السبت، 31 أغسطس 2019

دراسات نقدية- مدونة واحة القصة القصيرة


دراسة نقدية للأستاذ الناقد : حيدر الأديب / العراق
 للقصة القصيرة " وفاء "
للأديبة : الزهرة الصالح / المغرب
_____________________

المهيمنات الدلالية في شخصيات النص

دراسات نقدية -حيدر الأديب- مدونة واحة القصة القصيرة
حيدر الأديب

ما المهيمن الدلالي:

 هو كل ما من شأنه ان يحد من فوضى ومشتهيات التأويل، ويفتح المجال فقط للمحتملات التأويلية الفاعلة في انتاج قيم النص، ومنأمثلة هذه المهيمنات هو السياق، والقرائن الداخلية والخارجية للنص، وضبط السرد على بلاغة الفكرة لا بلاغة الجملة، وغيرها، وتتحصل مهمة المهيمن الدلالي بحراسة أهداف النص من انفتاح الدلالة المفرط، وانا هنا وبهذه العجالة أحاول بيان هذه الاشتغالات بكشف أولي وليس حاسميترصد النص مشاهد الذات غير السوية، عبر مقولاتها لذاتها، ولرشيدة، وللكلبة شقراء مرة، ومرة عبر تاريخها الموجز، وثالثة عبر سلوكها.إن توظيف السرد بهذا التوزيع يمثل وعياً حاداً بالشخصية المرسومة، وهي تتحرك في الفضاء القصصي، فالشخصية القصصية هي مجموعة مفاهيم، ورؤى، وسلوكيات، وطباع، ورموز ينجزها التخيل بحبكة خالصة ذهنياً، لكنها حين تتدخل حيز التمثيل اللغوي، تقوم اللغة بنسبة تشويه، وتشويش القصد الأدبي، لأننا نتحدث هنا عن لغة قصصية، وطبيعة هذه اللغة ذات أمشاج شعرية، وفلسفية، وهذا يضاعف مهمة القاص في حراسة السرد من هذا التشتت، وحاذفاً ما استطاع الحمولات الشعرية والفلسفية التي ينتجها الوصف، مبقياً على قدر الضرورة منهما، والتي تنفذ عن طريق الشخصيات. وهذا ما تحاوله هنا الزهرة الصالح، وقد نجحت في ذلك، فالنص خال من الزوائد الواصفة، والجزئيات التي تعتاش على فوضى السرد. ومن هنا نرى أن محور القص هو مفهوم الاستلاب، والاغتراب عن الذات، والإسراف في الملذات بوعي من هذه الشخصية، فأصبحت مغيبة عن ساحة الفعل الإنساني الحقيقي، وغطت في تناقض عميق، فبينما هي تمارس شذوذاً سلوكياً، ترى تدعي الالتزام بمبادئ وشرائط لضمان بقاءها في عمل يضمن لها استمرارية العيش، وليس الحياة كما عبرت اقوال هذه الشخصية


تأتي شقراء، ورشيدة كعوامل تغذي مغزى النص، وتتبادل الأدوار في معاونة السرد على تتبع مشاهد هذه الشخصية، فشقراء تهب السرد رمزيتها للوفاء كصفة ذاتية، يستثمرها القص في مزاولة هذا الوفاء، كلما توفر زمن السرد على ظهور شقراء، كما أنها لعبت دور المعبر لأصغاء المتلقي، عبر توجيه الخطاب لها، واذن هي معادل يشتغل عليه النص لتعرية تلك الشخصية،
بينما رشيدة دالة حزن، والم كبرى، ونتيجة كارثية أمسك القص عن طريقها بالبعد العاطفي للمتلقي، لبيان بشاعة الفعل والتعامل، إذا لوكان هذا الفعل موجه نحو شقراء، فهو لا يهم، كونها حيوان وإن كادت أن تشترك بهول المصير في نهاية القصة، ولم تكن شقراء ورشيدة مقصودة ذاتا، وإنما هما صيغ استعمالية للقص، لبيان رسائله وأهدافه المودعة بغزارة في لب الحوارات، أو في أغصانها
يقول النص أن الوفاء، سواء من كلبة، أو من أنثى لا يهمنا منه السياق، بل المغزى، والمحصلة،
ولكن يؤخذ على النص أنه لم يفسح البرهة لرشيدة، بل لجمها قسراً، وضحى بها لبقية أهداف السرد، مما يجعلها مصدر إزعاج لدلالات النص، ولكن هذا لا يضر بالقصة، فرشيدة حدث سابق يستدعيه النص
لأغراضه_______


نص القصة

وفاء(الزهرة الصالح / المغرب)

أحاول إنكار الدمع في عيني، ولكنها ذكية، ستفهم لا محالة حين تتشابك نظراتنا، إذ لا مجال للتهرب وعدم مصارحتها:
- عزيزتي، تعلمين أننا نكاد نموت جوعاً أنا وأنت، لذلك لا يمكنني رفض ذاك العمل. قيل لي إنه يوجد لديهم ما لذ وطاب، كما إنهم يدفعون جيدا.
أمرر يدي على شعرها الناعم الأشقر، تنصت بهدوء كأنها تريد أن تستوعب نبرة صوتي الحزينة، والتي لم تعهدها من قبل؛ فبرغم مرارة اليأس والبؤس كنا سعيدين أنا وهي.
ترى، هل ستعذرني؟ أم تتهمني بعدم الوفاء؟ وهي الوفية التي لا تكل ولا تتعب، التي لا يغمض لها جفن حتى تتأكد أن كل شيء على ما يرام.
كيف يمكنها تقبل فكرة التخلي عنها بعد العشرة؟ فرحنا، حزنا، لعبنا، أكلنا وجعنا معا. لم تتركني يوماً، لم تعص لي أمراً، ونصرتني ظالما ومظلوما، كيف؟!
ماذا أقول لها؟ وبماذا أعدها وأنا لا أعلم أين سأتركها ولا متى أعود؟
قيل إني لن أعود قريباً، أو ربما أبداً، فقبل بدء العمل يجب الموافقة على كل الشروط (الأمانة، السرية التامة، الامتثال للأوامر، وتنفيدها دون اعتراض.. ممنوع السؤال، الفضول، حب الاستطلاع.. يجب الولاء المطلق للسيد.. ممنوع منعاً كلياً الإضراب، حين الغدر تقطع الرقاب..
وعدت نفسي ألا أثمل الليلة، ولكن لا يمكنني الاستغناء عن الحشيش؛ هو الوحيد الذي يستطيع أن يكيفني مع الوضع.
وأنا أقطع "الكيف" على ضوء شمعة وأنغام الراديو، إذ برشيدة تدفع الباب وتدخل:
-
 أنت هنا؟.. كالعادة خمر أو حشيش، أغاني زمان، وشقراء تتأملك في هدوء؛ صورة شاعرية حقا (في سخرية).
-
 هل تعتنين بها حتى عودتي؟
- من؟..أنا؟ لااا!.. اكتملت!
لم أحد بصري عن السكين في يدي وهي تقطع "الكيف" في حركة طلوع وهبوط.
استغربت رشيدة لأني لم أصرخ في وجهها أو أطردها كالمعتاد كلما أغضبتني بسلاطة لسانها. ولكنها استطردت في هدوء:
- حتى وإن قبلت أنا، فأمي لن تقبل، أنسيت ما فعلتماه بنا أنت وشقراء؟ حتما سترفض..وكيف لي أن أطعمها وأنا بالكاد أحصل على قوتي وأمي.
انفرجت أساريري بعد سماع كلماتها.
بت متأكدا أن رشيدة ستقبل التفاوض، أعلم أنها أصيلة، فبرغم أني طلقتها، وبعت صيغتها والعفش، وتركتها وأمها على البلاط، وبرغم أن شقراء وقفت لهما بالمرصاد، بقيت تأتي للاطمئنان، ولتمريضي في بعض الأحيان. هي تعلم أني أحبها كثيراً، لكن أيضا لست الذي أوفر لها الأمان. حقيقة أننا نحن الاثنين من طينة العشوائيات، ويجمعنا البؤس والحرمان؛ ولكن رشيدة كانت أقوى مني، تتعب وتكد، بينما أنا استسلمت للحشيش والكأس.
- سأبعث من حين لآخر ما يكفيكن، ولن تحتاجي للعمل بعد ذلك.
- هل ستعمل في مغارة علي بابا؟! أم لديهم خاتم سليمان!(وضحكت بصوت عال(
ابتسمت:
- لا يهمني من أين؟ المهم أنهم يدفعون جيداً.
تركت شقراء مع رشيدة، وعدتها أني سأكون على العهد ما ستطعت.
تشق السيارة طريقها بصعوبة وسط الأحراش وتموج الجبال. استفحل الظلام وهي لا تزالت في صعود وهبوط. تعتمت الرؤية، ولكن يبدو أن السائق متمرس ويحفظ طريقه جيداً. شيئاً فشيئاً بدأت تظهر أضواء كثيرة، بناية كبيرة شبيهة بقصر من القصور العثمانية! لم أرها من قبل لا في حقيقة ولا في تلفاز.
انبهرت وجحظت عيناي:
_
أنا!.. سأعمل هنا!
عام مضى..تمرست جيداً على العمل، واكتسبت ثقة الكل بما في ذلك الكلاب، كان السيد مسروراً بعملي ووفائي، فرقاني قائداً على الحرس.
المكان هادئ في النهار، ولكن في الليل يكثر الصخب، كل أشكال المتعة، شرب، قمار، مخدرات، عبيد، جواري، يمكنك أن تلتقي ساندريلا وشهرزاد وحتى أبا لهب.
كل شيء فاره الجمال، لم يكن ينقصني إلا شقراء، لذلك اغتنمت الفرصة حين أمرت بإحضار خدم جدد وحراس، فأتيت بها.
_ السيد قادم، ابقي هادئة مكانك، لا تفضحينا، سأذهب للقائه.
قلبي يكاد يتوقف:
-"
 سي الحاج " أتريد أن تراه الآن؟
- ليس مهما، المهم أن أسمع نباحه.
عدت مسروراً إلى شقراء:
- لن يراك الآن، يجب أن تنبحي جيداً..فهو يظنك كلباً.. لقد أمرني أن أحضر كلباً.. خالفت أوامره وخنت ثقته.. لا أدري ماذا سيفعل إن علم .. لا تقتربي من الكلب سام فهو يحمل دم هتلر.. لا تغرمي به فهو ماكر..سيتخلى عنك ..لن يحميك من الرصاص...
هذه المرة لم تسمع مني شقراء وأغرمت بالكلب الألماني وبدأ بطنها يكبر، لم أدر ماذا سأفعل إن علم "الحاج"!
في النهار شاركت همي مع أحد الحراس، وفي الليل أمرني السيد بإحضار شقراء.
الحاج يتأمل الكلبة وهي هادئة مستسلمة لقضائها، وأنا أنظر للمسدس بجانبه وكلي رعب ،هل سيفرغ رصاصه فيها أم فينا معا؟
ولكن المفاجأة أسقطتني على ركبتي، وجعلت شقراء لا تتوقف عن النباح
 اعتن بها جيدا، فنحن بحاجة إلى مزيد من الكلاب-

التسميات:

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية