انكسار الروح في رواية .. ظل بلا جسد .. خالد بدوي
انكسار الروح في رواية “ظل بلا جسد” للروائي: خالد بدوي..
قراءة نقدية بقلم: محسن الطوخي
مقدمة :
انحسار القيم لا يقتصر ضرره على إفساد المجتمعات. إنما يمتد إلى الروح، فيفرغها من طاقة الصمود والتحدي. ويغلق أبواب الأمل أمام الأجيال الجديدة صانعة المستقبل، فيغدو المجتمع وقد فقد هويته على شفير هوة تبتلع الماضي، والحاضر، والمستقبل.
هذا ماتطرحه الرواية من خلال استعراض سيرة حياة محمد عبد البر ابن قرية العركي.
سنتناول الرواية بالتحليل على مستويين:
1- الموضوع.. (مغزي الحكاية، أو قيمة التجربة المحكية على المستوي الإنساني.)
2- السمات الفنية للسرد الروائي.
1 – الموضوع.
لدينا محاولة لرصد نموذج إنساني في فترة زمنية محددة من التاريخ المصري المعاصر.
وهي فترة حكم الرئيس المخلوع.
فمحمد عبد البر الراوي الذي ترد الأحداث على لسانه، والشخصية محور الأحداث، ولد عام 1976، ما يعني أنه بلغ الوعي بعد انتهاء السنوات العشر الأولى الإيجابية من حكم مبارك. وأتم روايته يوم جمعة الغضب 28 يناير 2011.
ونحن نلمح السمات الشخصية للبطل المقهور، بالتوازي مع تحلل وانهيار مجتمع قرية العركي التى كانت مسرحاً للأحداث الرئيسية.
والمتأمل يستطيع أن يكتشف جوهر الحكاية من تتبع هذين المسارين. (المكان/ الإنسان)
المكان:
تقع قرية العركي إدارياً داخل حدود مركز فرشوط، محافظة قنا، وهي بذلك تتمتع بأصالة الموقع، وبشريحتها السكانية التي تنتمي إلى الأشراف الحسينيين. وقد استخدمها الكاتب كنموذج للتدليل على الانحراف الاستهلاكي (الطاحونة/ المخبز)، والفساد الإداري (ممارسات النائب الانتهازي)، والتمزق الاجتماعي بين الطبقات (الصراع بين الأخوة على الميراث). وهو ما مهد لسمتين لم يقتصر تأثيرهما على قرية العركي، بل نلمحهما كسمتين أساسيتين للمجتمع المصري بأسره خلال الفترة الزمنية التي استغرقتها الأحداث وهما:
(1) الخلل الطبقي الذي أدى إلى استئثار فئة بالثروة، والسلطة بأساليب احتيالية، والذي كان من أخطر آثارة تهديد الطبقة المتوسطة بالتحلل، والسقوط في دائرة العوز، والفقر.
(2) إرهاصات المد الديني السلفي الذي نجح رغم عسف وبطش السلطة في البقاء حتى قام بدوره في أحداث يناير 2011. (مهران يأتي إلى القاهرة لينضم إلى التحرير) .
الإنسان:
يمثل محمد عبد البر العنصر الإنساني، وهو نموذج لشريحة من الشباب المصري المتعلم الذي اكتوى بإحباطات الفترة التي انتخبها الكاتب من التاريخ المصري المعاصر.
تكاد تكون شخصية انهزامية، وقد يظن أن السمات الانهزامية هي وليدة الإحباطات التى واجهته في العامين الأكثر سوادًا (على حد قول الشخصية) ..
والقارىء يلمح سمات الانهزامية والنكوص في شخصية محمد عبد البر الشاعر الرومانسي في الاستسلام ببساطة لكلا الحادثين الأكثر تأثيراً في مساره.. (ضياع حلم الألتحاق بالنيابة، وفقدان أمل فرحات عام 1994 م ميلادية حتى نهاية 1995). كما يلمح نفس الانهزامية والاستسلام في بقية الأحداث الثانوية في حياته.
مثل موقفه من الصراع الدائر بين اخوته حول تقسيم الطاحونة والأرض، فلا يكاد القارىء يلمح انحيازاً إلى طرف دون طرف رغم معاصرته للأحداث, واكتمال وعيه.
والحوار الذي دار بينه وبين عرفات في مجلس الكيف. يعلن فيه أنه يحب اخوته، لكنهم لا يحظون باحترامه. والسيرة الشخصية لأبناء عبد البر بلسان محمد عبد البر ذاته لم تعط سبباً لفقدانهم احترامه. تأمل قوله لأنور الشقيق الذي يكبره عندما لامه لسلوكه: “أخدت منك إيه علشان احترمك؟”
ولذلك كان عرفات الحشاش أكثر وعياً عندما صفعه بالعبارة التى زلزلته بشكل وقتي: “هو انت بتحترم الناس علشان تاخد منهم حاجة؟”
– والملاحظ أن نكوص الشخصية لم يقف عند اعتزاله الصراع بين أشقائه، لكنه تخلي أيضاً عن كحول.
وربما عاني كحول من وضاعة منزلته بين أفراد الأسرة بعد رحيل الحاج عبد البر متبنيه، ومؤسس الأسرة, لكنه احتفظ بمنزلته ومكانته لدي الراوي الذي كان يعطف عليه ويقدر خدماته للأسرة في حياة الأب وبعد رحيله، كما كان يتخذه سميراً، ورفيقاً في جلسات الكيف التي كانت تعقد في حجرة كحول بالطاحونة قبل هدمها.
ومع ذلك لم يتخذ موقفاً إيجابياً للمحافظة على قيراط الأرض الذي كتبه الأب لكحول، واستولى عليه جمال.
فهو خذل نفسه بالاستسلام بعد ضياع حلم النيابة.
وخذل أمل فرحات بالاستسلام لجشع أبيها.
وخذل أشقائه باعتزال الصراع رغم كونه الأخ المتعلم، الأمر الذي كان يتيح له القيام بدور توفيقي، أو المعاونة على ردع طمع جمال وجشعه.
وأخيراً فقد خذل كحول بالتخلي عنه وحجب شهادته عن أحقيته في القيراط من أرض الطاحونة.
أما النهاية المأساوية التى انتهت بمصرع الأم تحت أنقاض البيت القديم، وقتل جمال على يد كحول فقد كانت نهاية طبيعية لصراع غلب عليه الجشع والطمع، في مجتمع فقد كل من السلطتين.
سلطة القانون الذى يحفظ الحقوق.
وسلطة العرف بانقراض جيل الآباء، وتآكل القيم التي طالما حفظت السلام الاجتماعي بين العائلات.
وفي نفس الوقت مثلت تلك النهاية المأساوية الدافع الذي غادر محمد عبد البر من أجله قريته هارباً إلى القاهرة.
فيم كان يفكر محمد عبد البر وهو يهجر قريته؟
وما مغزي تلك الرحلة؟
هل كانت محاولة لصنع مسار جديد لحياته بعيداً عن الإحباطات التي واجهته في قرية العركي؟
أغلب الظن أن ذلك لم يساوره لحظة واحدة، وهنا يكمن سر إخفاقه.
فالعبارة التي كتبها محمد عبد البر مبرراً لفراره لا تحمل مسحة من الصدق.
“أبحث عن الخلاص من براثن الماضي الذي يطاردني كظل أعوج لجسد أعرج”
محمد الذي يحتل الترتيب الأوسط بين خمسة من أبناء عبد البر يحمل بين جوانحه ذكري شهيد،
وينتمي إلى الطبقة البرجوازية ضمن التركيبة الاجتماعية لقرية العركي.
فهو وريث لحصة من الطاحونة وأرض زراعية تدر دخلا ثابتاً, والأخ الأكبر “جمال” يعد من أعيان القرية بعد استيلائه على أنصبة أخوته. ويتمتع بعلاقات حميمة مع الكوادر السياسية بالمحافظة تتيح له بعض النفوذ والهيبة.
والذي نال حظاً من التعليم الجامعي.
والذي يقرض الشعر، ويدرك وينفعل بالأحداث السياسية وتداعياتها (محاولة اغتيال عاطف صدقي 1993/ قرار المحكمة الدستورية 2000).
والذي تعرض مرات عديدة لألوان من ظلم المجتمع والسلطة (فقدان النيابة/ فقدان أمل/ الاعتقال أثر محاولة الاغتيال)
يخيل إلي أن القاهرة لم تكن أكثر من مكان يمكنه الاختفاء فيه مواصلاً عجزه وانكساره.
فهو قد واصل الحياة على هامش الأحداث. ولم تواته الجرأة على الانخراط في أي من التجارب التى صادفته في المدينة المترامية الأطراف, الغاصة بالسكان .
فهو أولا قد اختار الإقامة في شقة حقيرة (لم يقصر في وصف حقارتها وتدنيها) . على سطح المنزل الذي يملكه الحاج مدبولي.
وركن إلى الكسل اعتماداً على الدخل الذي يأتيه من أرضه التي يزرعها الغير.
واختيار مهنة سائق سيارة أجرة بالتحديد يشي في الواقع بسقف طموحه المحدود، ونكوصه عن اقتحام الحياة القاهرية بشكل جدي كمحاولة للتخلص من تشوهات الماضي، وعبثيته.
وكما حفلت حياة محمد عبد البر في مرحلتها العركية بالفرص الضائعة، كذلك حفلت المرحلة القاهرية بالعديد من الفرص المهدرة:
1 – علاقته بكريم شاكر.
2 – علاقته بمريم.
3 – علاقته بولاء.
انحسار القيم لا يقتصر ضرره على إفساد المجتمعات. إنما يمتد إلى الروح، فيفرغها من طاقة الصمود والتحدي. ويغلق أبواب الأمل أمام الأجيال الجديدة صانعة المستقبل، فيغدو المجتمع وقد فقد هويته على شفير هوة تبتلع الماضي، والحاضر، والمستقبل.
هذا ماتطرحه الرواية من خلال استعراض سيرة حياة محمد عبد البر ابن قرية العركي.
سنتناول الرواية بالتحليل على مستويين:
1- الموضوع.. (مغزي الحكاية، أو قيمة التجربة المحكية على المستوي الإنساني.)
2- السمات الفنية للسرد الروائي.
1 – الموضوع.
لدينا محاولة لرصد نموذج إنساني في فترة زمنية محددة من التاريخ المصري المعاصر.
وهي فترة حكم الرئيس المخلوع.
فمحمد عبد البر الراوي الذي ترد الأحداث على لسانه، والشخصية محور الأحداث، ولد عام 1976، ما يعني أنه بلغ الوعي بعد انتهاء السنوات العشر الأولى الإيجابية من حكم مبارك. وأتم روايته يوم جمعة الغضب 28 يناير 2011.
ونحن نلمح السمات الشخصية للبطل المقهور، بالتوازي مع تحلل وانهيار مجتمع قرية العركي التى كانت مسرحاً للأحداث الرئيسية.
والمتأمل يستطيع أن يكتشف جوهر الحكاية من تتبع هذين المسارين. (المكان/ الإنسان)
المكان:
تقع قرية العركي إدارياً داخل حدود مركز فرشوط، محافظة قنا، وهي بذلك تتمتع بأصالة الموقع، وبشريحتها السكانية التي تنتمي إلى الأشراف الحسينيين. وقد استخدمها الكاتب كنموذج للتدليل على الانحراف الاستهلاكي (الطاحونة/ المخبز)، والفساد الإداري (ممارسات النائب الانتهازي)، والتمزق الاجتماعي بين الطبقات (الصراع بين الأخوة على الميراث). وهو ما مهد لسمتين لم يقتصر تأثيرهما على قرية العركي، بل نلمحهما كسمتين أساسيتين للمجتمع المصري بأسره خلال الفترة الزمنية التي استغرقتها الأحداث وهما:
(1) الخلل الطبقي الذي أدى إلى استئثار فئة بالثروة، والسلطة بأساليب احتيالية، والذي كان من أخطر آثارة تهديد الطبقة المتوسطة بالتحلل، والسقوط في دائرة العوز، والفقر.
(2) إرهاصات المد الديني السلفي الذي نجح رغم عسف وبطش السلطة في البقاء حتى قام بدوره في أحداث يناير 2011. (مهران يأتي إلى القاهرة لينضم إلى التحرير) .
الإنسان:
يمثل محمد عبد البر العنصر الإنساني، وهو نموذج لشريحة من الشباب المصري المتعلم الذي اكتوى بإحباطات الفترة التي انتخبها الكاتب من التاريخ المصري المعاصر.
تكاد تكون شخصية انهزامية، وقد يظن أن السمات الانهزامية هي وليدة الإحباطات التى واجهته في العامين الأكثر سوادًا (على حد قول الشخصية) ..
والقارىء يلمح سمات الانهزامية والنكوص في شخصية محمد عبد البر الشاعر الرومانسي في الاستسلام ببساطة لكلا الحادثين الأكثر تأثيراً في مساره.. (ضياع حلم الألتحاق بالنيابة، وفقدان أمل فرحات عام 1994 م ميلادية حتى نهاية 1995). كما يلمح نفس الانهزامية والاستسلام في بقية الأحداث الثانوية في حياته.
مثل موقفه من الصراع الدائر بين اخوته حول تقسيم الطاحونة والأرض، فلا يكاد القارىء يلمح انحيازاً إلى طرف دون طرف رغم معاصرته للأحداث, واكتمال وعيه.
والحوار الذي دار بينه وبين عرفات في مجلس الكيف. يعلن فيه أنه يحب اخوته، لكنهم لا يحظون باحترامه. والسيرة الشخصية لأبناء عبد البر بلسان محمد عبد البر ذاته لم تعط سبباً لفقدانهم احترامه. تأمل قوله لأنور الشقيق الذي يكبره عندما لامه لسلوكه: “أخدت منك إيه علشان احترمك؟”
ولذلك كان عرفات الحشاش أكثر وعياً عندما صفعه بالعبارة التى زلزلته بشكل وقتي: “هو انت بتحترم الناس علشان تاخد منهم حاجة؟”
– والملاحظ أن نكوص الشخصية لم يقف عند اعتزاله الصراع بين أشقائه، لكنه تخلي أيضاً عن كحول.
وربما عاني كحول من وضاعة منزلته بين أفراد الأسرة بعد رحيل الحاج عبد البر متبنيه، ومؤسس الأسرة, لكنه احتفظ بمنزلته ومكانته لدي الراوي الذي كان يعطف عليه ويقدر خدماته للأسرة في حياة الأب وبعد رحيله، كما كان يتخذه سميراً، ورفيقاً في جلسات الكيف التي كانت تعقد في حجرة كحول بالطاحونة قبل هدمها.
ومع ذلك لم يتخذ موقفاً إيجابياً للمحافظة على قيراط الأرض الذي كتبه الأب لكحول، واستولى عليه جمال.
فهو خذل نفسه بالاستسلام بعد ضياع حلم النيابة.
وخذل أمل فرحات بالاستسلام لجشع أبيها.
وخذل أشقائه باعتزال الصراع رغم كونه الأخ المتعلم، الأمر الذي كان يتيح له القيام بدور توفيقي، أو المعاونة على ردع طمع جمال وجشعه.
وأخيراً فقد خذل كحول بالتخلي عنه وحجب شهادته عن أحقيته في القيراط من أرض الطاحونة.
أما النهاية المأساوية التى انتهت بمصرع الأم تحت أنقاض البيت القديم، وقتل جمال على يد كحول فقد كانت نهاية طبيعية لصراع غلب عليه الجشع والطمع، في مجتمع فقد كل من السلطتين.
سلطة القانون الذى يحفظ الحقوق.
وسلطة العرف بانقراض جيل الآباء، وتآكل القيم التي طالما حفظت السلام الاجتماعي بين العائلات.
وفي نفس الوقت مثلت تلك النهاية المأساوية الدافع الذي غادر محمد عبد البر من أجله قريته هارباً إلى القاهرة.
فيم كان يفكر محمد عبد البر وهو يهجر قريته؟
وما مغزي تلك الرحلة؟
هل كانت محاولة لصنع مسار جديد لحياته بعيداً عن الإحباطات التي واجهته في قرية العركي؟
أغلب الظن أن ذلك لم يساوره لحظة واحدة، وهنا يكمن سر إخفاقه.
فالعبارة التي كتبها محمد عبد البر مبرراً لفراره لا تحمل مسحة من الصدق.
“أبحث عن الخلاص من براثن الماضي الذي يطاردني كظل أعوج لجسد أعرج”
محمد الذي يحتل الترتيب الأوسط بين خمسة من أبناء عبد البر يحمل بين جوانحه ذكري شهيد،
وينتمي إلى الطبقة البرجوازية ضمن التركيبة الاجتماعية لقرية العركي.
فهو وريث لحصة من الطاحونة وأرض زراعية تدر دخلا ثابتاً, والأخ الأكبر “جمال” يعد من أعيان القرية بعد استيلائه على أنصبة أخوته. ويتمتع بعلاقات حميمة مع الكوادر السياسية بالمحافظة تتيح له بعض النفوذ والهيبة.
والذي نال حظاً من التعليم الجامعي.
والذي يقرض الشعر، ويدرك وينفعل بالأحداث السياسية وتداعياتها (محاولة اغتيال عاطف صدقي 1993/ قرار المحكمة الدستورية 2000).
والذي تعرض مرات عديدة لألوان من ظلم المجتمع والسلطة (فقدان النيابة/ فقدان أمل/ الاعتقال أثر محاولة الاغتيال)
يخيل إلي أن القاهرة لم تكن أكثر من مكان يمكنه الاختفاء فيه مواصلاً عجزه وانكساره.
فهو قد واصل الحياة على هامش الأحداث. ولم تواته الجرأة على الانخراط في أي من التجارب التى صادفته في المدينة المترامية الأطراف, الغاصة بالسكان .
فهو أولا قد اختار الإقامة في شقة حقيرة (لم يقصر في وصف حقارتها وتدنيها) . على سطح المنزل الذي يملكه الحاج مدبولي.
وركن إلى الكسل اعتماداً على الدخل الذي يأتيه من أرضه التي يزرعها الغير.
واختيار مهنة سائق سيارة أجرة بالتحديد يشي في الواقع بسقف طموحه المحدود، ونكوصه عن اقتحام الحياة القاهرية بشكل جدي كمحاولة للتخلص من تشوهات الماضي، وعبثيته.
وكما حفلت حياة محمد عبد البر في مرحلتها العركية بالفرص الضائعة، كذلك حفلت المرحلة القاهرية بالعديد من الفرص المهدرة:
1 – علاقته بكريم شاكر.
2 – علاقته بمريم.
3 – علاقته بولاء.
2 – السمات الفنية للسرد الروائي
أ – لغة السرد
تعتبر لغة السرد من أهم العناصر التي تمنح ببراعتها النص الروائي تماسكه وترابطه بما تملكه من طاقات تعبيرية وتأثيرية.
ومن البديهي أن تتعدد مستويات التعبير اللغوي بتنوع البنى الثقافية والاجتماعية للشخصيات. بما يدفع العمل الروائي نحو محاكاة الواقع الذي تعد اللغة المتداولة بين أفراده من أهم مكوناته.
ويمكن القول بأن اللغة المستخدمة في النص جاءت معبرة عن شخصية أصحابها, وعاكسة لمستواهم الثقافي والاجتماعي.
فالأم تقول مشيرة إلى هدى زوجة أنور: عملتها العايقة بنت المجنونة، وارتاحت.
أو تقول عن أم هدي: دى ولية عفريتها بين رجليها، يخس حريم مخزية.
وهي لغة دالة، ومعبرة بمهارة عن طبيعة الشخصيات والبيئة الريفية، وتحمل من الدلالات, والإيحاءات ماتعجز عن توصيله اللغة الفصيحة. تأمل اللمز في عبارة جمال لأنور : ” شاور وابقى ردّ عليَّ. “
كما تلمح طبيعة الرجل القاهري البسيط في عبارة الحاج مدبولي: يا أستاذ محمد، صاحي؟ النهاردة خمسة في الشهر.
ويسب صابر سيد القهوجي: كانت اشتكتلك إياك، يلعن أبوك يا قليل الأدب.
بينما نسمع سيد يصف حمار صابر الذي اعتاد أن يترك روثه يومياً أمام المقهى : البطيخة القرعة لبّها كتير، حمار نتن زي صاحبه.
وكحول يقول مبرراً تلصصه الليلي: والله كنت جعان جيت أشوف حاجة أطفحها
بينما نلمح سمات الحشاش في كلمات عرفات: أنا بأحبك، ملعون أبو الاحترام جنب حبي ليك.
ومريم تعتذر عن سوء مزاجها: – سوري محمد، أنا مش في المود النهارده.
كما حفل الحوار بالأمثال، والمقولات الشعبية المتوارثة التى تعد من سمات البيئة الريفية، وهي بالإضافة إلى إيحاءتها المضمرة التى تمنح الحوار دلالات تغني عن الاسترسال في الشرح، تمنح الإحساس بالمكان وطبيعة الشخصيات:
– اللى يقول لمراته يا هانم الناس يقابلوها على السلالم. (الأم)
– ديل الكلب عمره ما يتعدل (جمال)
– هتقعد طول عمرك شعر باط ودلدول؟! .. (جمال مخاطباً أنور)
والفارق ملحوظ بين لغة السرد على لسان الراوي المتعلم, وبين لغته عندما يكون مشاركاً في حوار مع الشخصيات المتعددة في الرواية.
ففي حواره مع كريم شاكر القاهري المثقف يقول: مشاكلنا صناعة محلية مابتجيش لنا من الخارج زي كثير من المنتجات الردئية الصُّنع اللي بنستوردها.
وعندما يكلم نفسه كرد فعل لموقف ابن عمه صابر يردد: لا دواء لمن لا حياء له.
لكنه في مجلس الكيف يقول لعرفات: طيب ما أنا بأحب جمال وأنور لكن مابحترمهمش
لكل مقام مقال.. تلون في لغة الحوار يناسب مقام الحكي، وطبيعة الشخصية.
فالتراكيب والكلمات إنما هي تراكيب تتردد على ألسنة العامة، وفي الأحياء الريفية، والشعبية، وعبارات الشتم والسباب هي من اللألفاظ الشائعة في المجتمعات الشبيهة مايمنح القارىء متعة التماهي مع الأحداث والشخصيات.
أ – لغة السرد
تعتبر لغة السرد من أهم العناصر التي تمنح ببراعتها النص الروائي تماسكه وترابطه بما تملكه من طاقات تعبيرية وتأثيرية.
ومن البديهي أن تتعدد مستويات التعبير اللغوي بتنوع البنى الثقافية والاجتماعية للشخصيات. بما يدفع العمل الروائي نحو محاكاة الواقع الذي تعد اللغة المتداولة بين أفراده من أهم مكوناته.
ويمكن القول بأن اللغة المستخدمة في النص جاءت معبرة عن شخصية أصحابها, وعاكسة لمستواهم الثقافي والاجتماعي.
فالأم تقول مشيرة إلى هدى زوجة أنور: عملتها العايقة بنت المجنونة، وارتاحت.
أو تقول عن أم هدي: دى ولية عفريتها بين رجليها، يخس حريم مخزية.
وهي لغة دالة، ومعبرة بمهارة عن طبيعة الشخصيات والبيئة الريفية، وتحمل من الدلالات, والإيحاءات ماتعجز عن توصيله اللغة الفصيحة. تأمل اللمز في عبارة جمال لأنور : ” شاور وابقى ردّ عليَّ. “
كما تلمح طبيعة الرجل القاهري البسيط في عبارة الحاج مدبولي: يا أستاذ محمد، صاحي؟ النهاردة خمسة في الشهر.
ويسب صابر سيد القهوجي: كانت اشتكتلك إياك، يلعن أبوك يا قليل الأدب.
بينما نسمع سيد يصف حمار صابر الذي اعتاد أن يترك روثه يومياً أمام المقهى : البطيخة القرعة لبّها كتير، حمار نتن زي صاحبه.
وكحول يقول مبرراً تلصصه الليلي: والله كنت جعان جيت أشوف حاجة أطفحها
بينما نلمح سمات الحشاش في كلمات عرفات: أنا بأحبك، ملعون أبو الاحترام جنب حبي ليك.
ومريم تعتذر عن سوء مزاجها: – سوري محمد، أنا مش في المود النهارده.
كما حفل الحوار بالأمثال، والمقولات الشعبية المتوارثة التى تعد من سمات البيئة الريفية، وهي بالإضافة إلى إيحاءتها المضمرة التى تمنح الحوار دلالات تغني عن الاسترسال في الشرح، تمنح الإحساس بالمكان وطبيعة الشخصيات:
– اللى يقول لمراته يا هانم الناس يقابلوها على السلالم. (الأم)
– ديل الكلب عمره ما يتعدل (جمال)
– هتقعد طول عمرك شعر باط ودلدول؟! .. (جمال مخاطباً أنور)
والفارق ملحوظ بين لغة السرد على لسان الراوي المتعلم, وبين لغته عندما يكون مشاركاً في حوار مع الشخصيات المتعددة في الرواية.
ففي حواره مع كريم شاكر القاهري المثقف يقول: مشاكلنا صناعة محلية مابتجيش لنا من الخارج زي كثير من المنتجات الردئية الصُّنع اللي بنستوردها.
وعندما يكلم نفسه كرد فعل لموقف ابن عمه صابر يردد: لا دواء لمن لا حياء له.
لكنه في مجلس الكيف يقول لعرفات: طيب ما أنا بأحب جمال وأنور لكن مابحترمهمش
لكل مقام مقال.. تلون في لغة الحوار يناسب مقام الحكي، وطبيعة الشخصية.
فالتراكيب والكلمات إنما هي تراكيب تتردد على ألسنة العامة، وفي الأحياء الريفية، والشعبية، وعبارات الشتم والسباب هي من اللألفاظ الشائعة في المجتمعات الشبيهة مايمنح القارىء متعة التماهي مع الأحداث والشخصيات.
ب – تقنيات السرد
السرد في الرواية وسيلة فنية يلجأ إليها الكاتب لتقديم عمله في لغة أدبية تنطوي على جانب من الإثارة والإفادة.
ومن الضروري أن يتمتع المؤلف بمهارات تمكنه من بناء عالمه بحيث لا يقف الأمر عند حدود سرد الحدث كما هو هو في الواقع، إنما لابد من إدخال عناصر تأثيرية تعيد صياغته أو روايته بطريقة مثيرة، قادرة على إبراز تعقيداته، إضافة إلى عناصر الإيضاح التي تسهم في استحضار ماهو غائب، وإضاءة الجوانب المعتمة، والمسكوت عنها في النص.
ومن ثم تحدث المفارقة بين زمن الحكاية وزمن السرد، فإذا كان الأول يخضع للزمن التاريخي، ويطابق جريان الأحداث كما يفترض في الواقع، فإن زمن السرد لا يخضع لهذا الترتيب، بل يخضع للزمن النفسي الذي يتم فيه ترتيب الأحداث كما يراها الكاتب، وكما خطط لها، فيعمل على إبراز بعض الجوانب وتبئيرها، وإخفاء أو تأجيل البعض الآخر.
ومن أبرز تقنيات السرد في الرواية.
(1) ضمير المتكلم
اعتمد الكاتب تقنية السرد بضمير المتكلم، وهي تقنية تتيح للراوي الحضور، كما تسمح له بالتدخل والتحليل بشكل يولد وهم الإقناع.
ومع هيمنة ضمير المتكلم إلا أن الكاتب اعتمد الانتقال في مفاصل السرد إلى ضمير الغائب وإلى الحوار. وأتي التحول من صيغة إلى أخري متسقاً مع طبيعة الأحداث ودرجة الانفعال, بحيث تبرز صيغة الغائب عندما يعمد إلى الوصف الموضوعي للأحداث ( عمل كحول في الطاحونة وممارساته مع النساء/ الفصل التسجيلي عن تاريخ العركي/ مقتل سليمان حارس البريد … الخ) فنلاحظ في تلك المقاطع انفصال الراوي واكتفائه برصد الحدث كما يراه من الخارج, في حين يتحول إلى ضمير المتكلم عندما تمس الأحداث الشخصية بشكل مباشر، فتذوب المسافة بين السارد والشخصية وتصبح الأخيرة معبرة عن نفسها بطريقة أكثر تغلغلا في الأعماق والمشاعر. كما في اللقاء بين الراوي وفرحات فبينما يتحدث فرحات عن التقاليد وسطوتها. يتبسم الراوي ساخراً دون أن يعلق لعلمه بكذب المتحدث ومحاولته إخفاء جشعه وطمعه بستار التقاليد.
وأيضا في رد فعل الراوي إزاء عبارة أشرف وكيل النيابة أثناء التحقيق في مقتل جمال: ” كلنا مستخدمين عند الحكومة ” فالقارىء يلمح الشعور الداخلي للراوي بعدم الاقتناع, إذ يستشعر في العبارة محاولة زائفة من أشرف لإسقاط الحاجز الطبقي الذي نشأ بينهما بحكم وظيفته رغم الصداقة القديمة التي جمعتهما.
(2) الاسترجاع
تقع الرواية من حيث الشكل في واحد وعشرين فصلاً.
وتنقسم من حيث الموضوع إلى مرحلتين تفصل فيما بينهما مساحة مكانية وزمنية هما.
– مرحلة النشأة والحياة في قرية العركي، وتمتد في الزمن من بداية وعي الراوي . إلى عام 2008.
– تعقبها مرحلة الحياة القاهرية التى انتهت بجمعة الغضب في 28 يناير 2011.
أما زمن السرد فيقتصر على سنوات الإقامة القاهرية الثلاث، بينما تأتي أحداث القرية كوقائع تمليها الذاكرة عن طريق الاسترجاع، يدونها الراوي في دفتر مذكراته كلما استبد به الحنين إلى مراتع صباه ونشأته. ويلجأ إلى عبارة متكررة تشير إلى دفتره للفصل بين المقاطع الآآنية وتلك المتذكرة
وهو أسلوب منح الرواية ديناميكية، وأحدث مفارقات زمنية بالانفتاح على الماضي عن طريق الاسترجاع، الأمر الذي قام بدور الشارح الضمني للأحداث. وكتفسير غير مباشر لدوافع البطل، وللمؤثرات النفسية التى توجه سلوكه.
ولذلك رأينا كلا المرحلتين تسيران بشكل متواكب ومتوازي على مدار فصول الرواية, فيحتوي كل فصل على الأحداث الآنية للشخصية في المهجره الاختياري, وجزء من تاريخ الشخص يقوم بتدوينه في دفتره.
وهي حيلة فنية مبتكرة, استطاع الكاتب بها تجنب الرتابة, لكني أظن أنها كانت تحتاج بعض الحنكة والحرفية لكي تتناسب بدايات التدوين مع الأحداث الآنية. فبعض بدايات التدوين بدت منبتة الصلة بما سبقها من الأحداث. كالفصل التاسع”
نص الحُكم الصادر في تاريخه: باسم الشعب المحكمة الدستورية
والفصل 13: المخبز على حالته التي أصبحت تزيد الوضع تعقيدًا
والفصل 17 الذي اقتصر على حادث سقوط البيت القديم بين فصلين يتحدثان عن مريم, وولاء
(3) الحذف والإسقاط
الحذف أو القفز هو أن يكتفي الراوي بالإخبار عن مدة زمنية مرت دون أن يحفل بتفاصيل تلك الفترة، وهذا من شأنه أن يسرع من عملية السرد، ويختصر أحداثا ذات أهمية ثانوية في نمو الأحداث. كما رأينا في المرور الخاطف على السنوات الثلاث التي اختفي فيها كحول. كذلك اللجوء إلى (القطع الضمني) كأن يسقط الراوي فترة زمنية دون أن يشير إلى أحداثها للمحافظة على وتيرة الأحداث وسرعة إيقاعها اعتماداً على قدرة القارىء على استنباطها. كاختفاء شوقي سليمان في بدايات عمله على سيارة الأجرة، ثم ظهوره في مشهد مظاهرات جمعة الغضب.
يضاف إلى ذلك تقنية القطع أو الوقفة حيث يقطع الكاتب الخط الدلالي الرئيسي بمقاطع شعرية تبتعد عن مجري الأحداث ولا تؤثر في تطورها، لكنها تسهم في تخفيف وطأة الأحداث وضغطها على ذاكرة القارىء. وهي بمثابة استراحة فنية يستمتع فيها القارىء بتذوق الشعر، إضافة إلى كشف واستجلاء مشاعر الشخصية.
الخاتمة:
نجح الكاتب في خلق عالم روائي حافل بالشخصيات والأحداث . كما نجح في ابتكار حبكة موفقة تمكن من خلالها من تطوير الأحداث في إطار واقعي بحيث تطرح نظرة موضوعية تتعلق بفترة مفصلية من التاريخ المصري المعاصر حفلت بمظاهر الانفلات القيمي, وهيمنة رأس المال على مقدرات البشر، الأمر الذي أفسد المناخ العام بما أدى ألى أحداث جمعة الغضب التي أشعلت الثورة في ربوع مصر في الخامس والعشرين من يناير 2011.
السرد في الرواية وسيلة فنية يلجأ إليها الكاتب لتقديم عمله في لغة أدبية تنطوي على جانب من الإثارة والإفادة.
ومن الضروري أن يتمتع المؤلف بمهارات تمكنه من بناء عالمه بحيث لا يقف الأمر عند حدود سرد الحدث كما هو هو في الواقع، إنما لابد من إدخال عناصر تأثيرية تعيد صياغته أو روايته بطريقة مثيرة، قادرة على إبراز تعقيداته، إضافة إلى عناصر الإيضاح التي تسهم في استحضار ماهو غائب، وإضاءة الجوانب المعتمة، والمسكوت عنها في النص.
ومن ثم تحدث المفارقة بين زمن الحكاية وزمن السرد، فإذا كان الأول يخضع للزمن التاريخي، ويطابق جريان الأحداث كما يفترض في الواقع، فإن زمن السرد لا يخضع لهذا الترتيب، بل يخضع للزمن النفسي الذي يتم فيه ترتيب الأحداث كما يراها الكاتب، وكما خطط لها، فيعمل على إبراز بعض الجوانب وتبئيرها، وإخفاء أو تأجيل البعض الآخر.
ومن أبرز تقنيات السرد في الرواية.
(1) ضمير المتكلم
اعتمد الكاتب تقنية السرد بضمير المتكلم، وهي تقنية تتيح للراوي الحضور، كما تسمح له بالتدخل والتحليل بشكل يولد وهم الإقناع.
ومع هيمنة ضمير المتكلم إلا أن الكاتب اعتمد الانتقال في مفاصل السرد إلى ضمير الغائب وإلى الحوار. وأتي التحول من صيغة إلى أخري متسقاً مع طبيعة الأحداث ودرجة الانفعال, بحيث تبرز صيغة الغائب عندما يعمد إلى الوصف الموضوعي للأحداث ( عمل كحول في الطاحونة وممارساته مع النساء/ الفصل التسجيلي عن تاريخ العركي/ مقتل سليمان حارس البريد … الخ) فنلاحظ في تلك المقاطع انفصال الراوي واكتفائه برصد الحدث كما يراه من الخارج, في حين يتحول إلى ضمير المتكلم عندما تمس الأحداث الشخصية بشكل مباشر، فتذوب المسافة بين السارد والشخصية وتصبح الأخيرة معبرة عن نفسها بطريقة أكثر تغلغلا في الأعماق والمشاعر. كما في اللقاء بين الراوي وفرحات فبينما يتحدث فرحات عن التقاليد وسطوتها. يتبسم الراوي ساخراً دون أن يعلق لعلمه بكذب المتحدث ومحاولته إخفاء جشعه وطمعه بستار التقاليد.
وأيضا في رد فعل الراوي إزاء عبارة أشرف وكيل النيابة أثناء التحقيق في مقتل جمال: ” كلنا مستخدمين عند الحكومة ” فالقارىء يلمح الشعور الداخلي للراوي بعدم الاقتناع, إذ يستشعر في العبارة محاولة زائفة من أشرف لإسقاط الحاجز الطبقي الذي نشأ بينهما بحكم وظيفته رغم الصداقة القديمة التي جمعتهما.
(2) الاسترجاع
تقع الرواية من حيث الشكل في واحد وعشرين فصلاً.
وتنقسم من حيث الموضوع إلى مرحلتين تفصل فيما بينهما مساحة مكانية وزمنية هما.
– مرحلة النشأة والحياة في قرية العركي، وتمتد في الزمن من بداية وعي الراوي . إلى عام 2008.
– تعقبها مرحلة الحياة القاهرية التى انتهت بجمعة الغضب في 28 يناير 2011.
أما زمن السرد فيقتصر على سنوات الإقامة القاهرية الثلاث، بينما تأتي أحداث القرية كوقائع تمليها الذاكرة عن طريق الاسترجاع، يدونها الراوي في دفتر مذكراته كلما استبد به الحنين إلى مراتع صباه ونشأته. ويلجأ إلى عبارة متكررة تشير إلى دفتره للفصل بين المقاطع الآآنية وتلك المتذكرة
وهو أسلوب منح الرواية ديناميكية، وأحدث مفارقات زمنية بالانفتاح على الماضي عن طريق الاسترجاع، الأمر الذي قام بدور الشارح الضمني للأحداث. وكتفسير غير مباشر لدوافع البطل، وللمؤثرات النفسية التى توجه سلوكه.
ولذلك رأينا كلا المرحلتين تسيران بشكل متواكب ومتوازي على مدار فصول الرواية, فيحتوي كل فصل على الأحداث الآنية للشخصية في المهجره الاختياري, وجزء من تاريخ الشخص يقوم بتدوينه في دفتره.
وهي حيلة فنية مبتكرة, استطاع الكاتب بها تجنب الرتابة, لكني أظن أنها كانت تحتاج بعض الحنكة والحرفية لكي تتناسب بدايات التدوين مع الأحداث الآنية. فبعض بدايات التدوين بدت منبتة الصلة بما سبقها من الأحداث. كالفصل التاسع”
نص الحُكم الصادر في تاريخه: باسم الشعب المحكمة الدستورية
والفصل 13: المخبز على حالته التي أصبحت تزيد الوضع تعقيدًا
والفصل 17 الذي اقتصر على حادث سقوط البيت القديم بين فصلين يتحدثان عن مريم, وولاء
(3) الحذف والإسقاط
الحذف أو القفز هو أن يكتفي الراوي بالإخبار عن مدة زمنية مرت دون أن يحفل بتفاصيل تلك الفترة، وهذا من شأنه أن يسرع من عملية السرد، ويختصر أحداثا ذات أهمية ثانوية في نمو الأحداث. كما رأينا في المرور الخاطف على السنوات الثلاث التي اختفي فيها كحول. كذلك اللجوء إلى (القطع الضمني) كأن يسقط الراوي فترة زمنية دون أن يشير إلى أحداثها للمحافظة على وتيرة الأحداث وسرعة إيقاعها اعتماداً على قدرة القارىء على استنباطها. كاختفاء شوقي سليمان في بدايات عمله على سيارة الأجرة، ثم ظهوره في مشهد مظاهرات جمعة الغضب.
يضاف إلى ذلك تقنية القطع أو الوقفة حيث يقطع الكاتب الخط الدلالي الرئيسي بمقاطع شعرية تبتعد عن مجري الأحداث ولا تؤثر في تطورها، لكنها تسهم في تخفيف وطأة الأحداث وضغطها على ذاكرة القارىء. وهي بمثابة استراحة فنية يستمتع فيها القارىء بتذوق الشعر، إضافة إلى كشف واستجلاء مشاعر الشخصية.
الخاتمة:
نجح الكاتب في خلق عالم روائي حافل بالشخصيات والأحداث . كما نجح في ابتكار حبكة موفقة تمكن من خلالها من تطوير الأحداث في إطار واقعي بحيث تطرح نظرة موضوعية تتعلق بفترة مفصلية من التاريخ المصري المعاصر حفلت بمظاهر الانفلات القيمي, وهيمنة رأس المال على مقدرات البشر، الأمر الذي أفسد المناخ العام بما أدى ألى أحداث جمعة الغضب التي أشعلت الثورة في ربوع مصر في الخامس والعشرين من يناير 2011.
التسميات: زاوية النقد
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية