قراءتان لنص فوتوغرافيا .. عادل بكر .. مصر
قراءة في القصة القصيرة جداً
فوتوغرفيا
للأديب / عادل بكر
مصر
![]() |
عادل بكر |

الملاحظة الأهم في النص هي قدرتة - على قصره الملحوظ ( سبع وثلاثون كلمة ) - على نقل
موضوع إنساني دون إنشاء أو تقرير. بل اعتمد على مجموعة من الجمل الفعلية القصيرة
المتتابعة, تشكل كل منها صورة , تترابط فيما بينها بعلاقة سببية. فمنذ الفعل الأول
الذي يصور انفلات الحجر. تبدأ مجموعة من الأفعال بالتتابع كأحجار الدومينو. وصولاً إلى الغاية " دوامات صغيرة أخذت تتسع شيئاً فشيئاً " .
العنوان
" فوتوغرافيا" ربما يكون أقل براعة من النص, فهو يوحي بمشهد جامد, ويحمل
دلالة تعبر عن التسجيل, بينما النص رؤيا, يطرح إرهاصة ويتضمن نبوءة. ولا علاقة
للفوتوغرافيا في النص عدا وجود الكاميرا, ولكننا لاحظنا أن دور الكاميرا هامشياً
وأقل فاعلية من باقي عناصر النص, حتى أنها لم تستكمل دورها, إذ تم تحييدها في
مرحلة حاسمة من مراحل الصراع." وانفجربركان دمِِ إنتثر حتى غطي عين الكاميرا"
.
والصراع
يدور بين عناصر ثلاثة:
- الثائر..
وسلاحه الحجر.
- السلطة..
ويمثلها الشرطي المدجج بالسلاح.
- الميديا
.. وتمثلها عين الكاميرا الحاضرة في ساحة الصراع.
والنص
على قصره الواضح نجح باستخدام الألفاظ الموحية, الحبلى بالدلالات في منح الصورة
العمق الذى ينضج التجربة, ويسوقها في المسار المضمر.
فاستخدام
وصف " الحجر الهارب " ينطوي على دلالات متعددة, كان يمكن للكاتب أن يقول
" قذف الفتى الحجر " فهي عبارة ستؤدى نفس المعنى , لكنها ستفقد الصورة
ثراء الدلالة. فالهروب في سياق الصورة المطروحة يحمل دلالات غاية في الثراء . فهو
من ناحية يعبر عن الفرار, والتنصل, والتملص. وهو من ناحية أخرى انبثاق مفاجىء من
حالة حصار. فالثائر ليس من الحماقة بحيث يخطط عامداً لمواجهة الرصاص بالحجر .
ودلالات التملص, والحصار التى تكمن في معنى الهروب تطرح الصورة التى أدت إلى تلك
المواجهة غير المتكافئة. فالثائر المحاصر يلجأ إلى الوسيلة المتاحة.
والرأس
الصغير تعبير يحمل بدوره طائفة من الدلالات يمكن توظيفها لخدمة الفكرة العامة
للقص. فهو يدل على ضألة الحجم كإحالة على القلة في مواجهة الكثرة. وحداثة السن ,
والسذاجة الأمر الذي يشى بطبيعة تلك الفئة الثائرة بأعمارهم الصغيرة, ورومانسيتهم
التى دفعتهم إلى تصديق أوهام السلمية, وأخيراً يوحي الوصف بقلة شأن الموصوف في
أعين الآخرين. مايطرح دلالة تشير إلى استهتار السلطة بشأن تلك الفئة من الثائرين
الذين يحلمون بالتغيير.
" غطي
الدم عين الكاميرا " .. وهو مايمكن استقباله بالعديد من الدلالات طبقاً لتصور
القارىء, وموقفه من الصراع, فالنص لا يمكن فصله أو تناوله بمعزل عن الأحداث التى
شغلت الشارع المصري منذ عهد قريب. ولا شك أن من أكثر الأمور التى أحاطها الالتباس,
وتناوشتها الشكوك, هو موقف الميديا من الصراع الذى انتهي لصالح السلطة, والنص لا يخوض
في الاستنتاجات, ولا يطرح أفكاراً مسبقة, إنما يرصد ببساطة جوانب التجربة القصصية,
فقد يمكن تفسير الجملة بأن الميديا تم تحييدها في مرحلة خاسمة من مراحل الصراع, أو
أن الميديا لم تكن على مستوى المسؤولية التاريخية, إذ أغضت الطرف ماأن بدأ طوفان
الدماء.
- " سقط
فى بركة الماء الراكد " .. والضمير طبقاً للسياق يعود إلى الحجر. فالحجر يقغ
في بؤرة السرد منذ جملة الاستهلال. والماء الراكد يتناقض ظاهريا مع مظاهر الثورة,
والحركة التى تسود النص, ولكن نسبته إلى الشارع يمكنها إلقاء الضوء على الدلالة,
فالميادين تفور بالصراع, بينما الشارع بمعناه الأوسع يتمطى في دعة مراقباً
الأحداث, بعيداً عن المشاركة.
والخاتمة
التى يصنع فيها الحجر بسقوطه دوامات أو دوائر صغيرة تأخذ في الاتساع, تحمل نبوءة
النص. فهو ليس مجرد حجر سقط في الماء, ولكنه إرهاصة , فكما أن الحجر الهارب كان
بداية لسلسلة من الأحداث التى تربط بينها علاقة سببية, كذلك سقوط الحجر الذي ترافق
مع انفجار بركان الدم من الرأس " الصغير " هو وسيلة الكاتب للإشارة إلى
سلسلة من الأحداث تمور تحت السطح ترتبط فيما بينها بعلاقة سببية
محسن الطوخي
قراءة الأديب/ سليمان جمعة
لبنان
الصورة أكثر رسوخاً في البال ..
يسجلها الحرف فيعيد الشريط من الذاكرة ..كلنا نرى الصورة ..
الهارب/ الحجر..
![]() |
سليمان جمعة |
.
لماذا يهرب الحجر من يد الفتى ؟
أرأى فيه تردداً ؟
أم انه أفلت من القتل ليستمر من يد ليد ..؟..أم أنه أراد أن يضحي بنفسه لينقذ الفتى..هو كذلك ...ما يستدعي التساؤل هو الهروب من اليد ..والإفلات
..ذلك الشعور بالفداء حتى في الجماد ..وحين يتحرك الجماد ليكون ثائراً ضد الظلم
..أي أن الظلم بلغ أقصاه ...
لم يفلح الحجر لكنه حاول ..
أتكون إشارة لاستكانة العرب ..وهو يقول حتى الحجر تحرك
وأنتم تحجرتم وفقدتم الشعور !؟
وينطلق الدم الصغير أي الجيل القادم ..دم استشراف
..الحجر في بركة الدم أحدث دوائر تتسع ..أي عاد وأفلح الحجر في إثارة ركوداً ما
.الإثارة حصراً في بركة أطفال...أي القادم من أيام ..كأنما الحجر بذرة ..في حقل ..
هذه التحولات في طبيعة الاشياء ..تعطي معنى للوجود
مغايراً لكل وعظ ..من فطرة الإنسان أن يتصدى للظلم ..فما بال الحجر عندنا إلا حنقاً من تقاعسنا ...
هذا الأمل .جاء بحرف بسيط ..أخذت تتسع شيئاً فشيئاً..".خميرة " الحجر في الركود ...
هنا نقرأ الرؤية بتناغم دقيق مع الكلمات ..أي يحقق
التكثيف ذاته ..لفظاً ومعنى بل يتسع المعنى كدائرة تتوالد من دائرة ....
ولفتنا تركيب .أن الدم غطى عين الكاميرا ....اذا أولناه
نفسده ..قد شَرِقَ الرسم بمعناه..
دم دم دم...كل شي صار دما..
وكذلك.مفردة واحدة ننتقيها نختارها تعطي مناخاً للنص
ووظيفة لشخصية او بطل القصة وهو الحجر هنا ...الحجر الطبيعي تحول وليس رمزاً إنما
جوهر الشيء يأخذني إلى مناخ الآية القرآنية ..اذ تصدع الجبل خشية وخشوعاً لمرأى نور
القدرة الإلهية ..
إذ هي حقيقة وليست مجازاً ..."وجهة نظر"
النص
فوتوغرافيا
الحجر الهارب مسرعَاً من يد الفتى، لم يوقف رصاصة الشرطي، فسكنت
الرأس الصغير
وانفجربركان دمِ إنتثر حتى غطي عين الكاميرا، بينما
سقط هو فى بركة الماء الراكد
بالشارع فأحدث دوامات صغيرة
أخذت
تتسع شيئَاً فشيئَاً..
عادل بكر
التسميات: زاوية النقد
1 تعليقات:
نص أكثر من رائع ويمكن تأويلة على أكثر من مكان في عالمنا العربي وأنا تخيلت الأنتفاضة على أرض فلسطين .. كل التحية لكاتب النص وللقراءة الرائعو لكل من الأستاذ الرائع محسن الطوخي والأستاذ المبدع سليمان جمعة
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية