الثلاثاء، 8 يناير 2019

قراءة في القصة القصيرة : مصادفات للأديب السوداني/ بدر الشريف ادريس


قراءة للأستاذ سليمان جمعة
في القصة القصيرة
قراءة في القصة القصيرة : مصادفات للأديب السوداني/ بدر الشريف ادريس
سليمان جمعة
مصادفات
للأديب/ بدر الشريف ادريس
_______________ 
الاستهلال أو بوابة القصة
ما الذي جعل الاتكاء عليها طويلا ؟.
هي حاجة نفسية ضاغطة على الراوي / باح بها كتخفيف عن ذاته
كيف انه انجذب إليها فوق شبهات المكان ...وهو يبرر ذلك بانزعاجها من المجيء، فهي ليست من رواد المكان..ليقنع نفسه في خضم المداولات والتساؤلات أنها لا غبار عليها ولا تنتمي له..ولكن ما الذي جاء به هو إلى ذاك المكان ..تلك مسألة ثقافية ذكورية، تبيح لهم ما لا للأنوثة تبيحه.. إذن لا ضير عليه ولا عليها..ليدخل مطمئنا في كيفية اندماجها مع أهل قريته ومع أهله بكل أريحية..هل الاندماج يحيل إلى طينتها النقية وعدم تلوثها برفقة صديقتها..وأنها من بيئة نظيفة وراثية وذات اخلاق..
وهو ما يحاول إبرازه تمويها... لماذا التفاصيل الكثيرة ؟
لماذا لا يجيب بصدق عن السؤال..؟
ما قصدية القصة هذه؟
وجهة النظر..
الراوي يحكي للمجتمع عن ارتباط زواج ويرسم حركته..ونحن مع الزوج الذي يفعل وينفذ نسمع ونرسم..ونحن من نسأله لأن الراوي أخبرنا.فنقلنا من الحكي مرجعية الحكاية إلى واقع يحاور الحكاية ويحكم عليها..
والثغرة هي كتمان المكان..وهويتها..الأخلاقية..في مقابل هوية مكان آخر هو القرية..
إذن يعرض علينا. من خلال الراوي وجهة نظر الزوج..فكيف نحكم علي وجهة نظره.. هل بهوية المقصف أم بهوية القرية..
هو يقول أنها لمرة واحدة ارتادت مقهى الشيشة ووصف رفضها وإرادتها في مغادرة المكان أي أنها ترفض هذه الهوية...هذا التقديم يثبته بأنها اندمجت برقي في هوية القرية..
نحن نشعر بثقل الرأي العام عليه وخوفه منه...لذا ابتدع مكانا له هوية راقية ..مكان التدرب المهني..فقبل أهله ذلك..فلو قال أنه تعرف عليه في المقهى لرفضوا ذلك ولم يحظ بهذه التي انجذب قلبه إليها وأثبتت جدارتها لتعيش هوية القرية..ماذا يحدث لو أفشى هوية المكان؟ سوف يقولون أنها تعمل ذلك لتكفر عن خطيئات كثيرة يراكمونها عليها..
اذن أين السلطة ؟
لقيمة الحب والعمل الحقيقي أم لثقافة الجماعة؟
صراع هوايات ؟
لا غفران لدى الرأي العام. في مجتمعات الريف.. وهو يتدخل في خصوصيات الفرد ويضغط عليه..عكس المدينة...
هل في الاستهلال إسهاب ؟
هل في تفاصيل اندماجها إسهاب؟.
هل التكثيف هنا ضروري ؟
هل وجهة نظر الكاتب التي مثلها الراوي. تقنع الجماعة.
هل تمثل الجماعة ديكتاتورية ما على الفرد ؟.
هل أن الغفران من اصول ديننا.. وقد أثبتته..يقبل ؟
هل وجود القهوة ينافي رأي الجماعة..؟
لماذا نسمح به طالما هو تلويث..ومرفوض..
لماذا توجه للمرأة ولا توجه للذكر تهمة ارتياد أمكنة كهذه ؟..
السؤال هو بأي قيمة نحكم ؟.. الموسوعة المعرفية العليا، القيم الانسانية التي يقول بها النص المقدس، أم قيم المجتمع... ؟

قراءة نقدية في القصة القصيرة فوق الراس
بدر الشريف ادريس

نص القصة: مصادفات

سيكون مزعجاً إن أدرك أحد، أنني ألتقيت زوجتي لأول مرة  في محل مشهور بالمدينة لتعاطي الشيشة، وأيضاً الكحول، ومواعدة البنات، تديره أجنبية، كثيفة الحواجب، واسعة العينين .. فقد جاءت إلى ذلك المكان برفقة صديقتها التي ترتبط بعلاقة حب اعرفها مع صديقي .. نهاية دراستنا الجامعية، وكنت حينها مع صديقي، ونجلس سوياً على أريكة خشبية في ركن الشيشة  بالمحل الواسع الذي كان عامراً بالرواد، وبين أيدينا خراطيم الشيشة، يغمرنا دخانها ورائحتها النفاذة، ففي هذا الوقت، جاءت مع تلك الصديقة ،قادمات من الجامعة، وكن يدرسن الآداب، وكان على وجهها التوجس الظاهر، فجلست إلى جواري بالأريكة، صامتة، تتلفت بذهول، وحدقات عينيها مفتوحة على آخرها، وهي تلوم صديقتها، التي لا تكف عن الضحك، بصوت عميق، بشفتيها الدقيقتين، على الإتيان بها لهذا المحل الغريب، الذي يتراءى رواده، ككائنات السراب البعيد، بسبب الدخان، وتلح عليها بسرعة المغادرة، وكان كلام صديقتها الضاحك، وهي تضع يدها على ذقن زوجتي، حجة لتهون عليها ما يجري، حتى لا تبكي ... وانا انتبهت فطمأنتها، وأنا اركز بدقة في طرحتها الحمراء على عنقها، وهي تحاول تغطي بها اجزاء صدرها، ورمقت شفاهها المرتعدة.. فهدأت ثائرتها. وكان هذا بداية علاقتي بها، إلى أن تكللت بالزواج .
وفي قريتنا – بعد الزواج - امتهنت زوجتي التدريس بالمدرسة الابتدائية ..التي يعمل عمي مديراً لها، وعملت أنا في هندسة الزراعة، تخصصي الذي درسته، وبعد مرور أكثر من عامين، أنجبنا طفلنا الأول، فاندمجت بطباعها الهينة مع أهلي بسرعة في القرية، فكانوا يرونها في مناسبات أفراحهم، في أبهى صورتها، وفي أتراحهم تذرف معهم الدموع، وفي بيتها ، كانوا يصادفونها في المطبخ تمسح العرق عن جبينها، أو بجوارها عشرات الملبوسات والمفارش، تقوم بغسلها ثم كيها، وكان هناك العديد من الصديقات، والجارات أهم ما في الأمر، اعتدن أن يزرنها بالبيت، فيتبادلن جميعاً الأحاديث، والطرائف، في جلسات منوعة، توزع فيها أكواب القهوة والشاي، وتنطلق بينهن الضحكات الصافية، والسخرية، حتى من بعضهن البعض، ولا تخلو مثل هذه اللقاءات من سرد ذكرياتهن ، والمواقف الحياتية الخاصة بهن ، ومن بينها وقائع الزواج، فالمتزوجة منهن مثلاً تتحدث عن زيجتها، بأنها زفت إلى ابن عمها، الذي نشأ معها في حوش واحد كبير، وأخرى تقول أنها خطبت لزوجها، بواسطة أمه، قبل أن يراها وتراه، والجريئة منهن، كانت تدعي أنها ارتبطت بزوجها، بعد نظرات إعجاب، وابتسامات صامتة بينهما، في حفل احد أقاربهما، بعدها عقد الزوج قرانه عليها، بسرعة، حتى لا يفوز بها غيره. أما هي فكان صعب عندها أن تكشف لهن .. أو لغيرهن ، حقيقة لقاءها الأول بي في محل الشيشة حتى لا تثير ريبتهن، فكانت تقول بعد برهة وهي تلوي عنقها، وترفع حواجبها علامة التأكيد : وأين أكون التقيته يا شقيات؟!، في الدراسة طبعاً، وتعود منشرحة ثانية معهن، عندما تراهن في انطلاقتهن الأولى، لا يوقفهن ذرة شك أو ريبة، فيما تقول ..
ومن جانبي فقد كان سؤال الناس لي، وخاصة اصدقاء الصبا، عن لقائي الأول بها يشيع في روحي توتر ممض، يدفعني لتحويل بصري جانباً، وطي كمي قميصي مراراً، ومسح جبيني، أو حك ما تحت ذقني، لبث ذلك الجو، من عدم أهمية الموضوع، لكن من طرف خفي، كنت أحياناً أرتبك، لما ألمح بعض العازمين على سماع الرد، ولبعضهم ابتسامة وهز للرؤوس، تبعث في داخلي الشك، من ادراكهم لخبيئة الأمر، عندها كنت أدعي في البداية، كما أخبرت أهلي قبلهم.... أنني التقيتها بأحد معاهد التدرب التقنية بالمدينة، أيام دراستي، فازدادوا إعجاباً بحظي، وحسن اختياري، ولسرعة تصديقهم إياي، كان بعضهم ينعطف، ليتكلم عن أهمية كورسات التدرب في هذا العصر، ثم تلاشى تذمري تماماً، بمرور الوقت، واستكانت دواخلي، بعد اعتيادي على هذه الإجابة السهلة، إلى أن نسيت شخصياً بالحق أنني التقيتها أول مرة في محل لتعاطي الشيشة ..




التسميات: