هافانا .. اسماعيل مسعد
هافانا
![]() |
اسماعيل مسعد |
قصة قصيرة
اسماعيل مسعد
مصر
تناولَت سيجارة من علبة التبغ النسائية الطويله نسبيا، إقتبستْ نارا لسيجارتها من شمعة حمراء، كانت تبدد القليل من عتمة المكان وسط المنضدة، نفثت عباب سحابة دخان كثيفه غازلت بها ضوء الشمعة، تراقص الدخان متحلقا حول الضوء الذي كاد ينطفيء لولا نفاذ دخانها المحمل برائحة التفاح، بدت السيجاره رفيعة بلون الشيكولاته بين إصبعيها الشمعيتين ذات الأظافر الملونه، كسيجار هافانا الفخم بين إصبعي كاسترو المتمرد، لاحظت أثرا لحمرة شفتيها الأرجوانيه عند نهاية الفلتر، حين تخلت عن سيجارتها علي حافة المطفأه، تناولَت هاتفها ذو التفاحة المقضومه والمتاخم لعلبة التبغ، ثم فتحت الكاميرا الأماميه واقتربت من ضوء الشمعه، هذبت الكحل الأسود حول عينيها بطرف منديل ورقي، كرمشته قبل أن تتخلي عنه للمطفأه وتستعيد سيجارتها، بدت قلقه من ارتعاشة خفيفه لطرف سيجارتها الطويله، وهي في طريقها للمثول بين شفتيها الدقيقتين، نظرتْ نحو القمر الوليد الذي لم يقدم عونا يذكر لشمعتنا الوحيده، ثم قالت، الحرية لدينا كلمة مستنسخه كجنين مخبري، أتي بعيوب خلقيه، اختلف فريقه الطبي بين إمكانية مواصلته للحياة، أو الخلاص منه رفقا به من رحلة آلام متوقعه، طرحت سؤالا وظلت أتابع إجابتها باهتمام، فضحكت وهي تقول( من قال أن سيجارتي هذه جزء من الحريه )؟، تلك ترهات بيزنطيه لرجل شرقي مثلك، ما الفائدة المنتظره للمجتمع لو أنني تخليت عن سيجارتي الآن، وما يضيره لو تمسكت بها حتي تقضي علي ذلك الجسد المتعب، فلا أحد يتحدث عن سيجارتي طالما أعانقها في المكان المخصص لذلك، ولا أحد غيري يعلم بشأن حذائي صاحب الكعب المدبب الذي يؤلم قدمي الآن، لذا تخلوا عن التدخين كما يحلو لكم، ودعوا رئتي تستزيد من النيكوتين بإرادتها الكامله ومطلق الحريه، ولتهتم أنت ومنظمة الصحة العالمية بمشكلاتكم وفشلكم الذريع حيال ضحايا الفقر والتشرد حول هذا العالم المتواطيء،.
ماذا لو قرر الرب إرسالي إلي الجحيم، شأن من هذا غيري ؟
السيجارة التي أتعبتكم تلك هي الوحيده التي تحترق لأجلي، فهي تمنحني التشفي وأنا أنفث دخانها نحو هوة الأوذون السحيقه، كي ينال هذا الكوكب البالي نهايته الوشيكه، طلقني زوجي منذ أسابيع مضت، ذهب كل منا نحو عوالمه بهدوء حثيث، واستنادا لنصيحة صادفتني في كتاب ما، إبتعت ثلاثة حيوانات أليفه، ليتانوبوا علي مهام الزوج، كلب ينبح كلما اقترب غريب من المنزل، وببغاء يصرخ طيلة النهار بعبارات مكرره، وقط أفتح له الباب عند الفجر بعد عودته من نوبة التسكع اليوميه، سكتت وهي تُسند ظهرها للمقعد ثم أرسلت بقايا السيجارة بأطراف أصابعها لعمق النهر، مُدت يدي لعلبة تبغها فأشعلت لها سيجارة من الشمعه، أودعتها الفراغ بين إصبعيها، واتخذت لنفسي سيجارة، نظرت لسيجارتي البكر بسخريه ثم قالت عبارتها الأخيره، خيرا فعلت، دعنا ندخن في هدوء ...
ماذا لو قرر الرب إرسالي إلي الجحيم، شأن من هذا غيري ؟
السيجارة التي أتعبتكم تلك هي الوحيده التي تحترق لأجلي، فهي تمنحني التشفي وأنا أنفث دخانها نحو هوة الأوذون السحيقه، كي ينال هذا الكوكب البالي نهايته الوشيكه، طلقني زوجي منذ أسابيع مضت، ذهب كل منا نحو عوالمه بهدوء حثيث، واستنادا لنصيحة صادفتني في كتاب ما، إبتعت ثلاثة حيوانات أليفه، ليتانوبوا علي مهام الزوج، كلب ينبح كلما اقترب غريب من المنزل، وببغاء يصرخ طيلة النهار بعبارات مكرره، وقط أفتح له الباب عند الفجر بعد عودته من نوبة التسكع اليوميه، سكتت وهي تُسند ظهرها للمقعد ثم أرسلت بقايا السيجارة بأطراف أصابعها لعمق النهر، مُدت يدي لعلبة تبغها فأشعلت لها سيجارة من الشمعه، أودعتها الفراغ بين إصبعيها، واتخذت لنفسي سيجارة، نظرت لسيجارتي البكر بسخريه ثم قالت عبارتها الأخيره، خيرا فعلت، دعنا ندخن في هدوء ...
التسميات: قصة قصيرة
1 تعليقات:
الرجل والمرأة يبدوان كصديقين لا تربطهما علاقة حميمة. ربما جمع بينهما لقاء عمل في أمسية حول منضدة في مكان مفتوح يشرف عليه القمر , أو ربما هو لقاء التعارف الأول. فالرجل يتفحص المرأة ويرصدها من الخارج محاولا التسلل إلى عمق أفكارها من خلال مراقبة ردود أفعالها وسماتها الجسدية الظاهرة . كأنما يقرأ لغة الجسد . وهو يطرح الأسئلة حاثاً المرأة على الحديث حول هواجسها الخاصة, وهي تبدو امرأة متحررة تميل إلى النمط الغربي في مفهوم الحرية. فهي تهتم بزينتها وتحمل مرارة من سلوك الرجل الشرقي الذي يمنح نفسه حرة مطلقة في السلوك , بينما يعد على المرأة أنفاسها. وتشعر أن المرأة واجهت الكثير من الإخفاقات في حياتها الزوجية, وفي علاقاتها الرجالية على وجه العموم لنفس السبب, وهو تمسكها بالمفهوم الغربي للحرية الذي لا يتلاءم مع مجتمع متحفظ مهما بت فيه وأعلنت شعارات التحرر والعصرية. والعبارات التي فاهت بها تلخص علامات تلك الأزمة . فهي تقول كأنما تجيب على سؤال طرحه الرجل وراح ينتظر إجابتها خلال مراقبة سلوكها وهي تشعل سيجارتها وتصلح الكحل حول عينيها فتقول : " الحرية لدينا كلمة مستنسخه كجنين مخبري، أتي بعيوب خلقيه، اختلف فريقه الطبي بين إمكانية مواصلته للحياة، أو الخلاص منه رفقا به من رحلة آلام متوقعه،" . وبغض النظر عن طول العبارة التى كانت تكفيها الجملة الأولى. فهي كلمات كاشفة عن أزمة المرأة . فالحرية التي تتمتع بها المرأة في زعم المجتمع ماهي إلا محض لغو لا وجود له إلا في خيال من روجوه. والرجل الذي يحاول استدراج المرأة للكشف عن مزيد من دواخل نفسها يزعم لها أن السيجارة التى تنفث دخانها تعد دليلا على تسامح المجتمع ومنحه هامشاً من الحرية للمرأة, فيدفعها إلى إعلان سخطها ويأسها وتمزقها النفسي. وتكاد المرأة تمثل نموذجاً للشخص المصاب بمتلازمة هدم الذات . كآلية توفر راحة مؤقتة من المشاعر المحبطة مثل القلق اوالاكتئاب اوالإجهاد اوالغدر العاطفي اوالشعور بالفشل أو كراهية النفس. وغالبا ما يرتبط بتلك الآلية إلحاق الأذى بالنفس. فمظاهر الغضب المكبوت في حديث المرأة, ورغبتها المضمرة في إيذاء جسدها .. " وما يضيره لو تمسكت بها حتي تقضي علي ذلك الجسد المتعب " .. كذلك الصور الموحية التي أوردها الراوي على سبيل الرمز, ككرمشة المنديل الورقي , وحجب ضوء الشمعة بدخان السيجارة, كلها تؤلف مناخاً يشي بشخصية غير متوائمة مع الواقع . ويمكننا ملاحظة العرض الأهم في صدد متلازمة هدم الذات في إجمالي الصورة التي تقدمها المرأة للرجل عن نفسها , فهي صورة سلبية في مجملها سواء كان صديقاً , أو شريك عمل , أو حتى مشروع عشيق. وهي تؤكد سمات متلازمة هدم الذات حيث يسعي المريض كأنما عامداً إلى إهدار فرصه في النجاح كأنما يستعذب الألم وجلد الذات .
نص جميل , وتجربة إنسانية ثرية , نجح صديقي اسماعيل في طرحها لإضماراً ومن خلال حبكة قصصية , وشخصيات ذات ملامح واضحة يمكن للقارىء التفاعل معها , وأتخاذ موقف منها .
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية