الخميس، 8 سبتمبر 2016

قصة قصيرة جداً . وقراءتان


مبسون قاسم السعدي

لوحة

للأديبة السورية/ ميسون قاسم السعدي

بدا الوقت المتبقي قصيرا، لم يحددوا موعداً، ولكن لم يبق على قدومهم الكثير. كعادته رتب غرفته بتؤدة، نظر إليها للمرة الأخيرة, وضع لوحته الجديدة التي ما زالت ندية في مكان جليٍ للرؤية. كان يحب أن يلمحها في ذهابه وقدومه, يحدق بها، يضيف إليها لمسة هنا أو هناك. اتجه نحو الباب, ها هم يستقرون على كراسيهم، لفت انتباهه تواجدهم أمام اللوحة, أخذهم النقاش, لم يتجاوز شاشة التلفاز.  آخر الشهر, وأول الشهر, آهات تنصب على الأسعار,  فقط صغيرة أحدهم قالت: " جميلة .. لماذا في لوحتك عمي دماء كثيرة ؟ , ضع عصفورة هنا ".  ثبتت إصبعها على اللوحة، علقتْ الألوان بها, زرعت مكانها حلما .
_____ 


القراءة الأولي

الكاتب المصري/ محسن الطوخي
محسن الطوخي
براعة القفلة في القصة القصيرة جداً
قراءة في نص " لوحة " .

خيال الفنان لا تحده حدود إذا تجنب الصنعة. شدتني الأديبة ميسون سعدي بنص بديع, موجز, يضمر ولا يصرح, ومع ذلك يشتمل على صورة شاملة لرؤية ثاقبة برعت في تضمينها من خلال النص القصير.
 والنص وإن قصَّر عن تقديم تجربة إنسانية متكاملة كنهج النصوص القصيرة جداً, إلا أنه نجح في تقديم مشهد شاعري, موحي بفكرة الكاتبة. وإضمار الفكرة الشاعرية لم يلق بظل من الغموض على الفكرة, وهذا نموذج للإضمار الفني البارع الذي لا يستلب متعة التواصل .
 ربما بدا التمهيد مسرفاً بعض الشىء باعتباره نصاً قصيراً يضع التكثيف في مقدمة عناصر السرد, لكن ذلك لم يقلل في ظني من جمال القصة.
 بذل الفنان طاقته في إبداع اللوحة, واختار لها موضعاً متميزاً في غرفته بحيث تقع عليها أنظار الضيوف المنتظَرين. اتخذوا أماكنهم أمام اللوحة, لكن أحداً منهم لم يلتفت إليها. استغرقت الجميع قضايا الواقع الملحة " أول الشهر , وآخر الشهر " وانفلات الأسعار الذي انتزع الآهات من صدورهم مع شح الأرزاق.
طفلة صغيرة فقط تصاحب أباها التفتت إلى الدماء الكثيرة في اللوحة. تمثل الطفلة البراءة, والفطرة, والعفوية . وظهور الطفلة الفجائي في ذلك المفصل من النص بإشارتها الموحية إلى الدماء  يؤدي وظيفة الربط بين ملمحين يشكلان عنصري الفكرة المتداخلان في نسيج السرد.
الوظيفة الأولى هي المقابلة بين اهتمامات النخبة وبين اهتمامات العوام,  فالضيوف الذين يرمزون إلى الجمهور ينصرفون إلى شاشة التلفاز –  بما تمثله من آلية إعلامية يتم توظيفها من قبل السلطة لتشكيل الوعي –  وتستغرقهم هموم تصريف أمور المعيشة المادية. أما الفنان باعتباره من النخبة فينصرف اهتمامه إلى هموم الإنسان الذي يفتقد الأمن بين شقي رحى حرب عبثية تهدر دماء أبناء الوطن وأمنهم, وسلامهم.
أما الوظيفة الثانية فهي إزجاء قيمة إنسانية مفادها أن الأمل يمكن أن ينعقد على جيل لم يتشكل وعيه بعد, فالتفات الطفلة إلى غزارة الدماء في اللوحة يبشر بأن رسالة الفنان المفكر قد لا تصل إلى ذلك الجيل الذي انغمس لأذقانه بين شقي الرحي , الحرب العبثية من ناحية , وهموم العيش من ناحية أخرى, ولكنها لابد واصلة إلى جيل جديد يري أزمة الواقع الحقيقة بعيدا عن الميديا التي تشوه الوعي, وعن هموم الواقع .
  
. ومشهد الختام البارع الشفيف الذي تشير فيه الطفلة على الفنان بوضع عصفور, ثم تلمس اللوحة بأصبعها في المكان المختار يعد خاتمة بارعة تساهم في تجسيد الفكرة, لا تحدد ميسون المكان الذي اختارته الطفلة في اللوحة تصريحاً, لكن القارىء يدرك بحاسته أنها لامست موضع الدماء في اللوحة التي لا تزال غضة طرية, فيعلق لون الدماء بأصبعها , بينما ينبت على اللوحة حلم.  صورة مترعة بالجمال, أنتجها خيال جامح متوقد. المبادلة التى حدثت مابين اللوحة والأصبع كفيلة بانتزاع الدهشة من أعماق المتلقي.
خيال الفنان لا تحده حدود إذا تحاشى الصنعة , وأطلق لشخصياته العنان لتتصرف بحرية دون رقابة. بعكس البداية الرتيبة, جاءت الخاتمة متفجرة, وعاصفة رغم رقتها. هنا تكمن البراعة, والموهبة. تلك اللمسة العبقرية التي يمس فيها أصبع الطفلة سطح اللوحة أنتجت حدثين متزامنين في لحظة متوهجة مشحونة بالدلالات. فالطفلة تمنح الواقع  المتردي الأمل القادم في شكل عصفور يوحي بالسلام, بينما الواقع لا يضمر للمستقبل إلا لون الدماء .
نص جميل مترع على قصره بالدلالات .
_____

القراءة الثانية

للأديب المصري/ عثمان عمر الشال

عثمان عمر الشال
قصة قصيرة متكاملة الأركان من حيث : البداية ـ الوسط ـ النهاية






-  البداية: إعداد المسرح لإستقبال الشخوص حول الشخصية الرئيسة وهي (اللوحة) وتمكن "الكاتب" من توضيح الحالة الداخلية والخارجية لـ (لبطل (
وإن جاء بعض الكلمات الزائدة مثل (للرؤية(.
-  الوسط: وهنا نلاحظ قوة "الكاتب" في عرض فكرته وهي (اللوحة) وإعراض كل القادمين عنها، وعدم الاكتراث بها.. عدا طفلة صغيرة لأحدهم.. لفت نظرها كثرة الدماء في اللوحة، وما يرمز إليه البطل من خلال السرد.
-  النهاية: وإن جاءت سريعة على نسق جنس القصة القصيرة جداً فهي اشتملت على الدهشة والنهاية المفتوحة التي تتسع لنهايات عديدة.
والله ولي التوفيق.




التسميات:

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية