المذكور، هو ما آلت إليه الشعوب العربيَّة من ضعفٍ وهزال تسبب في فقدانها ذاكرتها، ولاسيما تقزيمِ ذاكرة الخنجر العربي، وتجريده من قيمته، فكان أنْ غدا هزيلاً مشوهاً لا يقوى على الظهور حتى أمام أضعف الأعداء وأقلهم بأساً. ولا رَيْبَ أَنَّ سببَ نكوص القبيلة - بمعنى العرب هُنا - يعود في قسمه الأعظم إلى إيغالِ أولياء أمورها في متاهاتٍ ساهمت فعلياً في تمزيق وحدة الصف، وإبعاد أبناءها عن ناصية العلم والتحضر والتمدن كما هو واضح من رؤية الراوي حيال سعادة الأطفال عند حصولهم على النعناع الأبيض في ظل غياب أدنى المقومات الماديّة التي توجبها مهمة بناء الشخصيَّة لبناة المُستقبل.
جدير بالإشارة أنَّ الخذلانَ بمختلف نواحي الحياة الذي جبلت عليه الشخصيَّة العربيَّة في العصرين الحديث والمعاصر، كان من شأنه التأسيس لثقافةٍ ظاهرها آمال تستند على عبق المميز من أمجاد موروثات السلف، وباطنها مثل كعب أخيل، بوصفِها إذعاناً لما عانته - وتعانيه - الشعوب العربيَّة من ويلاتٍ تعاونت في صياغةِ مسبباتها العديد من الأطراف الدوليَّة باعتماد سياسات تحكمها المصالح، فضلاً عن الطامة الكبرى المتمثلة بخيبة المنظومة السياسيَّة العربيَّة في إدارة الصراع الحضاريّ ما بين الماضي والحاضر، حيث غدت استجابتهم - وإن كانت محدودة الأثر - مرهونة بما قد يحصل من أحداث.
(2 – 2)
______
عند التمعن أكثر في خفايا قصة (يومَ نسيْنا طعمَ النعناعِ الأبيضِ)، يتبادر إلى الذهن أنَّ تصويرَ الواقع العربي المعاصر ومرارته، كان الغاية الرئيسة من عودة القاص البصيري بالذاكرة إلى الماضي، حيث عمد إلى استدعاء شخصية اليمنيُّ عمرُو بن مَعد يَكْرَب الزبيدي؛ بغية توظيف أمجاد القبيلة وتاريخها الزاهر في تشكيل وصف مقارن لتجليات الواقع العربي المعاصر، ثم ما لبث أن وجد ضالته في بث لواعج حزنه باستدعاء الشاعرين ديك الجن ونزار قباني رغم اختلاف عصريهما بفعل اشتراكهما في رثاء القومية التي ينتميان لها، لكن ما ينبغي الوقوف عنده أنَّ قباني ذاته كتب يوماً معبراً عن مرارته ما نصه:
لم يبقَ عندي ما أقول
تِعب الكلامُ من الكلام
ليس من شك في أنَّ بوحَ قباني يرسخ أهمية تأصيل الانتماء الوطني بالعمل والتضحية، ولا يمكن الاكتفاء بكلماتٍ جوفاء، إذ أنَّ "الوطنية تعمل ولا تتكلم" كما يقول قاسم أمين.
اعتمد القاص البصيري مفردة (وردة) بكلِّ ما تعنيه من صفات الجمال والسلام والتعايش من أجل الدلالةِ على انتهاك (الكرامة العربيَّة) الذي يتجسد هُنا في حادثة فسخ خطوبة وردة من ماجد الذي كرهوه أيام طفولتهم واشتاقوا لمقدمه يوم سجن بعد سنوات من هجره بلده، ثم اقترانها برجلٍ غريب بعد ذلك، إذ أنَّ الأعرافَ العشائريَّة التي تعتمدها الكثير من القبائل العربيَّة كمنظومة ناظمة لحياتها العامة، لا تبيح تزويج البنت لأناس من قبائلٍ أخرى، والذين يشار إليهم باسم الأغراب على الرغم من معرفة أصولهم العربيَّة. ويمكن أنْ يكون كاتب القصة قد استخدم قضية تزويج (وردة) للدلالة على ضياع ولاة الأمور لمدينةٍ أو وطن. وإنْ صح ما ظننت، فمن المؤكد أنَّ الأغرابَ لم يكن بوسعهم أن يحلموا باختطاف (وردة)، لولا تشتت أبناء القبيلة وانقسامهم وتناحرهم الذي أفضى إلى استسلامهم لتداعياته. ولعلَّ الخسارات التي ألمتْ بالشعوب العربيَّة خير دليل على ذلك، بالإضافة إلى ما يفضي إليه هذا الواقع من زيادةٍ لشهية الأغراب فيما يتطلعون إليه ويتمنوه، ما يعني إمكانية تكرار سيناريو ضياع (وردة).
إنَّ التعلقَ بأذيال الماضي التليد، واستمرار الأجيال العربيَّة بتكرار سيناريو التباكي على ما ضاع من أمجاد أسلافهم الخالدة، من شأنه إصابتهم بالخدر والنوم على وسادة الأمجاد. ويبدو أنَّ التشرذم الذي ابتليت به القبيلة في إشارة إلى الواقع العربي الراهن، جعل الذاكرة العربيَّة تنسى حتى طعم النعناعِ الأبيضِ الذي يمثل البراءة والطيبة والتكافل والتفاخر بالأمجاد والأمل بمستقبلٍ واعد. ومن هنا تتضح ثيمة العنوان الذي اعتمده البصيري لقصته بعد أنْ أيقن العرب تأخرهم، فأدمنوا التلويح بالماضي، تعبيراً عن عدم قدرتهم على مواكبة الشعوب السائرة نحو المُستقبل.
تأسيساً لما تقدم، لا عجب من اعتماد المثقف العربي مجريات الذاكرة الجمعيَّة في الكثير من منجزاته الأدبيَّة، والتفنن في توجيه بوصلة ثيمها، فضلاً عن بعض مساراتها صوب ما ورد عن ماضٍ تولى، ولاسيمّا ما طفى على سطحه من انتصاراتٍ قائمة على سطوةِ السيف. ولعلَّ ذلك مرده إلى تيقنه من الانحدار المروع في أتون الجهالة والتخلف الذي هيمن على حياة هذه الشعوب التي كانت ذات عصر مناراً للعلم والثقافة والحضارة والعمران، قبل أنْ تصبح في عداد الموتى، مع العرض أنَّ الأدباءَ والكتاب وعموم النخب المثقفة هم في طليعة الشرائح المدركة لهموم شعوبها، ويحضرني هُنا قول درويش: "فالموت لا يوجع الموتى بل الأحياء".
اهتم البصيري باللغة، والارتقاء بالمستوى الفني للسرد، بالإضافة إلى إيغاله في اعتماد الرمز للدلالة عن تجليات واقع مأزوم. وعلى الرغم من كثافة السرد، فإنَّ القصةَ كانت ماتعة، وتشد المتلقي إلى المتابعة في تصفحها. وأؤكد ثانية أنَّ هذه القصة ضمت الكثير من الإشارات الرمزية التي تحمل دلالات عميقة في توصيف راهن المُجتمعات العربيَّة؛ لذا أعتذر عما فاتني من ملاحظات بسبب العجالة التي رافقت إعداد هذه القراءة المتواضعة بفعل ظرف خاص.
أبارك للزميل القاص حمدي البصيري على ما نسجه من سردٍ جميل وهادف مع تمنياتي بدوام المنجز الإبداعي، والشكر والامتنان إلى إدارة واحة القصة القصيرة وجميع المساهمين فيها، وإلى كتابها ومتابعيها.
لطيف عبد سالم
______
عند التمعن أكثر في خفايا قصة (يومَ نسيْنا طعمَ النعناعِ الأبيضِ)، يتبادر إلى الذهن أنَّ تصويرَ الواقع العربي المعاصر ومرارته، كان الغاية الرئيسة من عودة القاص البصيري بالذاكرة إلى الماضي، حيث عمد إلى استدعاء شخصية اليمنيُّ عمرُو بن مَعد يَكْرَب الزبيدي؛ بغية توظيف أمجاد القبيلة وتاريخها الزاهر في تشكيل وصف مقارن لتجليات الواقع العربي المعاصر، ثم ما لبث أن وجد ضالته في بث لواعج حزنه باستدعاء الشاعرين ديك الجن ونزار قباني رغم اختلاف عصريهما بفعل اشتراكهما في رثاء القومية التي ينتميان لها، لكن ما ينبغي الوقوف عنده أنَّ قباني ذاته كتب يوماً معبراً عن مرارته ما نصه:
لم يبقَ عندي ما أقول
تِعب الكلامُ من الكلام
ليس من شك في أنَّ بوحَ قباني يرسخ أهمية تأصيل الانتماء الوطني بالعمل والتضحية، ولا يمكن الاكتفاء بكلماتٍ جوفاء، إذ أنَّ "الوطنية تعمل ولا تتكلم" كما يقول قاسم أمين.
اعتمد القاص البصيري مفردة (وردة) بكلِّ ما تعنيه من صفات الجمال والسلام والتعايش من أجل الدلالةِ على انتهاك (الكرامة العربيَّة) الذي يتجسد هُنا في حادثة فسخ خطوبة وردة من ماجد الذي كرهوه أيام طفولتهم واشتاقوا لمقدمه يوم سجن بعد سنوات من هجره بلده، ثم اقترانها برجلٍ غريب بعد ذلك، إذ أنَّ الأعرافَ العشائريَّة التي تعتمدها الكثير من القبائل العربيَّة كمنظومة ناظمة لحياتها العامة، لا تبيح تزويج البنت لأناس من قبائلٍ أخرى، والذين يشار إليهم باسم الأغراب على الرغم من معرفة أصولهم العربيَّة. ويمكن أنْ يكون كاتب القصة قد استخدم قضية تزويج (وردة) للدلالة على ضياع ولاة الأمور لمدينةٍ أو وطن. وإنْ صح ما ظننت، فمن المؤكد أنَّ الأغرابَ لم يكن بوسعهم أن يحلموا باختطاف (وردة)، لولا تشتت أبناء القبيلة وانقسامهم وتناحرهم الذي أفضى إلى استسلامهم لتداعياته. ولعلَّ الخسارات التي ألمتْ بالشعوب العربيَّة خير دليل على ذلك، بالإضافة إلى ما يفضي إليه هذا الواقع من زيادةٍ لشهية الأغراب فيما يتطلعون إليه ويتمنوه، ما يعني إمكانية تكرار سيناريو ضياع (وردة).
إنَّ التعلقَ بأذيال الماضي التليد، واستمرار الأجيال العربيَّة بتكرار سيناريو التباكي على ما ضاع من أمجاد أسلافهم الخالدة، من شأنه إصابتهم بالخدر والنوم على وسادة الأمجاد. ويبدو أنَّ التشرذم الذي ابتليت به القبيلة في إشارة إلى الواقع العربي الراهن، جعل الذاكرة العربيَّة تنسى حتى طعم النعناعِ الأبيضِ الذي يمثل البراءة والطيبة والتكافل والتفاخر بالأمجاد والأمل بمستقبلٍ واعد. ومن هنا تتضح ثيمة العنوان الذي اعتمده البصيري لقصته بعد أنْ أيقن العرب تأخرهم، فأدمنوا التلويح بالماضي، تعبيراً عن عدم قدرتهم على مواكبة الشعوب السائرة نحو المُستقبل.
تأسيساً لما تقدم، لا عجب من اعتماد المثقف العربي مجريات الذاكرة الجمعيَّة في الكثير من منجزاته الأدبيَّة، والتفنن في توجيه بوصلة ثيمها، فضلاً عن بعض مساراتها صوب ما ورد عن ماضٍ تولى، ولاسيمّا ما طفى على سطحه من انتصاراتٍ قائمة على سطوةِ السيف. ولعلَّ ذلك مرده إلى تيقنه من الانحدار المروع في أتون الجهالة والتخلف الذي هيمن على حياة هذه الشعوب التي كانت ذات عصر مناراً للعلم والثقافة والحضارة والعمران، قبل أنْ تصبح في عداد الموتى، مع العرض أنَّ الأدباءَ والكتاب وعموم النخب المثقفة هم في طليعة الشرائح المدركة لهموم شعوبها، ويحضرني هُنا قول درويش: "فالموت لا يوجع الموتى بل الأحياء".
اهتم البصيري باللغة، والارتقاء بالمستوى الفني للسرد، بالإضافة إلى إيغاله في اعتماد الرمز للدلالة عن تجليات واقع مأزوم. وعلى الرغم من كثافة السرد، فإنَّ القصةَ كانت ماتعة، وتشد المتلقي إلى المتابعة في تصفحها. وأؤكد ثانية أنَّ هذه القصة ضمت الكثير من الإشارات الرمزية التي تحمل دلالات عميقة في توصيف راهن المُجتمعات العربيَّة؛ لذا أعتذر عما فاتني من ملاحظات بسبب العجالة التي رافقت إعداد هذه القراءة المتواضعة بفعل ظرف خاص.
أبارك للزميل القاص حمدي البصيري على ما نسجه من سردٍ جميل وهادف مع تمنياتي بدوام المنجز الإبداعي، والشكر والامتنان إلى إدارة واحة القصة القصيرة وجميع المساهمين فيها، وإلى كتابها ومتابعيها.
لطيف عبد سالم
*قراءة انطباعية لنص
**يوم نسينا طعم النعناع الأبيض**
عند القراءة للقصة لأول مرة، التبس علي الأمر،و داخلني بعض شتات في الفكرة، فذكر الكثير من التفاصيل والأسماء ،بعضها حقيقية وبعضها تاريخية و بدون مدخل سردي واضح يفسرها،ولكن ثقتي بان حمدي البصيري :لا يمكن أن يكتب حرف دون دلالة وقصد جعلني أعيد القراءة .
أولا العنوان :مناسب جدا للقصة المعروف أن حلوى النعناع تتميز بطعمها اللذيذ اللاذع في اللسان، ويمكن تأويل ذلك بخلط جمال الماضي ولذعة وقسوة الحاضر .
المتن :فمدخل القصة يفتح بابًا جديدًا لرؤية الحاضر برؤى جديدة ، دون أي يضر الخيال بالواقع ، وكأنما المدخل هو إجابة على حث سابق لم يكتب ولكن علينا أن نستشف "رويدك يا جدِّي، تمهَّل ، ضع خنجرك ، يا رجل، أنا لم أتبرأ منه ، هو من رماكم في وجهي"
هذا التداول بين الماضي والحاضر والمزج بشكل فريد فهناك حنين بداخله لجذوره ومعتد بها فهو " يمسح برفق عنهم غبار السنين، ويحفظتهم في صدر مكتبته "
لنقف أمام التاريخ المشرف للأجداد والحاضر الذي فرط فيها الأبناء بخوفهم من هذا الثقل والعبء الضخم "منذ أورثني ماجد قائمة الأجداد التي يرأسها اليمني عمر بن معد يكرب الزبيدي ، وفرائصي ترتعد". و ليست وردة إلا دلالة لهذا التفريط و ماجد هو الرابط بينهما والذي حاول الربط بين الاثنان فما كان إلا وأصبح مسجونا لحاضر بائس.
ملاحظات :لقد استوقفتني علاقة ماجد بهم ليس لنوع العلاقة وإنما للجزء الذي أظهر الكاتب لتلك العلاقة وتلك النقلة النوعية التي اعطتني أنطباعاً مختلفاً .
كثيرة هى التفاصيل الصغيرة التي وصف بها الكاتب أمورة كبيرة وجعلتني أبحث في محركات البحث في غوغل للبحث عن تاريخ اليمن معد يكرب، الجد الذي أمتلك قوة الإيمان والعزيمة للخوض الحرب.
نص كتب بشغف وعالج الكاتب المواقف بطريقة غير تقليدية و تكنيك عالى من خلال قص بطريقة غير مباشرة وضخ كثير من النظريات والفلسفة والدلالات والمشاهد الحية.
في الختام تأكدت.. أنك لاتقرأ من المرة الأولى أبداً .
التحية للأستاذة /منال خطاب
والاستاذ/محسن الطوخي وكل فريق عمل الواحة
**يوم نسينا طعم النعناع الأبيض**
عند القراءة للقصة لأول مرة، التبس علي الأمر،و داخلني بعض شتات في الفكرة، فذكر الكثير من التفاصيل والأسماء ،بعضها حقيقية وبعضها تاريخية و بدون مدخل سردي واضح يفسرها،ولكن ثقتي بان حمدي البصيري :لا يمكن أن يكتب حرف دون دلالة وقصد جعلني أعيد القراءة .
أولا العنوان :مناسب جدا للقصة المعروف أن حلوى النعناع تتميز بطعمها اللذيذ اللاذع في اللسان، ويمكن تأويل ذلك بخلط جمال الماضي ولذعة وقسوة الحاضر .
المتن :فمدخل القصة يفتح بابًا جديدًا لرؤية الحاضر برؤى جديدة ، دون أي يضر الخيال بالواقع ، وكأنما المدخل هو إجابة على حث سابق لم يكتب ولكن علينا أن نستشف "رويدك يا جدِّي، تمهَّل ، ضع خنجرك ، يا رجل، أنا لم أتبرأ منه ، هو من رماكم في وجهي"
هذا التداول بين الماضي والحاضر والمزج بشكل فريد فهناك حنين بداخله لجذوره ومعتد بها فهو " يمسح برفق عنهم غبار السنين، ويحفظتهم في صدر مكتبته "
لنقف أمام التاريخ المشرف للأجداد والحاضر الذي فرط فيها الأبناء بخوفهم من هذا الثقل والعبء الضخم "منذ أورثني ماجد قائمة الأجداد التي يرأسها اليمني عمر بن معد يكرب الزبيدي ، وفرائصي ترتعد". و ليست وردة إلا دلالة لهذا التفريط و ماجد هو الرابط بينهما والذي حاول الربط بين الاثنان فما كان إلا وأصبح مسجونا لحاضر بائس.
ملاحظات :لقد استوقفتني علاقة ماجد بهم ليس لنوع العلاقة وإنما للجزء الذي أظهر الكاتب لتلك العلاقة وتلك النقلة النوعية التي اعطتني أنطباعاً مختلفاً .
كثيرة هى التفاصيل الصغيرة التي وصف بها الكاتب أمورة كبيرة وجعلتني أبحث في محركات البحث في غوغل للبحث عن تاريخ اليمن معد يكرب، الجد الذي أمتلك قوة الإيمان والعزيمة للخوض الحرب.
نص كتب بشغف وعالج الكاتب المواقف بطريقة غير تقليدية و تكنيك عالى من خلال قص بطريقة غير مباشرة وضخ كثير من النظريات والفلسفة والدلالات والمشاهد الحية.
في الختام تأكدت.. أنك لاتقرأ من المرة الأولى أبداً .
التحية للأستاذة /منال خطاب
والاستاذ/محسن الطوخي وكل فريق عمل الواحة
لا يظهر
إبداع الكاتب إلا إذا كان القارئ مستعدا، لذلك أنفي قول "القارئ دوما على
حق"، كما أن القراءة أيضا ذائقة...
لكي يبدع القارئ، أو المحلل، ويقرب النص للمتلقي، أي، أن يعيد كتابته من جديد، يجب أن يحرك هذا النص ما بداخله أولا، يجب أن يلمس إحساسه...وانا لا أعني هنا الناقد أوالنقد الأكاديمي الذي يعتمد على آليات مضبوطة يمكن أن تعمم على كل النصوص، ولكني أتكلم عن القارئ الأديب، أو المحلل الانطباعي...
حين قرأت هذا النص أول مرة، أحسست أنه قوي، ربما لأسلوبه، أو ربما لأني أعرف من هو كاتبه. أحسست أن هناك صراعا ببن الماضي والحاضر، ولكني لم أستطع التعبير، لم افهم كنهه، وكأن الأسلوب محلي، غريب عني إلا أنه صيغ بلغة عربية قوية فصيحة. اعتذرت حينها عن التعليق، وقررت ان أعود في وقت لاحق...
عندما اختير كقصة للشهر، وتناولته الأستاذة Dorsaf Dhib Azaiez
بقراءتها، لن أقول البديعة فقط، وإنما التي ساعدتني على تكوين انطباعي عنه. تنقل صوت درصاف بين الشخصوص، وقدم لي النص كفيلم أشاهده وتتحرك شخصياته أمام عيني؛ علمت أني أنا التي لم أكن مستعدة!...
النص:
استخدم السرد خاصيتي الاسترجاع (بحيث انطلق من الخاتمة، وبعد ذلك توالت أحداثه)، والتقطيع(يتنقل بنا في مقاطع بين الماضي والحاضر)، وما الأحداث إلا مونولوج، يصف صراعا داخليا للشخصية الحكائية التي تشتت بين الماضي والحاضر...التي أبقت على الأصالة ولكنها تريد أن تعيش المعاصرة، شخصية لا زالت تحمل دم الأجداد وعنفوانهم وغيرتهم، وبالمقابل طابعا حضاريا... شخصية لا زالت يدها موضوعة على السيف والخنجر متأهبة دوما للقتال، وعقلها يدعو للتريث والحكمة...
جاء خبر سجن ماجد، فقلب المواجع وأحيا الماضي، فتذكرت الشخصية الحكائية كل أحداث الطفولة الجميلة بطعم نعناعها الأبيض الحلو، ومشاكساتها، وتصرفات ماجد، الذي كان يكبرالأطفال، والذي خطف من بين أيديهم وردة قرينتهم، التي ظهرت معالم أنوثتها قبل معالم ذكورتهم، والتي كانت تمثل بالنسبة لهم البراءة... خطبها ماجد وصار يغيظهم بتقبيل صورتها، بتصرفات لا مسؤولة، ربما الشيء الذي يجعل وردة تفسخ خطبتها، ليسافر مستهزءا من موروثه الحضاري، الذي اعتبره مجرد كلام على الورق، متنكرا لأصله وهويته وماضيه (خذ هؤلاء أجدادك، بلهم واشرب ماءهم)، عكس البطل الذي كان دوما متشبثا بتاريخه وحضارته، الذي يعتز ويفتخر بانتمائه المنحدر إلى أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم (زبيد يا هلي)...
يأتي خبر سجن ماجد، وتأتي معه الحيرة والصراع بين اللامبالات وتأنيب الضمير، كيف له أن يتخلى عنه وهو الزبيدي الذي يحمل دم الأجداد، وكيف يساعده ويثأر له هو الذي تبرأ من أصله وباع...
النص يحمل بين طياته الكثير والكثير... وكملخص،فهو يتحدث عما تعانيه القلة القليلة التي تحاول ان تبقي على موروثها التاريخي والحضاري، والتي مازالت متشبثة بأرضها وكرامتها، أمام الأغلبية التي باعت وهاجرت...
لا أدري مدى توفقي في هذا الانطباع، وقد أغفلت الكثير من الأحداث، لأني أحس إن دخلتها فلن أخرج منها...
تحيتي وتقديري كاتبنا المبدع...
لكي يبدع القارئ، أو المحلل، ويقرب النص للمتلقي، أي، أن يعيد كتابته من جديد، يجب أن يحرك هذا النص ما بداخله أولا، يجب أن يلمس إحساسه...وانا لا أعني هنا الناقد أوالنقد الأكاديمي الذي يعتمد على آليات مضبوطة يمكن أن تعمم على كل النصوص، ولكني أتكلم عن القارئ الأديب، أو المحلل الانطباعي...
حين قرأت هذا النص أول مرة، أحسست أنه قوي، ربما لأسلوبه، أو ربما لأني أعرف من هو كاتبه. أحسست أن هناك صراعا ببن الماضي والحاضر، ولكني لم أستطع التعبير، لم افهم كنهه، وكأن الأسلوب محلي، غريب عني إلا أنه صيغ بلغة عربية قوية فصيحة. اعتذرت حينها عن التعليق، وقررت ان أعود في وقت لاحق...
عندما اختير كقصة للشهر، وتناولته الأستاذة Dorsaf Dhib Azaiez
بقراءتها، لن أقول البديعة فقط، وإنما التي ساعدتني على تكوين انطباعي عنه. تنقل صوت درصاف بين الشخصوص، وقدم لي النص كفيلم أشاهده وتتحرك شخصياته أمام عيني؛ علمت أني أنا التي لم أكن مستعدة!...
النص:
استخدم السرد خاصيتي الاسترجاع (بحيث انطلق من الخاتمة، وبعد ذلك توالت أحداثه)، والتقطيع(يتنقل بنا في مقاطع بين الماضي والحاضر)، وما الأحداث إلا مونولوج، يصف صراعا داخليا للشخصية الحكائية التي تشتت بين الماضي والحاضر...التي أبقت على الأصالة ولكنها تريد أن تعيش المعاصرة، شخصية لا زالت تحمل دم الأجداد وعنفوانهم وغيرتهم، وبالمقابل طابعا حضاريا... شخصية لا زالت يدها موضوعة على السيف والخنجر متأهبة دوما للقتال، وعقلها يدعو للتريث والحكمة...
جاء خبر سجن ماجد، فقلب المواجع وأحيا الماضي، فتذكرت الشخصية الحكائية كل أحداث الطفولة الجميلة بطعم نعناعها الأبيض الحلو، ومشاكساتها، وتصرفات ماجد، الذي كان يكبرالأطفال، والذي خطف من بين أيديهم وردة قرينتهم، التي ظهرت معالم أنوثتها قبل معالم ذكورتهم، والتي كانت تمثل بالنسبة لهم البراءة... خطبها ماجد وصار يغيظهم بتقبيل صورتها، بتصرفات لا مسؤولة، ربما الشيء الذي يجعل وردة تفسخ خطبتها، ليسافر مستهزءا من موروثه الحضاري، الذي اعتبره مجرد كلام على الورق، متنكرا لأصله وهويته وماضيه (خذ هؤلاء أجدادك، بلهم واشرب ماءهم)، عكس البطل الذي كان دوما متشبثا بتاريخه وحضارته، الذي يعتز ويفتخر بانتمائه المنحدر إلى أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم (زبيد يا هلي)...
يأتي خبر سجن ماجد، وتأتي معه الحيرة والصراع بين اللامبالات وتأنيب الضمير، كيف له أن يتخلى عنه وهو الزبيدي الذي يحمل دم الأجداد، وكيف يساعده ويثأر له هو الذي تبرأ من أصله وباع...
النص يحمل بين طياته الكثير والكثير... وكملخص،فهو يتحدث عما تعانيه القلة القليلة التي تحاول ان تبقي على موروثها التاريخي والحضاري، والتي مازالت متشبثة بأرضها وكرامتها، أمام الأغلبية التي باعت وهاجرت...
لا أدري مدى توفقي في هذا الانطباع، وقد أغفلت الكثير من الأحداث، لأني أحس إن دخلتها فلن أخرج منها...
تحيتي وتقديري كاتبنا المبدع...
——— انطباعات نقدية ——-
حول قصة : يوم نسينا طعم النعناع الأبيض
للقاص: حمدي البصيري
—————————-
//
بلعوام مصطفى
//
(١-١)
—————
[....أفنيت حياتي مقلدا للآخرين أو متشبها بهم لكني لم أعثر على ذاتي ، ثم نظرت إلى
أعماقي فلم أجد مني إلا اسمي ثم خطوت خارجًا عني فالتقيت بي أخيراّ]
..............جلال الدين الرومي .............
——————-
بالقصة أفكر المفهوم كي أنتج ما تسمح به من معرفة ومن فائض قيمة في الاستمتاع.
ولئن كان كل ما نستخرجه منها مهما فإن
كيفية استخراجه لا تقل أهمية عنه.
••••••••
في الدرس النقدي، لكل دلالة علامة كما أن لكل تأويل مفهومية؛ فالعلامة تدل وتحمل في ذاتها بنية دلالية فيما تدل عليه قياسًا باللغة وفي اللغة التي مِنْهَا وبها تدل. بينما التأويل مفهمة من ما بعد الدلالة، إذ ينهض على بنية معرفية تخوله له الدلالة ذاتها أولا وأساسًا.
وعليه، إنه لمن بداهة المنهج أن نتعامل مع النص الأدبي بما تقدمه مجموع علاماته في علاقة دلالاتها ببعضها البعض وفي ما تشكله من أسلوب في كيفية القول من قبل البحث عما يمكن أن تقوله. فما تقوله قد يبدأ مما تقوله فنية كيفية قوله.
وقصة المبدع حمدي البصيري تؤثت ميزتها هنا من فنيتها في القص التي تجعل القصة حقلًا للإبداع وليس مماهاة لواقع أو تطبيقًا لقواعد الكتابة القصصية النظرية؛ والشيء نفسه أنها تفرض مقاربتها من ذاتها مادامت تقلب كل موازين القص، من قبيل المثال :
- لا خطية في الحكي يتبع وتيرة واحدة.
- لا زمن غير زمنية المَخْيَلَة في القصة.
- يخدم الواقع المَخْيَلَة ولا يستخدمها.
- لا وجود لحدث متجانس تتكون حوله القصة
من أين نبدأ، إذن، مقاربة قصة " يوم نسينا طعم النعناع الأبيض "؟ قطعا، لن نأتي إليها
من عنوانها على شاكلة من يعتبره ويعتبر أي عنوان لازمة لا مناص منها: مدخلًا/مفتاحًا/بوابة، وبشكل عام عتبة. وذلك لسبب بسيط جدا يكمن-إذا جاز القول- في مفهوم العتبة Seuil ذاتها التي تتفرع دلالتها على بعدين:
- من العتبة ندخل
- من العتبة نخرج
في الدخول إحالة لدلالة حد يفصل الخارج عن الداخل، وبتعبير أدق يفصل البراني عن الجواني. والبراني هنا شاسع ومتعدد لا حد له عكس الجواني الذي يضمه فضاء معلوم بخصائص دالة عليه ومحصنة له.
وفي الخروج إشارة إلى عملية تقليب للعتبة بحيث تتحول من الداخل إلى خروج لداخل كان في الأول خارجًا. ولعل هذا هو الإشكال الجيني الذي صاحب معالجة العتبة منذ أن
أصبحت موضوع اهتمام دراسي؛ طورًا تأخذ مفهوم العازل/ الفاصل، كما هو الشأن لدى البنيوية الشكلانية، التي تعتبر أن لها وجودا مستقلا وبنية مستوفية المعنى من ذاتها؛ وطورا تأخد مفهوم المعبر/الانتقالي، بمعنى بين بين، كما هو الحال لدى ما بعد البنيوية
التي بمجموع أشكالها المتشرذمة من جراء التخصص تتأرجح بين المعنى من وفي ذات العتبة لغير ذاتها باعتبارها عَبَّارة وصل بين الخارج والداخل.
للتوضيح؛ هل نعتبر عنوان "يوم نسينا طعم
االتعناع الأبيض" حجر زاوية نصه أو مفتاحًا تأويليا له - امبرطو ايكو؟ وما مدى نجاعته؟ طبعًا، نرى هنا وهناك وكأنها أضحت قاعدة بالضرورة، من يجعله أسا لكل شيء معتمدا عليه فيما قد تحيل إليه كلمته أو كلماته من دلالات ومعاني معلقة في المعجم اللغوي، وإن اقتضى الحال، يعرج بها على قاموسها الصرفي والنحوي؛ لا لشيء إلا ليخرج منها بحصيلة مفادها أنها تدور حول دال أو دوال
يتقصاها في النص باعتبارها مفاتيح تأويلية له. يقرأ النص بالعنوان الذي يصبح تحصيل حاصل له، ومن ثمة النص ذاته. مما يعني:
*أن النص مجرد تدليل لما يقوله العنوان
*وأن النص لا قيمة له في ذاته
*وأننا ننهج نهجًا عموديًا بمقتضاه كل شيء يوجد مسبقًا في العنوان.
حول قصة : يوم نسينا طعم النعناع الأبيض
للقاص: حمدي البصيري
—————————-
//
بلعوام مصطفى
//
(١-١)
—————
[....أفنيت حياتي مقلدا للآخرين أو متشبها بهم لكني لم أعثر على ذاتي ، ثم نظرت إلى
أعماقي فلم أجد مني إلا اسمي ثم خطوت خارجًا عني فالتقيت بي أخيراّ]
..............جلال الدين الرومي .............
——————-
بالقصة أفكر المفهوم كي أنتج ما تسمح به من معرفة ومن فائض قيمة في الاستمتاع.
ولئن كان كل ما نستخرجه منها مهما فإن
كيفية استخراجه لا تقل أهمية عنه.
••••••••
في الدرس النقدي، لكل دلالة علامة كما أن لكل تأويل مفهومية؛ فالعلامة تدل وتحمل في ذاتها بنية دلالية فيما تدل عليه قياسًا باللغة وفي اللغة التي مِنْهَا وبها تدل. بينما التأويل مفهمة من ما بعد الدلالة، إذ ينهض على بنية معرفية تخوله له الدلالة ذاتها أولا وأساسًا.
وعليه، إنه لمن بداهة المنهج أن نتعامل مع النص الأدبي بما تقدمه مجموع علاماته في علاقة دلالاتها ببعضها البعض وفي ما تشكله من أسلوب في كيفية القول من قبل البحث عما يمكن أن تقوله. فما تقوله قد يبدأ مما تقوله فنية كيفية قوله.
وقصة المبدع حمدي البصيري تؤثت ميزتها هنا من فنيتها في القص التي تجعل القصة حقلًا للإبداع وليس مماهاة لواقع أو تطبيقًا لقواعد الكتابة القصصية النظرية؛ والشيء نفسه أنها تفرض مقاربتها من ذاتها مادامت تقلب كل موازين القص، من قبيل المثال :
- لا خطية في الحكي يتبع وتيرة واحدة.
- لا زمن غير زمنية المَخْيَلَة في القصة.
- يخدم الواقع المَخْيَلَة ولا يستخدمها.
- لا وجود لحدث متجانس تتكون حوله القصة
من أين نبدأ، إذن، مقاربة قصة " يوم نسينا طعم النعناع الأبيض "؟ قطعا، لن نأتي إليها
من عنوانها على شاكلة من يعتبره ويعتبر أي عنوان لازمة لا مناص منها: مدخلًا/مفتاحًا/بوابة، وبشكل عام عتبة. وذلك لسبب بسيط جدا يكمن-إذا جاز القول- في مفهوم العتبة Seuil ذاتها التي تتفرع دلالتها على بعدين:
- من العتبة ندخل
- من العتبة نخرج
في الدخول إحالة لدلالة حد يفصل الخارج عن الداخل، وبتعبير أدق يفصل البراني عن الجواني. والبراني هنا شاسع ومتعدد لا حد له عكس الجواني الذي يضمه فضاء معلوم بخصائص دالة عليه ومحصنة له.
وفي الخروج إشارة إلى عملية تقليب للعتبة بحيث تتحول من الداخل إلى خروج لداخل كان في الأول خارجًا. ولعل هذا هو الإشكال الجيني الذي صاحب معالجة العتبة منذ أن
أصبحت موضوع اهتمام دراسي؛ طورًا تأخذ مفهوم العازل/ الفاصل، كما هو الشأن لدى البنيوية الشكلانية، التي تعتبر أن لها وجودا مستقلا وبنية مستوفية المعنى من ذاتها؛ وطورا تأخد مفهوم المعبر/الانتقالي، بمعنى بين بين، كما هو الحال لدى ما بعد البنيوية
التي بمجموع أشكالها المتشرذمة من جراء التخصص تتأرجح بين المعنى من وفي ذات العتبة لغير ذاتها باعتبارها عَبَّارة وصل بين الخارج والداخل.
للتوضيح؛ هل نعتبر عنوان "يوم نسينا طعم
االتعناع الأبيض" حجر زاوية نصه أو مفتاحًا تأويليا له - امبرطو ايكو؟ وما مدى نجاعته؟ طبعًا، نرى هنا وهناك وكأنها أضحت قاعدة بالضرورة، من يجعله أسا لكل شيء معتمدا عليه فيما قد تحيل إليه كلمته أو كلماته من دلالات ومعاني معلقة في المعجم اللغوي، وإن اقتضى الحال، يعرج بها على قاموسها الصرفي والنحوي؛ لا لشيء إلا ليخرج منها بحصيلة مفادها أنها تدور حول دال أو دوال
يتقصاها في النص باعتبارها مفاتيح تأويلية له. يقرأ النص بالعنوان الذي يصبح تحصيل حاصل له، ومن ثمة النص ذاته. مما يعني:
*أن النص مجرد تدليل لما يقوله العنوان
*وأن النص لا قيمة له في ذاته
*وأننا ننهج نهجًا عموديًا بمقتضاه كل شيء يوجد مسبقًا في العنوان.
٢-٢)
————
لنفترض أن العنوان إعلان وهوية لنص. فهو
قد يغريني، يثير فضولي، يحرك شيئا ما في جوانيتي ويجد فيها صدى له؛ وقد لا أعتبره بتاتًا ولا يثيرني قيد أنملة؛ أمر عليه كأني لم أره؛ فهل هذا يمنحني الشرعية بأن أعتبر ما هو محض ذائقة مقياسًا في "الحكم" أو على الأقل بوابة له؟ وكما ليس كل ما يلمع ذهبا، فليس كل عنوان مفتاحًا تأويليا كما تطرحه بعض الدراسات الحديثة التي تعتبره تمويها leurre، أو تشفيرا encodage، لا يقول إلا مايريد أن يسمح له به النص. وعليه، فإنني
أقرأ العنوان بالنص بعدما أخرج من داخله لخارج يشكل لي داخلا تتم به إعادة صياغة القراءة. وخارج النص الذي يسميه ج.جنيت خطاب العالم حول النص، ما هو إلا خطاب النص ذاته حول نفس العالم حين نخرج من داخله.
هنا إذن عنوان يتركب من أربع وحدات:
* يوم" : زمن غير معرف أي غير مؤرخ
* "نسينا" : معلومة بلا ذاكرة أو " غفلة عن المعلومة" في أدناها ( الجرجاني)
* "طعم" : حاسة من الحواس
* "النعناع الأبيض": مادة لأن لها طعمًا
هذه ارتسامات علاقة أولية لما توحي به كل كلمة في ذهنيتي؛ لا تذهب بي بعيدا، كما لا أنساق وراء تداعيات دلالاتها معجميًا؛ وذلك من مبدأ أنها لا تخضع لمقاييس البرهنة أو التدليل. ولنفترض انسياقي له تحث ذريعة أنه مفتاح ضروري للدخول إلى النص، فهل يجوز أن يظل محتفظًا بذات القيمة الدلالية إذا كان عنوانا لنصين/قصتين مختلفتين في المعنى والمبنى؟
من المؤكد بأن العنوان يلعب دورا مهما في النص الأدبي كما يقول أ. محسن الطوخي، "وتزداد هذه الأهمية في القصة القصيرة لعظم الدور الذي يلعبه الإيحاء، والتمويه، والإضمار." لكننا لا نستطيع القبض عليه ولا على دوره ومعناه إلا من خلال النص بعد أن
نخرج من داخله لخارج يصبح داخلا يُمَكن من إعادة صياغة دوره وفهمها.
هنا نقول إذن بأن الأمر يتعلق بخيار منهجي يعتمد أساسًا على ابتكاره في كل مناولة نص وقراءته بحيث يضع آلية التفكير على محك النقد من موضوعاتها؛ مما يعني أننا بالقصة نفكر المفهوم وليس العكس حتى لا يتحول هذا الأخير إلى مجرد كلمة عقيمة.
تتكون قصة يوم نسينا طعم النعناع الأبيض
مِن مشهديات؛ وتبدو كل واحدة منها مستقلة عن الأخرى بتيبوغرافية ذات دلالة في ظاهرها وكذا الناظم الخفي الذي يربط في ما بينها. وكي لا نقف على واحدة وراء الأخرى تفاديًا للإطالة التي لا يسمح بها المقام هنا، سنركز فقط على الذي يجمع ما يبنها، أي الناظم الخفي.
في البدء، المشهدية الأولى تبدأ بشبه حوار:
" رويدك يا جدي، تمهل، ضع خنجرك، يا رجل، أنا لم أتبرأ منه، هو من رماكم في وجهي :
- خذ هؤلاء أجدادك، بلّهم واشرب ماءهم."
هو حوار يوحي بوجود مرسل ومرسل إليه، يبدو فيه المرسل موجهًا رسالة لمرسل إليه.
غير أنها رسالة ذات اتجاه واحد لمرسل إليه من دون رسالة. وحده المرسل إذن في حالة إرسال رسالة للدفاع عن نفسه وأمام مرسل إليه بين حالة المفرد وحالة الجمع التي قد تعني أيضًا حالة بمفرد الجمع : - "رويدك يا جدي." - " هو من رماكم في وجهي". لنا في جملة واحدة تعيين لمفرد (يا جدي) يتحول إلى مفرد بصيغة الجمع (رماكم في وجهي)، خالقة فجوة تشويش لموقع المرسل؛ إذ هو
حفيد قريب للمرسل إليه - أبو الأب- كما لو كان له وجود عيني (يا جدي ) وفي ذات الآن
إشارة إلى أصل السلالة (رماكم في وجهي). يرسم القاص حامد البصيري عالمان على إيقاع الممكن في واقعيته من تلفظ المرسل والممكن في تخييله مع غياب تلفظ المرسل
إليه؛ ويربطهما بضمير غائب "هو من رماكم في وجهي." إنه "هو" غير مسمى بالرغم من أنه يشكل حلقة وصل من علاقة فصل والتي بسببها لا يسمى :
- "لم أتبرأ منه، هو الذي رماكم في وجهي".
والمضمر هنا :
- "هو" رماكم لأنه تبرأ منكم وأنا لم أتبرأ لا منه ولا منكم.
————
لنفترض أن العنوان إعلان وهوية لنص. فهو
قد يغريني، يثير فضولي، يحرك شيئا ما في جوانيتي ويجد فيها صدى له؛ وقد لا أعتبره بتاتًا ولا يثيرني قيد أنملة؛ أمر عليه كأني لم أره؛ فهل هذا يمنحني الشرعية بأن أعتبر ما هو محض ذائقة مقياسًا في "الحكم" أو على الأقل بوابة له؟ وكما ليس كل ما يلمع ذهبا، فليس كل عنوان مفتاحًا تأويليا كما تطرحه بعض الدراسات الحديثة التي تعتبره تمويها leurre، أو تشفيرا encodage، لا يقول إلا مايريد أن يسمح له به النص. وعليه، فإنني
أقرأ العنوان بالنص بعدما أخرج من داخله لخارج يشكل لي داخلا تتم به إعادة صياغة القراءة. وخارج النص الذي يسميه ج.جنيت خطاب العالم حول النص، ما هو إلا خطاب النص ذاته حول نفس العالم حين نخرج من داخله.
هنا إذن عنوان يتركب من أربع وحدات:
* يوم" : زمن غير معرف أي غير مؤرخ
* "نسينا" : معلومة بلا ذاكرة أو " غفلة عن المعلومة" في أدناها ( الجرجاني)
* "طعم" : حاسة من الحواس
* "النعناع الأبيض": مادة لأن لها طعمًا
هذه ارتسامات علاقة أولية لما توحي به كل كلمة في ذهنيتي؛ لا تذهب بي بعيدا، كما لا أنساق وراء تداعيات دلالاتها معجميًا؛ وذلك من مبدأ أنها لا تخضع لمقاييس البرهنة أو التدليل. ولنفترض انسياقي له تحث ذريعة أنه مفتاح ضروري للدخول إلى النص، فهل يجوز أن يظل محتفظًا بذات القيمة الدلالية إذا كان عنوانا لنصين/قصتين مختلفتين في المعنى والمبنى؟
من المؤكد بأن العنوان يلعب دورا مهما في النص الأدبي كما يقول أ. محسن الطوخي، "وتزداد هذه الأهمية في القصة القصيرة لعظم الدور الذي يلعبه الإيحاء، والتمويه، والإضمار." لكننا لا نستطيع القبض عليه ولا على دوره ومعناه إلا من خلال النص بعد أن
نخرج من داخله لخارج يصبح داخلا يُمَكن من إعادة صياغة دوره وفهمها.
هنا نقول إذن بأن الأمر يتعلق بخيار منهجي يعتمد أساسًا على ابتكاره في كل مناولة نص وقراءته بحيث يضع آلية التفكير على محك النقد من موضوعاتها؛ مما يعني أننا بالقصة نفكر المفهوم وليس العكس حتى لا يتحول هذا الأخير إلى مجرد كلمة عقيمة.
تتكون قصة يوم نسينا طعم النعناع الأبيض
مِن مشهديات؛ وتبدو كل واحدة منها مستقلة عن الأخرى بتيبوغرافية ذات دلالة في ظاهرها وكذا الناظم الخفي الذي يربط في ما بينها. وكي لا نقف على واحدة وراء الأخرى تفاديًا للإطالة التي لا يسمح بها المقام هنا، سنركز فقط على الذي يجمع ما يبنها، أي الناظم الخفي.
في البدء، المشهدية الأولى تبدأ بشبه حوار:
" رويدك يا جدي، تمهل، ضع خنجرك، يا رجل، أنا لم أتبرأ منه، هو من رماكم في وجهي :
- خذ هؤلاء أجدادك، بلّهم واشرب ماءهم."
هو حوار يوحي بوجود مرسل ومرسل إليه، يبدو فيه المرسل موجهًا رسالة لمرسل إليه.
غير أنها رسالة ذات اتجاه واحد لمرسل إليه من دون رسالة. وحده المرسل إذن في حالة إرسال رسالة للدفاع عن نفسه وأمام مرسل إليه بين حالة المفرد وحالة الجمع التي قد تعني أيضًا حالة بمفرد الجمع : - "رويدك يا جدي." - " هو من رماكم في وجهي". لنا في جملة واحدة تعيين لمفرد (يا جدي) يتحول إلى مفرد بصيغة الجمع (رماكم في وجهي)، خالقة فجوة تشويش لموقع المرسل؛ إذ هو
حفيد قريب للمرسل إليه - أبو الأب- كما لو كان له وجود عيني (يا جدي ) وفي ذات الآن
إشارة إلى أصل السلالة (رماكم في وجهي). يرسم القاص حامد البصيري عالمان على إيقاع الممكن في واقعيته من تلفظ المرسل والممكن في تخييله مع غياب تلفظ المرسل
إليه؛ ويربطهما بضمير غائب "هو من رماكم في وجهي." إنه "هو" غير مسمى بالرغم من أنه يشكل حلقة وصل من علاقة فصل والتي بسببها لا يسمى :
- "لم أتبرأ منه، هو الذي رماكم في وجهي".
والمضمر هنا :
- "هو" رماكم لأنه تبرأ منكم وأنا لم أتبرأ لا منه ولا منكم.
(٣-٣)
————
لنا علاقة ثلاثية دائرية يحركها معادل خفي: الإرث أو المورث؛ الجد يتبرأ بخنجره؛ بينما "هو" يتبرأ منه راميا إياه في وجه المرسل الذي لا يتبرأ من الجد؛ وتبرأ معناه هنا قطع الصلة أي قطع القرابة، وعليه شجرة النسب بموروثها وبها كإرث. لكن مالذي يدفع الجد إلى التمسك بالذي يتبرأ منه والتبرأ بخنجره من الذي يبدو في ظاهر الدلالة متمسكا به؟
يعطي المتمسك بالجد مؤشر الإجابة لتبرئة
ذمته : " بحذر وأناة حملت أوراقكم الصفراء القديمة، مسحت برفق عنكم غبار السنين، وحفظتكم في صدر مكتبتي." حمل أوراقهم الصفراء القديمة بحذر وأناة مخافة انحلالها نظرًا لقدمها وتقادمها كما لو كان مجبرًا بعد أن رماها في وجهه هذا الغائب النكرة وغير المسمى "هو"؛ ومسح برفق عنهم/ الأجداد غبار السنين دالًا على أن "هو" غير المسمى تخلى عنهم وتركهم عرضة لعوامل التعرية؛ وحفظهم في صدر مكتبته كغاية. غير أنها
غاية من دون غاية اجرائية أو لها مفعولات؛ تكتفي فقط بالحفظ، أي صيانة آثار ووضعها في صدر المكتبة مع تمرير رسالة سُوبْلِمانية subliminal عبر كلمة صدر المرادفة للقلب
وبمعناها المزدوج: فضاء الجوف ومقدم كل شيء؛ وهو التغاضي عن استعمال علامة في موضع موجب لها وتوظيفها في موضع آخر كدلالة للعام بالخاص وبخلفية مشهد. ونرى هذا الانزلاق الدلالي يرمي بحيثياته على ما يأتي في خطاب المرسل :"
"-أنا لم أزل زييديا"؟! بربكم يا أجدادي، من يحفظكم من غيري؟ من يهتف بكم : "زييد يا هلي" من كل أفراد العائلة سواي؟؟"
ثمة معلومة مضروبة "بالتعجب (!) وعدم التأكد (؟)"/ أنا لم أزل زييديا ؟!؛ والتعجب له هنا صيغة جملة مؤكدة يرافقه استفهام يقوض صحتها. وصحيح أن توظيفهما معا في آخر معلومة تحملها جملة واحدة غير
جائز حسب الترقيم الرسمي، لكن ما يشفع لنا في تجاوز المقنن العرفي وأخذها مأخذ الجد هنا هو أنها جاءت من داخل ما يشبه الحوار من ناحية، وحاملة لدلالة ترتكز عليها معمارية القصة كلها من ناحية أخرى. ووفق ما هي عليه، تؤشر على حالة نفسية تتجاوز المعلومة التي تتضمنها؛ إذ نجد المرسل أو بتعبير أدق "الأنا النصية" محمولة في قولها بتعارض وجداني ambivalence كآلية دفاع تكفل لها الخروج من مخالب المسكوت عنه بأقل خسارة. إنها تهتف ووحدها لا حول لها غير الهتاف، تناديهم وتناشدهم من كل باقي أفراد العائلة الكبيرة: زييد يا هلي. تحاول أن تؤكد، إلا أن تأكيدها يأتي بصيغة استفهامية مضاعفة كما هو الحال مع علامتي التعجب والاستفهام في: "أنا لم أزل زييديا"؟! فتقول معلومة بينة المعنى وفي نفس الوقت تراوغ المسكوت عنه بعلامة استفهامية لها وظيفة العَرَض الذي لا معنى له إلا فيما يحجب من معنى ومن وراء ظاهر ما يعرضه من معلومة أولية. وبها تكتمل المشهدية الأولى لتتحرك وتنسج خيوطها من :
- فواعل مباشرة : الأنا النصية —- الجد
- فواعل غير مباشرة: هو/العائلة الكبيرة
تشكل الفواعل غير المباشرة خلفية علاقات الفواعل المباشرة وتنتهي بها بعد أن بدأت بروابط النسب تعميمًا إلى تحديد انتماءها تخصيصًا بالشجرة الزبيدية. ولا يتعلق الأمر بأي نسب ولا بأي إرث أو موروث يبدو وكأنه موضوع تصريف تستحضره الأنا النصية في غياب المزمع حامله وناقله الذي "هو" غير المسمى. إنه "الموروث الزييدي" في انتظار
تصريف بقي معلقا بلازمة توحي بعكس ما يأتي به القول في علاقة الفواعل المباشرة : " زييد يا هلي". لكن، لماذا المورث الزييدي بالضبط؟ وما معنى تصريفه للأنا النصية؟
هكذا هي المشهدية الأولى؛ تدخلنا مباشرة في فضاء قصة تستثمر اللفظة على حساب اللغة التي تفرض عليها التجويع الاقتصادي.
ويعتمد القاص حمدي البصيري في ذلك على تقنية التصوير باللفظة من حيث هي تأشيرة لتوليد المبنى من ذات المعنى ومعنى معناه بالمفهوم الجرجاني. كيف ذلك؟ في تعريفها العام، اللفظة هي تحقيق للكلام؛ توجب في
إحداثها تلفظ ملفوظة تفترض مسبقا وجود مرسل ومرسل إليه؛ بمعنى مشروطة بذات وبنسقية في الكلام تستمد عبرهما غائيتها. وفي تعريفها الخاص بقصة يوم نسينا طعم النعناع الأبيض، اللفظة هي آلية للتصوير؛ بموجبها تشغل مباشرة وظيفة قصصية في بناء معمارية القصة التي تعتمد عليها من بدء المشهدية الأولى:
- "رويدك يا جدي، تمهل، ضع خنجرك، يا رجل، أنا لم أتبرأ منه، هو من رماكم في وجهي :-خذ هؤلاء أجدادك، بلهم واشرب ماءهم."
————
لنا علاقة ثلاثية دائرية يحركها معادل خفي: الإرث أو المورث؛ الجد يتبرأ بخنجره؛ بينما "هو" يتبرأ منه راميا إياه في وجه المرسل الذي لا يتبرأ من الجد؛ وتبرأ معناه هنا قطع الصلة أي قطع القرابة، وعليه شجرة النسب بموروثها وبها كإرث. لكن مالذي يدفع الجد إلى التمسك بالذي يتبرأ منه والتبرأ بخنجره من الذي يبدو في ظاهر الدلالة متمسكا به؟
يعطي المتمسك بالجد مؤشر الإجابة لتبرئة
ذمته : " بحذر وأناة حملت أوراقكم الصفراء القديمة، مسحت برفق عنكم غبار السنين، وحفظتكم في صدر مكتبتي." حمل أوراقهم الصفراء القديمة بحذر وأناة مخافة انحلالها نظرًا لقدمها وتقادمها كما لو كان مجبرًا بعد أن رماها في وجهه هذا الغائب النكرة وغير المسمى "هو"؛ ومسح برفق عنهم/ الأجداد غبار السنين دالًا على أن "هو" غير المسمى تخلى عنهم وتركهم عرضة لعوامل التعرية؛ وحفظهم في صدر مكتبته كغاية. غير أنها
غاية من دون غاية اجرائية أو لها مفعولات؛ تكتفي فقط بالحفظ، أي صيانة آثار ووضعها في صدر المكتبة مع تمرير رسالة سُوبْلِمانية subliminal عبر كلمة صدر المرادفة للقلب
وبمعناها المزدوج: فضاء الجوف ومقدم كل شيء؛ وهو التغاضي عن استعمال علامة في موضع موجب لها وتوظيفها في موضع آخر كدلالة للعام بالخاص وبخلفية مشهد. ونرى هذا الانزلاق الدلالي يرمي بحيثياته على ما يأتي في خطاب المرسل :"
"-أنا لم أزل زييديا"؟! بربكم يا أجدادي، من يحفظكم من غيري؟ من يهتف بكم : "زييد يا هلي" من كل أفراد العائلة سواي؟؟"
ثمة معلومة مضروبة "بالتعجب (!) وعدم التأكد (؟)"/ أنا لم أزل زييديا ؟!؛ والتعجب له هنا صيغة جملة مؤكدة يرافقه استفهام يقوض صحتها. وصحيح أن توظيفهما معا في آخر معلومة تحملها جملة واحدة غير
جائز حسب الترقيم الرسمي، لكن ما يشفع لنا في تجاوز المقنن العرفي وأخذها مأخذ الجد هنا هو أنها جاءت من داخل ما يشبه الحوار من ناحية، وحاملة لدلالة ترتكز عليها معمارية القصة كلها من ناحية أخرى. ووفق ما هي عليه، تؤشر على حالة نفسية تتجاوز المعلومة التي تتضمنها؛ إذ نجد المرسل أو بتعبير أدق "الأنا النصية" محمولة في قولها بتعارض وجداني ambivalence كآلية دفاع تكفل لها الخروج من مخالب المسكوت عنه بأقل خسارة. إنها تهتف ووحدها لا حول لها غير الهتاف، تناديهم وتناشدهم من كل باقي أفراد العائلة الكبيرة: زييد يا هلي. تحاول أن تؤكد، إلا أن تأكيدها يأتي بصيغة استفهامية مضاعفة كما هو الحال مع علامتي التعجب والاستفهام في: "أنا لم أزل زييديا"؟! فتقول معلومة بينة المعنى وفي نفس الوقت تراوغ المسكوت عنه بعلامة استفهامية لها وظيفة العَرَض الذي لا معنى له إلا فيما يحجب من معنى ومن وراء ظاهر ما يعرضه من معلومة أولية. وبها تكتمل المشهدية الأولى لتتحرك وتنسج خيوطها من :
- فواعل مباشرة : الأنا النصية —- الجد
- فواعل غير مباشرة: هو/العائلة الكبيرة
تشكل الفواعل غير المباشرة خلفية علاقات الفواعل المباشرة وتنتهي بها بعد أن بدأت بروابط النسب تعميمًا إلى تحديد انتماءها تخصيصًا بالشجرة الزبيدية. ولا يتعلق الأمر بأي نسب ولا بأي إرث أو موروث يبدو وكأنه موضوع تصريف تستحضره الأنا النصية في غياب المزمع حامله وناقله الذي "هو" غير المسمى. إنه "الموروث الزييدي" في انتظار
تصريف بقي معلقا بلازمة توحي بعكس ما يأتي به القول في علاقة الفواعل المباشرة : " زييد يا هلي". لكن، لماذا المورث الزييدي بالضبط؟ وما معنى تصريفه للأنا النصية؟
هكذا هي المشهدية الأولى؛ تدخلنا مباشرة في فضاء قصة تستثمر اللفظة على حساب اللغة التي تفرض عليها التجويع الاقتصادي.
ويعتمد القاص حمدي البصيري في ذلك على تقنية التصوير باللفظة من حيث هي تأشيرة لتوليد المبنى من ذات المعنى ومعنى معناه بالمفهوم الجرجاني. كيف ذلك؟ في تعريفها العام، اللفظة هي تحقيق للكلام؛ توجب في
إحداثها تلفظ ملفوظة تفترض مسبقا وجود مرسل ومرسل إليه؛ بمعنى مشروطة بذات وبنسقية في الكلام تستمد عبرهما غائيتها. وفي تعريفها الخاص بقصة يوم نسينا طعم النعناع الأبيض، اللفظة هي آلية للتصوير؛ بموجبها تشغل مباشرة وظيفة قصصية في بناء معمارية القصة التي تعتمد عليها من بدء المشهدية الأولى:
- "رويدك يا جدي، تمهل، ضع خنجرك، يا رجل، أنا لم أتبرأ منه، هو من رماكم في وجهي :-خذ هؤلاء أجدادك، بلهم واشرب ماءهم."
(٤-٤)
—————
اقتطاع صورة أو تصوير مقطع لجَد بخنجره وحفيد بياء النسب (ياجدي) يدعوه للتمهل والتريث. اللفظة-الدلالة تسلط الضوء على الصورة-الحدث كواجهة أمامية لما يسمى: الصورة-الصدمة، l’image choc، حيث لا هدف لها غير تعطيل عميلة الفهم وتثبيتها كصورة ذهنية image mentale تبحث عن عن مؤول un interprètant: صورة جَدِّ في حالة تأهب لسفك دم حفيده. يعتمد عليها القاص حمدي البصيري للخروج أو على الأقل لتكسير نمطية قواعد تنظيم مقومات القص (مقدمة/عقدة/سقطة) بحيث من شبه حوار وفي ملفوظ محسوب اللفظة، يضع مباشرة الإشكالية-الحدث في مشهدية حاملة لبنية مسرح القصة كلها. من حيث البنية، تتوزع هذه الأخيرة على مرتكزين :
فواعل مباشرة ——- الأنا النصية — الجد
فواعل غير مباشرة —- هو/ العائلة الكبيرة
الفواعل غير المباشرة لها دور الترسيخ وفي نفس الوقت دور التدعيم(ر. بارث) لإشكالية الحدث؛ بينما الفواعل المباشرة لها وظيفة التفعيل والتدبير لحيثيات علاقتها بهم بدءًا من المرسل إليه/الجد. وبناء عليه، نرى من الترسيمة التالية ما يلي:
الأنا النصية —- هو غير المسمى
| |
يا جدي ———- خذ أجدادك
توحي الأنا النصية بأنها تخاطب جَدا واحدًا ووحيدًا من موقع الحفدة باعتبارها مِنَ ياء النسب "ولد الولد". وعلاقتها به وما ترسل إليه من رسالة تبدو من حيز الواقع الممكن أو بتعبير ما بعد الحداثة " الإيهام بالواقع". لكن الإحالة على خطاب "هو" غير المسمى -خذ أجدادك- تنقلها إلى مدار لا واقعية له غير ما يحمل من دلالة، وهو مدار " الإيهام بالمتخيل". وبنفس العملية، تأتي المقابلة: حملت أوراقكم— من حيز الواقع الممكن أو الإيهام بالواقع/مسحت عنكم الغبار—- من مدار الإيهام بالمتخيل. لكنها مقابلة مفخخة بنوع من التشويش الذهني نتيجة تقاطعهما تارة وتتابعهما تارة أخرى. وبناء عليه، نرسم مبنى المشهديات من معنى معناها كالتالي:
١- سير المشهدية الثانية :
- تبدأ بالإيهام بالواقع : "كنا قد طوينا سيرته منذ سنين ......."
- لتصل إلى الإيهام بالمتخيل: " استيقظوا، هيا، ما جد في السجن ...."
- ثم الإيهام بالواقع :" مد أورثني ماجد قائمة الأجداد التي يرأسها اليمني عمرو بن معد يكرب...
- وأخيرا الإيهام بالمتخيل: "يرعبني هذا الجد اليمني، مزاجه دموي، ويده لا تفارق الخنجر، لطالما رجوته بأن ينزع عمامته ........
٢- سير المشهدية الثالثة :
- تبدأ بالإيهام بالمتخيل :" رويدك يا جدي، تمهل، ظننت النبأ يسرك .....
- ثم تستقر على مسرح حلبة حيث يأخذ التشويش الذهني أوجه نتيجة تقاطع الإيهام بالواقع مع الإيهام بالمتخيل حتى آخرها.
وهنا المشهدية الثالثة تبدو وكأنها هي أصل المشهدية الأولى التي تبدأ على شاكلتها:" رويدك يا جدي، تمهل، ضع خنجرك ....."
هل يتعلق الأمر بمجرد تقنية تقتضي اللعب بأوراق أزمنة الحكي ، قد نسميها استدراكا أو ما شابه الاسترجاع الفني؟ نعلق الجواب على هذا السؤال إلى بعد حين مع الإشارة بتناولها انطلاقا من التمييز بين زمن الحكي وزمن السرد وزمن الكتابة.
٢- باقي المشهديات :
- وهي مشهديات مرتبطة بنوستاليجيا ذاكرة تجيب على محفز الإيهام بالواقع والإيهام بالمتخيل في المشهديات السابقة.
- وحدها المشهدية الأخيرة التي نرى أن الجملة النهائية فيها وكذا القصة عامة ذات استقلالية دلالية لما يخص علاقة الواقع بالإيهام. وهي :
٣- المبدأ الفاعل:
- " واليوم، جاءنا نبأ سجنه"؛ مبدأ فاعل للقصة: لبداية من غير مسببات (لماذا سجن) ولنهاية من غير حكاية ( وماذا بعد). منها تبدأ قصة "يوم نسينا طعم النعناع الأبيض" وبها تنتهي.
—————
اقتطاع صورة أو تصوير مقطع لجَد بخنجره وحفيد بياء النسب (ياجدي) يدعوه للتمهل والتريث. اللفظة-الدلالة تسلط الضوء على الصورة-الحدث كواجهة أمامية لما يسمى: الصورة-الصدمة، l’image choc، حيث لا هدف لها غير تعطيل عميلة الفهم وتثبيتها كصورة ذهنية image mentale تبحث عن عن مؤول un interprètant: صورة جَدِّ في حالة تأهب لسفك دم حفيده. يعتمد عليها القاص حمدي البصيري للخروج أو على الأقل لتكسير نمطية قواعد تنظيم مقومات القص (مقدمة/عقدة/سقطة) بحيث من شبه حوار وفي ملفوظ محسوب اللفظة، يضع مباشرة الإشكالية-الحدث في مشهدية حاملة لبنية مسرح القصة كلها. من حيث البنية، تتوزع هذه الأخيرة على مرتكزين :
فواعل مباشرة ——- الأنا النصية — الجد
فواعل غير مباشرة —- هو/ العائلة الكبيرة
الفواعل غير المباشرة لها دور الترسيخ وفي نفس الوقت دور التدعيم(ر. بارث) لإشكالية الحدث؛ بينما الفواعل المباشرة لها وظيفة التفعيل والتدبير لحيثيات علاقتها بهم بدءًا من المرسل إليه/الجد. وبناء عليه، نرى من الترسيمة التالية ما يلي:
الأنا النصية —- هو غير المسمى
| |
يا جدي ———- خذ أجدادك
توحي الأنا النصية بأنها تخاطب جَدا واحدًا ووحيدًا من موقع الحفدة باعتبارها مِنَ ياء النسب "ولد الولد". وعلاقتها به وما ترسل إليه من رسالة تبدو من حيز الواقع الممكن أو بتعبير ما بعد الحداثة " الإيهام بالواقع". لكن الإحالة على خطاب "هو" غير المسمى -خذ أجدادك- تنقلها إلى مدار لا واقعية له غير ما يحمل من دلالة، وهو مدار " الإيهام بالمتخيل". وبنفس العملية، تأتي المقابلة: حملت أوراقكم— من حيز الواقع الممكن أو الإيهام بالواقع/مسحت عنكم الغبار—- من مدار الإيهام بالمتخيل. لكنها مقابلة مفخخة بنوع من التشويش الذهني نتيجة تقاطعهما تارة وتتابعهما تارة أخرى. وبناء عليه، نرسم مبنى المشهديات من معنى معناها كالتالي:
١- سير المشهدية الثانية :
- تبدأ بالإيهام بالواقع : "كنا قد طوينا سيرته منذ سنين ......."
- لتصل إلى الإيهام بالمتخيل: " استيقظوا، هيا، ما جد في السجن ...."
- ثم الإيهام بالواقع :" مد أورثني ماجد قائمة الأجداد التي يرأسها اليمني عمرو بن معد يكرب...
- وأخيرا الإيهام بالمتخيل: "يرعبني هذا الجد اليمني، مزاجه دموي، ويده لا تفارق الخنجر، لطالما رجوته بأن ينزع عمامته ........
٢- سير المشهدية الثالثة :
- تبدأ بالإيهام بالمتخيل :" رويدك يا جدي، تمهل، ظننت النبأ يسرك .....
- ثم تستقر على مسرح حلبة حيث يأخذ التشويش الذهني أوجه نتيجة تقاطع الإيهام بالواقع مع الإيهام بالمتخيل حتى آخرها.
وهنا المشهدية الثالثة تبدو وكأنها هي أصل المشهدية الأولى التي تبدأ على شاكلتها:" رويدك يا جدي، تمهل، ضع خنجرك ....."
هل يتعلق الأمر بمجرد تقنية تقتضي اللعب بأوراق أزمنة الحكي ، قد نسميها استدراكا أو ما شابه الاسترجاع الفني؟ نعلق الجواب على هذا السؤال إلى بعد حين مع الإشارة بتناولها انطلاقا من التمييز بين زمن الحكي وزمن السرد وزمن الكتابة.
٢- باقي المشهديات :
- وهي مشهديات مرتبطة بنوستاليجيا ذاكرة تجيب على محفز الإيهام بالواقع والإيهام بالمتخيل في المشهديات السابقة.
- وحدها المشهدية الأخيرة التي نرى أن الجملة النهائية فيها وكذا القصة عامة ذات استقلالية دلالية لما يخص علاقة الواقع بالإيهام. وهي :
٣- المبدأ الفاعل:
- " واليوم، جاءنا نبأ سجنه"؛ مبدأ فاعل للقصة: لبداية من غير مسببات (لماذا سجن) ولنهاية من غير حكاية ( وماذا بعد). منها تبدأ قصة "يوم نسينا طعم النعناع الأبيض" وبها تنتهي.
(٥-٥)
—————
على هذا النحو إذن يتجلى مبنى قصة "يوم نسينا طعم النعناع الأبيض" ومعه بصمات حمدي البصيري الأدبية في الكتابة الإبداعية. إنه مبنى معنى في بناء معنى المعنى وليس مجرد وعاء لمحتويات تجري وراء معنى ما، أي أنه معنى مبنى في بناء معنى معناه. ولنا في الموقع الذي تتحرك منه الفواعل تثبيت فني لكيفية بناء المبنى من حيث هو معنى، وخصوصا الأنا النصية التي نرى حركيتها من موقعين في علاقتها بالجد/الأجداد :
- موقع النسب: جدي (ياء النسب)
- موقع الحياد: هذا الجد اليمني.
هما موقعان سيخلقان تشويشا ذهنيا يجعل من الرابط بينهما في وضعية احتمال حينا، وفي حالة بداهة مقلقة حينًا آخر؛ ويفرضان في نفس الوقت نفسيهما كمصدر تأخذ منه ملفوظات الأنا النصية معنى معناها. إذ أن
موقع ياء النسب سيظل محتفظًا بعزلته في علاقته بهذا الخارج من غبار السنين وكأن لا علاقة به:
- أمسكني اليمني من باقة قميصي
- مذ أورثني ماجد قائمة الأجداد التي يرأسها اليمني عمرو بن معد يكرب الزييدي..
- يرعبني هذا الجد اليمني
- وحده اليمني عمرو بن معد يكرب الزييدي ظل مستيقظًا
- أشهر اليمني خنجره.
يأتي التشويش الذهني من النقلة المباغتة ما بين موقعين: من موقع النسب المباشر الذي أوحى به النص في مستهله، إلى موقع الحياد المطلق الذي يخرج منه اسم معرف لذاته لا أقل ولا أكثر؛ إنه هذا اليمني عمرو بن معد يكرب الزييدي الذي يحرق الأزمنة ويبعثر مرتكزات القصة التي اعتمدت على بعدي الإيهام بالواقع والإيهام بالمتخيل في بدايتها، لا لشيء إلا لأنه ذو حقيقة تاريخية وقصة تتداولها الأوراق الصفراء. لماذا هذا اليمني بالضبط؟ وكيف نتعامل مع فاعليته من حيث هو أصلا شخصية تاريخية وفصلا شخصية قصصية في قصة يوم نسينا طعم النعناع الأبيض؟
مما لا شك فيه أن مقومات القصة القصيرة مفروض عليها أن تنزلق في التاريخ كما أية وسيلة من وسائل "التعبير الأدبي"، وتتطور
بتغير حال وأحوال الناس في حياتهم بصفة عامة. والحال هي عليه حاليًا، إذ يراد لها أن تتخلص من كل ما لا طائل منه، لغة ونمطًا.
وهكذا تخلت من بين ما تخلت عنه إجمالًا، عن تسمية الشخصية القصصية على اعتبار أنها لا تضيف لها قيمة، سواء سميت زيدا أو عمر، بل بالعكس يراد لها أن تنفتح أكثر على تجربة إنسانية عامة في فن القص.
بيد أن قصة القاص حمدي البصيري تنهض بالذات على تسمية مجموعة من شخصياتها القصصية وتلزمنا النظر فيها من حيث لزوم محفزاتها الفنية التي تخدمها وليس بمنظور براني عنها بالرغم من قيمته النظرية. وفعلًا،
نعاين فيها عينة من الاسماء :
- عمرو بن معد يكرب الزييدي/محمد بن حسن/ماجد/نزار قباني/ديك الجن/أبو إبراهيم/ سامر/سميرة/زهرة/زيد/أبو ماجد/وردة.
نلاحظ أن هذه العينة من الأسماء تحيل إلى فصيلتين من حيث مرجعيتهما :
- الشخصيات القصصية : الأنا النصية-ماجد-سامر-سميرة-زهرة-زيد- أبو ابراهيم-أبو ماجد-وردة.
- الشخصيات التاريخية : عمرو بن معد يكرب الزييذي-محمد بن حسن-نزار قباني-ديك الجن.
ومن ذات النسب تتفرع إلى ثلاثة أجيال:
- الجيل الثالث : الأنا النصية-ماجد- وردة-سامر-سميرة-زهرة-زيد
- الجيل الثاني : أبو ماجد-أبو إبراهيم
- الجيل الأول: يترأسه عمرو بن معد يكرب الزييدي.
—————
على هذا النحو إذن يتجلى مبنى قصة "يوم نسينا طعم النعناع الأبيض" ومعه بصمات حمدي البصيري الأدبية في الكتابة الإبداعية. إنه مبنى معنى في بناء معنى المعنى وليس مجرد وعاء لمحتويات تجري وراء معنى ما، أي أنه معنى مبنى في بناء معنى معناه. ولنا في الموقع الذي تتحرك منه الفواعل تثبيت فني لكيفية بناء المبنى من حيث هو معنى، وخصوصا الأنا النصية التي نرى حركيتها من موقعين في علاقتها بالجد/الأجداد :
- موقع النسب: جدي (ياء النسب)
- موقع الحياد: هذا الجد اليمني.
هما موقعان سيخلقان تشويشا ذهنيا يجعل من الرابط بينهما في وضعية احتمال حينا، وفي حالة بداهة مقلقة حينًا آخر؛ ويفرضان في نفس الوقت نفسيهما كمصدر تأخذ منه ملفوظات الأنا النصية معنى معناها. إذ أن
موقع ياء النسب سيظل محتفظًا بعزلته في علاقته بهذا الخارج من غبار السنين وكأن لا علاقة به:
- أمسكني اليمني من باقة قميصي
- مذ أورثني ماجد قائمة الأجداد التي يرأسها اليمني عمرو بن معد يكرب الزييدي..
- يرعبني هذا الجد اليمني
- وحده اليمني عمرو بن معد يكرب الزييدي ظل مستيقظًا
- أشهر اليمني خنجره.
يأتي التشويش الذهني من النقلة المباغتة ما بين موقعين: من موقع النسب المباشر الذي أوحى به النص في مستهله، إلى موقع الحياد المطلق الذي يخرج منه اسم معرف لذاته لا أقل ولا أكثر؛ إنه هذا اليمني عمرو بن معد يكرب الزييدي الذي يحرق الأزمنة ويبعثر مرتكزات القصة التي اعتمدت على بعدي الإيهام بالواقع والإيهام بالمتخيل في بدايتها، لا لشيء إلا لأنه ذو حقيقة تاريخية وقصة تتداولها الأوراق الصفراء. لماذا هذا اليمني بالضبط؟ وكيف نتعامل مع فاعليته من حيث هو أصلا شخصية تاريخية وفصلا شخصية قصصية في قصة يوم نسينا طعم النعناع الأبيض؟
مما لا شك فيه أن مقومات القصة القصيرة مفروض عليها أن تنزلق في التاريخ كما أية وسيلة من وسائل "التعبير الأدبي"، وتتطور
بتغير حال وأحوال الناس في حياتهم بصفة عامة. والحال هي عليه حاليًا، إذ يراد لها أن تتخلص من كل ما لا طائل منه، لغة ونمطًا.
وهكذا تخلت من بين ما تخلت عنه إجمالًا، عن تسمية الشخصية القصصية على اعتبار أنها لا تضيف لها قيمة، سواء سميت زيدا أو عمر، بل بالعكس يراد لها أن تنفتح أكثر على تجربة إنسانية عامة في فن القص.
بيد أن قصة القاص حمدي البصيري تنهض بالذات على تسمية مجموعة من شخصياتها القصصية وتلزمنا النظر فيها من حيث لزوم محفزاتها الفنية التي تخدمها وليس بمنظور براني عنها بالرغم من قيمته النظرية. وفعلًا،
نعاين فيها عينة من الاسماء :
- عمرو بن معد يكرب الزييدي/محمد بن حسن/ماجد/نزار قباني/ديك الجن/أبو إبراهيم/ سامر/سميرة/زهرة/زيد/أبو ماجد/وردة.
نلاحظ أن هذه العينة من الأسماء تحيل إلى فصيلتين من حيث مرجعيتهما :
- الشخصيات القصصية : الأنا النصية-ماجد-سامر-سميرة-زهرة-زيد- أبو ابراهيم-أبو ماجد-وردة.
- الشخصيات التاريخية : عمرو بن معد يكرب الزييذي-محمد بن حسن-نزار قباني-ديك الجن.
ومن ذات النسب تتفرع إلى ثلاثة أجيال:
- الجيل الثالث : الأنا النصية-ماجد- وردة-سامر-سميرة-زهرة-زيد
- الجيل الثاني : أبو ماجد-أبو إبراهيم
- الجيل الأول: يترأسه عمرو بن معد يكرب الزييدي.
(٦-٦)
———-
وحده الجيل الأول يتوفر على معادل اليقين في تاريخية وجوده؛ ووحده من ذات اليقين يطرح علينا أسئلته في الكيفية التي بالإمكان التعامل بها معه من جوانية قصة يوم نسينا طعم النعناع. هل نقاربه كما هو انطلاقا من كونه شخصية تاريخية لها وظيفة رمزية لما ترمز إليه في علاقتها بالجيل الثاني/الثالث؟ كل شيء جائز شريطة التدليل على فرضيات نجاعته ومفعول إجرائيته. وهو ما لا يضمنه مفهوم الرمز هنا، وفي القصة الأدبية عامة.
فالرمز هو ما يحل محل شيء قصد توصيل المرموز إليه، وذلك وفق طبيعة علاقة الأول بالثاني التي قد تكون حالة تشابه بين الرمز والمرموز إليه، مثلًا في الخصائص أو علاقة تضاد بينهما ...وهنا في قصة القاص حمدي البصيري لا تجدي مسألة الرمز في شيء، بل ربما تفضي إلى إسقاطات لا تمت لها البتة بأية صلة وتفرغها حتى من مفرداتها النصية التي لا تعتبر من قبيل المثال عمرو بن معد يكرب الزييدي رمزًا لحضارة مجيدة بمقابل واقع حالي على حافة وفي خطر. مما يقودنا إلى ما أشرنا إليه سابقا والمتعلق بازدواجية شخصية قصصية وفي نفس الوقت تاريخية.
وبناء عليه، نرى أنه حري بنا الاشتغال على مفهوم "الكائن المفهومي" وتطويعه لمجال الشغل الأدبي:
Personnage conceptuel -G.Deleuze
فهو على الأقل يمنحنا أداة معرفية تقينا من الخلط في المفاهيم ومرجعياتها. يقول جيل دولوز: "لا توجد للكائن المفهومي أية علاقة
بشخصنة مجردة أو برمز أو باستعارة، وذلك لأنه يعيش ويلح للغاية في ذلك" (ص.62)، كما الموروث، وبالأصح نوع منه الذي يحيا عبر شخصية عمرو بن معد يكرب الزييدي ويظل قويًا في خلقه لمفاهيم ما. واستلهاما من ج. دولوز، نقول إن الكائن المفهومي لا يمثل شخصية عمرو بن معد يكرب الزييدي بل على العكس، فهذا الأخير ما هو إلا لفافة لكائنه المفهومي وللآخرين (الأجداد.) ومما لا ريب فيه أن هذه الفرضية تحتاج إلى أكثر من تعريف عام، لكنها تسمح لنا مؤقتا وعلى الأقل التأكيد على نقطتين:
أولًا: تقنية الإيهام بالواقع والإيهام بالمتخيلة التي استثمرها القاص حمدي البصيري تظل مشروطة بواقعة تاريخية تجترحها من خلال كائن مفهومي يطال من يحمل اسمه: عمرو بن معد يكرب الزييدي.
ثانيا: لكل قاعدة استثناء وهنا استثناء قصة
حمدي البصيري أن أغلب الشخصيات تحمل بالضرورة أسماء يفرضها الكائن المفهومي: - "زييد يا هلي .."
من أي مدخل تأتي القصة باليمني عمرو بن معد يكرب الزييدي؟ من مدخلين:
•مدخل أبو ماجد: أصغوا إلي جيدا يا أولاد، هذا جدكم الأول، جاء من اليمن السعيد، يدعي عمرو بن معد يكرب الزييدي، كان أميرًا وشاعرًا تهابه القبائل.
•مدخل ملفوظات الأنا النصية : - ضع خنجرك- أشهر خنجره، وبصق في وجهي-أقسم بالله العظيم، سأشق بطنك-يرعبني هذا الجد اليمني، مزاجه دموي، ويده لا تفارق الخنجر-ظل مستيقظا يلسع قلبي برأس خنجره-أشهر اليمني خنجره ...
في المدخل الأول، يتعلق الأمر بنوستالجيا ذاكرة حيث يحكي أبو ماجد عن الجد الأول للأولاد الذي كان أميرًا وشاعرًا. وفي المدخل الثاني، نرى الجد الأول محمول الملفوظات في علاقته بالأنا النصية، حاضر فقط بحضور خنجره، بمعنى آخر، لا حقيقة له في وجوده من غير وجود خنجره، أو كما قال عنه عمر بن الخطاب في رسالة للنعمان بن مقرن: "
- استشر واستعن في حربك بطليحة وعمرو بن معد يكرب، وشاورهما في الحرب، ولا توليهما من الأمر شيئا، فإن كل صانع هو أعلم بصنعته."
إنه رجل حرب إذن، لا يفقه إلا فيها ولا يهمه سوى الشأن المتعلق بها. ولهذا يأتي لنصرة ماجد، ليس فقط لأنه سجن ولكن لأنه وارثه
وحامل موروثه. لماذا؟ هنا مهارة القاص في الكتابة التي تبني من معناها ولابد من إعادة
تركيبها لنرى معنى معناها وذلك من البيان التالي :
عمرو بن معد يكرب
|
أبو ماجد
|
ماجد————- الأنا النصية.
———-
وحده الجيل الأول يتوفر على معادل اليقين في تاريخية وجوده؛ ووحده من ذات اليقين يطرح علينا أسئلته في الكيفية التي بالإمكان التعامل بها معه من جوانية قصة يوم نسينا طعم النعناع. هل نقاربه كما هو انطلاقا من كونه شخصية تاريخية لها وظيفة رمزية لما ترمز إليه في علاقتها بالجيل الثاني/الثالث؟ كل شيء جائز شريطة التدليل على فرضيات نجاعته ومفعول إجرائيته. وهو ما لا يضمنه مفهوم الرمز هنا، وفي القصة الأدبية عامة.
فالرمز هو ما يحل محل شيء قصد توصيل المرموز إليه، وذلك وفق طبيعة علاقة الأول بالثاني التي قد تكون حالة تشابه بين الرمز والمرموز إليه، مثلًا في الخصائص أو علاقة تضاد بينهما ...وهنا في قصة القاص حمدي البصيري لا تجدي مسألة الرمز في شيء، بل ربما تفضي إلى إسقاطات لا تمت لها البتة بأية صلة وتفرغها حتى من مفرداتها النصية التي لا تعتبر من قبيل المثال عمرو بن معد يكرب الزييدي رمزًا لحضارة مجيدة بمقابل واقع حالي على حافة وفي خطر. مما يقودنا إلى ما أشرنا إليه سابقا والمتعلق بازدواجية شخصية قصصية وفي نفس الوقت تاريخية.
وبناء عليه، نرى أنه حري بنا الاشتغال على مفهوم "الكائن المفهومي" وتطويعه لمجال الشغل الأدبي:
Personnage conceptuel -G.Deleuze
فهو على الأقل يمنحنا أداة معرفية تقينا من الخلط في المفاهيم ومرجعياتها. يقول جيل دولوز: "لا توجد للكائن المفهومي أية علاقة
بشخصنة مجردة أو برمز أو باستعارة، وذلك لأنه يعيش ويلح للغاية في ذلك" (ص.62)، كما الموروث، وبالأصح نوع منه الذي يحيا عبر شخصية عمرو بن معد يكرب الزييدي ويظل قويًا في خلقه لمفاهيم ما. واستلهاما من ج. دولوز، نقول إن الكائن المفهومي لا يمثل شخصية عمرو بن معد يكرب الزييدي بل على العكس، فهذا الأخير ما هو إلا لفافة لكائنه المفهومي وللآخرين (الأجداد.) ومما لا ريب فيه أن هذه الفرضية تحتاج إلى أكثر من تعريف عام، لكنها تسمح لنا مؤقتا وعلى الأقل التأكيد على نقطتين:
أولًا: تقنية الإيهام بالواقع والإيهام بالمتخيلة التي استثمرها القاص حمدي البصيري تظل مشروطة بواقعة تاريخية تجترحها من خلال كائن مفهومي يطال من يحمل اسمه: عمرو بن معد يكرب الزييدي.
ثانيا: لكل قاعدة استثناء وهنا استثناء قصة
حمدي البصيري أن أغلب الشخصيات تحمل بالضرورة أسماء يفرضها الكائن المفهومي: - "زييد يا هلي .."
من أي مدخل تأتي القصة باليمني عمرو بن معد يكرب الزييدي؟ من مدخلين:
•مدخل أبو ماجد: أصغوا إلي جيدا يا أولاد، هذا جدكم الأول، جاء من اليمن السعيد، يدعي عمرو بن معد يكرب الزييدي، كان أميرًا وشاعرًا تهابه القبائل.
•مدخل ملفوظات الأنا النصية : - ضع خنجرك- أشهر خنجره، وبصق في وجهي-أقسم بالله العظيم، سأشق بطنك-يرعبني هذا الجد اليمني، مزاجه دموي، ويده لا تفارق الخنجر-ظل مستيقظا يلسع قلبي برأس خنجره-أشهر اليمني خنجره ...
في المدخل الأول، يتعلق الأمر بنوستالجيا ذاكرة حيث يحكي أبو ماجد عن الجد الأول للأولاد الذي كان أميرًا وشاعرًا. وفي المدخل الثاني، نرى الجد الأول محمول الملفوظات في علاقته بالأنا النصية، حاضر فقط بحضور خنجره، بمعنى آخر، لا حقيقة له في وجوده من غير وجود خنجره، أو كما قال عنه عمر بن الخطاب في رسالة للنعمان بن مقرن: "
- استشر واستعن في حربك بطليحة وعمرو بن معد يكرب، وشاورهما في الحرب، ولا توليهما من الأمر شيئا، فإن كل صانع هو أعلم بصنعته."
إنه رجل حرب إذن، لا يفقه إلا فيها ولا يهمه سوى الشأن المتعلق بها. ولهذا يأتي لنصرة ماجد، ليس فقط لأنه سجن ولكن لأنه وارثه
وحامل موروثه. لماذا؟ هنا مهارة القاص في الكتابة التي تبني من معناها ولابد من إعادة
تركيبها لنرى معنى معناها وذلك من البيان التالي :
عمرو بن معد يكرب
|
أبو ماجد
|
ماجد————- الأنا النصية.
(٧-٧)
—————
يمثل أبو ماجد حامل المورث وحلقة وصل في إيصاله لولده ماجد، لأنه ظل هو وحده الذي يهتف ب "زييد ياهلي!!". وكان يقول للأولاد : " آباؤكم أفلسوا لم يعودو زييدا؟!
يعني ضمنيا أن هناك قطيعة في الموروث بين الأنا النصية وأبيها وأن علاقتها بها غير مستحبة أو لم تعد تعني لها شيئا: " - كنت أرى أجدادي في أحلامي، ولكن الحق يقال، حين أصحو لم يكن يعلق بذاكرتي إلا طعم النعناع الأبيض، كنت أنسى كل الأجداد حتى اليمني عمرو بن معد يكرب الزييدي." علاوة على أن الأنا النصية ستضيف بعد موت أبي ماجد :" لن يسخروا منه بعد اليوم ولن يذكرهم أحد ب :"زييد يا هلي ". بموته إذن يُنسى الموروث في ذاكرة الآباء ما عاد ابنه ماجد الذي يحمل صفته في اسمه- المجد- والذي سيتعلق به الأجداد وخصوصًا عمرو بن معد يكرب الزييدي. لماذا؟
لأنه لا يعرف هو أيضا غير الحرب ولا يتردد في حمل قنبلة لتحقيق هدفه. هو بطل كما عمرو بن معد يكرب هو الآخر بطل. تبدأ من هنا المعادلة أو المفارقة:
- عمرو بن معد —— بطل في الحرب
- ماجد ————— بطل في الحب
وماجد هو عكس الأنا النصية : "
- كم أكرهك يا ماجد دائما تعرف كيف تلفت الأنظار.
- كم أكرهك يا ماجد، دائما تعرف كيف تهزأ بنا".
نلاحظ أن العلاقة بين الأنا النصية وعمرو بن معد وماجد هي بما يمكن تسميته " علاقة بدون علاقة" جاك دريدا؛ تدور حول موروث
يشكل محور علاقات البعض بالبعض وبذات الوقت يفرز بأن لا علاقة فيما بينهم. ماجد يرمي الموروث في وجه الأنا النصية، وهذه الأخيرة تقول : " خنجرك يا جدي لا يليق بأيامنا الرخوة هذه."؛ تمسح دمعته النابسة وترغم الأجداد الخمسين على النوم. أي أنه المسكوت عنه الذي مازال حاضرا وفي حالة قدوم لتصريفه، إذ لا بد مما ليس منه بد، ولو أن مؤشرات ذلك بدت واضحة بالشكل التالي :
- هو رماكم في وجهي
- أورثني قائمة الأجداد
قلنا منذ البدء إن استعمال هذا ال "هو" لم يكن اعتباطيا، واستُعمل فقط في المشهدية الأولى ليعطي لهذه الأخيرة زخم محمولاتها الدلالية وينزع عنها شبه الاسترجاع لما هو موجود بعدها في النص. وهو زمن الكتابة التي لا تخضع لزمن السرد ولا لزمن الحكي بقدر ما تخضع لزمن معنى المبني في بناء معنى معناه. من الأول، ثمة إعراض عن هذا الذي رمي في وجهه، وبما أنه لا مناص منه:
-أورثني قائمة الأجداد"، لم يضعه في صدره
كتملك نفسي في جوانية الذات بل وضعه في صدر مكتبته مبقيا على مسافة منه مع إمكانية شبه الحوار مع " اليمني"، التي قد توحي بأن الأمر يتعلق ب "مونولوج" وان كانت تصب في جنس من الكتابة الذي لم تعد شخصياته تقدر بمدى واقعيتها في مرجعيتها بقدر ما تقدر بما تحققه في النص كقواعل نصية.
ماذا يعني تصريف الموروث بطعم النعناع الأبيض؟ هنا لا بد أن نخرج من داخل عتبة النص لندخل إلى خارج بنيته المعرفية كما يقول الأديب سليمان جمعة ونعالجه على خلفية انطباعاتنا هاته، أي نخرج ب " هذا اليمني" من الخاص إلى العام من حيث هو كائن مفهومي. ونبدأ كما هي بداية القصة: "واليوم، جاءنا نبأ سجنه"، باعتبارها نافذة مشرعة في تصريف الموروث على الزمن بالفعل أي على ماضوية الذي ما قبل النبأ وعلى الزمن بالقوة أي على ما هو في حالة قدوم من بعد النبأ. عود على بدء، لبداية من غير مسببات. ( لماذا سجن) ولنهاية من غير حكاية ( وماذا بعد.)
هذا هو القاص المبدع عندما يكون إبداعه تطويرا في تاريخ القصة القصيرة؛ إنه القاص حمدي البصيري ...
ومعذرة على هذه الانطباعات المختزلة.
—————
يمثل أبو ماجد حامل المورث وحلقة وصل في إيصاله لولده ماجد، لأنه ظل هو وحده الذي يهتف ب "زييد ياهلي!!". وكان يقول للأولاد : " آباؤكم أفلسوا لم يعودو زييدا؟!
يعني ضمنيا أن هناك قطيعة في الموروث بين الأنا النصية وأبيها وأن علاقتها بها غير مستحبة أو لم تعد تعني لها شيئا: " - كنت أرى أجدادي في أحلامي، ولكن الحق يقال، حين أصحو لم يكن يعلق بذاكرتي إلا طعم النعناع الأبيض، كنت أنسى كل الأجداد حتى اليمني عمرو بن معد يكرب الزييدي." علاوة على أن الأنا النصية ستضيف بعد موت أبي ماجد :" لن يسخروا منه بعد اليوم ولن يذكرهم أحد ب :"زييد يا هلي ". بموته إذن يُنسى الموروث في ذاكرة الآباء ما عاد ابنه ماجد الذي يحمل صفته في اسمه- المجد- والذي سيتعلق به الأجداد وخصوصًا عمرو بن معد يكرب الزييدي. لماذا؟
لأنه لا يعرف هو أيضا غير الحرب ولا يتردد في حمل قنبلة لتحقيق هدفه. هو بطل كما عمرو بن معد يكرب هو الآخر بطل. تبدأ من هنا المعادلة أو المفارقة:
- عمرو بن معد —— بطل في الحرب
- ماجد ————— بطل في الحب
وماجد هو عكس الأنا النصية : "
- كم أكرهك يا ماجد دائما تعرف كيف تلفت الأنظار.
- كم أكرهك يا ماجد، دائما تعرف كيف تهزأ بنا".
نلاحظ أن العلاقة بين الأنا النصية وعمرو بن معد وماجد هي بما يمكن تسميته " علاقة بدون علاقة" جاك دريدا؛ تدور حول موروث
يشكل محور علاقات البعض بالبعض وبذات الوقت يفرز بأن لا علاقة فيما بينهم. ماجد يرمي الموروث في وجه الأنا النصية، وهذه الأخيرة تقول : " خنجرك يا جدي لا يليق بأيامنا الرخوة هذه."؛ تمسح دمعته النابسة وترغم الأجداد الخمسين على النوم. أي أنه المسكوت عنه الذي مازال حاضرا وفي حالة قدوم لتصريفه، إذ لا بد مما ليس منه بد، ولو أن مؤشرات ذلك بدت واضحة بالشكل التالي :
- هو رماكم في وجهي
- أورثني قائمة الأجداد
قلنا منذ البدء إن استعمال هذا ال "هو" لم يكن اعتباطيا، واستُعمل فقط في المشهدية الأولى ليعطي لهذه الأخيرة زخم محمولاتها الدلالية وينزع عنها شبه الاسترجاع لما هو موجود بعدها في النص. وهو زمن الكتابة التي لا تخضع لزمن السرد ولا لزمن الحكي بقدر ما تخضع لزمن معنى المبني في بناء معنى معناه. من الأول، ثمة إعراض عن هذا الذي رمي في وجهه، وبما أنه لا مناص منه:
-أورثني قائمة الأجداد"، لم يضعه في صدره
كتملك نفسي في جوانية الذات بل وضعه في صدر مكتبته مبقيا على مسافة منه مع إمكانية شبه الحوار مع " اليمني"، التي قد توحي بأن الأمر يتعلق ب "مونولوج" وان كانت تصب في جنس من الكتابة الذي لم تعد شخصياته تقدر بمدى واقعيتها في مرجعيتها بقدر ما تقدر بما تحققه في النص كقواعل نصية.
ماذا يعني تصريف الموروث بطعم النعناع الأبيض؟ هنا لا بد أن نخرج من داخل عتبة النص لندخل إلى خارج بنيته المعرفية كما يقول الأديب سليمان جمعة ونعالجه على خلفية انطباعاتنا هاته، أي نخرج ب " هذا اليمني" من الخاص إلى العام من حيث هو كائن مفهومي. ونبدأ كما هي بداية القصة: "واليوم، جاءنا نبأ سجنه"، باعتبارها نافذة مشرعة في تصريف الموروث على الزمن بالفعل أي على ماضوية الذي ما قبل النبأ وعلى الزمن بالقوة أي على ما هو في حالة قدوم من بعد النبأ. عود على بدء، لبداية من غير مسببات. ( لماذا سجن) ولنهاية من غير حكاية ( وماذا بعد.)
هذا هو القاص المبدع عندما يكون إبداعه تطويرا في تاريخ القصة القصيرة؛ إنه القاص حمدي البصيري ...
ومعذرة على هذه الانطباعات المختزلة.
نص أدبي جميل وأنا قليل ما اجد مايدهشني فنيا هذا نص لكاتب خبير
بصياغة الجمال ومحترف ليست كتابة فقط بل قراءة ودارية- السرد وإن بدا مدهشا لكنه
تقنية توجيه الخطاب لمخاطب - أنت - قديم - في القصص العالمي والعربي - لاحظ مثلا
قصة الرحلة ليوسف إدريس وخطابة الموجه لأبيه يخبره بانتهاء عصره ويقول له لا وسط
ياأنا يأنت ويحمل أبيه في السيارة شبه ميت ويوجه كل الحب والنقد المرله - وكان في
دائرة أكبر النقد لشخص عبد الناصر وشخصيته كحاكم التي هي ملتبسه للآن حب كبير وخوف
أيضا أمجاد وعار- والمفاجأة أنها كتبت قبل وفاة عبد الناصر بشهور بسيطة - هنا
يستعير الكاتب هذه التقنية في السرد مع جده اليمني ونجد نفس الالتباس ونفس الصراع
بين الأصالة والمعاصرة في أسلوب بديع غير متقعر ولا ممل ولا متقطع الإنفاس ...
تحيتي للأديب ..وتحيتي رابطة الواحة
أتوجه
بالشكر والتقدير لكل الزملاء الذين تناولوا القصة قراءة ونقدا وغاصوا في متنها
تفسيرا وتأويلا وفككوا رموزها قراءات كشفت جدلية العام والخاص والوحيد .. قصتي أنا
.. شجرة العائلة ..قصتنا جميعا كعرب.. أكرر شكري وتقديري لكم زملائي ولكل فريق
الواحة الأساتذة : منال خطاب ، عامر العيثاوي ، درصاف ،مهدية ،الزهرة،غادة ،
بلعوام المصطفى وربان الواحة الأستاذ محسن الطوخي
نهلاء توفيق
علقتُ
على النص حينها، وسأنسخ تعليقي:
كل أديب، بل لكل كاتب بصورة عامة طريقته وأسلوبه الشخصي في الكتابة، وقد تختلف الأساليب كثيراً وتتباين، وقد تتشابه وتقترب كثيراً لدرجة أننا نخلط بين أسماء الكتّاب في حال عدم وجود الاسم.
وهنا الأستاذ حمدي له طرق خاصة به وتظهر جليّةً في بعض نصوصه. أسلوبه هنا كان في بعض نصوصه التي قرأناها سابقاً، وهو أسلوب شيق ولا شك، ومحفز للقراة حتى آخر حرف. هو يحوي بعض التلغيز أو ربما التفنن في الأحداث بحيث تكون داخل إطارات صعبة الفهم بعض الشيء بحيث يتطلب هذا من القارئ قراءة النص أكثر من مرة، وحتى البحث في الغوغل بعض الأحيان.
ويمتاز النص هنا إضافة لما ذكرت بالتقافز بين الجمل فنقفز بين الأحداث، فنكون في سنين أجدادنا، ثم نعبر سنين أخرى لنرجع إلى أحضان طفولتنا، وهكذا نرجع لنكرر القفزات، ومؤكد هذا التقافز يعطي جمالاً للنص و ورونقاً خاصاً.
وتمتاز بعض نصوصه (والتي على شاكلة هذا النص)، تمتاز بنقد الجيل الحالي وربطه بالجيل القديم، وتذكيره بسلبياته وببطولات الجيل القديم، والذي يعطيه تسمية وسمة الجدّ... وقد لا يكون.
وفي هذا النص ربط بطولات بطل ساحة من العهد القديم والذين حرروا وفتحوا، ربطه بأشعار نزار وغيره من أدباء زمننا، وقد أفلح جداً في هذه المقارنة، فكيف للسيف الذي وصلت فتوحاته إلى الصين، أن يقارن بأشعارٍ وكلمات رنانة لم تبرح ديوانها الذي حُفظت فيه؟ وهنا أراد الكاتب إيصال رسالة وهي أن أبطال الزمن الماضي كانوا يفعلون، وأبطالنا اليوم يتكلمون. لما ينتصر الكلام يقل الفعل، وهم انتصروا بأفعالهم وليس بأقوالهم.
نعم كانوا يقولون الشعر، ولكنهم يفعلون أكثر مما يقولون، واليوم كله كلام في كلام... ولا أفعال.
هذا الذي أراد إيصاله النص برأيي الشخصي، وطبعاً هناك آراء وقراءات للنص كثيرة غيرها.
النعناع الأخضر، لازلت أذكره في سوريا وأنا صغيره، وما ألذه، لا يُنسى للذين من هو في جيلنا. وبصراحة عجزتُ عن ربطه بفهمي للنص، ولماذا جعلهم الكاتب يكذبون؟ ربما هو جعل طعم النعناع رمز للبراءة والطيبة والأصالة، والتي نسيناها في زحمة الشعر والكذب والخيانة والوطنية الزائفة.
راقني النص بصراحة، ولا أنكر أنه أتعبني، فقد أعدت قراءته مرتين وبتمعن.
تحيتي لك أخي حمدي، ولإبداع قلمك
كل أديب، بل لكل كاتب بصورة عامة طريقته وأسلوبه الشخصي في الكتابة، وقد تختلف الأساليب كثيراً وتتباين، وقد تتشابه وتقترب كثيراً لدرجة أننا نخلط بين أسماء الكتّاب في حال عدم وجود الاسم.
وهنا الأستاذ حمدي له طرق خاصة به وتظهر جليّةً في بعض نصوصه. أسلوبه هنا كان في بعض نصوصه التي قرأناها سابقاً، وهو أسلوب شيق ولا شك، ومحفز للقراة حتى آخر حرف. هو يحوي بعض التلغيز أو ربما التفنن في الأحداث بحيث تكون داخل إطارات صعبة الفهم بعض الشيء بحيث يتطلب هذا من القارئ قراءة النص أكثر من مرة، وحتى البحث في الغوغل بعض الأحيان.
ويمتاز النص هنا إضافة لما ذكرت بالتقافز بين الجمل فنقفز بين الأحداث، فنكون في سنين أجدادنا، ثم نعبر سنين أخرى لنرجع إلى أحضان طفولتنا، وهكذا نرجع لنكرر القفزات، ومؤكد هذا التقافز يعطي جمالاً للنص و ورونقاً خاصاً.
وتمتاز بعض نصوصه (والتي على شاكلة هذا النص)، تمتاز بنقد الجيل الحالي وربطه بالجيل القديم، وتذكيره بسلبياته وببطولات الجيل القديم، والذي يعطيه تسمية وسمة الجدّ... وقد لا يكون.
وفي هذا النص ربط بطولات بطل ساحة من العهد القديم والذين حرروا وفتحوا، ربطه بأشعار نزار وغيره من أدباء زمننا، وقد أفلح جداً في هذه المقارنة، فكيف للسيف الذي وصلت فتوحاته إلى الصين، أن يقارن بأشعارٍ وكلمات رنانة لم تبرح ديوانها الذي حُفظت فيه؟ وهنا أراد الكاتب إيصال رسالة وهي أن أبطال الزمن الماضي كانوا يفعلون، وأبطالنا اليوم يتكلمون. لما ينتصر الكلام يقل الفعل، وهم انتصروا بأفعالهم وليس بأقوالهم.
نعم كانوا يقولون الشعر، ولكنهم يفعلون أكثر مما يقولون، واليوم كله كلام في كلام... ولا أفعال.
هذا الذي أراد إيصاله النص برأيي الشخصي، وطبعاً هناك آراء وقراءات للنص كثيرة غيرها.
النعناع الأخضر، لازلت أذكره في سوريا وأنا صغيره، وما ألذه، لا يُنسى للذين من هو في جيلنا. وبصراحة عجزتُ عن ربطه بفهمي للنص، ولماذا جعلهم الكاتب يكذبون؟ ربما هو جعل طعم النعناع رمز للبراءة والطيبة والأصالة، والتي نسيناها في زحمة الشعر والكذب والخيانة والوطنية الزائفة.
راقني النص بصراحة، ولا أنكر أنه أتعبني، فقد أعدت قراءته مرتين وبتمعن.
تحيتي لك أخي حمدي، ولإبداع قلمك
الحقيقة
مثل اللغز، باستثناء أن عدد العناصر التي يتكون منها غير معروف مسبقًا. ومع ذلك،
يمكن أن تظهر فقط بمجرد تجميع كل قطع الفسيفساء.
قراءة في قصة حلو النعناع للقاص حمدي البصيري
حمدي البصيري، كاتب مميز له خط فريد به، في كتابة القصة، وتناول أحداثها، سمْته بيّن تطبعه البساطة دون إسفاف، والرصانة والمتانة بلا غلو، أسلوبه سلس عذب يقودك للفكرة المستهدفة دون أي جهد ومن غير أن يحرمك كقارئ من الاستمتاع بنسقه الأدبي،.
اليوم ـ ابتناءً ـ على ما قرأت له يفاجئنا بخط جديد، مركب... لا يأخذ فيه الحكي ديدنا رتيبا كما عودنا ، وإنما خرق خلاله ثوابت الزمان والمكان، فأضحى الأول حقبة تمتد من فجر الإسلام وتنتهي في الحاضر بينما المكان كانت ترسم حدوده أفخاذ القبائل التي استوطنت سوريا ورجالاتها المعروفين من الزبيدين، وغيرهم .
رغم الطابع الفنتازي للقصة المتماهي مع الواقع والأحداث التاريخية، لا يعزب محتواها عن معالجة اهتمامات الكاتب التي طالما تناولها ضمن انتاجاته السابقة، ساقها في شكل أحاجي، أحاجي لها اكثر من قاسم مشترك، على سبيل المثال لا الحصر: الأدب والمجون والشعر والعلم والبطولات،
اختط الكاتب منهجية للقص، على شكل : مقدمة: (prologue)، أُفردها للشخصية الرئيس في القصة، دون ذكر اسمها، تشويقا لقارئ ودفعا به للتتبع أثرها عبر السرد المنساب بتؤدة ما نالت منها أوزار الأحاجي (puzzles) . وطبَعها بالتمرد والغلو لا تُقيم للقيم والأجداد قيمة من خلال قوله:
" رويدك يا جدِّي، تمهَّل ، ضع خنجرك ، يا رجل، أنا لم أتبرأ منه ، هو من رماكم في وجهي:
- خــذ هؤلاء أجدادك ، بلّهم واشرب ماءهم "
يغلق الكاتب قوس ال ( prologue) وينخرط في معالجة حيثيات وأسباب الحادث ممعنا في الإشارة إلى الى الشخصية الرئيس بصيغة الغائب دون ذكر اسمها مرة أخرى ويستحضر لذلك أجداده الخمسين بطريقة فنتازية داخل مكتبة، أو بين رحاب مخياله المعرفي ويطلعهم عن خبر سجن بطل روايته، ولكن هذه المرة يشير إليه بالاسم:( ماجد)
يبث في شخوص أجداده الفانية الحياة ويجعلها تتكلم، تتألم، ولا ترضى بأسر ابن من أبنائها، بل تتطلع إلى نجدته ويثنيها هو بادعائه أنه أهانها وتبرأ منها، لكن اليمني عمر بن معد يكرب الزبيدي ـ رغم امتعاضه من صنيع ماجد ـ يتمسك بغوث هذا الْ: ماجد.
رأسا يقصد الراوي أهله الحاليين، يستنهض هممهم لنصرة ماجد هم أيضا، لكن يلقى منهم صدودا وبرودة حماس..لا ييستعجب من سلوكهم، حين يستذكر قولة أبي ماجد حين يقول: ( آباؤكم أفلسوا ، لم يعودوا زبيــداً)
عبر فلاش باك، يعود بنا إلى الصبا يوم كان أبو ماجد يغدق عليهم من خيره، ليراتٍ ينفقونها في شراء حلو النعناع، ويغذي عقولهم وهم في حلقات معرفة يذكرهم فيها بجدودهم الأولين وبأمجادهم بدءاً ب: اليمني، ومحمد بن حسن وانتهاء بمعشوق وعاشق النساء ديك الجن النقيض الأقصى لطبع الجدود،
ثم يموت ابو ماجد، ويكبر ماجد قبل الأوان ويشط عن العصابة، ويصير يسامر الرجال الكبار، يوما يأتي وفي يده قنبلة.
قنبلة؟ ما القنبلة؟ حتما ليس كما نتصورها.
ما تكون؟ هي تهديد طبعا قاتل، والقتل أنواع.. كما القنابل.
لفداهم...! يطلب ماجد الزواج ب (وردة ) الطفلة الجميلة ولا يقبل غيرها بديلا.
وردة؟ من وردة؟
ومن تكون؟ أهي روح من دم ولحم؟ ام حجر آخر من حجر الأحاجي المنبثة في النص فائض على الأجداد الهالكة / الحية وصورة اليمن وهو في الجيب يخز بخنجره راوينا (الكاتب)؟
قد تكون مكانة الوالد وحظوته في القبائل، او أي شيء يتوق له من يتطلع إلى أفق أوسع وأرحب.
ينحو السرد نحو العقدة فيتخلى ماجد عن وردته محبوبة الجميع ضاربا في أرض الله،
النهاية ( Epilogue) ينفتح ستارها على الصبية وهم شباب قد بلغوا أشدهم ضائعون وصاروا أهلا بوردة هم أيضا، لكن وردة الفاتنة الجميلة منشغلة عنهم برجل غريب عنهم وعن ديارهم، يتمنون عودة ماجد عل الأمور تعود إلى اصلها ... على الأقل يتحوز ماجد وردة ولا تبات في حضن غريب لكن ماجد سجين..لاحول له ولا قوة.
رغم أني خرجت خاو الوفاض من هذا النص القصي، ولم أتمكن من رصف أحاجيه لأكوّن وجها يعكس الحقيقة التي أرادها الكاتب..لا أبتئس ولا أتدمر ما دمت قد استمتعت بالحكي معه كما أنا دائما في نصوصه، ونلت نصف الجهد ليس إلا.
قراءة في قصة حلو النعناع للقاص حمدي البصيري
حمدي البصيري، كاتب مميز له خط فريد به، في كتابة القصة، وتناول أحداثها، سمْته بيّن تطبعه البساطة دون إسفاف، والرصانة والمتانة بلا غلو، أسلوبه سلس عذب يقودك للفكرة المستهدفة دون أي جهد ومن غير أن يحرمك كقارئ من الاستمتاع بنسقه الأدبي،.
اليوم ـ ابتناءً ـ على ما قرأت له يفاجئنا بخط جديد، مركب... لا يأخذ فيه الحكي ديدنا رتيبا كما عودنا ، وإنما خرق خلاله ثوابت الزمان والمكان، فأضحى الأول حقبة تمتد من فجر الإسلام وتنتهي في الحاضر بينما المكان كانت ترسم حدوده أفخاذ القبائل التي استوطنت سوريا ورجالاتها المعروفين من الزبيدين، وغيرهم .
رغم الطابع الفنتازي للقصة المتماهي مع الواقع والأحداث التاريخية، لا يعزب محتواها عن معالجة اهتمامات الكاتب التي طالما تناولها ضمن انتاجاته السابقة، ساقها في شكل أحاجي، أحاجي لها اكثر من قاسم مشترك، على سبيل المثال لا الحصر: الأدب والمجون والشعر والعلم والبطولات،
اختط الكاتب منهجية للقص، على شكل : مقدمة: (prologue)، أُفردها للشخصية الرئيس في القصة، دون ذكر اسمها، تشويقا لقارئ ودفعا به للتتبع أثرها عبر السرد المنساب بتؤدة ما نالت منها أوزار الأحاجي (puzzles) . وطبَعها بالتمرد والغلو لا تُقيم للقيم والأجداد قيمة من خلال قوله:
" رويدك يا جدِّي، تمهَّل ، ضع خنجرك ، يا رجل، أنا لم أتبرأ منه ، هو من رماكم في وجهي:
- خــذ هؤلاء أجدادك ، بلّهم واشرب ماءهم "
يغلق الكاتب قوس ال ( prologue) وينخرط في معالجة حيثيات وأسباب الحادث ممعنا في الإشارة إلى الى الشخصية الرئيس بصيغة الغائب دون ذكر اسمها مرة أخرى ويستحضر لذلك أجداده الخمسين بطريقة فنتازية داخل مكتبة، أو بين رحاب مخياله المعرفي ويطلعهم عن خبر سجن بطل روايته، ولكن هذه المرة يشير إليه بالاسم:( ماجد)
يبث في شخوص أجداده الفانية الحياة ويجعلها تتكلم، تتألم، ولا ترضى بأسر ابن من أبنائها، بل تتطلع إلى نجدته ويثنيها هو بادعائه أنه أهانها وتبرأ منها، لكن اليمني عمر بن معد يكرب الزبيدي ـ رغم امتعاضه من صنيع ماجد ـ يتمسك بغوث هذا الْ: ماجد.
رأسا يقصد الراوي أهله الحاليين، يستنهض هممهم لنصرة ماجد هم أيضا، لكن يلقى منهم صدودا وبرودة حماس..لا ييستعجب من سلوكهم، حين يستذكر قولة أبي ماجد حين يقول: ( آباؤكم أفلسوا ، لم يعودوا زبيــداً)
عبر فلاش باك، يعود بنا إلى الصبا يوم كان أبو ماجد يغدق عليهم من خيره، ليراتٍ ينفقونها في شراء حلو النعناع، ويغذي عقولهم وهم في حلقات معرفة يذكرهم فيها بجدودهم الأولين وبأمجادهم بدءاً ب: اليمني، ومحمد بن حسن وانتهاء بمعشوق وعاشق النساء ديك الجن النقيض الأقصى لطبع الجدود،
ثم يموت ابو ماجد، ويكبر ماجد قبل الأوان ويشط عن العصابة، ويصير يسامر الرجال الكبار، يوما يأتي وفي يده قنبلة.
قنبلة؟ ما القنبلة؟ حتما ليس كما نتصورها.
ما تكون؟ هي تهديد طبعا قاتل، والقتل أنواع.. كما القنابل.
لفداهم...! يطلب ماجد الزواج ب (وردة ) الطفلة الجميلة ولا يقبل غيرها بديلا.
وردة؟ من وردة؟
ومن تكون؟ أهي روح من دم ولحم؟ ام حجر آخر من حجر الأحاجي المنبثة في النص فائض على الأجداد الهالكة / الحية وصورة اليمن وهو في الجيب يخز بخنجره راوينا (الكاتب)؟
قد تكون مكانة الوالد وحظوته في القبائل، او أي شيء يتوق له من يتطلع إلى أفق أوسع وأرحب.
ينحو السرد نحو العقدة فيتخلى ماجد عن وردته محبوبة الجميع ضاربا في أرض الله،
النهاية ( Epilogue) ينفتح ستارها على الصبية وهم شباب قد بلغوا أشدهم ضائعون وصاروا أهلا بوردة هم أيضا، لكن وردة الفاتنة الجميلة منشغلة عنهم برجل غريب عنهم وعن ديارهم، يتمنون عودة ماجد عل الأمور تعود إلى اصلها ... على الأقل يتحوز ماجد وردة ولا تبات في حضن غريب لكن ماجد سجين..لاحول له ولا قوة.
رغم أني خرجت خاو الوفاض من هذا النص القصي، ولم أتمكن من رصف أحاجيه لأكوّن وجها يعكس الحقيقة التي أرادها الكاتب..لا أبتئس ولا أتدمر ما دمت قد استمتعت بالحكي معه كما أنا دائما في نصوصه، ونلت نصف الجهد ليس إلا.
قراءة
بالنص الاقصوصي ..
اا====================
تسريد التاريخ ودلالات التوظيف
ا====================
التصدير:
ا======
" لإقامة معرفة يتوفر فيها الحظ الأوفر من العلمية يجب أن تكون المفاهيم الإصطلاحية الموظفة واضحة المعالم محددة البنية "
قبل البدء
ا=======
او سؤال بالتأويل :
ا=========
ترى لمَ الاصدقاء الذين ناقشوا مسالة التاريخ للوهلة الاولى نراهم يبحثون عن الذات الضائعة بالنص ، ويحاولون ان يكتشفوا معنى الاستمرار والانتماء، ويريدون ان يمسحوا الغبار عن الصور القديمة لتاريخ تليد قدمته شخصيات القصة واحداثها ، وبعبارة اخرى لمَ يبحثون في إعادة بناء الماضي.. من القص التخييلي مرورا بزمن القص.؟!!!
ا============
بالبدء.. كان التاريخ
ا============
يجنح كثير من الكتاب الى التاريخ ليكون ذلك الفضاء الحكائي الذي يتداخل فيه المتخيّل مع الواقع أساسا أولا ومبدأ ..
وثانيا نرى جل السرّاد يُخْضعون بناء عوالمهم السردية على أسس تاريخية ومفاهيمية بالتأريخ( لما لمصطلح لتأريخ والتاريخ من فروقات).
فما من شك للاجابة عن الاشكالية نقول انه لم تعد وظيفة الرواية التاريخية او القصة متمثلا فحسب في استحضار الشخصيات التاريخية والأدوار الإيجابية التي قامت بها، بل صارت بوظائف ومناشط اخرى وبأجنحة سردية محلقة بين التاريخ، والتخييل القصصي الحكائي..
وثالثا ..
لو نجمل تجارب القصاصين والرواة بذات الموضوع سنجد أربعة أشكال:
– القص التوثيق التاريخي: كما رواية (وزير غرناطة لعبدالهادي بوطالب مثلا).
– القص التشويقي الفني للتاريخ: كما عهدنا بكتابات وروايات جورجي زيدان.
– الحكاية بالتخييل التاريخي: كما ألفنا بكتابات جمال الغيطاني خاصة الزيني بركات، وثلاثية غرناطة لرضوى عاشور.
– القص ذو البعد التاريخي: كما كتب نجيب محفوظ برواياته ذات الطرح التاريخي ﻋﻠﻰ المستوى المرجعي .
ايّ منهج سلك القاص ؟!
نراه سلك طريقا بين منعرجات سردية لاسلافه.. كيف؟!
ا========= التناص وخفي النص التأريخي ======
هذا النص، جاء محتملا لكل ما سبق من روايات واقاصيص انت تجد مثلا الاسلوب نفسه الذي كتب به مارون عبود (من لبنان ) في خواطره..
وبهذه القصة يتداخل الفلكور بالسرد التاريخي حتى لتتبدى لك كتابات يحيى من مصر في فولكلورياته، وانت تجد بهذا النص استلهام التراث كانك تقرأ لإميل حبيبي من فلسطين، في استخداماته التراثية.. و بما تستهويك الاستلهمات التأريخية فتجد بالنص ما درجت عليه كتابات هاني الراهب من سوريا..
لقد بنى الكاتب نصه الاقصوصي على تقاطع الفواعل والاحداث التي تتناسق كما في تقاطعات ألف ليلة..
هذا النص زاخر بتوصيف البيئة الريفية كما لو كنت تقرا بنصوص الطاهر وطار من الجزائر خاصة حين توصيف بيئته..
ولن ابالغ ان قلت انني اجد بالنص حين لجوئه الى مقاطع تاريخية تقاطعات بارزة مع عبدالرحمن منيف في أجيال مدن الملح وأرض السواد..
ولن يتمالك القارئ ان يجد اثرا بين سطور النص لكتابات عبدالله العروي خاصة فيما يخص انبناء نص صديقنا على الحس التاريخي للمجتمع..
ان هذا النص بالمجمل المختصر يبني رؤية تاريخية مستلهمة من المقروء كما فعل اسلافه من الروائيين مثلما استخدم إدوارد الخراط وشكري عياد تاريخ الامة ومثلما درجت كتابات الطيب صالح والذي كانت له رؤى مخصوصة عن التاريخ الذي استلهمه من اللا مقروء التاريخي والغائب بالمخيال العربي..
ا======= أيُّ تمايز وتجديد ؟!==========
هذا النص ليس نصا تاريخيا انما هو إعادة تخييل لأحداث ووقائع وشخصيات عاشت في الماضي، وهذه القصة تسائل الماضي وتحفره عميقا وتحاول ان تستقرئ التراث و الماضي، من أجل ان تبني مستقبلا وراهنا مستخدمة طرائق السرد المختلفة..
كل هذا يجعل القصة تتمرّد كثيرا أو قليلا على سلطة المرجعي فيها (الخصاىص الفنية للقصة القصيرة او لنقل الاقصوصة على ما بينهما من اختلاف)
وتنتصر باسلوبها وطرائقها الفنية وملامحها الاجناسية لتعيد بناء التاريخ وفق رؤية جديدة، اذ كان هم القاص ان يحول مادته من التاريخ إلى مادة للتخييل والقراءة والترميز..
لقد اشتغل القاص على مادة يحاول إحالتها الى معدن وجوهرة وماسة تخييلية تستقرئ الواقع..
هل وفق؟! نجح ام خفق.. ؟! لابد ان نضع النص بالمحك الخصائصي والملامحي والفني لذات الجنس الادبي؟!
هل هو بباب الرواية التاريخية او الاقصوصة او القصة القصيرة؟!
ما سنجيب عنه بتالي قراءتنا..
اا====================
تسريد التاريخ ودلالات التوظيف
ا====================
التصدير:
ا======
" لإقامة معرفة يتوفر فيها الحظ الأوفر من العلمية يجب أن تكون المفاهيم الإصطلاحية الموظفة واضحة المعالم محددة البنية "
قبل البدء
ا=======
او سؤال بالتأويل :
ا=========
ترى لمَ الاصدقاء الذين ناقشوا مسالة التاريخ للوهلة الاولى نراهم يبحثون عن الذات الضائعة بالنص ، ويحاولون ان يكتشفوا معنى الاستمرار والانتماء، ويريدون ان يمسحوا الغبار عن الصور القديمة لتاريخ تليد قدمته شخصيات القصة واحداثها ، وبعبارة اخرى لمَ يبحثون في إعادة بناء الماضي.. من القص التخييلي مرورا بزمن القص.؟!!!
ا============
بالبدء.. كان التاريخ
ا============
يجنح كثير من الكتاب الى التاريخ ليكون ذلك الفضاء الحكائي الذي يتداخل فيه المتخيّل مع الواقع أساسا أولا ومبدأ ..
وثانيا نرى جل السرّاد يُخْضعون بناء عوالمهم السردية على أسس تاريخية ومفاهيمية بالتأريخ( لما لمصطلح لتأريخ والتاريخ من فروقات).
فما من شك للاجابة عن الاشكالية نقول انه لم تعد وظيفة الرواية التاريخية او القصة متمثلا فحسب في استحضار الشخصيات التاريخية والأدوار الإيجابية التي قامت بها، بل صارت بوظائف ومناشط اخرى وبأجنحة سردية محلقة بين التاريخ، والتخييل القصصي الحكائي..
وثالثا ..
لو نجمل تجارب القصاصين والرواة بذات الموضوع سنجد أربعة أشكال:
– القص التوثيق التاريخي: كما رواية (وزير غرناطة لعبدالهادي بوطالب مثلا).
– القص التشويقي الفني للتاريخ: كما عهدنا بكتابات وروايات جورجي زيدان.
– الحكاية بالتخييل التاريخي: كما ألفنا بكتابات جمال الغيطاني خاصة الزيني بركات، وثلاثية غرناطة لرضوى عاشور.
– القص ذو البعد التاريخي: كما كتب نجيب محفوظ برواياته ذات الطرح التاريخي ﻋﻠﻰ المستوى المرجعي .
ايّ منهج سلك القاص ؟!
نراه سلك طريقا بين منعرجات سردية لاسلافه.. كيف؟!
ا========= التناص وخفي النص التأريخي ======
هذا النص، جاء محتملا لكل ما سبق من روايات واقاصيص انت تجد مثلا الاسلوب نفسه الذي كتب به مارون عبود (من لبنان ) في خواطره..
وبهذه القصة يتداخل الفلكور بالسرد التاريخي حتى لتتبدى لك كتابات يحيى من مصر في فولكلورياته، وانت تجد بهذا النص استلهام التراث كانك تقرأ لإميل حبيبي من فلسطين، في استخداماته التراثية.. و بما تستهويك الاستلهمات التأريخية فتجد بالنص ما درجت عليه كتابات هاني الراهب من سوريا..
لقد بنى الكاتب نصه الاقصوصي على تقاطع الفواعل والاحداث التي تتناسق كما في تقاطعات ألف ليلة..
هذا النص زاخر بتوصيف البيئة الريفية كما لو كنت تقرا بنصوص الطاهر وطار من الجزائر خاصة حين توصيف بيئته..
ولن ابالغ ان قلت انني اجد بالنص حين لجوئه الى مقاطع تاريخية تقاطعات بارزة مع عبدالرحمن منيف في أجيال مدن الملح وأرض السواد..
ولن يتمالك القارئ ان يجد اثرا بين سطور النص لكتابات عبدالله العروي خاصة فيما يخص انبناء نص صديقنا على الحس التاريخي للمجتمع..
ان هذا النص بالمجمل المختصر يبني رؤية تاريخية مستلهمة من المقروء كما فعل اسلافه من الروائيين مثلما استخدم إدوارد الخراط وشكري عياد تاريخ الامة ومثلما درجت كتابات الطيب صالح والذي كانت له رؤى مخصوصة عن التاريخ الذي استلهمه من اللا مقروء التاريخي والغائب بالمخيال العربي..
ا======= أيُّ تمايز وتجديد ؟!==========
هذا النص ليس نصا تاريخيا انما هو إعادة تخييل لأحداث ووقائع وشخصيات عاشت في الماضي، وهذه القصة تسائل الماضي وتحفره عميقا وتحاول ان تستقرئ التراث و الماضي، من أجل ان تبني مستقبلا وراهنا مستخدمة طرائق السرد المختلفة..
كل هذا يجعل القصة تتمرّد كثيرا أو قليلا على سلطة المرجعي فيها (الخصاىص الفنية للقصة القصيرة او لنقل الاقصوصة على ما بينهما من اختلاف)
وتنتصر باسلوبها وطرائقها الفنية وملامحها الاجناسية لتعيد بناء التاريخ وفق رؤية جديدة، اذ كان هم القاص ان يحول مادته من التاريخ إلى مادة للتخييل والقراءة والترميز..
لقد اشتغل القاص على مادة يحاول إحالتها الى معدن وجوهرة وماسة تخييلية تستقرئ الواقع..
هل وفق؟! نجح ام خفق.. ؟! لابد ان نضع النص بالمحك الخصائصي والملامحي والفني لذات الجنس الادبي؟!
هل هو بباب الرواية التاريخية او الاقصوصة او القصة القصيرة؟!
ما سنجيب عنه بتالي قراءتنا..
ثانيا .. بالتجنيس الاقصوصي
ا===========
السجل اللفظي الاجناسي بين القصة والرواية
ا====== هل النص فصل من رواية ام اقصوصة
خاصة انه كثف حينا واستطرد حينا..بنصه ؟!
ا====== للاجابة ..
انتشر كثيرا صدى المقارنات بين الرواية والنص الاقصوصي في النقدين العربي والغربي على حد السواء.. لعل اهمها تلك الاساليب الاستعارية في تحديدهما كتشبيه القصة بالطلقة لمفعولها الآني السريع والرواية بالنهر لجريان وامتداد السرد فيها طويلا جدا..
فإذا كانت الرواية منبنية على التعدد الذي ينجم عنه تنوع القضايا المطروحة وينجر عنه تكاثر الشخصيات وتضارب العلاقات القائمة بينها ويمتد انتقال الاحداث في امكنة مختلفة وازمنة شاسعة ليشمل حيوات متضاربة متوالدة مختلفة..
فظهرت تقنيات هل نعدها من السرد القصصي ام الروائي؟!
تختلف هندسة المبنى الروائي من رواية إلى أخرى ،ويمكن القول إن أبرز عناصر البناء الروائي هي ما يأتي:
1-الحدث
2- الشخصيات
3- الزمان
4-المكان
5- السرد
6- الحوار
7- اللغة .
لكن الذي يشفع لهذا النص بتقديرنا بتجنيسه بفن القصة:
ا====================
أ- التزمين التاريخي ووحدة الزمن
ا====================
الزمن : "الشبح و الوهمي المخوف الذي يقتفي آثارنا ، وهو الوجود نفسه ، و هو لا يرى بل يرى أثره ، و هو الصراع الوحيد الذي ينهزم فيه الإنسان دائما و له أنواع أبرزها:
الزمن المتواصل
الزمن المتعاقب
الزمن المنقطع أو المتشظي
الزمن الغائب
الزمن الذاتي(النفسي) .
الزمان والسرد : يوجد ثلاثة أضرب من الزمن تتداخل بالحدث السردي و تلازمه وهي :
1- زمن الحكاية(المغامرة) : أو الزمن المحكي، و هي زمنية تتمحض للعالم الروائي المنشأ
2- زمن الكتابة : و يتصل به زمن السرد (زمن إفراغ النص إلى القرطاس)
3- زمن القراءة:و هو الزمن الذي يصاحب القارئ و هو يقرأ العمل السردي.
و الزمن أكثر العناصر السردية تداخلا و اتصالا بالعناصر و التقنيات الأخرى و لهذا كثر الحديث عنه و الكتابة فيه.
ا====================
ب- توظيف تقنيات الزمن
ا====================
قد وظف الكاتب بنصه هذا تقنيات الحركة السردية , و ابدى اهتماما بالإيقاع القصصي , فقدم اشكالا متعددة من التلخيصات, منها المكثفة مثلا(1) و منها المرتبطة باسترجاعات داخلية(2) , و منها التلخيصات العائمة(3) , و قد اسهمت بشكل كبير في تسريع الاحداث , اما تقنية الحذف فقد اعتمد الروائي على الحذف الصريح المحدد (4) , قياسا بالانواع الاخرى من الحذف(5) , و كذلك الحذف الضمني الذي اضفى فنية و ابداعا على النصوص اما تقنية ( المشهد و الوقفة ) و كان لهما حضور متميز , اذ اسهمتا في ابطاء الحركة السردية , فقد تعددت اشكال المشاهد بين حوارية(6) و وصفية(7) و اختتامية(8) و افتتاحية(9) , و قد تفاوتت هذه الاشكال في درجة حضورها , اما الوقفات فقد كانت معلوماتية(10) و وصفية(11) , و قد استخدم القاص اسلوبا متميزا في تصوير الامكنة و الشخصيات و وصف الملامح الداخلية و الخارجية معتمدا على الية الوصف..
هكذا برز لنا جليا من نصه ان الامر يتعلق بفن الأقصوصة خلافا للرواية اذ انتقي لحظات محدودة من حياة شخصية واحدة محققة وحدة الاثر والانطباع وسار بها جاهدة ليوظف الاركان القصصية من زمان ومكان وشخصيات واحداث ووصف وحوار في سبيل تجسيد منطق الوحدة داخل نسيج القص..
لذلك وجب الاعتماد على السجل اللفظي لمقاربة الفن القصصي دون سواه .
فهل من الممكن اصطفاء مصطلحات من الجهاز النظري النقدي نخصصه للقص الوجيز القصير دون غيره؟!
ا========
اولا التمازج في مستوى التأويل الأجناسي
ا============================
يصح القول ان القصة والرواية تعتمدان اساليب قصصية مشتركة متمازجة لانهما تتوسلان باركان القص المألوفة فيهما الاحداث والشخصيات وفيهما فضاءات مكانية و زمانية .. وكلتاهما تراوح بين السرد والوصف والحوار.. وكلتاهما تتأسس على التخييل ومحاكاة الواقع .. وكلتاهما يتواتر فيهما التعويل على القص المفرد le récit singulatif..
وهي مقومات مشتركة تحجب احيانا ما بين الخطابين القصصي والروائي من فوارق ..
لكنه وجب الان وقد توضحت اركان الخطاب ان الامر يتعلق بالاقصوصة والأقصوصي مما يتطلب النظر :
اولا في التباين الأجناسي بينهما..
وثانيا في ثنائيات الخصائص والملامح الفنيتين
من جهة الحجم المقتضب او الموسع ..
ومن جهة البناء الداخلي الهرمي او الثنائي
ومن جهة النهاية المفاجئة السلبية او الموفية لحل
ومن جهة وحدة الأركان القصصية او تعددها..
ا========
ثانيا التمايز في مستوى تأويل السجل اللفظي
ا============================
ان استعمال مصطلحات لانجاز قراءة نقدية لنص روائي يعد خطأ بالمنهج جسيما كأن نستعمل بالرواية سجلا لفظيا مخصوصا بالقصة القصيرة من قبيل وحدة الانطباع والاثر ولحظة الكشف والتنوير.. والبداية السريعة والنهاية المفاجئة والاقتصاد بالعبارة والتركيز في توظيف عناصر القص.. فضلا عن مصطلحات تعنى بالملامح الفنية من مثل وحدة المكان واللحظة الحرجة الدقيقة ووحدة الشخصية والايحاء والتكثيف ومصطلحات لا يقع التوسل بها اثناء التأويل النقدي الا متى كنا حيال جنس القصة القصيرة بالذات
ا===========
السجل اللفظي الاجناسي بين القصة والرواية
ا====== هل النص فصل من رواية ام اقصوصة
خاصة انه كثف حينا واستطرد حينا..بنصه ؟!
ا====== للاجابة ..
انتشر كثيرا صدى المقارنات بين الرواية والنص الاقصوصي في النقدين العربي والغربي على حد السواء.. لعل اهمها تلك الاساليب الاستعارية في تحديدهما كتشبيه القصة بالطلقة لمفعولها الآني السريع والرواية بالنهر لجريان وامتداد السرد فيها طويلا جدا..
فإذا كانت الرواية منبنية على التعدد الذي ينجم عنه تنوع القضايا المطروحة وينجر عنه تكاثر الشخصيات وتضارب العلاقات القائمة بينها ويمتد انتقال الاحداث في امكنة مختلفة وازمنة شاسعة ليشمل حيوات متضاربة متوالدة مختلفة..
فظهرت تقنيات هل نعدها من السرد القصصي ام الروائي؟!
تختلف هندسة المبنى الروائي من رواية إلى أخرى ،ويمكن القول إن أبرز عناصر البناء الروائي هي ما يأتي:
1-الحدث
2- الشخصيات
3- الزمان
4-المكان
5- السرد
6- الحوار
7- اللغة .
لكن الذي يشفع لهذا النص بتقديرنا بتجنيسه بفن القصة:
ا====================
أ- التزمين التاريخي ووحدة الزمن
ا====================
الزمن : "الشبح و الوهمي المخوف الذي يقتفي آثارنا ، وهو الوجود نفسه ، و هو لا يرى بل يرى أثره ، و هو الصراع الوحيد الذي ينهزم فيه الإنسان دائما و له أنواع أبرزها:
الزمن المتواصل
الزمن المتعاقب
الزمن المنقطع أو المتشظي
الزمن الغائب
الزمن الذاتي(النفسي) .
الزمان والسرد : يوجد ثلاثة أضرب من الزمن تتداخل بالحدث السردي و تلازمه وهي :
1- زمن الحكاية(المغامرة) : أو الزمن المحكي، و هي زمنية تتمحض للعالم الروائي المنشأ
2- زمن الكتابة : و يتصل به زمن السرد (زمن إفراغ النص إلى القرطاس)
3- زمن القراءة:و هو الزمن الذي يصاحب القارئ و هو يقرأ العمل السردي.
و الزمن أكثر العناصر السردية تداخلا و اتصالا بالعناصر و التقنيات الأخرى و لهذا كثر الحديث عنه و الكتابة فيه.
ا====================
ب- توظيف تقنيات الزمن
ا====================
قد وظف الكاتب بنصه هذا تقنيات الحركة السردية , و ابدى اهتماما بالإيقاع القصصي , فقدم اشكالا متعددة من التلخيصات, منها المكثفة مثلا(1) و منها المرتبطة باسترجاعات داخلية(2) , و منها التلخيصات العائمة(3) , و قد اسهمت بشكل كبير في تسريع الاحداث , اما تقنية الحذف فقد اعتمد الروائي على الحذف الصريح المحدد (4) , قياسا بالانواع الاخرى من الحذف(5) , و كذلك الحذف الضمني الذي اضفى فنية و ابداعا على النصوص اما تقنية ( المشهد و الوقفة ) و كان لهما حضور متميز , اذ اسهمتا في ابطاء الحركة السردية , فقد تعددت اشكال المشاهد بين حوارية(6) و وصفية(7) و اختتامية(8) و افتتاحية(9) , و قد تفاوتت هذه الاشكال في درجة حضورها , اما الوقفات فقد كانت معلوماتية(10) و وصفية(11) , و قد استخدم القاص اسلوبا متميزا في تصوير الامكنة و الشخصيات و وصف الملامح الداخلية و الخارجية معتمدا على الية الوصف..
هكذا برز لنا جليا من نصه ان الامر يتعلق بفن الأقصوصة خلافا للرواية اذ انتقي لحظات محدودة من حياة شخصية واحدة محققة وحدة الاثر والانطباع وسار بها جاهدة ليوظف الاركان القصصية من زمان ومكان وشخصيات واحداث ووصف وحوار في سبيل تجسيد منطق الوحدة داخل نسيج القص..
لذلك وجب الاعتماد على السجل اللفظي لمقاربة الفن القصصي دون سواه .
فهل من الممكن اصطفاء مصطلحات من الجهاز النظري النقدي نخصصه للقص الوجيز القصير دون غيره؟!
ا========
اولا التمازج في مستوى التأويل الأجناسي
ا============================
يصح القول ان القصة والرواية تعتمدان اساليب قصصية مشتركة متمازجة لانهما تتوسلان باركان القص المألوفة فيهما الاحداث والشخصيات وفيهما فضاءات مكانية و زمانية .. وكلتاهما تراوح بين السرد والوصف والحوار.. وكلتاهما تتأسس على التخييل ومحاكاة الواقع .. وكلتاهما يتواتر فيهما التعويل على القص المفرد le récit singulatif..
وهي مقومات مشتركة تحجب احيانا ما بين الخطابين القصصي والروائي من فوارق ..
لكنه وجب الان وقد توضحت اركان الخطاب ان الامر يتعلق بالاقصوصة والأقصوصي مما يتطلب النظر :
اولا في التباين الأجناسي بينهما..
وثانيا في ثنائيات الخصائص والملامح الفنيتين
من جهة الحجم المقتضب او الموسع ..
ومن جهة البناء الداخلي الهرمي او الثنائي
ومن جهة النهاية المفاجئة السلبية او الموفية لحل
ومن جهة وحدة الأركان القصصية او تعددها..
ا========
ثانيا التمايز في مستوى تأويل السجل اللفظي
ا============================
ان استعمال مصطلحات لانجاز قراءة نقدية لنص روائي يعد خطأ بالمنهج جسيما كأن نستعمل بالرواية سجلا لفظيا مخصوصا بالقصة القصيرة من قبيل وحدة الانطباع والاثر ولحظة الكشف والتنوير.. والبداية السريعة والنهاية المفاجئة والاقتصاد بالعبارة والتركيز في توظيف عناصر القص.. فضلا عن مصطلحات تعنى بالملامح الفنية من مثل وحدة المكان واللحظة الحرجة الدقيقة ووحدة الشخصية والايحاء والتكثيف ومصطلحات لا يقع التوسل بها اثناء التأويل النقدي الا متى كنا حيال جنس القصة القصيرة بالذات
ينظر للامثلة والخصائص الفنية
مما ورد ب(يوم نسينا طعم النعناع الابيض)
نجد ملامح القص التالية:
1-التلخيص وأمثلته:
[تاركاً هذا العلقم المسمى ماجد، يختال أمامنا جيئة وذهاباً .. باتت الأيام طويلة ]
2-الاسترجاع وأمثلته:
[ولعبنا وقتها كما لم نلعب من قبل .. وردة ستعود لنـا، ولكن هيهات، ]
3-التلخيص المتقطع وأمثلته:
[أصواتنا لم تعد أصواتنا، تغيَّرت، كبرنا ، وبتنا أطول من وردة ، و شواربنا خطَّت سطورها بوهنٍ تحت أنوفنا]
4- الحذف الصريح وأمثلته:
[كـنّـا كذبة ، متملقين صغار ، وعندما كبرنا أول مــرَّة ، كان نعشه يتهادى فوق أكتاف آبائنا ؛ لن يسخروا منه بعد اليوم ، ولن يذكرهم أحد بـ " زبيــد يا هلي " .]
5- الحذف الضمني وأمثلته:
[سيرة والده العطرة ، توارت ، وغاص معها حلو النعناع الأبيض بعيداً ، بعيداً في أقاصي الذاكرة]
6- المشهد الحواري وأمثلته:
{رويدك يا جدِّي، تمهَّل ، ضع خنجرك ، يا رجل، أنا لم أتبرأ منه ، هو من رماكم في وجهي:
- خــذ هؤلاء أجدادك ، بلّهم واشرب ماءهم .}
7- مشهد وصفي وأمثلته:
[لملمت أجدادي، وأعدتهم لمكتبتي . قامت قيامتهم .. تعاركوا مع نزار وديك الجن اللذين لعنا أجدادي، وطالباني بوضع حدٍّ لهذه المهزلة . أشهر اليمني خنجره، وهدد ديك الجن بقطع أنفه إن تنفّس مرّة أخرى. كتم ديك الجن أنفاسه ، بينما لوى نزار فمه، وهو يلملم نساءه وأشعاره. قال جدي :
- دعك منهما . سنذهب معك لنصرة ماجد]
8- مشهد ختامي وأمثلته:
[توسَّل إليه آباؤنا، وعرضوا عليه أختي سميرة ، ثمّ عرضوا عليه ابنة عمي زهرة ، إلاَّ أنَّـه بكلّ وقاحة وغرور رفض مصراً على الزواج من وردة ، أو يفجر نفسه ؟!! "]
9- مشهد افتتاحي وأمثلته:
[كنَّــا قد طوينا سيرته منذ سنين عديدة ، ونسينا معه وردة والمرحوم والليرات وحلو* النعناع الأبيض ، ولكنَّ نبأ سجنه أطبق علينا هذا الصباح]
10- الوقفة المعلوماتية وأمثلتها:
[منذ أورثني ماجد قائمة الأجداد التي يرأسها اليمني عمر بن معد يكرب الزبيدي ، وفرائصي ترتعد .. يرعبني هذا الجد اليمني . مزاجه دموي ، ويده لا تفارق الخنجر ،]
11- الوقفة الوصفية وأمثلتها:
[ولكن ماجداً لم يدرِ ما حلَّ بوردة ولم يأت تلك الليلة كما رجونا ربَّنـا .. كان قد هجر بلدتنا منذ سنين عديدة ، واليوم ، جاءنا نبـأ سجنه ]
ا========
ثالثا السجل اللفظي بجنس قصة () انموذجا
ا==========================أ
1.3.البداية السريعة( Incipit[1])
ترد البداية في هذه الاقصوصة على نحو سريع عاجل (in medias res)
بطريقة ما يقتطع القاص لحظة زمنية محددة دون اللجوء الى الاعتناء بالتمهيد او السعي الى تأطير الشخصيات او الاحداث او الامكنة او الازمنة.. او الاطناب في الخطاب الوصفي وانما الاستهلال ان تحقق كل بداية سردية دخولا مباشرا في الحكاية دون اللجوء الى اي عنصر اخباري او تمهيدي ظاهر ..
ونجاح البداية السريعة هو احداث أثر درامي لاسيما حين تنفتح على لحظة اساسية حاسمة[2]..
وقد وجدنا صراحة بالاقصوصة البدايةالسريعة.
وقد حققت قصة الكاتب حقيقة هذه الخاصية أن يبتدأ نصه الاقصوصي ابتداء متسما بالولوج السريع ؛ كما فى البداية بصتنا (حوار الاستهلال) حيث نلاحظ السرعة فى تقديم الشخصييتان وفواعلهما ،وتنطلق الأحداث فى لمح البصر ،حيث يقوم بتقدبم الشخصيات بسرعة بحيث يكون استدعاؤها وحضورها يمثلان محورالقص ومبعث القضية المطروحة، اذ سرعان مانجد أنفسنا فى صميم الحدث، والايهام بواقعية مايحدث وكما لو كان وقع فعلا ،ومن ثم تتميز هذه البداية بالانغماس رأسا فى الأحداث،وخاصة انه يلتقط فيها الحدث لمحا وومضا بارقا بالبداية السريعة .
وهذا نجده في ما وفق فيه الكاتب صراحة من حوار اذن البداية بهذه السمة او يطالعنا بمقوم فنى أخر بذلك الحوار الايحائي فى افتتاح القص مايتضمنه من عمق معنوي وقيمة بنائية مبنية على ثنائيات :(التقابل بالرؤية وزاوية النظر ،وثنائية صمت شخصية اولى وحضور اخرى ثانية ) وتلك الثنائيات لها عمق معنوى يقوم على الانطلاق كخيوط لنسيج الاقصوصة كاملة ،اى أنها مجموعة من الخيوط تتسق مع بعضها لتكون القصة
2.3.النهاية المتوترة
اعتبر كاتب القصة نهاية قصته موضعا استراتيجيا في خطة تأليفه.. لانه يعلم ان الناقد عادة ما تلفت نظره النهاية لمعرفة مدى توفق الاقصوصي في بناء نصه واتساق تصميمه وانسجام نسيجه البنائي..
على حد عبارة شكلوفسكي (ان عنوان الحذق والبراعة لكامن في اتقان تشكيل هذا الموضع الختامي )[3]
تنتصب النهاية لتمثل اللحظة الحاسمة التي تنير ما جاء قبلها وتفسره على نحو مفاجئ للشخصية بالقصة اولا وبالاساس وصادمة للقارى المتلقي من ناحية ثانية.. وهذا ما حققته الاقصوصة بامتياز..
3.3.وحدة الزمان الاقصوصي:
مثلما ساهمت البداية السريعة والنهاية المتوترة في تعميق درجة التوتر وانتاج وحدة الانطباع والاثر بالاقصوصة اقترن الاطار المكاني الذي احتضن وقائع الفاعلين بنقطة انطلاق القص ونهايته اذ اقتطع الكاتب مدة زمن واضحة انها بداية حوار ونهايته مع الشخصية ..لقد انتقى الكاتب لحظة زمنية خاطفة وصاغها صياغة مبهرة آنية عاجلة مؤثرة تأثيرا حادا..
لحظة حوار بين اثنين من الشخصيات تناسلت منها ازمنة متفرقة ابتدعها الكاتب ابتداعا ونسجها نسجا ممعنا بالايجاز ..مراوحا بالطبع استرجاعا واستردادا ووقفا و تلخيصا ..
4.3الوصف المقتضب
باعتبار أن الوصف يعد لدى القاص والراوي هوية لانتمائهما للاتجاة الواقعى من ناحية ومن ناحية ثانية من أهم الطرائق السردية الجوهرية، ففي كليهما يقع اصطفاء العبارة والتدقيق بالأوصاف والعمل على ان يكون الوصف وظيفيا مما يوحي عموما بحذق فى استعمال اللفظ، والعبارة انه عبارة عن اقتدار بالمعجم لدى الواصف، ودليل معرفة العالم ودليل ايضا على كفاءة موسوعية للقاص.
ومن الإمارات المجسمة لهذا المنحى كون الاقصوصي صاحب هذا النص ومنشئه ؛لايصف من هيئة الشخصيات الإ ماهو ضرورى وماهو خادم لمقصده التاريخي، وماهو بغاية استلهام تاريخي، بحيث يكون الوصف دقيقا ويلمح الى لانتماء الشخصية الى المرحلة التاريخية التي يذكرها..
مما ورد ب(يوم نسينا طعم النعناع الابيض)
نجد ملامح القص التالية:
1-التلخيص وأمثلته:
[تاركاً هذا العلقم المسمى ماجد، يختال أمامنا جيئة وذهاباً .. باتت الأيام طويلة ]
2-الاسترجاع وأمثلته:
[ولعبنا وقتها كما لم نلعب من قبل .. وردة ستعود لنـا، ولكن هيهات، ]
3-التلخيص المتقطع وأمثلته:
[أصواتنا لم تعد أصواتنا، تغيَّرت، كبرنا ، وبتنا أطول من وردة ، و شواربنا خطَّت سطورها بوهنٍ تحت أنوفنا]
4- الحذف الصريح وأمثلته:
[كـنّـا كذبة ، متملقين صغار ، وعندما كبرنا أول مــرَّة ، كان نعشه يتهادى فوق أكتاف آبائنا ؛ لن يسخروا منه بعد اليوم ، ولن يذكرهم أحد بـ " زبيــد يا هلي " .]
5- الحذف الضمني وأمثلته:
[سيرة والده العطرة ، توارت ، وغاص معها حلو النعناع الأبيض بعيداً ، بعيداً في أقاصي الذاكرة]
6- المشهد الحواري وأمثلته:
{رويدك يا جدِّي، تمهَّل ، ضع خنجرك ، يا رجل، أنا لم أتبرأ منه ، هو من رماكم في وجهي:
- خــذ هؤلاء أجدادك ، بلّهم واشرب ماءهم .}
7- مشهد وصفي وأمثلته:
[لملمت أجدادي، وأعدتهم لمكتبتي . قامت قيامتهم .. تعاركوا مع نزار وديك الجن اللذين لعنا أجدادي، وطالباني بوضع حدٍّ لهذه المهزلة . أشهر اليمني خنجره، وهدد ديك الجن بقطع أنفه إن تنفّس مرّة أخرى. كتم ديك الجن أنفاسه ، بينما لوى نزار فمه، وهو يلملم نساءه وأشعاره. قال جدي :
- دعك منهما . سنذهب معك لنصرة ماجد]
8- مشهد ختامي وأمثلته:
[توسَّل إليه آباؤنا، وعرضوا عليه أختي سميرة ، ثمّ عرضوا عليه ابنة عمي زهرة ، إلاَّ أنَّـه بكلّ وقاحة وغرور رفض مصراً على الزواج من وردة ، أو يفجر نفسه ؟!! "]
9- مشهد افتتاحي وأمثلته:
[كنَّــا قد طوينا سيرته منذ سنين عديدة ، ونسينا معه وردة والمرحوم والليرات وحلو* النعناع الأبيض ، ولكنَّ نبأ سجنه أطبق علينا هذا الصباح]
10- الوقفة المعلوماتية وأمثلتها:
[منذ أورثني ماجد قائمة الأجداد التي يرأسها اليمني عمر بن معد يكرب الزبيدي ، وفرائصي ترتعد .. يرعبني هذا الجد اليمني . مزاجه دموي ، ويده لا تفارق الخنجر ،]
11- الوقفة الوصفية وأمثلتها:
[ولكن ماجداً لم يدرِ ما حلَّ بوردة ولم يأت تلك الليلة كما رجونا ربَّنـا .. كان قد هجر بلدتنا منذ سنين عديدة ، واليوم ، جاءنا نبـأ سجنه ]
ا========
ثالثا السجل اللفظي بجنس قصة () انموذجا
ا==========================أ
1.3.البداية السريعة( Incipit[1])
ترد البداية في هذه الاقصوصة على نحو سريع عاجل (in medias res)
بطريقة ما يقتطع القاص لحظة زمنية محددة دون اللجوء الى الاعتناء بالتمهيد او السعي الى تأطير الشخصيات او الاحداث او الامكنة او الازمنة.. او الاطناب في الخطاب الوصفي وانما الاستهلال ان تحقق كل بداية سردية دخولا مباشرا في الحكاية دون اللجوء الى اي عنصر اخباري او تمهيدي ظاهر ..
ونجاح البداية السريعة هو احداث أثر درامي لاسيما حين تنفتح على لحظة اساسية حاسمة[2]..
وقد وجدنا صراحة بالاقصوصة البدايةالسريعة.
وقد حققت قصة الكاتب حقيقة هذه الخاصية أن يبتدأ نصه الاقصوصي ابتداء متسما بالولوج السريع ؛ كما فى البداية بصتنا (حوار الاستهلال) حيث نلاحظ السرعة فى تقديم الشخصييتان وفواعلهما ،وتنطلق الأحداث فى لمح البصر ،حيث يقوم بتقدبم الشخصيات بسرعة بحيث يكون استدعاؤها وحضورها يمثلان محورالقص ومبعث القضية المطروحة، اذ سرعان مانجد أنفسنا فى صميم الحدث، والايهام بواقعية مايحدث وكما لو كان وقع فعلا ،ومن ثم تتميز هذه البداية بالانغماس رأسا فى الأحداث،وخاصة انه يلتقط فيها الحدث لمحا وومضا بارقا بالبداية السريعة .
وهذا نجده في ما وفق فيه الكاتب صراحة من حوار اذن البداية بهذه السمة او يطالعنا بمقوم فنى أخر بذلك الحوار الايحائي فى افتتاح القص مايتضمنه من عمق معنوي وقيمة بنائية مبنية على ثنائيات :(التقابل بالرؤية وزاوية النظر ،وثنائية صمت شخصية اولى وحضور اخرى ثانية ) وتلك الثنائيات لها عمق معنوى يقوم على الانطلاق كخيوط لنسيج الاقصوصة كاملة ،اى أنها مجموعة من الخيوط تتسق مع بعضها لتكون القصة
2.3.النهاية المتوترة
اعتبر كاتب القصة نهاية قصته موضعا استراتيجيا في خطة تأليفه.. لانه يعلم ان الناقد عادة ما تلفت نظره النهاية لمعرفة مدى توفق الاقصوصي في بناء نصه واتساق تصميمه وانسجام نسيجه البنائي..
على حد عبارة شكلوفسكي (ان عنوان الحذق والبراعة لكامن في اتقان تشكيل هذا الموضع الختامي )[3]
تنتصب النهاية لتمثل اللحظة الحاسمة التي تنير ما جاء قبلها وتفسره على نحو مفاجئ للشخصية بالقصة اولا وبالاساس وصادمة للقارى المتلقي من ناحية ثانية.. وهذا ما حققته الاقصوصة بامتياز..
3.3.وحدة الزمان الاقصوصي:
مثلما ساهمت البداية السريعة والنهاية المتوترة في تعميق درجة التوتر وانتاج وحدة الانطباع والاثر بالاقصوصة اقترن الاطار المكاني الذي احتضن وقائع الفاعلين بنقطة انطلاق القص ونهايته اذ اقتطع الكاتب مدة زمن واضحة انها بداية حوار ونهايته مع الشخصية ..لقد انتقى الكاتب لحظة زمنية خاطفة وصاغها صياغة مبهرة آنية عاجلة مؤثرة تأثيرا حادا..
لحظة حوار بين اثنين من الشخصيات تناسلت منها ازمنة متفرقة ابتدعها الكاتب ابتداعا ونسجها نسجا ممعنا بالايجاز ..مراوحا بالطبع استرجاعا واستردادا ووقفا و تلخيصا ..
4.3الوصف المقتضب
باعتبار أن الوصف يعد لدى القاص والراوي هوية لانتمائهما للاتجاة الواقعى من ناحية ومن ناحية ثانية من أهم الطرائق السردية الجوهرية، ففي كليهما يقع اصطفاء العبارة والتدقيق بالأوصاف والعمل على ان يكون الوصف وظيفيا مما يوحي عموما بحذق فى استعمال اللفظ، والعبارة انه عبارة عن اقتدار بالمعجم لدى الواصف، ودليل معرفة العالم ودليل ايضا على كفاءة موسوعية للقاص.
ومن الإمارات المجسمة لهذا المنحى كون الاقصوصي صاحب هذا النص ومنشئه ؛لايصف من هيئة الشخصيات الإ ماهو ضرورى وماهو خادم لمقصده التاريخي، وماهو بغاية استلهام تاريخي، بحيث يكون الوصف دقيقا ويلمح الى لانتماء الشخصية الى المرحلة التاريخية التي يذكرها..
5.3.وحدة الشخصية :
يعتبر التركيز على شخصية واحدة وبقية الشخصيات خادمة لها والالتجاء الى وصفها وصفا دقيقا من المظاهر المهمة اولا للايهام بالواقع وثانيا دالا على قدرته في البحث عن كيفيات التوظيف للوصف الهادف ، ذلك ان الكاتب يركز على شخصية واحدة تخدمها شخصيات اخرى ،
.
6.3.وحدة المكان
لم يظهر المكان بتفاصيله بالأقصوصة الا ليكون قادحا تاريخيا فهو خزانة اسرار يلتقي فيه نزار قباني مع الشخصية التاريخية .. انه مكان حركي زئبقي يساهم في احداث التشويق ومضاعفة التوتر لدى القارئ والراوي بنفس الدرجة.. ومنه وعلى هذا النحو تتحقق وحدة المكان فالحدث المركزي لا يتخطى ما حدده القاص من امكنة وفضاءات دالة تاريخيا ونفسيا..
ناهيك ان وحدة المكان أظهرت قدرة الكاتب الاقصوصي على التقاط حدث يبدو في الظاهر عابرا لكن متى ما تعمقنا بالنفسية داخله وبالتأريخي خارجه تجلت لنا ابعاده .. وبهذا الحدث يصير النص الاقصوصي متناسقا متسقا باسلوب سهل ممتنع مفعم بالدلالة محققا لضوابط الخطاب الاقصوصي..
7.3 . الاقتصاد والايحاء
ان الاقتصاد باللغة والايحاء نتبينه بهذا النص من خلال
الجملة الاستهلالية المكثفة الدلالة التي لا تستوجب التدبر والتأويل والتعليل فحسب وانما هى تنصيص فى سياق دلالي ذلك على ان ما بعدها ليس اعتباطيا وانماهو دليل يؤكدخضوع لغة الاقصوصة الى الدقة وحسن التوظيف اللفظى ؛اذن القصة بدات بالايحاء. هذا الايحاء يدل على اصطفاء العبارات و تكثيف يشع بالاعتبار الانطباع الذى يراد تحقيقه بالقصة.
وبالمختصر نتبين ان التكثيف والاقتصاد بالعبارة والايحاء يظل ركنا جماليا ثابتا فى الخطاب الاقصوصي وهو مايثير سمة الشعرية فى القص واستعمال المجازات فيرتقى القص بطابعه البلاغى البديعي ليصنع حافزا للجملة ويصبح ايضا موظفا توظيفا تارة يسرع ، وتارة يبطىء مما يمثل وجهة النظر المتعددة بالتدليل والنظر ويفتح ابواب التأويل ..
ان هذا التجسيم للاتجاة الواقعى فى اسلوب الكاتب السردى المتبع والذي وقع فيه تحويل وبناء الشخصية من الوجود الواقعى الى الوجود الفنى واللغوى الذى يحقق وظيفة جديدة للشخصية وهى الايهام بواقعية مايقدم الكاتب ؛ بغية الاقناع بالحقيقة المروى لها وبذلك تنتج وظيفة فنية ودهشة بطبيعة الحال من ناحية اخرى بفضل الامتاع السردى المتحقق لدى القارىء لاسيما ان هذا الكاتب قد اتقن طرائق بناء الشخصية بانتقاء النموذج فى كل مقطع من نصه ...
8.3- خاصية القص المجمل والسرد المؤلف
تعتمد الاقصوصة على القص المجمل Sommaire حين يلجأ القاص الى التأليف والتلخيص ساردا مرة واحدة ما حصل اكثر من من مرة معتمدا على الاسراع وطي مراحل عديدة قافزا على التفاصيل. الافاضات ما يميز الاقصوصة عن الرواية المعروفة بتمطيط السرد وارجاء النهاية.وجميع هذه الجمل على قصرها تلخص احداثا ووقائع ممتدة وطويلة فى الزمن ومتعاودة اذن قد بناها فى القفز على بعض الأحداث.
هكذا فان القص المجمل يعتبر من الاساليب الفنية الدالة فى الاقصوصة على اختزال الحيز الزمني المتعلق باحداث ايقاع للقص ومتجددا وايضا الاعتماد على للسرعة فى الاحداث ، فان الاقصوصة اذن تتوسل عند كاتبنا بمقومات اخرى على غرار ايقاع الاسلوب المتمثل فى مواضع القص المجمل؛ خاصة لما يقفز على أحداث متعددة
ا=======
الخاتمة
ا=======
لقد جسمت هذه الاقصوصة مقومات الاقصوصة المركزة المتقنة النسج الحبك..
وحققت على نحو مقنع جملة من الخصائص الفنية الواجب توفرها بالجنس الاقصوصي كتوفر الوحدة التامة للمكان والزمان والحدث والموضوع ومحدودية عدد الشخصيات المشاركة بالوقائع..وتعد بدايتها السريعة ونهايتها المتوترة ناضجة تثبت جودتها وانسجام نسيجها واتساق جملتها السردية .. مع ما طرحته من مواضيع فكرية تنطلق من رؤية للأصالة والمعاصرة ..
ومهما تعددت القراءات والتأويلات.. لا نزعم البتة اننا اتينا على جوانب الجمال فيها.. ولكن اليقين يبقى ان الذات المبدعة للنص الاقصوصي قد فعلت فعلتها في انشاء خطاب قصصي وعمل انساني فخورون بتأويل مقاصده وقراءة فنه الجمالي..
المراجع
ا========
1- لفظة incipit من الكلمة اللاتينية incipire ( بدأ)
كما اللفظ الفرنسي "commencer" وهي الاستهلال او الجملة الاولى او البداية في كل اثر ادبي..
ينظر Michel Pougeoise , dictionnaire de rhétorique,op, cit.p.148.
2- اما الاستهلال فقد اقترح أندريا دل تعريفه: كل بداية سردية تحقق دخولا مباشرا بعيدا عن الاخبار والتمهيد المطول..
ينظر :
Andrea Del:lungo ," pour une poétique de l'incipit " , Poétique , 94, avril 1993,p.144.
3- اVictor Chklovski, "La construction de la nouvelle et du roman", in théorie de la littérature, op.cit. p. 177
يعتبر التركيز على شخصية واحدة وبقية الشخصيات خادمة لها والالتجاء الى وصفها وصفا دقيقا من المظاهر المهمة اولا للايهام بالواقع وثانيا دالا على قدرته في البحث عن كيفيات التوظيف للوصف الهادف ، ذلك ان الكاتب يركز على شخصية واحدة تخدمها شخصيات اخرى ،
.
6.3.وحدة المكان
لم يظهر المكان بتفاصيله بالأقصوصة الا ليكون قادحا تاريخيا فهو خزانة اسرار يلتقي فيه نزار قباني مع الشخصية التاريخية .. انه مكان حركي زئبقي يساهم في احداث التشويق ومضاعفة التوتر لدى القارئ والراوي بنفس الدرجة.. ومنه وعلى هذا النحو تتحقق وحدة المكان فالحدث المركزي لا يتخطى ما حدده القاص من امكنة وفضاءات دالة تاريخيا ونفسيا..
ناهيك ان وحدة المكان أظهرت قدرة الكاتب الاقصوصي على التقاط حدث يبدو في الظاهر عابرا لكن متى ما تعمقنا بالنفسية داخله وبالتأريخي خارجه تجلت لنا ابعاده .. وبهذا الحدث يصير النص الاقصوصي متناسقا متسقا باسلوب سهل ممتنع مفعم بالدلالة محققا لضوابط الخطاب الاقصوصي..
7.3 . الاقتصاد والايحاء
ان الاقتصاد باللغة والايحاء نتبينه بهذا النص من خلال
الجملة الاستهلالية المكثفة الدلالة التي لا تستوجب التدبر والتأويل والتعليل فحسب وانما هى تنصيص فى سياق دلالي ذلك على ان ما بعدها ليس اعتباطيا وانماهو دليل يؤكدخضوع لغة الاقصوصة الى الدقة وحسن التوظيف اللفظى ؛اذن القصة بدات بالايحاء. هذا الايحاء يدل على اصطفاء العبارات و تكثيف يشع بالاعتبار الانطباع الذى يراد تحقيقه بالقصة.
وبالمختصر نتبين ان التكثيف والاقتصاد بالعبارة والايحاء يظل ركنا جماليا ثابتا فى الخطاب الاقصوصي وهو مايثير سمة الشعرية فى القص واستعمال المجازات فيرتقى القص بطابعه البلاغى البديعي ليصنع حافزا للجملة ويصبح ايضا موظفا توظيفا تارة يسرع ، وتارة يبطىء مما يمثل وجهة النظر المتعددة بالتدليل والنظر ويفتح ابواب التأويل ..
ان هذا التجسيم للاتجاة الواقعى فى اسلوب الكاتب السردى المتبع والذي وقع فيه تحويل وبناء الشخصية من الوجود الواقعى الى الوجود الفنى واللغوى الذى يحقق وظيفة جديدة للشخصية وهى الايهام بواقعية مايقدم الكاتب ؛ بغية الاقناع بالحقيقة المروى لها وبذلك تنتج وظيفة فنية ودهشة بطبيعة الحال من ناحية اخرى بفضل الامتاع السردى المتحقق لدى القارىء لاسيما ان هذا الكاتب قد اتقن طرائق بناء الشخصية بانتقاء النموذج فى كل مقطع من نصه ...
8.3- خاصية القص المجمل والسرد المؤلف
تعتمد الاقصوصة على القص المجمل Sommaire حين يلجأ القاص الى التأليف والتلخيص ساردا مرة واحدة ما حصل اكثر من من مرة معتمدا على الاسراع وطي مراحل عديدة قافزا على التفاصيل. الافاضات ما يميز الاقصوصة عن الرواية المعروفة بتمطيط السرد وارجاء النهاية.وجميع هذه الجمل على قصرها تلخص احداثا ووقائع ممتدة وطويلة فى الزمن ومتعاودة اذن قد بناها فى القفز على بعض الأحداث.
هكذا فان القص المجمل يعتبر من الاساليب الفنية الدالة فى الاقصوصة على اختزال الحيز الزمني المتعلق باحداث ايقاع للقص ومتجددا وايضا الاعتماد على للسرعة فى الاحداث ، فان الاقصوصة اذن تتوسل عند كاتبنا بمقومات اخرى على غرار ايقاع الاسلوب المتمثل فى مواضع القص المجمل؛ خاصة لما يقفز على أحداث متعددة
ا=======
الخاتمة
ا=======
لقد جسمت هذه الاقصوصة مقومات الاقصوصة المركزة المتقنة النسج الحبك..
وحققت على نحو مقنع جملة من الخصائص الفنية الواجب توفرها بالجنس الاقصوصي كتوفر الوحدة التامة للمكان والزمان والحدث والموضوع ومحدودية عدد الشخصيات المشاركة بالوقائع..وتعد بدايتها السريعة ونهايتها المتوترة ناضجة تثبت جودتها وانسجام نسيجها واتساق جملتها السردية .. مع ما طرحته من مواضيع فكرية تنطلق من رؤية للأصالة والمعاصرة ..
ومهما تعددت القراءات والتأويلات.. لا نزعم البتة اننا اتينا على جوانب الجمال فيها.. ولكن اليقين يبقى ان الذات المبدعة للنص الاقصوصي قد فعلت فعلتها في انشاء خطاب قصصي وعمل انساني فخورون بتأويل مقاصده وقراءة فنه الجمالي..
المراجع
ا========
1- لفظة incipit من الكلمة اللاتينية incipire ( بدأ)
كما اللفظ الفرنسي "commencer" وهي الاستهلال او الجملة الاولى او البداية في كل اثر ادبي..
ينظر Michel Pougeoise , dictionnaire de rhétorique,op, cit.p.148.
2- اما الاستهلال فقد اقترح أندريا دل تعريفه: كل بداية سردية تحقق دخولا مباشرا بعيدا عن الاخبار والتمهيد المطول..
ينظر :
Andrea Del:lungo ," pour une poétique de l'incipit " , Poétique , 94, avril 1993,p.144.
3- اVictor Chklovski, "La construction de la nouvelle et du roman", in théorie de la littérature, op.cit. p. 177
فاضل العذاري
عند
قرائتي لنص (يوم نسينا طعم النعناع الأبيض) للقاص حمدي البصيري وجدت أنّ مخيّلة
الحفيد قد تفاعلت تماما مع ماخط على الأوراق الصفراء بين دفتي كتاب قديم:يهتم
بمشجر الأنساب الخاصة بذكر أسماء أجداده وتأريخ قبيلته؛فيعيش في أجواء تلك العصور
الغابرة، متنقلا بين الأزمنة القديمةبخفةورشاقةتسحرذائقةالمتلقي.يدخل مضافة عائلته الكبيرة، ولسانه يردد بحماسة نخوة
خاصة للقبيلة تحشّم غيرة أفرادهاعندالشدائد:
-زُبيد ياهلي.
وقد أجاد الحفيد بتكرارها على لسانه؛إذتعد مدعاة للفخر والإعتزاز بالأصل.
يبدأبمخاطبة أجداده القدماء ناقلا لهم نبأ سجن ماجد:ذلك الأسم الذي تحوم حوله التساؤلات،واللغز الذي يخضع للتأمل، والتحليل،والتأويل.
النبأ يثير غيرة أجداده الذين يلقون اللوم عليه؛لتثاقله عن نصرة ماجد.
بلغة متدفقة بانسيابية مدهشة ترفد مخيلة القارئ بأروع أنواع الصور البلاغية تسرد ذاكرته مشهدا من عالم طفولته حيث يتربع حلو النعناع الأبيض في دكان أبي ابراهيم،وتصف غيرته مع أقرانه على وردة من ماجد الذي يقترن اسمه باسمها حتى تفسخ خطبته عندبلوغهما مرحلة الشباب.
قد يبدو النص غامضا نوعا ما ولكن بإمكان المتلقي أن يشخص بدقة متناهية:الأورام المتقرحة في أحشاء الكلمات المعبّرة عن كمية الألم في الزمن الحاضر،وتوهج الضوء تدريجيا حين الانتقال من عبارة إلى أخرى، واستنتاج الحدث المشّفر،والمعنى المغيّب بين طلاسم النص، وتحسس ذلك النداء الحالم بعودة وردة:
(يا رب أعد لنـا وردة) حتى يتحول الحلم إلى سراب خادع:وردة ستعود لنـا، ولكن هيهات، وردة تكبرنا بأنوثتها اللافتة، ولن تلعب معنا بعد اليوم!!
ماأفجع تلك الكلمات التي تصور مشهدا حزينا في نهاية المطاف بغصّة مزمنة ترافق مشاعره الفاقدة للأمل: لوَّحنا بأيدينا لوردة : " كبرنا يا وردة . انظري ؟ " ولكن وردة سبقتنا مــرّة ثانية ، تزوجت رجلاً غريباً عنَّـا .. ليلة زفافها تذكرنا ماجد ، وهتفت بصوت مخنوق : " أين أنت يا ماجد ، وردة ستطير منَّـا " ولكن ماجداً لم يدرِ ما حلَّ بوردة ولم يأت تلك الليلة كما رجونا ربَّنـا .. كان قد هجر بلدتنا منذ سنين عديدة ، واليوم ، جاءنا نبـأ سجنه .
الغريب في هذا النص مساراته البطيئة: التي يتخللهاالمونولوج الداخلي،والتفاف الجمل في الخاتمة لتعود الى عتبة الاستهلال الأولى دون أن تحدث خللا في القص،أوتميت لهفتنا؛ليدهشنا كماالحكواتي الذي يختم حكايته بمقولة:(هنامربط الفرس)ليثبت اختفاء ماينادي عليه،وهذه مغامرة لايتقنها إلا كاتب: متمرس، ماهر، واثق من أدواته تماما؛ليتذوق المتلقي من إبداعه المتميزطعم النعناع الأبيض.
-زُبيد ياهلي.
وقد أجاد الحفيد بتكرارها على لسانه؛إذتعد مدعاة للفخر والإعتزاز بالأصل.
يبدأبمخاطبة أجداده القدماء ناقلا لهم نبأ سجن ماجد:ذلك الأسم الذي تحوم حوله التساؤلات،واللغز الذي يخضع للتأمل، والتحليل،والتأويل.
النبأ يثير غيرة أجداده الذين يلقون اللوم عليه؛لتثاقله عن نصرة ماجد.
بلغة متدفقة بانسيابية مدهشة ترفد مخيلة القارئ بأروع أنواع الصور البلاغية تسرد ذاكرته مشهدا من عالم طفولته حيث يتربع حلو النعناع الأبيض في دكان أبي ابراهيم،وتصف غيرته مع أقرانه على وردة من ماجد الذي يقترن اسمه باسمها حتى تفسخ خطبته عندبلوغهما مرحلة الشباب.
قد يبدو النص غامضا نوعا ما ولكن بإمكان المتلقي أن يشخص بدقة متناهية:الأورام المتقرحة في أحشاء الكلمات المعبّرة عن كمية الألم في الزمن الحاضر،وتوهج الضوء تدريجيا حين الانتقال من عبارة إلى أخرى، واستنتاج الحدث المشّفر،والمعنى المغيّب بين طلاسم النص، وتحسس ذلك النداء الحالم بعودة وردة:
(يا رب أعد لنـا وردة) حتى يتحول الحلم إلى سراب خادع:وردة ستعود لنـا، ولكن هيهات، وردة تكبرنا بأنوثتها اللافتة، ولن تلعب معنا بعد اليوم!!
ماأفجع تلك الكلمات التي تصور مشهدا حزينا في نهاية المطاف بغصّة مزمنة ترافق مشاعره الفاقدة للأمل: لوَّحنا بأيدينا لوردة : " كبرنا يا وردة . انظري ؟ " ولكن وردة سبقتنا مــرّة ثانية ، تزوجت رجلاً غريباً عنَّـا .. ليلة زفافها تذكرنا ماجد ، وهتفت بصوت مخنوق : " أين أنت يا ماجد ، وردة ستطير منَّـا " ولكن ماجداً لم يدرِ ما حلَّ بوردة ولم يأت تلك الليلة كما رجونا ربَّنـا .. كان قد هجر بلدتنا منذ سنين عديدة ، واليوم ، جاءنا نبـأ سجنه .
الغريب في هذا النص مساراته البطيئة: التي يتخللهاالمونولوج الداخلي،والتفاف الجمل في الخاتمة لتعود الى عتبة الاستهلال الأولى دون أن تحدث خللا في القص،أوتميت لهفتنا؛ليدهشنا كماالحكواتي الذي يختم حكايته بمقولة:(هنامربط الفرس)ليثبت اختفاء ماينادي عليه،وهذه مغامرة لايتقنها إلا كاتب: متمرس، ماهر، واثق من أدواته تماما؛ليتذوق المتلقي من إبداعه المتميزطعم النعناع الأبيض.
تحية،
وعرفان، للأستاذة منال خطاب.
أدارت أسبوع القصة بعناية فائقة، وروح قتالية، بمتابعتها اللصيقة، والحميمة، لولاها ماتحقق كل هذا الثراء للفعالية.
وتمنياتي بالتوفيق لأخي حمدي البصيري. لولا نصه الباذخ، لما تحقق للأسبوع هذا الثراء الفكري، والنقدي.
وكل الشكر للأساتذة الأجلاء، الذين قدموا عصارة فكرهم، وأمتعونا بدراساتهم، وقراءاتهم، وانطباعاتهم.
اتمنى لكم جميعا التوفيق، وأشكركم من كل قلبي.
وإلى لقاء في أسبوع جديد لقصة الشهر.
أدارت أسبوع القصة بعناية فائقة، وروح قتالية، بمتابعتها اللصيقة، والحميمة، لولاها ماتحقق كل هذا الثراء للفعالية.
وتمنياتي بالتوفيق لأخي حمدي البصيري. لولا نصه الباذخ، لما تحقق للأسبوع هذا الثراء الفكري، والنقدي.
وكل الشكر للأساتذة الأجلاء، الذين قدموا عصارة فكرهم، وأمتعونا بدراساتهم، وقراءاتهم، وانطباعاتهم.
اتمنى لكم جميعا التوفيق، وأشكركم من كل قلبي.
وإلى لقاء في أسبوع جديد لقصة الشهر.
التسميات: قصة الشهر
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية