الخميس، 22 سبتمبر 2016

قراءة في القصة القصيرة جداً .. " شحرور " . سليمان جمعة

قراءة في القصة القصيرة
شحرور
للأديب الشاعر اللبناني / سليمان جمعة
الناقد / محسن الطوخي

شحرو ر

سليمان جمعة
الآن نسيت اسمي...
ورقم هويتي...
ونسيت.. باب بيتي..
اقبل علي ..عابر سبيل سألته .. انكرني..
هو في الاصل لا يعرفني ...
سألني عني ومضى...
انكرته...
في الحلم عاد... كانت لحيته قد استطالت كثيرا..
ورثت ثيابه..
كلمني لم افهم... لغته غريبة عني. ..
رسم واومأ:
هل قام المصلوب او ترجل...؟
ضحكت.. قهقهت.. انفزع... استدار هاربا عائدا الى كهفه...
لحقت به... اسرعت...
ادركت الباب. .
الكلب مقع. ..نبح.. عرفني.. ابتسمت..
امسكت بالعابر خلعت عنه لحيته ورثاثته.....حللتها بجسمي.. نبت لي الشعر الكثيث.. ..نظرت اليه عرفتني...
دخلت الباب. لحق بي كلبي... تمددنا.. واربتنا الشمس وغربت عنا... ترمدنا...
ما زلت اذكر... كيف انبهرت شجرة الدار حين رويت لها وانا اجثم على غصنها.. حكايتي...
سليمان جمعة
________

القراءة:

لسليمان جمعة عالمه الخاص. حينما تلجه تتبع قواعده وقوانينه. لا تحاول أن تقيس الأمور بقواعد عالم الواقع التي سلبها الاعتياد طابعها الإعجازي المدهش. يسعى سليمان إلى استعادة تلك الدهشة المفقودة الكامنة في الأشياء عن طريق استحضارعالمه الموازي.
هاهو الشحرور يجثم متأملاً على غصن شجرة الدار. ليس له اسم, ولا هوية, وحتى الدار لم تعد داره. صار فقط يملك الشجرة المنتسبة إلى الدار. فهو وإن صار كائناً مختلفاً, إلا أنه لا يزال منتمياً بشكل ما إلى المكان.
وعابر السبيل ماهو إلا صورة عينية مباشرة لحقيقة الأشياء, فالكل عابر بشكل ما. الشجرة والدار هما الباقيان الوحيدان, فطبقاً لعالم سليمان هما لا يمتان إلى الأشجار والدور التى نعرفها في عالم الواقع إلا بالوظيفة, قد يكونان إشارة إلى المبتدأ و والمنتهى. وما بينهما سيرورة لا تثبت على حال. فعابر السبيل يقدم في الصحو على حال, ويأتي في الحلم بحال مغايرة. والتفاهم لا يتم بين الراوي والعابر بالكلمات, بل بالرسوم والإيماءات, والراوي يدرك عن العابر, واستنكاره لما وعاه من إشارات العابر تجعل الأخير يجفل, ويفر عائدا إلى كهفه. ولنا أن نتخيل شبحاً رث الثياب, كثيف اللحية, خارجاً من ( كهفه ) - الذي يشير من طرف خفي إلى واقعة تتناص مع القصص الدينى بدلالة وجود الكلب – يسأل عن قيام المصلوب في إشارة موازية إلى قصة الصلب والقيامة في التراث الديني. والخاتمة قد تشير إلى عقيدة التناسخ الموجودة لدى بعض الديانات كالهندوسية, والبوذية, فالراوي يحل في جسد عابر السبيل وهيئته, بدلالة الضمير ( عرفتني ). وهو لفظ مراوغ, فالضمير يعود على الروي, بينما ينسب الفعل ضمناً للعابر. وكأنما استحال الشخصان شخصاً واحداً. نفس الأمر يلقي بظلاله على الجملة التي وردت في المقدمة, " سألني عني ومضى...". فالحدود غير حاسمة, ولا جازمة بين الشخصيات, تكاد تلمحها ظلالاً لشخصية واحدة. والنص لا يجزم بتجربة قاطعة, إنما يخوض في المنطقة الواقعة على تخوم الشهادة, على مرمي حجر من الغيب. فالاتحاد الظاهري بين الراوي وعابر السبيل, والتناسخ بين الراوي والشحرور, إلى جوار التناص مع الأديان الكتابية وغير الكتابية يمنح انطباعاً بفكرة أثيرية تحلق في ذهن المبدع ليس من اليسير القبض عليها, ليس إلا أثراً وانطباعاً يخلف نوعاً من متعة القص . 

محسن الطوخي

التسميات:

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية