الخميس، 8 ديسمبر 2016

ست قصص قصيرة .. مهدية أماني - مدونة واحة القصة القصيرة

ست قصص قصيرة .. مهدية أماني
مختارات من إبداع الكاتبة المغربية
مهدية أماني


ست قصص قصيرة
مهدية أماني


1 - حُبّي الأخْضَر..


شَجرة اللوز التي أهدانِيها جدّي على الطريق الرّابطة بين مدْشرنا والمدرسة ، تعرفُني وأعرفُها , تحُفُّ بأغْصانِها كلمَا مررْتُ بجانِبها ، أربّتُ على جذْعها بحنَان فتدغْدغُ كفّي بخُشونَة لِحائها تبقَى رائِحتُها عالقةً بيدي ، أشْتَمّها فتنْعش أحاسِيسي وتهدّئ فوْرة طُفولتي..أبُثها آلاَمي الصّغيرة وأحْزاني الكَبيرة.. دَجَاجتي الرّقطاء لم تبِضِ اليوْم ، ولن أجِد ما أسُد به جُوعي وأتَباهَى به أمَام أقْراني، لنْ يُطلَّ عليْهم الصُّفار من بيْن شِقّيْ الرّغيفِ و يتلمظُون فيما يبْتلعُون خُبزهُم الحَافي ...ومِعزتي النّزِقة ، غَافلتني وقَضمَت الخِرقة التي أسْتُر به ضَرعَها ، وجادتْ به على ولِيدها..أقْذف بِغضبٍ تحتَ جذْعها بنوّارة العَوسَجة البريّة التي قَطفتُها لأصْنع جُبنا في فجْوة صَخرة تحاكِي بياضَ الثلج نقاوةً, غسلتْها الأمْطار وصَقلتها الشّمس.. فلم تعُد تُجدي نفْعاً .أسْتذكِر لها دُروسي وأنَا أقْضِم ثَمرات منها لا تُشبِه ثَمرات أية شجَرة أخرى ،  مُدوّرة كالجُوزة ، هشّة كقلْب عذْراء ينتَظر حُبّا ، عبِقة في فمي ، تصْعد نكْهتُها إلى تَلافيفِ دِماغي قبْل أن تنْزل إلى حيثُ مسْتقرّها من بُلعُومي ، وأحِسّ بالشبَع والرّضا ,وبأنّ أسرَار الكوْن كلّها تجمّعتْ في تلك البُقعةِ الصّغيرة التي تحْتلّها ...جدوُرها الضاربَة في الممْشى تأبَى إلا أنْ تخْترقَه وتبتَعد للطّرف الثاني ، تمتَص من التّراب الغَضّ إكْسيرَ الحياة , تداعبُ شقائقَ النّعمان ونبتاتِ الزعْتر البرّيّ ولا تعْبأُ بكمّ الأقدام والحَوافرِ التي تطؤُها كل يوْم ، وانْتنَى جذعُها في ما يُشبه إنحِناءة حسْناء وجعلت لي منه مُتّكأً للقراءَة والرّاحة وسِندانا لكسْر حبّات اللوز ومرْبطا لبقرتِنا الثّائرة "سوداءُ الوجه" كما أنادِيها لأتمكّن من ضرْعها بفمي .
أسْميتُها العرْجاء ، حبيبتي العرْجاء ، وحدها تميّزت بأنها لم تكن مْستقيمة ولا فارِعة الطّول ،كأنّما تريدُ أن تبْقى في مُتناول يدي الصغيرة وقامَتي القصِيرة . وفي لحْظة الضّعف ، لما أتجرّدُ من الأمَان أتسَلقها كقردٍ صغير وأختَبئ بين خُضرتِها ، أنْدمج معها.. نصبح واحدًا تجري في عروقنا نفس الدماء.
 تنسَجم نبضات قلبيْنا وتتهدّج أنفاسنا من الخَوف، فلا تَراني عيْنُ جدّتي الفاحِصة ولا تَطالُنى عصَاها الغضْبَى...أتركُ النّملَ يمرّ عليّ إليهَا ويعُود ..يتشمّم بعْضه البعْض ويتبادلون التحية ،ينقُلون من الأرض حبّات قمح في ضعف أجحامهم ويصْعدون بها إلى حيث شُق أحدُ أغصَانها العتيقة . وحدَها الطّيور لا تُشاركني بها ولا تعشّش، فرائِحة غددي تسرّبت مع الصّبا والتصَقت بها..أبصرُ من عُلوها الحياة في مدْشرنا راكِدة كمسْتنقَع في أوقاتِ الهَجير,لا يشقّ رتابتَها إلا صْوت صرّارات يخْرم صِماخ الأذن ، أقلّدُها فتصمُت ثم تُعاود سمْفونيتَها المقِيتة...وفي الصّباح عند شقْشقة الفجر أرَاها تتفتّح كزهْرة تفتّقت بعد مرُور حَريق ..تُومضُ ألوان غِطاء رؤُوس النّسوة الزّاهية تحت الشّمس في الحُقول، ويصْدحُ موالهن البرْبري الشّجي لتُرجعَه الرّوابي إلي، يتغلْغل في عُروقي فينْساب فيها خدَر لذيذ ..أُعانق شَجرتي وأطْفقُ أغنّي لها وأدور بها في رقْصة تشْبه رقْص الهنود الحُمر، تلتقِط هي الرّيح من كل الجِهات وتَتمايل مُتهادية تشاركني سَعادتي بها وبالحَياة .
العام الماضِي زُرتُها كما عادتي وتنَاجيْنا نجْوى البُعاد وكان عِتاب، ..فلم أحْضُر تفتّح أزهَارها ولا إخضِرار أورَاقها ولا تكَوّر ثِمارها...لكنها ظلت كريمَة واحتفظَت لي ببعضِ حباتٍ قزْقزتُها في مُتعة لا تضاهَى.لقد كانت في حجْم الفُستقَة يعْلوها فطْر وقطَرات صَمغ أسْود..تضاءَلت وانكمَشت الجوْزة,عَزوْت الأمْر لندْرة الأمطار في تلك السّنة أو لحُزنها على فرَاقي ،عانقتُها وقبّلتُها، وقطعتُ لها وعْدا أن أحضُر مستقبلا فتْرة إِزهارِها ولن أُفوّتها مهما كان المانع.
ترجْلت من الحافلة و برأسي دُوار،لم يسْبق لي أن شعرتُ بغَثيان في مُنعرَجات جبال الأطْلس، ربما بدأتُ أشِيخ ، ضَحكتُ من نفسي.. ملأتُ رئَتي بهواءِ بلدتي إستجْمعتُ قُواي ، تلقّفت حقيبة مَلابسي ، اقتلعْتها من الأرض فيما يُشبه التّحدّي وأمّمْت صَوب دَوّارنا ..يمرّ أبناء عمومتي بسياراتهم ودوَابهم أو دراجاتهم فأرْفض أن يقَصِّروا علي الطّريقَ ، رَجوتُهم فقط أن يخفّفُونَني من ثِقلِ الحقيبةِ .أحْببْتُ أن أقطَعَ تلك المسَافة كما كُنت أفعَلُ في الصِّغر، أضَعُ قدمِي في بَصْمةِ الماضِي وأتَشرَّب ُمن الأرْضِ طاقةَ امْتصَّها الأسْفلتُ مني، أفتقدُها وأحتاجُها وأودُّ اسْتعادتَها ..الدّنيا ربيعًا ، وحُقولُ الحِنطةِ والشّعير والعدَس يداعبُها نسيمٌ عليلٌ وترصّعُها شَقائِق النّعمَان بحُمرةِ الدّم في خُضْرة أمَل .انْتعشتُ وعادتْ شَقاوَتي ، وصِرتُ أقفزُ كعنْزةْ تخلَّصتْ من عقالٍ ، حِذائي الريّاضي الذي لا أفارقُه أبدٍا في أيّة سَفرة يدْعمُ ظهْري ورُكبتايَ ويساعدهُم على تحَمُّل قساوةِ الأجْحارِ وتكثّلات تُرابٍ لم يفُتَّها محْراث الفلاّح. لمْ أصِلْ بعدُ ، يَتبقّى بِضْع مئاتٍ من الأمْتار، لكنْ وصَلني ثُغاءُ الأغْنامِ ونَبرات الأطْفال الرّفيعَة ورائِحةُ الخَشب يحْترقُ في الأفرْان الطّينيّة...اقْتعدْتُ صخْرةً لأسْتريحَ وأختليَ بنفْسي قبْل أن أدْخلَ في دوّامةِ السلامَات والسّؤَالات عن الصّحَّة ، التي لا تنْتهي ...قَطفتُ مِلءَ يدي عَدسا فَركْتُه في راحَتي، التقمْتُه وبدأتُ ألُوكهُ وأسْتلذِذ طرَاوتَه وعَبقَه ..لا شيءَ يُعادلُ عَدس الجَبل في طَعامتِه وخِفّتهِ ..لكن ماء بِئرِنا لا يُنضِجُه ولا الأنْواع الأخْرى من البُقول ولوْ بَقيتْ تَغلي فيه ليْوم كاملٍ , نسْتسْقى له من بئْر بعيدة إسمها "أَغْبالُو" أيْ الغَدير بالبرْبَرية ... تذَكَّرتُ حينَ كُنت أُقايِضُ بمَائِه بعْض نِسْوةِ أعمامي في غيّابِ أمّي بالبيْض أو صُوٍص صغيرٍ أخْتاره متفرّدًا في لَونِه عن الآخَرين وأتْركُه لديْهنّ حتى يكْبُر ، أو بحَفْنةِ ورْد بلديٍّ مُجفّف لُزوم تعْطير "طَلْية" حِنّة لشعْري ..ضَحِكت مِلْءَ قلْبي حتى كِدْت أتشقْلبُ من عَلى الصّخْرةِ وَبدأتُ أُغنّي .".ياااا ورْد ميين يشترييك وللحبيب يهدييك" وأجوّدُ في الغِناء وأُعيد...
في لحْظة، ابْتعلتُ ضَحكَتي وغَصصْتُ برائِحةِ ورْد الأُغْنية ، لقَد غمَّتْ عليّ نفْسي وضاقَ صدْري ، مَددْت يَدي وحَككْت أرْنبَة أنْفي , اسْتعذْت بالله من الشّيطَان الرّجيم . أَمّي , كُلّما فَعلتْ تقُول أنّه خبَر موْتٍ سَنسْمعُه وقلَّما تُخْطىءُ نُبوءَتُها. عَمّي المَريض الذي أَتَيتُ لأزُورَهُ أيضًا كَلّمتُه مُنذُ قليل وبَدا أنّه بِخيْر ومَازَحَني كمَا اعتاد َ أن يَفعل , هَل سَاءتْ حالتُهُ في هاته الهُنيهَات القليلة ؟ ..أصَختُ السّمعَ , الهُدوءُ يُسود ولا عُويلَ يُنبئُ بمكْروهٍ . حثَثْتُ السّير وأنا أُرتّل أوْرادًا للرّقية .

وفجأةً رأيتُ الجثّة أمَامي .وقد إسوَدّ أديمُها وتيبّستْ أطرافُها .ألقيتُ بحقيبة يدي ورَكضتُ إلى حيثُ هي, تحسّستُها , وضعْت أذُني على القلب, أسْتجْدي نبضًا ، وعلى الصّدر أسْتقْصي نفسًا .. لا حَياة... لا حَياة .. عانقتُها وانهمرتْ دُموعي مدْرارًا، لقد غادرتْني ،وَفيتُ بوَعْدي وعدتُ أشهَدُ احتفاءَها بالرّبيع فغدرَتْ بي وتَخلّت عني، شَجرتي حُبُّ حيَاتي ، وحدَها بين كل الأشْجار لا خُضرة بها ولا ثماراً .. كيْف لمْ أفهم في آخر لقاءٍ لنا أنها كانت تحْتضِر ...؟ ليتَني عرفْتُ , لاقْترحْت عليْها موتًا رحيمًا ..فهي كمثْل كلّ النّسَاء سَتُحب أن ترْحلَ وبَاق بها بعْضٌ من جمَال وخُضرة وبَهاء, لكنّني أعْرفُها, سَترْفض، تُشبهُني ، تفَضلُ أن تمُوتَ واقفةً..عُدت أبحث عن حقيبة يدي أَخرجْتُ مُصوّرتي ومن ورَاء غشاء دُموعي حاولتُ أن آخُذ لها صورًا , يدي ترْتعشُ ولم أدْرِ كيْف جاءَت بكلّ هذه الدّقة لما استظْهرتُها ...لعلّها تمَوْضَعتْ لعدَستي, أو قلْبي من سدّدها إلى حيث تنْتظِر آخرَ تأْبين لصَداقة تخطّت أجيالاً..سأَضعُها في مظْروف ..هذه وصيّتي ..أنْ يُتَاوُونا معا.





جبروت الرموز  2    




الطبق المبتكر الألوان يتوسط حوش الدار ويثير إعجاب النسوة يتهامسن ويشرن بأصابعهن صوبه، سؤال كبير يرتسم في أعينهن المكحلة بعناية تحت أهِلّة حواجبهن المرسومة بالحركَوس..انتابني فخر كبير صعد حاميا من أحشائي فورّد خداي..لقد شاركت الصبايا في قطف الحلفاء المادة الأولية ، ليست أية حلفاء ، بل لبُها ذو اللون الأخضر الفاتح استمتعت بمصمصة جذره الحلو المنعش وبترديد الأغاني المصاحبة لقطفه... " يا الحلفا ..أنا حالفة ..حتى تكوني هاد المرة شريط الوَلْفة ..الولفة..ما نعمل منك..لا شْوال ولا قفّة .. ولا قفة" ...وذهبت متسللة لسوق أربعاء سيدي أحمد بن إدريس مع "المزوارات".. النساء المسنات اللواتي لم يتزوجن إلا مرة واحدة وهن عذراوات وبشبان بتولين ، لشراء الصبغات بألوان لم تكن سوى الأحمر والأخضر وأسقطن الأسود من الحسبة لأنه لا يتماشى والمناسبة ..أكلت "الشفنج" ، و"الحمص-كامون" والفول "طايب وهاري"..صديق الدراري كما يشدو البائع في ميكروفون صنع يدوي عبارة عن قصديرة أعاد تدويرها على شكل قمع لتأخذ صوته بعيدا..وعدنا ..ليباشرن صبغ جريد الحلفاء وهن مطمئنات فالعمل شبه منته ...إلا أنا ، فعلى صغر سني بقيت أشياء كثيرة تعتمل في رأسي ولا شيء مسلم به لدي..لقد دعكْت يوما بين أصابعي نُعمانة حمراء وورقة خضراء فتخضب أصبعيّ بلون أصفر جميل..فماذا لو بتكرت ألوانا جديدة لطبق هذا العُرف على سبيل التغيير ؟ أعرفني لما تسْتعِر فكرة ما بدواخلي ، فإنني لا محالة مقدمة على اختراع شيء رائع ، أو اختلاق مصيبة ، كما حدث يوم أدخلت دبابير إلى قفير النحل لتحسين طعم ونوعية العسل ، فأقفَر وحظيت بلقب "السّاحقة المدمّرة" من طرف عمي ، ظل ملازما لي ولم أعتبره معرّة في حقي بل وسام إقدام ..وأن حذاري من هذه "الصباة"...ولو دَرتِ النّسوة بما أنا معوّلة عليه وأنا أحوم بالقدور ،وأتصيد فرصة ذهابهن لاحتساء الشاي ، لربطنني إلى شجرة لا شك في ذلك وطلين وجهي الصبوح بالسخام.. تفاجأت المزوارات بما أسفرت عليه مغامرتي غير محسوبة العواقب ، فقد تعددت ألوان الجريد ، أحمر وأخضر وأصفر وبرتقالي وبعضهما مزيج من كل ..وأنا أراقب من فوق سطح "نصرية" جدي منبطحة على بطني أرى ولا أُرى..خبطن على أفخاذهن السمينة منها والهزيلة ..الثخينة اللحيمة تصدر صوتا كخبط على عجين مختمر أو عجيزة بقرة، أما الشّخِتة العجفاء فكأنما تضرب صاحبتها على قصبتين تُصفِران..ضحكت كثيرا وتمرغت كجحش سعيد على طول السطح ، واكْتمنْت ُهناك إلى حين انتهائهن من صنع الطبق ، اقتتْتُ من التين المجفف واللوز المنشور ليجف..ونزلت ليلا لأبات في حضن جدي، وحصنه الحصين فلا أحد يجرؤ على تخطي عتبة باب العلية دون إذنه سواي وتعشيت معه عشاء شهيا يُختص به..أسمعهن يسقطن اللوم على البائع الغشّاش، ويكِلن له كل أنواع الشتائم ويدعين عليه بالويل والتبور ، ويتوعدن بتحطيم أسنانه بالشباشب السوق المقبل..ثم انبرت أحداهن معروفة بسلاطة لسانها ، فلامت من طبخت الألوان، ورمتها بالخرف والفالج والشلل والكسح ، ونتفت شعر فودها وهي تبصق حيث أسقطته قائلة.. هذه شعثتني إن أنت أفلحت يوما في خلط أي لون ثانية يا مُخلّعة..وأردفت أخرى أقطع يدي وأصبح كثعاء ، وأحلق شعري وأبقى صلعاء إن لم تكن تلك " السلفعاء" التي ظلت تحتك بالقدور.. نط قلبي من مكانه وأيقنت أني في ورطة ، ثم عاد وانتظمت دقاته لما ردت عليها أخرى..اِتقي الله في الصبية يا أفعى أنتِ...واصمتي.
بقيت الألسنة لا تكل والأيادي تعمل..ليخرج ذاك الطبق من أجمل ما صنعن ، ولما انطلقت زغرودة "حادة الرّبْلة" المدوية ، تحرّرت من سجني ونزلت من السّماء أدبّ على الأرض، وأشارك في تزيينه على وجل وخوف ، بالحناء والتمر والبيض المسلوق والحلوى التي عانقت ألوانها المختلفة ، ألوانه المتمايزة في مزيج بديع ساحر استقطب كل ذلك الاهتمام الذي أسلفت
ذكره.. يتوسط الكل قالب من السكر يرمز لشيء معين فلن يتواجد هناك اعتباطا.. زين بياضه الناصع بفاقع الزعفران ،
وسلطانية بها ألياف صوف على شكل ضفيرة منقوعة بالحناء ، وقطعة من مصران حيوان ما مملوءة قطرانا في جحم نقْنوقة..أمسكت يدي عنها بصعوبة فقد راقني ملمسها ومرونتها حتى لا أحيل كل شيء إلى سواد..أصوات الرجال الغليظة القوية أو المبحوحة بفعل التبغ الأسود ، وأصوات الصبيان الرنانة الصداحة بأمداح نبوية تأتي من ناحية المسجد ، منبئة بأن سلطان الحفل تتم زفّته..نصطف بسرعة نحن البنات في أجمل ما لدينا من قفاطين وجدائلنا الإثنتا عشر تزين جانبي وجوهنا ككيلوبترات من تحت "قطيب" منديل بألوان قشيبة تتدلى من خيوطه عملات معدنية وترتر..ونقبض على ربطات النعناع والحَبق في سرور وبهجة ، يقبل الحشد الذكوري ، فنستقبلهم بالانحناء في تحية ملكية ملوحات بالخضرة ومتقهقرات نخطو ، ننحني ونخطو الى الوراء غير مستدبرات ،واضعات بين كل انحناءة وخطوة أيدينا المخضبة بالحناء مكان القلب ،نرتفع وننحني إلى أن أوصلنا الصبي الجيلالي إلى حيث وضعت قلة مقلوبة على فمها..نجلسه عليها ونقول ونحن نكرر التحية ..."إجلس على القلة..يا القادم على الرّجلة...وتكلم كيف تتكلم النحلة "...تزعرد النسوة ويختم الرجال بالدعاء ، وينتظر الجميع أن يهل الحجّام بجلال قدره.. يمسد لحيته البيضاء وقد تمددت تحتها دائرة سبحة حباتها بحجم بيض الحجلة... يبسلم ويحوقل ، يتمتم بعض الأدعية ويباشر عمله..لم يصرخ الطفل ، فهذا الطقس يمارس احتفاء بالمختونين ، التطهير يدمي الذكورة ويَستثْبِت أن عرقا دساسا لم يتسلل للدم ويخنثه ،أما وقد قارب الصبي سن إجبارية الصلاة فذلك شيء مغاير..الموسى تمر في الشعر الذي ترك بدون حلاقة لمدة غير قصيرة، فلا تُبقي فيه غير عُرف في الوسط يمتد من الناصية إلى مقتبل الجبهة ، وعلى يمين الرأس وشماله...كتلتان مدورتان.. يعمد الشيخ لطلاء المحلوق بالقطران ، وما عفا عنه بالحناء والزعفران ، يقلِّد الصبي خرْجا من الكتان به دليل الخيرات ، وجنجرا من الفضة بحمالة من الحرير المزركش ، يتأبط قالب السكر وينصرف ، تحت وابل من النعناع والحبق والريحان والورد البلدي الجاف، يفترس الحضور الحلوى والمكسرات والفطائر، يتسايق الصبيان على الفوز بنُدف الصوف والحناء استدرارا للبركة، وينهض سلطان الحفل ، تكسر تحت قدميه القلة لتذهب عنه كل محنة وعِلة ويحظى في حياته بأجمل..عَلَّة..
وقد صعدت ذكورته من تحت إلى فوق ، وخرجت من الخفاء إلى العلن ، وسيحملها حتى سن البلوغ على رأسه كتاج ، ويتم فعل التظهير..بفضل "كيرياكيديس"
" طْبِيعْ القَرْن"..
ملحوظة......
-الشفنج...فطائر مقلية بالزيت ومثقوبة من الوسط
- حمص كامون......حمص مطبوخ في ماء ومرشوش عليه كامون وملح
- طايب وهاري .....فول مطبوخ ايضا بماء وملح
- الصباة......مزيج كلمة صبي وفتاة....
- طبيع القرن ...تنطق القاف كما بلهجة مصر الشقيقة ...طقس حلاقة الصبيان الذين سبقوا وختنوا




3 - يوم ..عيد السينما


                                          
وَالدي رحِمه الله عسْكريّ خَدمَ في الجيْش الفرنْسي لمّا كان بلدُنا المغْرب مُحتلاًّ، يأتي الحَاكم على "بيرو أعراب" معَ حشْد من العَسْكر وينْتقُون الشّبان الأقْوياء اليَافعِين للالتِحِاق بطابُور"الكوم" طوْعا أو كُرْها ، يفتحون أفواههم كالعبيد ويتلمّسون عضَلاتهم ورجُولتهم ..الصّغار في السّن منْهم يتِمّ رفْع أعْمارهِم سَنوات ليسْتوفُوا بلوغ العُمر المَطلُوب ،ومن يرفض يدفع عنه أبوه أتاوة باهضة ويوسم بصفة الهارب من التجنيد ، يحبس ويصير"ترّافا"خادمًا في ضيْعات النّصَارى أو في بُيوتِهم ويُسام صُروف العَذاب..الآخرون يُبعَثون كَطرُود في بَواخِر إلى حيْث لا يَعرِفون. كَثيرٌ منهم اسْتُعمِل كآلة لتَفْجير الألْغام وفتْح الطّريق للكثيبات المجَوْقلَة لتمُرّ ، كما لمّح لي أبي مرّة ، وقبْلها يعْطونهم حُقْنة في الوريد سَألتُه ما الحُقنة فغيّرمجْرى الحَديث .لاحَظْت بَعد أنْ صِرت أُميّز أنّ جُل أصْدقائِه من المُحاربين القُدامي الذين يُشاركونَه لُعبة "الضّاما" أو الورَق ،بقدم واحدة أو "بمؤخّرة الجرّة" قُساة غِلاظ القُلوب وبِهم بعْض من جُنون،لكِنه هو بَقَي طيّبا بَشوشًا ،حسَن المَعْشر لم يكتسب فظَاظة ممّا لاقَاه مِن أهْوال في بِقاع الهند -الصينية ، جَميل الطّلعة ،غَزير الشّعر، أبْيض مُشرّبا بحُمرة ،حاملاً للقرآن وفقِيهًا ..كان له الفضْل عليّ في حُبي الجَم للقرَاءة ومُصاحَبة الكِتاب، يعْتبرُني إبنا له ويكلّمني كصَبي لا كفَتاة،عندي سرّه ولديْه سرّي . وكما  يُحب الكُتب يعشقُ السينما حدّ الهَوس وجَعلنا نحبّها أيضا..يقول أنّها تُصوّر له ما يُكتب على الورقِ ويسْتشْهد بشمْشون ودَليلة  الذي قرأ لنا قصّتهما وشاهَدنا الفيلْم، وكُل أحَدٍ يوْم عِيد السنيما عندنا كما أطْلقنا عليه .نذهب في الفتْرة الصّباحية التي تبْتدىء في الثّانية ظُهرا ،تغدّينا الوالدة جيدا ،ثَريدا أو كُسْكُسًا أو عَدسًا بقدّيد حتى لا يجُوع أحدُنا ويطْلب أكْلاً فما يخصص لهذه التّسْلية بالكاد يكْفي ثمَن الفُرجة وبعض الكماليات المُبهِجة.. ونحن في طًريقنا إلى سينما أطْلس بمدينة بني ملاّل نُشكل تقْريبا فريقَ كُرة قدَم إلا نفْرين ،أمي وأبي ونحن السبعة ، أربَعة ذكُور وثلاث إناث ،أنا أكبرهم ..نسيت أن أشير أنه يهْوى مشْروب الكولا كولا أيضا ،نمُرّ على مقْصف ، فلا حوَانيت أو دَكاكين تَبيع آنذاك في الستّينيات مشْروبات غيْر المقاصِف..يدْخل ويعُود محمّلا بثمانِ قَناني من الحجْم الصّغير جدا، سود مفْتوحة خارجة رغْوتها وفائضَة على جِلبابِه الأبْيض ، من شدّة حبي لهذا المشْروب الجَديد عليْنا ، أعُبّه عبّا بسُرعة تَجْعلني أخْتنِق وأكُحّ ويخْرج من أنْفي وأبقى مَحلّ سُخرية ظَريفَةٍ لإخوتي ..الحقّ يُقال أنه كان مشْروبًا راقيًا مركزًا تُحِسّ به ينْزلقُ في البُلعومِ كشُعلة نارٍ ، ليس كالميّاه المُشبَعة سُكّرا ونكَهات لا طعْم لها التي يدعُونها كوكا  في أيّامنا هاته ،ويُمَطْرِقونا بالإشهارات حوْلها حدّ القَرف .نسْبق أبي إلى بَاب سينما "أطْلس"  المُفضّلة على سينما "فوكْس' القريبة من محل سُكنانا فلا يرْتادها سوى السّكارى والعُشّاق. أطْلس كبيرَة ونظِيفة وكراسيها مُريحَة .يتأخر عنا وقتا غير قصير ليُعيد الزجاجات الفارِغة ، يستردّ الضّمانَة ويدخن سيجارة أو اثنتين.التدخين آنذاك لم يكن ممْنوعٍا بصَالات العرْض لكن رائِحة سَجائر "الفافوريت" أو "كازا سبور" تُزعِج أمي ولا تتحمل رائحتها الشببهة بالضّرط كما تقول متأفّفة. يتوجه إلى الكُشك ويشْتري البطاقات وندْخل جَذلانِين إلى صَالة السّحْر، ننْتظر الفيلم الأوّل وغالبا ما يكُون هنْديا، والدتي تسْتملحُها كثيرا وتسْتمْتع بها وتحْكيها لجارَاتنا غير محْظوظَات مِثلها لما تعُود.قبْله تعْرضُ إشهارات "التيد وزيت لوسيور" وأخبار كما في التلفزْيون الآن ومن خِلالها عرفْنا لوْن البحْر ومعالمَ الرّباط عاصِمتُنا  وتعرّفنا على وجْه ملِكنا ..مر الفيلم الهنْدي بسَلام لم تتخللْه إلا قطَّعات قليلة في الشريط القَديم المُستهْلك استدْعت صَفيرا قويّا مسْترسلا وقرْقعة كراسي وبعض الشّتائم "وا الميكانو... وا مسْخوط الوالدين" ..ملّحْنا حُلوقَنا ببُذور القرَع ودوّار الشمْس في فتْرة الاسْتراحة وعُدنا ..الفليم الثاني لم يكن شارلو أو قصّة حب أو درَاما، بل عن الحرْب، لا أذْكر أيّتها فكلّها تتشابهُ, دمٌ وحرقٌ وتقْتيل ودمَار،الصّمت مُطبق على الصالة كأن على رُؤوس المتفرّجين الطّيْر ، لا يُسمَع إلا أزيز الطائرات وفرْقعة القذائفِ وصُراخ الجرْحى والمُصابين .ثمّ ...حدَث شيءٌ لم يكن في الحُسْبان ،أبي ينْتصِب ويبْدأ في سَرْد أحْداث الفليم كأنما هو مُخرجُه،  مغمَض العينين ويرْتجِف كسَعْفة في مَهبّ الرّيح ..الآن ستسْقط قذِيفة على العشْرة رجال المحْتمين هناك تحْت الشّجرة الكَبيرة ..ستخْرجُ أحْشاءُ الكابورال..الجندي سيُمزّق سَترته ويلُفه بها ليعيد مصَارينه إلى كرْشه...ستَعود الطّائرة لتمْطرَهم ويسقُطون في المياه الآسنة ..أنْظُر إليه ثُم إلى الشّاشة العريضة فيلم ينْطق وفيلم يمُر ،أمي لم تعْرف ماذا تفْعل تجُره من كُم جلبَابه فيبْدأ في الزّعيق ،أنقِذونا ..مايْدي مايْدي ..ألْفا بيتا ألْفا .. من خلفَنا يصْرخون عليه أن يسْكت ويقْعد ولا يُعيق الرّؤية ، لكنه بقي يتكلم ..سنمُوت جميعا ..أومِيغا أومِيغا أجِبْني أجبْني وترُد عليه الشّاشة ..أوميغا أوميغا أجبني ..تشْتعل  الصالة جَلبة وعَجيجًا مستنكِرا..أمي تخْلع إزارَها وتلْقيه على وجْهه وتُحاول أن تجْعله يجْلس، لكن يبدو كأن عِفريتا تلبّسهُ وصار في قوّة عشْرة أنْفار، ويستمر ووجهه مغطّى يرْفع يديْه بالإزار..المظلّيون وصلوا أبشروا ..التعْزيزات في السّماء إليكم ..يقطع البثّ وتُنار الأنْوار،تلتقي عيونُنا الصّغيرة المفْزوعة مع العشَرات من العيون الغاضِبة والقبضَات المُهدّدة.
نتأبّط ذراعي أبينا الذي يظْهر أنه في شِبه غيْبوبة وصَار ثقيلا، العرَق الغَزير يتقاطَر من جبِينه الأبْلج والدمع ينْسكب مِدرارًا من عيْنيه .." جرْجَرنا وجرْجَرناه" لنخْرج وقد انْتابَني شيْء لم أقْدر على تفْسييرَه ولا فهْمه ..إخوَتي يبْكون وأمّي مُمتَقعة اللّوْن تحْضن أخي الصّغير وتُلقمه ثدْيها تسكتُه ، بدُون إزارٍ وصدْرها مُنكشِف للعَراء والعُيون.. عَجِبتُ كيْف أنّني بقيتُ متماسكةً وأنا أُسْندُ والدي إلى سَارية وأجْري لآتيه بماء ،أرُشّ وجْهه وأخلّل شعْره بأصابعي ،أدلّك عُنقَه وأطبْطب على ظهْره ليسْتَعيد نفسًا انحَبس .. يسْتفيق و البسْمة تُونِعُ على ثَغرِه ، ينظر إلينا كأن شيئا لم يحدُث وقال:
-الفيلم كان رائِعًا أليس كذلك؟





4 - حميراء الجبل



هزّني الشوق إليه ..يناديني في يقظتي ومنامي..يريد أن يمنحني من نوره ضوءَا ومن ألوانه اخضرارا ومن فضائه امتلاءَا..كأنما أحس أن حالي ليست على ما يرام ،ومعنوياتي وصلت إلى الحضيض ومعيني نضب ،وذهني في فراغ قلب أم موسى ، فشددت إليه الرحال.. زوجي رفض أن يرافقني رغم توسلاتي ..تتعبه السياقة في منعرجاته الشبيهة بدبابيس الشعر القديمة وضيق طرقاته وأخطارها وعمق أَفِجَّته..يتشبت بالمقود فلا يتمتع بجمال طبيعته الخلابة ،ويفسد علي متعتي استياؤه وتذمره..الحقيقة أن رفضه أفرحني لقد قمت بواجب الاستئذان وارتاح ضميري..الحافلة التي أخذتني من الانبساط إلى العلو غاصة حد الانفجار، قليلة هي السحنات منفرجة الأسارير، فالحجيج الذي توفاه الله إلى رحمته أسدل غيمة من الحزن على الكثيرين ممن امتطوها للقيام بواجب الزيارة والعزاء ، واغتال الفرحة بمن عادوا سالمين ، استنبطت ذلك من الأحاديث التي تدور بينهم بالأمازيغية حتى ظننتهم عائلة واحدة تربط بينهم أواصر قربى ، ولم أستبعد ذلك فهم يتنادون بأسمائهم والأطفال يتقافزون على كل الحجور والأحضان ..جلست بقربي دِمّية لا تتكلم سوى الألمانية اعتبرتها نعمة ، لكنها لم تكف إلى أن كدنا نصل شلالات أوزود الرائعة عن اللعب في جوالها ..رجوتها بالإشارة إلى أذني وتقريب سبابتي من الإبهام أن تخفض الصوت ، تمنيت لو تمسك كتابا بدل هذه الآلة المزعجة.. أريد صمتا، فالصمت يحفز كل الحواس الأخرى ويدعها تجوس في دواخل النفس وتفتح إليها بوابات ، يمتص التشظي ويثمر سنابل في صحراء القلق ، الصمت لغة لا يتكلمها منا الكثيرون..وتعبير سام عن أشياء أكبر من أن نصوغها في كلمات..وفي هذه الحافلة الصمت يئن تحت وطأة الضجيج وصفحته الفارغة التي أحبها ثؤثثها ثرثرة وصخب بغيضان..أشرت لمساعد السائق فزعق ...
- نزووول هناااا ..
أوقف السائق الحافلة وعلى محياه علامة استفهام كبيرة ..فالمكان غير مأهول والغابة كثيفة..وتذكرتي لم استوف ثمنها ، ولست رجلا ، سألني لما حاديته :
-هنا يا لالّة ..؟
أجبت بالبربرية أي نعم ، هنا ، فلم يعد هناك أسود في هذه الجبال على حد علمي ، والذئاب ربما صارت كلابا تهش على الأغنام فلم يترك لها المفترس الأول الذي هو نحن جنس البشر حيزا تحتفظ فيه بوحشيتها. ..
انفجر من سمع الحديث بالضحك ...ترجلت ، لوحت لهم مودعة وغادرت غير آسفة ،حصار الحديد والزنك والروائح والأنفاس..والكلام..انعتقت من زنزانته ،انتظر الصمت أخر نزْع هدير الحافلة ليأخذني بالأحضان ويولجني قلبه الرحب وعالمه الفسيح..اقتعدت صخرة على قارعة الطريق لأبدل حذائي المدني بالرياضي حشرته في حقيبة ظهري..وتوغلت في الأحراش، زفرت بقوة لأتخلص من الطاقة السلبية التي اجتاحتني منذ شهور، لزفيري رائحة تشبه الأمونياك ، جسدي متخم سموما وأحتاج ترياقا ، مضغت بعض ثمرات العرعر وجرعت طعمها المر الذي لا يوحي به لونها الأزرق البنفسجي الجميل بنصف قارورة ماء..سأعوضه بحلاوة عروس الأطلس ،أعرف أنها تتواجد هنا لكن في الأعلى، سأتعرق بشدة قبل أن أصلها..فهذه فترة إيناعها..نهاية الخريف ومقتبل الشتاء..اقتطعت من شجرة بلوط عصا وشذبتها بسكيني التي لا تفارقني في سفرات كهاته..بدت كعصا رحالة أتوكأ عليها وأضرب بها الأعشاب والشجيرات الصغيرة التي تعيق طريقي، لا أرغب أن ألتقي هامة من الهوام المعروفة هنا بشدة سُمّيتها فلا أحد ينجو إلا إذا بتر العضو المنهوش توا ..بدت لي الشجرة المدللة التي لا تنبت إلا في حضن شجر البلوط والسنديان والعرعر من بعيد ، لونها مميز مائل إلى الفستقي ، وبُعيد الإثمار تستحيل إلى حمرة قانية زاهية..ثمارها حمراء مدورة شهية تشبه الفراولة لكن مذاقها متفرد ينفجر عبيرها على اللسان وتدغدغ حليماته حبيباتها الخشنة اللذيذة ولا تختار إلا أعلاها كانها تربأ أن تقضمها المعيز أو تمتد إليها يد دون تكبد مشقة ، نسيت أن أقول أننا ندعوها بلهجتنا "السّاسْنُو" وهي القُطلب في أقطار أخرى ..ارتأيت أن أكتفيَ بما نضج وسقط قبل أن أتسلقها ، أتلذذ بها واستمتع بمنظر بانورامي فريد..لكن ما إن انحيت لألتقط واحدة حتى دوت صرخة ارتدت إلي صدىَ وشقت صمتي الحبيب ..
- دعيها .. لا تلمسيها فهي ملك "الدّوهُووو" هوو..هوو..هوو..
وأقبل علي رجلُ غابٍ..أشعت أغبر مخيف، أسماله لا تكاد تخفي سوى نصفه الأسفل رافعا عصاه في حركة تهديد...للحظة ظننتُني سافرت عبر الزمن وعدت للعصر الحجري، ولو كان الخوف يعرف طريقا إلى قلبي لأغمي علي ..رفعت عصاي ولفّيت بها كما الفتوات واستعددت لمبارزة بالنبابيت ، كدت أضحك من شرّ بليّتي..لكن.. قبل أن يقع المحظور وقع هو أرضا وأجهش بالبكاء..يحثو التراب على رأسه ويصرخ.. قتلتُها ..قتلتُها...أسقط في يدي فلم أعد أعرف ما العمل ..أأواسي الباكي النائح أم أطلق ساقيّ للريح...؟؟ افترشت الأرض غير بعيد عنه ، مددت رجليّ وصرت أقبض على التراب وأذروه -وربما حرى بي أن أحثوَه على رأسي كما يفعل ، فحتى في قرْن جبل يعثرحظي العاثر على من يكدر صفوه - أنبش حولي وكلما صادفت ثمرة شجرة "الدوهو" أنحيها جانبا..هدأ الإعوال تدريجيا وخفت البكاء حتى استحال أنينا..ثم فجأة ساد سكون إلا من حفيف الأشجار وزقزقة عصافير وثغاء معزة ناداها فأتت وتمسحت به كقط أليف..نظر إلي بعينين محمرتين والأسى يكسو محيا لم يخل من ملاحة ونبل رغم هيئته ..وبادرني بلغة إفرنجية سليمة :
- مدام.. اِعذري تصرفي غير اللائق ...هل تقصدين كهف النسور.. ؟؟
فهمت أن هندامي جعله يظن أنني سائحة ..فأجبته بالأمازيغية
- أٌهُو..أي لا..
رجاني بلهجتنا أن أفعل لأنه يعتاش من هذه المهنة ليبقى بجوار ابنته.
حدست أن وراءه مأساة فعزمت على ابتزازه ...القصة مقابل المال


..حتى وإن لم أزر....كهف تلك النسور




5 - ... بأي حال... عدت؟ 


 تَسمّرنا بجانب التّنور نُراقب أمّهاتنا وهنّ يخْبزن الحَلوى ، رائحتها الشّهية تجعل مصاريننا تُزغرد ورَيْلنا يسيل ، وقد احترزْن هذه المرة من تطفّل أصابعنا وأفواهنا فضربْن عليها حصاراً بإحاطة المكان بأغصان السوّيد ذي الأشواك الحادّة ، ودِدْنا لو تبقّى لاصقاً به بعض من نَبق نتلهّى به، لكنه عارٍ حتى من أوراقه .."شامْبُونا"  لإطالة الشعر ومرهمُنا ضدّ الحزاز والقراع والقشرة وكل أمراض فروة الرأس الشائعة آنذاك، بَدوْنا حينها في ترقّبنا كيأجوج ومأجوج لكثرتنا ، أو خُوخ ومَاخوخ ، كما يصرخ صغار اليهود لما يرونا قادمين للاستسقاء من العين، أرغمْنا أحدهم فرَزْناه مرة ومرّغْنا أنفَه في حَمْأة مصْرف أن يقول ..الخوخ في رأسي "أي الخواء"والماخوخ أي "المخ" في رؤوسكم ..واتضح مع تقادم الزمن وتبدّل الأيام أن العكس هو الصحيح.. المقصود أن لا "كانون" عندنا به أقل من سبعة أطفال كلنا في نفس السن والطول تقريبا إذ لا تفْصل البِكر بمن تَلاه غير سنين قليلة ، ورضاع الغيلة الذي تجهله أو لا تنتبه له الحوامل من أمهاتنا ،إذ لا يكاد رحِم يفرغ حتى يُترع بسرعة ، جعلنا لا نرْبُو بصفة طبيعية ، إلى أن نُقارب سن الحلم ، فتُكثّف لنا جرعات العسل والزبيب والمكسرات ونقيع الشعير في حليب الماعز لتدارك ما وقع ،من خضعوا لهذه الحَشْوة "السترويدية" واكتملت أجسادهم وفتلَتْ أذرعهم يكسرون الخشب غير بعيد ويسخرون منا ،نعلم أنهن نفحْنهم بالحلوى لقاء عملهم الشاق ..ونكاية بهن بدأنا في ترديد أغنية يكرهْنها ..."أمُّو تخبز وهو ينْبز ...بغينا حلوى يسقط الخبز...أمُّو تخبز وهو ينْبز... الحلوى ..الحلوى ..يسقط الخبز" ..نكرّرها بكل النبرات ، نصاحبها بحركات استفزازية وندور حولهن ، فلربما لا يجدن شيئا يرْجمن به شيْطنَتنا فتكون قطعة كعك محروقة حتى..الكلمة لا علاقة لها بالنّبز فقهيا ولغويا ..نريد فحسب أن نذوق نَبْزَة أيْ لُقمة من فطيرة أو قطعة من الحلوى ، أو نَطال بعض الفتات الذي يتساقط أو يظل ملتصقا بالصحيفة ..يُدركن أننا لن نبقي شيئا ولن نَدَر لو فتحْن ثغرة التذوّق فتمسكن بموقفهن ..والسّرْحوب المشْرُوم الخَطْم، من "فعائلنا" به لشدة مراسه وكُرهه الفطري لكل هيئة قصيرة يُضَافِر رفْضهن ويكشّر عن أنياب لم نتمكن من قلعها حين ربطناه بشجرة يوما ، بعد أن التهم لحم جيفة دجاجة نقعناها في مستحلب نبتــة الخشخاش المُسكِرة وخدّرناه ، ويشارك بنباحه البغيض المخيف في ثنْينا عن التفكير في طريقة ما للمرور إلى حيث بطوننا تتوق وعقولنا تهفو ، ويُعيق بجسمه الضخم كل محاولة للتسلل..قذفناه بروث البهائم الجاف ، انتقينا "إكراما له" أكبرها وأقساها وباشرنا عملية التسديد ، وما انصرفنا حتى شنف آذاننا عواء ألمِه الحاد ، ثم قصدنا طريق السوق ننتظر عودة "السواقة" دونَما شيء في حُجورنا نقضمه ، نتشاجر عليه ونسْطُو ، ونضحك نحن الصبايا من رفع الأَكْسِيَة إلى فوق، وظهور "حمامات" الصبيان المخْتونة أو التى ما زالت مُخْتبئة تحت قَلَفاتها..تمددنا على بطوننا نسكت غرغرة حرمانها أكثر مما نتسمّع إلى حوافر الدواب تخُبّ على الأرض، ولا يهم إن اتّسخت ملابسنا ..سيسخنْن لنا بَرامي الماء على ما تبقى من جمر التنور وسيفرِكْننا فركا مُبرحا هذا المساء ..البنات ستحنّى أيديهن وتُلفّ في سقْط ثوب الخيّاطات منهن أو في ما استُغنِيَ عنه من أسمال ، وتبدأ دورة في الملاكمة الحرّة على العيون والوجنات وتحت الحزام وما فوقه وما بينهما ، إلى أن تصل خُضرة الخِضاب المرفقين..
ــــــــــ يهل أول السّواقة .. عرفت أنه أبي من أرْجل دابّتنا قبل أن تكشف عنه أغصان اللوز الكثيفة ، فسبقته جريا إلى البيت ، ولدرايته بقِلّة صبري وحَماوة طبعي كانت اللّفافة التي تخُصّني في حضنه، فما أن وقعت عيناه علي حتى ألقاها إلي مشفوعة ب..." غْ الصّاحْتْ دْالرّاحْتْ.. إللّي.. أتْعْيدْتْ أتْعَاوْدْتْ".**.تحسست فيها دفء يديه ورائحة المسك عطره الأثير ، قبلتها ورفعتها إلى جبيني في تحية حب وإجلال، وساعدته على الترجل . سعِدت بالثوب-الهدية فهو الشيء الوحيد الجديد الذي أحظى به على طول السنة في عيد الفطر، فعيد الأضحى للّحم ولا سبيل للفوز بالإثنين معا.. "كثرة العيال وقلّة المال ..يتأسى والِدنا، لقد عجّلتُ بما أجّل الله وأخّرت ما أسْبقه " ...نسيت طعم الحلوى ولَذاذَتها ، أذهب الفرح العارم شهيتي ، لم أتعشّ ، توسّدته ونمت ،وطال عليّ الليل واستطال ..استيقظت عدة مرات أتفقده ، يهدهدني صوت أبي الشجي وهو يهلل تهليلة الفجر الأولى.."سبّوح قدّوس رب الملائكة والروح" .. فأغطّ في نوم عميق .. توقظني منه الجَلَبة ،إخوتي يتقافزون من حولي ، وأمي يبدو أن لها ثأرٌ تسْتخْلصه من المَواعين والحُلل قبل أن يعود الرجال من صلاة العيد للفطور في الدار الكبيرة..ممنوع مس الثوب الجديد قبل خلع قفازات الحنّاء وغسل اليدين ومشْط الشعثة ، حذّرتني ، وهي ترمق نظْرتي لما تحت الوسادة.
و...........................
كل الأطفال فرحوا في ذاك اليوم المجيد ، وازْدَردوا الحلوى ، وامتلأت جيوبهم بالعيديات ..إلاّيَ.... الفأرة  الرمادية اللطيفة التي ولّفْتها إلى أن ألِفتْني ، وشاهدت صغارها مُضغاَ حمراء في حجم أنْمُلة إبهامي يكبُرون تحت ناظري ، والزّغب ينبت على تجعّدات جلدهـــــم ، واقتسمت معهم خبزي وجبني ، وأزحْت المصائد والفِخاخ عن طريقهم ..غافَلتْني ..وعيّدت لهم مِنْ فُستاني الجميل .
.
.
.
**ملحوظة..." غْ الصّاحْتْ دْالرّاحْتْ.. إللّي.. أتْعْيدْتْ أتْعَاوْدْتْ" بالبربرية وتعني ...(صحة وراحة ..تعيّدي ..بنيّتي..وتعِيدي).  



 6 - رائحة الأضاليا



اِبني ..اليوم ليلة الأربعاء يومنا- نحن الإثنان- وقت الكلام والهدْرة ..البيت أظنه فارغا ، خرجوا يتعشون عند عمك العربي. -لا لم أذهب.. رفضت ..كيف أخلف موعد الأربعاء ؟ ..أعرف أنك تحبه يذكرك بعودة أبيك من السوق محملا بالحلوى والسكاكر ؟ - نعم ..آه أنت تضحك ؟ أسمع ضحكتك "الزوينة" من هنا مع الشّخرة الأخيرة المحببة التي تختم بها ..والغمازتين على خديك ..أراهما .. -كيف الجو؟ ..الجو بارد هنا، لكن ولا قطرة مطر سقطت ،عام الجفاف..الله يلطف.وأظنه هناك أبرد .. -لا ..ليس كذلك ، كيف ، وأنت قلت لى أنك في مكان تكثر فيه الثلوج ؟..السترة التي حكتها لك تلبسها ،حقا ؟ تشعرك بالدفء ، لأني حكتها بكل أحاسيسي الحنونة ، لقد ساعدتني فيها الضاوية ..جارتنا الحسناء أتذكرها ؟ سكتتَ ؟.. لا شيء يخفى على أمك ..
لا تخجل..تأخرتَ عنها كثيرا ابني فزوجوها رغما عنها .. -السترة ، لم تغسلها بعد ، احتفظت برائحتى عليها ..يا شقي متى ستكف عن شقاوتك ؟ -إسمع لما تحب أن تغسلها ، لا تضعها في تلك التي تقول عنها الماكينة ،بيديك.. لا تنس أغسلها بيدك ، ولا تعصرها وقبل ذلك ضعها في الثلاجة ساعتين كاملتين حتى لا تتقلص .. - كيف عرفت ؟ الأذن لا تشيخ بُني، قالتها لي الفاسيّة الخياطة .. -حاضر أمّيمْتي .. - قلت أميمتي ؟ ..يااه كم اشتقت لسماعها منك ، طالت غيبتك وْليدي ! ، الأوراق ..لم تأخذها بعد ؟ كيف ذلك والعجوز التي منحتها شبابك مقابلها ، ماذا فعَلت ؟ ..-لا شيء.. -لاشيء ؟ ولم طردتك الشّيبَة العاصية ، ماذا فعلتَ ؟..إياك أن تكون سرقتها؟ - حاشا ..أمي ، لقد اكتشفتُ أنها ليست امرأة بل رجل..--رجل، أعوذ بالله ، رجل ، ولابس حوائج النّْسَا ومزوّق ؟ "عنداك" تكون ارتكبت الفاحشة التي لا تُذكَر ؟ -لا..لا ، لم تفعل ؟..الحمد لله - وأنا ماذا أفعل ؟ أنا جالسة في غرفتي ، تعرفها ، لم يتغير فيها شيء، الدولاب الخشبي الذي اشتراه لي أبوك في العرس، يكاد أن يُتمه العَثّ والبخّوش، أسمع قرضه في الليل،يتساقط كل يوم منه شيء كالدقيق.. والسرير؟ لم أغيرْه ، ومازالت نتوءاته تؤلم ظهري وظلوعي، ما بعثته لي استحوذت عليه زوجة أخيك ، نعم اصطحبتني إلى 'وافا كاوش".. كارش ؟ آه كاش ، كوَّشَت عليه ، من يده لحقيبتها، اشترت به دبْليجا ، نعم جميل أقٍرّ أنه جميل ، كان عندي أمثاله أتتذكّر ؟ من ثمنهم دفعت "للحراك" حتى تسافر..أعجب أخاك في يدها ، لم يسألها حتى من أين حصلت عليه ..المسكين ، كم يؤلمني حاله المايْل..صندل في رجلها تمسح به الأرض وتطأ به الأشواك والوسخ ، جعلته يأكل "النانُوخة ولسان الحمار" - لا يشتكي ؟ -لا ،ولا يقدر على مواجهتها حتى..لا تنعثها بالخادمة، كانت ، هي الآن سيدة البيت - وأنا ؟ -" طالبة فقط السلامة" من لسانها ويدها..لا، لا تضربني ، لستُ أبكي ولدي لقد شرِقت
بشربة ماء فحسب، -تطعمني ؟ - نعم وتلمست الصحن النصف فارغ وقطعة الخبز اليابسة - إحك لي أنت..آه العمل ولا شيء غير العمل..في مطعم ؟ يملكه يهودي ؟
يهودي ، طلياني ..ويهودي، في الطليان أيضا يهود؟ "ماشي غير في "فَلاسْطين" ؟
-
قلتلي أنك "رايس الطباخة" في مطعم عَرْبي ..غيّرت ؟..كان يحْبسكم في القبور ولا ترون الشمس ؟..- القبو يا مّْي..! -فهمت في القبر.. الأوراق..دائما الأوراق ، لأنكم تعملون في النْوَارْ .. النّوّار والورْد تحت الأرض ؟ مزياان أنت تحب الزهور!.. فوق السطح ما زالت
نبتتك"الضّلاليا" ، تزهركل صيف ، لا تضحك ، لم أعرف كيف أنطقها يوما..شُمّ ، كيس
لُسيناتها اليابسة معلق بجانبي، أجمعها لك ..رائحتها كرائحتك..- تقول السّواد ، كيف في السّواد ؟ لا يُضيئون لكم "الاكتْرِسينْتي" ..آه فهمت ..من لا أوراق له أسْود .."أكحل الراس
"
عربي "زَعْما" ..!! وهذا ، هل يترككم تخرجون من القبر؟ في الليل فقط ؟ ..ولد الزاهية في السجن ؟..خرج بالنهار، يفَتّش عن الشمس وظلّمُوها عليه ؟ ..يا الله على الزاهية
"
"الزُّغْبيّة المسكينة
" سيطير عقلها لما تعرف، لا، لن أقول لها وهل أنا حمقاء ، ستصيبني بعين الحسد ، -ولماذا ؟ ..لم يجدوا عنده الأوراق..الأوراق الأوراق..دائما الأوراق سيعود.."روفولي".. سمعت ذلك في جلسة الحمام البلدي .. -أخوك ، بالسيارة ؟ عمري ما ركبت فيها ، لا ، هي من ذهبت بي، تركتني "للطيّابة" ، قالت لها أن
تُغسّلني ! -تغسّلك؟ ..الله يحفظك ويطول عمرك..إيوَا ؟.. - وذهبت عند الكوافور "لتَتزيّز" وتتحضّر للسهرة..! - آه ..نعم عدت لوحدي ، لم أسقط في أية حفرة ..- الشارع ؟ ما زال
كما تركته ...لوكان عندي بنات ؟ ..- إيوا يا وليدي " من ليس لديه بنات ما عَرفه أحد باشْ مات "! .. - قلتَ "روفولي " طردوه وسيرجع ؟ الله يا وْليدي ، أطلُبْ منهم أن يدَعُوه هناك ، أو يبعثوه إلى شِي جهنم كَحْلة..الدرب ارتاح من تعربيده وسكره وكلامه القبيح..منذ ذهب صرت أنام ولا يوقظني صراخه تحت نافذتي ولا بكاء أمه حين يهْريها بالضرب كبطانة كبش العيد..كانت تدعو عليه أن يأكله الحوت يمكن عافَه.. المعفُون..! - وأنا ؟.. صابرة ومتصبّرة هنا، انتظر عودتك وحشتك تقتلني ..-لا..لا لن أموت سأنتظرك - ستعود ..أهههاه. بسيارة"أم عيون كاللوز" طويلة وعريضة وسوداء كسيارة الوزير، وستذهب بي إلى حامّة مولاي يعقوب.. في فاس ؟ ..أسخّن عظامي..يا بَركة مولاي يعقوب.."بارد وسخون أمولاي يعقوب"..يغسل الذنوب ويشفي الحبوب..آه والقلوب ، هل يشفيها ؟ ويغسلها وينقّيها ؟

صريرمفتاح في الباب يجعلها تنكمش تحت عطائها الرث ، تنكفئ وتتداخل في بعضها وتتقلص حتى تصبح غير مرئية ، تسمح طقطقة مكبس النور، يغمر الغرفة ضوء جعلها وهَجه تغمض عينيها ، وترفع ذراعها الهزيلة إتقاءَ ما تتعرض له.
تنظر إليها المرأة شزرا ..تصرخ في وجهها ..
-
إن سمعتك تهترفين مرة أخرى وتزعجين راحتي ..أقسم ، أنك ستجدين نفسك تتعفنين في دار العجزة .. هسْسْ ..لا نفْس و لاحَسْ..يا عجوز النحْس..إإإخ...
يعم الظلام ، ويبقى صفق الباب العنيف يتردد في رأسها طويلا ، تخضّل دموعها وسادة تزاحمت عليها رأسيهما وشهدت سعادتها به.. تخرج من تحت الدثار المهترئ تليفونا عبارة عن لعبة أطفال مبعوجة، لَهتْ بها أيدٍ كثيرة ، تُشبعه تقبيلا وتوشوش فيه....آآه.. يا ولدي ليتك ما ركبت البحر. .

التسميات:

1 تعليقات:

في 8 ديسمبر 2016 في 8:49 ص , Blogger واحة القصة القصيرة يقول...

مهدية أماني من المبدعين القلائل الذين برعوا فى صنع عالم خاص يميز تجربتهم القصصية.
قصص مهدية تشكل مقاطع من عالم قصصي متكامل . نجحت في تصوير هموم الإنسان المعاصر, ووشت عوالمها بتفاصيل البيئة المغربية .
ست قصص قصيرة من إبداع صديقتي مهدية، تمثل جانباً من ذلك العالم الثري.

 

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية