الخميس، 8 سبتمبر 2016


بعض إقليمية الفاكهةقصة قصيرة



للأديب الشاعر/ أيمن هيبة 


والشمس والقمر بحسبان، والشجيرات تتناثر وتتشعب إثر خطوها، وكنتُ طفلاً رقيقَ الحاشية، أجمع ثمار التوت الطازجة ذات الملس المتعرج الأنثوي وأخفيها عن كف أخي المعروقة، فتبسم لي أمي. ولابد أن يأتي يوم أتلصص فيه، وأسرق ثمار المانجو من أحراز أخي وسباياه، وأنفذ من تسلطه اللعين.
وعملت عشر سنين في حمل الأثقال والألم، وكتبت بالفحم الأسود بعض آي الذكر الحكيم،، أتجرعها قبل النوم ثلاثا وبعد الصحو تسعًا وعشرين مرة، لكن مفعولها لا يبين إلا بعد عامين كاملين بخمسة وأربعين ألف شمس.
ونزحت للشمال، محملا ببعض وجد وشحم. هل هاجَرتْ أم الأنوار وكاشفة ستر الشموس إلى شبرا؟!
استدعتني .. مسرعا عدوت، ولما مثلت أمامها بكامل وجدي وشحمي ضغطتْ زرًا صغيرًا مختبئا خلف طيات فراشها، فانطلقت موسيقى منتعشة عذبة منعشة، وقامت تنثر الشجيرات إثر خطوها .. ورقصت.
- هل تجيد غناء المواويل؟
في شبرا يا سيدتي حيث أسكن .. لم نسهر تحت أشجار أم الشعور والجميز، وأم الأنوار هاتكة ستر الشموس كانت تقطن منزلاً يحد البحر الأبيض البعيد، فكيف لنا بإجادتها؟
قبل أن تغضب وتحجب عني ثمار التوت الطازجة حاولت نبش ذاكرتي متوغلا في طرقاتها ما ظهر وما خفي، ولم أجد سوى بعض آي الذكر الحكيم وأغنية أجنبية ريفية النغم في إحدى حاراتي المعتمة، وشاهدت سيارة زرقاء تحتل نهر شارع رئيسي - فكرت في استبدالها بقارب خشبي يتلاءم وإقليمية قسماتها - وفي السيارة تجلس هي جواري ترد تحية عساكر المرور وبائعي الفل وهم يهدونها أزهارهم البيضاء كنقاء سريرة النهار جامعنا...
قبل بزوغ الفجر سمحت لي بالانصراف على ألاّ أسلم جسدي للفراش قبل أن أُعدّ لها موالا أبيّن فيه تصوري حول كلمات وأمور عدة وقضايا يهمها أمرها، وإن استدعى ذلك ألا أنام قبل أن أمثل أمامها ثانية. ولما رجوتها قضاء ليلة إضافية دون ذلك متعللا مرة بضيق الوقت وثانية بضعف الذاكرة وثالثة بتشعب الموضوع .. غضبتْ، وكذبتني، فعقرتني، وتركتني أصقل زجاج سيارتي الزرقاء وأوقفها بركن منعطف جانبي.
والفجر وما سهرته .. وسنين عشر وما عانيته، والوصل والهجر وما كابدته، إني - بعد أن كلم موسى ربه بثلاثين ألف عام وأربع دقائق وخمسة فناجين من القهوة - لفي خسر.
أعددت موالا ملونا رحت أردده أمام أبي وأمي وأعمامي وخالتي الصغرى، ولما لم يبدِ أحدهم استياءه .. سجلته على شريط كاسيت وأرسلته قربانا، فاستدعتني ثانية، وتأكدتْ من دقة التسجيل ونقاء صوته، وأهدتني ثمرتين كبيرتين من المانجو وبعض التوت .. وكنا فعلناها - قبل أن يصيح الديك - ثلاثا

التسميات:

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية