الخميس، 8 سبتمبر 2016

قراءتان لقصة قصيرة جداًالقصة  بعنوان 

 " شواطىء "


للأديب العراقي / اسماعيل الدباغ


شواطئ

اسماعيل الدباغ
على جانب نهر ، قبل عشرين عاما ، وجدت نورسا عالقا في شبكة صياد ، كان ابيضا ، بقدمين حمراوين ومنقار اسود مدبب ، حين حررته من الشبكة أطلق صرخة فرح ثم اومأ لي وراح يحلق في دوائر واسعة تلامس ضفتي النهر العريض .
بالأمس كنت اصطاد على ساحل محيط في اقصى الغرب ، فسمعت صوته فوقي ، رفعت راسي ، كان يفرد جناحيه عكس اتجاه رياح البحر وهو ساكن في مكانه ، ثم القى إلي سمكة .
قلت ؛ مرحبا . 
قال ؛ مرحبا . ثم هبط قربي .
قلت ؛ هل تذكرتني؟
قال ؛ لا
قلت ؛ لقد تقابلنا قبل عشرين سنة. في المدينة البعيدة.
قال ؛ نحن لانحب المدن ياصديقي .
ثم اردف وهو يعاود التحليق ؛ كما ان عمري عام واحد.
صرخت ؛ انا متأكد . .
استدار نحوي وقال ؛ كل النوارس تتشابه.
ثم اومأ لي ومضى .
اسماعيل الدباغ.

القراءة الأولي
للأديب اللبناني/ سليمان جمعة

سليمان جمعة
انفتاح النص ؟
او الاسقاط ؟
هل هو اعتباطي او افتراضي ..
من داخل النص او من خارجه ..
هل يعطينا النص بنيته المعرفية اشارة لذلك لنقابل بنبته تلك بالبنية المعرفية لواقع جار ضمن دائرة زمكانية مشتركة بين النص وصاحبه .. 
على شاطئ نهر عريض ..مضى على ذلك جيل من عمر انسان..
انقذ النورس ...
على شاطيء محيط اللقاء الثاني ..وهو الآن الصياد ..يلقي له سمكة ..يتحادثان الآن ..ولكن في المرة الماضية كان افعالا ..انقاذ وصوت فرح وتدويم شكر..
هنا ..المحادثة تعارف وانكار الماضي من طرف ..
النهر يصب في المحيط ..كما عمل الانقاذ يصب في الانسانية ...النورس يمثل حركة السفر الدائم ..والحركة في المكان من نهر الى محيط ولقاء ...الانقاذ من الموت من شبكة صياد اعطاء فرصة عمر جديدة .كذلك اعطاؤه سمكة ...اي اصطاد له ..هل كرد جميل ولكنه انكر انه ذلك الذي انقذ ..هل هو طرح ميتافيزيقي..ان العمل هو الذي يخلد في الروح الكلية التي تمثل الوجود ..كمعرفة كلية ...هل هي احسا س الانكار والتعرف من طبيعة واحدة ..اي ديمومة عمل الخير ..؟ 
والزمان ..الذي يضمر من عشرين سنة الى عام....روح النورس بذاتها الجمعية تسلك ما حفظ كامنا في ذريتها كوجود ينتمي لتلك الروح الكلية ..والانسان بعمره الذاكر ..حفظ الفعل ....
هنا يتقابل الابدي بالزمني...وتنتفي المظاهر ليكون الجوهر الواحد .
...
في انفتاح النص على الفلسفة الوجودية ..احال الي ذلك ..الزمن وفعل الانكار ...والتعارف ...واعتبار رد الجميل كان من الذات الجمعي...
..
هنا اشكالية الاسقاط لا تكون اعتباطية بل ما تسوح به الدلالة الكلية للنص وما يسمح به ...الغربة ؟..الحنين ..الانسانية ...اعتبار الموجودات..كلية واحدة







القراءة الثانيةللكاتب المصري/ محسن الطوخي

مخاتلة الحلم في نص " شواطىء"  




محسن الطوخي
لا يقدم كاتب القصة القصيرة معان ولا عظات. القصة القصيرة هي تجربة إنسانية انفعل الكاتب بعناصرها فعاشها بصدق على الورق. ولو قصد الكاتب قيمة محددة, أو إسقاط ما من القص لانحرف عن فنياته بالضرورة. فلن يمكنه إذاك أن يخفي صوته الخاص. وسيضطر إلى التدخل بشكل تعسفي في مسار شخصياته.
الشخصية في القصة القصيرة عنصر حر لا يجب أن يوضع تحت سيطرة الكاتب وأهوائه وتوجهاته, وغالباً ما تقدم الشخصية على تصرف غير مفهوم للكاتب نفسه. فهي تعبر عن أشواقها, ورغباتها بمعزل عن ارتباطها الفني بالكاتب .
وكلما قل تأثير الكاتب في توجيه الشخصية كلما اتسمت بالصدق .
والقارىء الإنسان يعجز أحياناً عن فهم بعض جوانب نفسه, أو بعض دوافعه, وبالتالي لا يعد قصوراً منه أن يعجز عن فهم الشخصية القصصية. أو إدراك مراميها. يكفي أن تتسم الشخصية بسمات نفسية متوازنة ومتفقة مع السلوك الإنساني بعامة. ويكفي أن تتحرك في إطار حبكة قصصية متقنة, ومحكمة. 
والشخص في القصة البديعة الذي هو نفسه الراوي يعرض بضمير المتكلم وبأسلوب فني باستخدام المعادل. كيف خاتله الحلم.
واللحظة القصصية هي التي جلس فيها الراوي على شاطىء المحيط يمارس هواية الصيد. وقد علمنا أنه مغترب فارق وطنه منذ مايربو على العشرين عاما. والطائر العالق في شبكة صياد هو حلم مجهض, أو يتعرض لظروف مجهضة, حلم مقيد بشراك من قيود وإحباطات. واللحظة القصصية المقتنصة هي لحظة مثالية للمخاتلة, إذ يلقي الصياد شصه وتجرفه الذكريات في انتظار إشارة ما, إنه يغازل المجهول, بينما تغازله الذكري. وكأنما تستدعي عاطفة ما عاطفة مشابهة, فمعالجة الصيد وسياسته, تشبه التجربة التي عاناها الشخص منذ عشرين عاماً في معالجة الحلم وسياسته, وربما أن تخليص الطائر من شباك الصياد هي المعادل لتخليص الحلم من شباك الإحباطات بالسفر والهجرة. 
والمعنى المضمر تشي به محاولات الشخص للتعرف على حلمه, فإذا كان النورس هو المعادل للحلم في ذهن الشخص, فهاهو الطائر يتملص, وينكر اللقاء القديم, " كل النوارس تتشابه " .. فالغربة تمنحك تعويضاً ما, لكنها ليست بديلاً عن الحلم. وتتأكد تلك الدلالة بمشهد تعرف الشخص على الطائر .. " كان يفرد جناحيه عكس اتجاه رياح البحر وهو ساكن في مكانه " . انتقاء الصورة من بين عشرات الاحتمالات يعكس دخيلة الكاتب, فالطائر يفرد جناحيه عكس اتجاه الريح, وهو مشهد يتوافق مع قوانين الفيزياء يالطبع, لكنه يولد الانطباع بمشقة الرحلة من الوطن إلى أقصي الغرب عبر عقدين من الزمن, كما أن تتمة العبارة لا توحي بالكثير من المكاسب والأرباح, فالطائر " ساكن في مكانه", إشارة إلى تواضع نتائج الرحلة / الغربة . 
نص جميل لعب على تيمة التماهي فى اللحظة القصصية بين الشخص في لحظة تأمل, وبين ذاته في زمن سابق, واعتمد الصورة في تأهيل المشهد ضمن حبكة قصصية مناسبة لمراوغة الحلم المخاتل في ذات اللحظة اتي يمارس الشخص المراوغة والمخاتلة مع الصيد المحتمل. 
نص جميل . من أبدع نصوص صديقي اسماعيل الدباغ بسرده الموحي المكثف , العبارة الوحيدة التى جانبت مقتضيات التكثيف .. " كان ابيض ، بقدمين حمراوين ومنقار اسود مدبب ،" . فكل النوارس لا تكون إلا على تلك الهيئة , فغياب العبارة عن النص لن يؤثر في التجربة ولا في اكتمال الحبكة القصصية. 

التسميات:

1 تعليقات:

في 8 سبتمبر 2016 في 5:19 ص , Blogger واحة القصة القصيرة يقول...

أسجل تعليق الكاتب الأديب اسماعيل الدباغ على رؤية اللأستاذ الناقد سليمان جمعة , لأنها تلقي بصيص من ضوء على مناخ القصة :
" لموجودات .. كلية واحدة ، أفهم تماما تلك العبارة الموجزة ، فلقد ولدت في عائلة صوفية داخل أحد مقامات التصوف في بغداد ، ومن يعرف تلك المدينة حق المعرفة يدرك من أعني . انه الشيخ حماد الدباس الذي كان مرقده جزءًا من بيتنا أو بيتنا جزءا من مرقده . في مدينة الاعظمية على جانب الرصافة ليس بعيدا من النهر تفتحت رؤيتي على الوجود و والواجد وعن الوحدة والواحد ، وعلى يد المعلمين تكشفت الأسرار التي تعلمنا كتمانها.
أما النهر الذي كان على مرمى حجر فلطالما لهونا صغارا على جانبه قرب أبو حنيفة النعمان و بشر الحافي ونادرا مامر علينا يوما لم نعبر فيه الجسر إلى الضفة الاخرى للنهر ، حيث الإمام موسى الكاظم عليه السلام .
نعم يااستاذي الغالي سليمان جمعة ، الوجود واحد هكذا تعلمنا وهكذا اخبرنا الواحد الأحد .

 

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية