الأربعاء، 29 يناير 2020

فعالية " قصة الشهر " حول قصة " فجر الطين " للأديبة السورية/ صديقة صديق علي

مقاربات نقدية حول قصة شهر يناير ، عقدت الندوة يوم 17/01/2020 على جروب " واحة القصة القصيرة "

أدارت الندوة الأديبة المصرية / منال خطاب






اعامر العيثاوي 




منال خطاب

مهدية أماني









فجر الطين
قصة قصيرة
بقلم: صديقة صديق علي

ـــــــــــــــــــــــــــ
لن استنجد بأحد، إن فعلت، سيقولون أنني خرّفت وسيخبرون أولادي .. وهؤلاء لن يرحموني من عتابهم القاسي.
إبني الكبير، بحجة عطفه عليّ، سيجد مبرراً لسوقي معه إلى المدينة، وأنا أمقت السّكنة هناك، بعيداً عن أرضي وبيتي.
بيتي ...آه كيف لي أن أستدلّ عليه في هذا الظلام الدامسِ، كل ما أنا فيه استحقّهُ، ما بالي ومواعيد الرّي الظالمة ، دائما يفوتُنا ريّ الغراس لأنهم يخصّصون لقريتنا ريّا ليلياً، وولدي لا يأتي إلا نهارَ العطلة. أردت أن أفرِحهُ بما سيُدهَش به، لذلك قررت أتحدّى (سنيني) الثمانين، أتكئ على عصاي لأسقيَ الغِراسَ المجاورة لبيتي ...لكن ..قُلب رأسي بهذه الظلمة اللعينة، فقدتُ الاحساسَ بالاتجاهات ،بِتُّ أشرِّقُ وأنا مقتنعةٌ أنني بالطريقِ الصحيح غرباً ...عُدت أبحثُ بنظري الضعيف عن بصيصِ ضوءٍ يُعيدني،يالِسخريةِ القدر!! لقد تهت بأرض أعرف ذراتِ ترابها ذرّةً ذرة.
أغدو وأجيء مرات ومرات ،أتتبّعُ رائحتها.. ليس لأشجارنا رائحة..؟ بل أنفي شاخَ ولم يعدْ يميّزُ حتى رائحةَ النعناع، إذن لأُصغيَ للماء قليلا .
الليلُ باردٌ وقاسٍ، لكنه هادئٌ، قد يساعدْني بسماع تدفّقِ الماء الذي يُثلج صدري، نسيتُ أننِي فقدتُ الكثيرَ من سمعي، يكفيني ما سمعتُه طوال عمري ،بقيَ أن أتلمّسَ الطين ...يداي ستعرفان كيف تُسبرانِ دروبَ الطين... انفلت مني الخرطومُ الوقحُ وكاد أن يرْميَني أرضا.
أُسنِدُ ظهري المحني إلى صخرةٍ ...صخرة؟! ..قضّيتُ عمري وأنا أُنقّي أرضي من الصخرِ ..إذنْ أنا لست بأرضي.. فأرضي كقطعةِ إسفنجٍ ...سهلةٌ ليّنةٌ ..كنت أقول لأولادي إفترِشوها ...هي أحنُّ عليكم من أسرّتكم...سقَى الله تلك الأيام بحُلوها ومُرها .
أقسمَ يميناً معظماً ألا أبيت تلك الليلة ببيتِه، كما أسماه.
ـ أُخرُجي من هنا أيتها الغبية ..بيتُ أهلِك أوْلى بغبائك ......وكان ذلك عقاباً لي لأنني أضعتُ المِجرفة.
توسٍلت إليه أن يسمحَ لي باصطحابِ إبني الرضيع، لكنه أبَى، فالغضب كان قد أوْدَى بعقله.
جررتُ خَيْبتي، وانكساري، وتركتُ قلبي مع ولدي ...هَممتُ بالنزول بدربٍ يوصلني إلى أهلي ...لكن بكاءَ إبني أعادني لأدورَ حولَ صوتِه.
..يحاول إسكاتَه، يروح ويجيء به، وأنا أراقبُهُ من طاقةٍ صغيرة، يُقربُه من مصباحِ الكاز ،كي يُلهيَه عن جوعِه بمراقبة لسانِ اللّهبِ ..يمتدُّ خيالُه على الحائط كماردٍ كبيرٍ ..قلبي يُعتَصَرُ ألما عليهما ...كاد الولد أن يُغمى عليه من شِدةِ البكاءِ ..لم يعُدْ قلبي يحتملُ مددْتُ يدي من الطّاقةِ ..وصرخت صرخةً أسكتتْهُ و أجْفلَتْ زوجي .
ـ ناولْني إياه أرضعُه ثم خُذه إلى سريره ..
ـ أنت هنا ...!! ـ قالها بصوت متهدج ـ...لما لم تذهبي لأهلك؟
ـ .خشِيتُ أن يتناولوكَ بسوءٍ إذا علموا أنك طردْتني ليلا.
ـ أصيلةٌ أنت....تعاليْ أُدخلي ...
ـ معاذَ الله أن أكسِر لك يميناً ...هاتِ الولدَ أرضعْه وأباتُ ليلتي هنا ...
أذكُر يومَها ..بكى زوجي بشدّةٍ ..للمرة الأولى أرى دموعَه ...كان طيّباً..وسريعَ الغضبِ لكن دموعَه عزيزة.
ليلتَها..تسامَرْنا حتى الفجر ..وكانت نسائمُ الفجرِ محملةً بحبٍّ وحنانٍ ..لم ينقطعْ إلا بوفاته.
لم أكن غبيّةً، كما أني لست خَرِفةً الآن،.ها أنا أذكرُ كل هذه التفاصيل،لكن توّهَني الظلامُ ..وقتَها فعل ضوءُ القمرِ فعلتَه،ورأيتُ ما أحببتُ بعينيْ زوجي، لكن، لا قمرَ ولا ضوءَ الآن..ولا عيونَ تعتذرُ ..التيارُ الكهربيُّ مقطوعٌ ..وكلُّ الأواصرِ مقطوعةٌ، وقد لا يأتي ولدي.
..
بَزغتْ خيوطُ الفجر، فبانت أخْيِلةُ الأشجار من حولي، أعرفُها جيداً هذه غرسَها زوجي، وهذه غرستُها بيدي، وتلك الغِراسُ الفتيّةُ لإبني أظنُّها الآن قدِ ارتوتْ.
اسْتوتْ بوْصلتي، لكن ضاعَ عكازي، رُحت أحبو ...بدأتِ الدّماء تَتخامدُ بأوردتي، جفّ حلقي، شعرتُ بالإنهاكِ وبألمٍ شديدٍ في قلبي .. غاصت قدماي ويداي في الطين ولا سبيلَ للفكاكِ منه،أسلمتُ رأسي للوحَلِ، آخرُ ما لمحتُه ..كان الدّرجَ الموصلَ إلى باحة البيت ،كان قريباً جداً ...لكنني الآن مغروسةٌ وعليّ أن أنتظرَ إلى أن تجِفّ الأرضُ كي يَقتلِعوني ..وما زلتُ أنتظرُ شمساً .. ويداً.

صديقة علي 25ــ11ـ 2019
--------------------------------------------------------------------------

وقد حظي النص بمجموعة من المناولات النقدية، نستعرضها بترتيب ورودها





نص جميل للغاية يوضح مدى ارتباط الإنسان بالأرض التي قضى عمره يفلحها والتي اختلط ترابها بعرقه ودموعه، ويوضح أيضاً أصالة المراة العربية الطيبة الحنون وارتباطها بزوجها وأبنائها ، كما يوضح التطور الذي أصاب الجيل الثاني من اهل القرية وهجرتهم إلى المدينة التي جذبتهم بمغرياتها فارتبطوا بها وتركوا أرضهم وابويهم المسنين او أحدهما وحيدا يقاسي الوحدة والأمراض والحاجة إلى المعين بعد ان بلغ من الكبر عتيا وصار في اشد الحاجة لوجود أولاده إلى جواره، أحسنت و أبدعت استاذتي الفاضلة في هذا النص الرائع تصويرا واظعارا للاحاسيس الانسانية العميقة، تحياتي وتقديري لشخصكم الكريم وشكرا جزيلا للأستاذة الأديبة والناقدة منال خطاب المحترمة على الاشارة إلى هذا النص الممتع




متلازمات إنسانية تمتد عبر التاريخ البشري كله يمثلها الحوار الداخلي والصراع الظاهر والباطن في هذا النص. الإسقاطات من الشخصي على العام والرمزيات حاضرة بوضوح. الأم الثمانينية هي الوطن. بلا شك كل أم وطن. ويقاس الزمان الجيد والرديء بمدى قرب أو بعد الفروع عن الأصول. يتشبث الرمز بالأصل ويحاول الاستمرار كما كان السابقون. لكن التيار الجارف يصعقه ويسحقه ويرميه بلا رحمة في دوامة الحاضر. الصراع سنة الحياة استطاعت الكاتبة التعبير عنه ببراعة. لغة جزلة رصينة. اختصارات لا تخل بالمضمون. تحيتي وتقديري


محمدالبنا

أسائل نفسي..من منا عندما جرت عيونه فوق تلك السطور ..لم تروها دموعه؟..بل ولربما سابقتها إلى حيث تجري!
كاتبةٌ موجعة حد الطعن، لا ترحم قراءها، هى لا تخط حروفًا، وإنما تعزف ألما، تبكي فتتبدل الدموع أحرفا، ومآقيها أقصوصة، بل لوحة تراجيدية..ألوانها أنّاتٍ وآهاتٍ تُسمع، ومحيطها وطنٌ يستغيث، وإطارها وجع.
سيقولون خرفت..امرأةٌ ثمانينية تعاني الوحدة والوحشة بين فقيدٍ ومغتربٍ ومُهجّرٍ وظلامٍ دامس !.. وطنٌ تطحنه الحروب، ويستبيحه الظلام..يضحل رافديه، وتنقطع كهرباؤه..لكنها ترتبط بطينه حتى النخاع..أي روحٍ تلك أيتها المعذبة الضعيفة في قوة، الواهنة في عزم..وإصرارٍ..وتحدي!..تتحدى من ؟..كهولتها..وظلام ليلها..وحنينها إلى فقيدها..وخوفها من سطوة ابنٍ..ربما يقتلعها من جذورها بداعي الأمان إلى حيث المدينة والمدنية..إلى حيث الضجيج وحياةٍ ليست حياتها...لا ولن تقبل..لن تسمح له، تتكئ على عكازها الهش كهشاشة عظامها ورثًا لابناءٍ رحلوا..ربما قسرًا وربما جحودا..تتحسس طين أرضها..هنا شجرة، هنا صخرة..صخرة ؟!!.. هذه ليست أرضي!..أرضي ليس بها صخور..أهى صخور..أم تكالب الاعداء على وطنها المستباح؟!.. لا ترى وقد ضعُف البصر واشتد الظلام، تنصت لخرير ماءٍ لا يُرى إلا ليلاٍ!.. وي كأن الطهر يتخفي متدثرًا بستارة الليل مخافة نهارٍ كالنار، تنتهك عذريته القنابل ويسلبه براءته الرصاص!..تتذكر أيامها الخوالي..بيت وزوج ورضيع..ارتباط ومودة ورحمة وأمومة..درسًا ما بعده درس لكل رجال ونساء عصرنا، فهل من أذنٍ تنصت، وعقلٍ يعي، وقلبٍ يحنو ويرحم ؟!..طُردت فمكثت غير بعيد، تطل من طاقة حيث وليدها يبكي وزوجها يتعثر..درسٌ آخر، فلا وطنٌ بلا مواطن، ولا أسرة بلا أم..تنغرس ذاكرتها في ماضيها، وتنغرس أقدامها في الوحل..نعم وحل..فقد استحال طين أرضها وحلًا بعدما لوثته أنفاس مغتصبيه..تنتظر انبلاج فجرٍ يقتلعها مطهرًا طينها ممن دنسه بفُجره، أو يدًا بطهرها تزيل نجاسته..وي كأن " فجر الطين " تُقرأ ..فُجر الطين او فَجر الطين، فكلاهما يحتمله المتن.
مشهدية رائعة تقارب المثالية، ولغة معبرة تقطر وجعًا أينما سكنت حروفها، وكاتبةٌ بكت قبل أن تبكينا.
أما مآخذي وهى جد قليلة، وفي غالبها الأعم تندرج تحت مظلة التقنية السردية..أرى أن لا أتطرق إليها في قراءتي هذه حتى لا أفسد متعتي بما قرأته وأبكاني.
هنيئًا لك هكذا نص أيتها الباكية على وطنٍ نبكيه مثلك كما نبكي على أوطاننا وتبكي عليها.
محمد البنا...١٧ يناير ٢٠٢٠



" شاخ انفي" روعة سبق وعلقت هكذا عند نشرها الأول والان أكرر ما أعجبني. بمفردة" شاخ انفي"..
قصة التمسك بالارض نابعة من اصرار الكاتبة بأن تقول أن نحيا وندفن في نفس الأرض.
" انا" مكرره ثلاث مرات ... اعتقد بأنها زائدة.
تحياتي ومحبتي









قصة موجعة فعلا ...مسكت الكاتبة بكل جوانب القصة ...
اسلوب سلس ومشوق ..انتابته بعض محطات الحزن والذكريات الجميلة رغم وجعها
هي الارض حين نحبها ..لاندخر جهدا في خدمتها والاهتمام بها ..حتى وان متنا تحت رحمة طينها ..تبقى هي الارض أمنا
راقتني جدا..
اما بخصوص الالقاء فقد كان الصوت ملائما جدا لهاته القصة...صوت حزين ..اعيب فقط على الموسيقى التي كان مستواها أعلى من مستوى الصوت ..فغلبها
سعدت جدا بسماع هذا الشجن الرائع .
بالتوفيق للكاتبة ولصاحبة الصوت الدافء




نصّ بهيّ يستمدّ بهاءه من قكرته تعلّق الأمّهات بأرضهنّ ومحّال سكنهم تعلّقا مرضيّا وكأنّ البيت شرف وكرامة يهدّدهما مجرّد الخروج أو الإبتعاد / الأرض عرض ، الأرض أمن و أمان وتاريخ وهويّة أتذكّر أنّ أمّي يرحمها الله لم تبت ليلة خارج منزلها حتّى في مرضها الأخير لم ترد قضاء ليلة بالمستشفى وأصرّت على العودة للبيت مستعملة كلّ أنواع التوسّل للأطبّاء و أساليب الإزعاج حتّى أنّ أخي المهاجر بالسويد أحضر لها جواز سفرها وقطع لها تذكرة السفر لزيارته و ألغت كلّ ذلك في آخر لحظة قائلة "من خرج من دارو إتقلّ مقدارو" والنص موفّق من حيث بنائه المراوح بين زمنين تدعم ثانيتهما الأولى بتعميق المعنى وترسيخه في ذهن ونفس المتلقي وهو التعلّق بالموطن والسكن لأنّه تاريخ وعنوان وجود واللغة في النصّ صافية نقيّة صفاء ونقاء سريرة البطلة فلا تعقيد في معجمها ولا حذلقة في تراكيبها تفوح منها رائحة الطبيعة و الأرض حتّى تكاد تلامس قلوبنا قبل أنوفنا هذا تعليق انطباعي على النص بعد أن سمعته أوّلا وبعد أن قرأته ثانيا تجربة قناة يوتوب للواحة أعجبتني كثيرا الأستاذة منال خطّاب شكرا

محسن الطوخي

دراسة الشخصيات.
الشخصيات من أبرز عناصر القصة القصيرة، تتولي بأفعالها، وأقوالها، مهمة ترجمة الفكرة/ التيمة من حالة ذهنية، إلى تجربة إنسانية يمكن التعايش، والتفاعل معها.
يمكن تلخيص فكرة " فجر الطين " في تيمة ( العجز / الكبرياء ). وهما صفتان تتعلقان بمشاعر داخلية تنمو في صميم الذات، قبل ان تنعكس على الواقع الخارجي.
لذلك لا نرى في النص إلا شخصية واحدة، حية، وفاعلة. هي السيدة الثمانينية، على لسانها، ومن خلال وعيها، تترى أحداث القصة، ومن خلال السرد نتعرف على الشخصيات الثانوية، كالابن الأكبر، والزوج.

وهي شخصيات غير فاعلة بشكل مباشر، لكنها تسهم في الكشف عن خبايا الشخصية، الرئيسية، وتفاصيلها النفسية. ويتم استدعاءها في مفاصل مدروسة من السرد تمثل نقاط انتقال، غير متقيدة بالتسلسل الزماني المنطقي. بل بالحالة الشعورية للشخصية المأزومة.
نلتقي بشخصية الابن الأكبر في مقام استعراض مبادىء نشأة الأزمة. فالسيدة العجوز وقد اتخذت قرارا بالخروج ليلا لانتهاز فرصة الري المتاح ليلا، إنما اتخذت القرار مدفوعة برغبة ظاهرة، هي إدخال السرور على قلب الابن الأكبر الذي تضطره ظروفه إلى الغياب عن توقيتات الري. لكننا مع تقدم السرد سينكشف لنا دافع خفي لم تفصح عنه السيدة إلا بعد احتكام الأزمة. وهو الخوف المقيم من أن ينجح ابنها في اصطحابها الى المدينة، بعيدا عن قريتها، وبيتها، بدعوى عجزها عن رعاية نفسها، وتدبير أمور حياتها. ولقد قام هذا الخوف الذي يصل الى حد الهوس بالدور الأهم في احتكام الأزمة، والوصول بها إلى الذروة. فلولا هذا الخوف لأمكن للسيدة طلب العون، أو الاستغاثة.
أما شخصية الزوج فيلتقي بها القارىء في سياق مختلف تماما، فهو لم يعاصر الازمة الراهنة، لكن حضوره من خلال ذاكرة السيدة يلقي الضوء على لمحة من تاريخ الشخصية، تعكس نبلا، وإحساسا بالمسؤولية، وثباتا عاطفيا في مواجهة الأزمات. ثورة الزوج لم تكن منطقية، وإن كانت مبررة في السياق الاجتماعي للريف الشرقي، ويمكننا أن نلمح في إطار نفس السياق معنى بكاء الزوج، وندمه على تهوره، وتجاوز ردة فعله لحدود المقبول اجتماعيا.
والملمحان اللذان يظهرهما تداخل الشخصيات الثانوية، يكملان صورة الشخصية الرئيسية. ويفسران الحالة التي أدت إلى تفاقم أزمة العجوز.
تلك توليفة قصصية نجحت في بناء شخصية بطل تراجيدي. فمقومات البطل المأساوي طبقا لأرسطو:
- النبل، والحكمة.
- الخط المأساوي المرتبط بالكبرياء الزائد، الذي يوقع البطل في الأخطاء.
- حلول النكبات بسبب خطأ البطل بدوافع خارجة عن إرادته.
- الاكتشاف بأن النكبات حلت بسبب سلوك البطل.
ويرى ميللر من وجهة نظر النقد الحديث أن الإنسان العادي يمكن أن يكون موضوعا لقصة تراجيدية، لكون الشخصية ضحية لضغوط مجتمعها.
تحية للأستاذة صديقة، مع ضرورة الإشارة إلى أن المطروح هو مجرد قراءة من قراءات كثيرة ممكنة للنص، فالنصوص المتميزة يمكنها نظرا لطبيعة الفكر الذي انتجها، الانفتاح على العديد من القراءات، وكلها صحيحة مادامت تقدم الأدلة، والبراهين على النتائج التي توصلت إليها.
ولقد اطلعت على العديد من القراءات لهذا النص نحت مناح مختلفة، لكنها كلها تصب في اتجاه كشف بواطن النص، وأسراره.
( نواة مقالة يمكن تطويرها بالتوسع في شرح الفكرة ).





إن لم يشعر المبدع بقيمة الأرض وان لم ينظر إليها كوطن لاتطأه قدمانا فحسب بل يحملنا ويرفعنا إلى اعلى فلا يكون مبدعا فالابداع احساس راقٍٍ بكل ما حولنا.
"الأرض هى أحن عليكم من اسرتكم " بالروعة الجملة ذات العمق الوطنى"
******************
كان وحدة الموضوع أحد ابطال القصة بلغتها الرشيقة غير المقعرة الصعبة فساعدت على إيصال المضامين بشكل مريح للاذن
ثم البناء الدرامى الجيد غير المهتز
الذى أظهر الإرادة وعشق الحياة رغم ماتعانيه تلك السيدة من معانات حياتية معيشية !!!!
ثم تضعف الإرادة احيانا قليلة عندما تقول : لاضوءولاقمرولانور
ثم تعود سريعاة لإرادتها.
لقد تم توظيف المفردات توظيفا جيدا داخل الجمل فجاءت التراكيب الجملية بديعة ورائعة.
أما عن إلقاء الفنانة/إيزيس عباس فقد ساعد على توصيل القصة بآدائها الجيد والذى كان متفالعا مع الجملة والمضمون فكانت أكثر من رائعة.
لقد اعجبتنى القصة ادبيا وفنيا والاهم إنسانيا فقد تأثرت بها تحياتى لكِ أستاذة/منال خطاب
على هذه الوجبة الأدبية البديعة
وكل التحايا لاديبتنا المبدعة الرقيقة/صديقة صديق علي
على إبداعها وحسها الراقى الجميل وكل المحبة والتقدير للفنانة المبدعة/@ايزيس عباس على القائها الجيد.
لكم منى جميعا ارق تحياتى.

علي البدر

والتحليل النقدي لقصة "فجر الطين" للقاصة صديقة صديق علي
إمرأة بالثمانين من عمرها شبه كفيفة البصر ضعيفة السمع والجسم، يقابل كل ذلك إصرار على التجذر بتربتها التي تربت عليها وأصبحت ليست جزءً من كيانها بل الكيان كله. وقد حاولت الكاتبة وبموضوعية وبسرد مؤثر عكس معاناتها وجهادها من أجل جعل الأرض زاهية. وأمام هكذا حالة، نرى الوجه أو الصفحة الأخرى من مجتمعها الذي يحيطها معزولاً عنها فقد تركها ابنها الكبير الذي أراد سوقها معه " إلى المدينة" حيث رفضت وبإصرار الإبتعاد عن أرضها. ويبدو أن زوجها قد طردها من البيت حيث "أقسم يميناً معظماً أن لا أبيت تلك الليلة في بيته، كما أسماه" . أجل المرأة مستضعفة فهي تطرد لمجرد إضاعتها المجرفة. "إخرجي أيتها الغبية. بيتُ أهلكِ أولى بغبائك. توسلت إليه أن يسمح لي باصطحاب ابني الرضيع، لكنه أبى..."
ونلاحظ هنا أن السرد ومن غير قصد بين أن المجتمع الذي تعيش وسطه لم توحده الظروف ويفترض منه إلتزام هكذا إنسانة مسنة وحيدة. وأعتقد أن الكاتبة عزلتها من أجل تعميق معاناتها وعكسها بصورة مؤثرة إلى القاريء وهاهي تقول "لن أستنجد بأحد.." وإن تتبعنا سبب عدم استنجادها لوجدناه غير كافٍ ومتوازن مع مأساة وحدتها. .. "إن فعلت، سيقولون أنني خرفت.." ونتساءل هل كل من يطلب المساعدة يتهم هكذا. وماذا نترجى من إمرأة عجوز في الثمانين؟
قد نعطي الأبناء عذرا بالمغادرة إلى المدينة، فظروف القرية قد لاتسمح بتحقيق طموحات الشباب ولكن من غير المعقول أن يتهم الأبناء أمهم فهؤلاء لن يرحموها "من عتابهم القاسي". أبناء يعاتبون أمهم لأنها تطلب الإستنجاد بالآخرين، لكنهم يزورونها بالأسبوع مرة. برأيي هكذا أبناء ينبغي أن يكونوا بمنتهى المسؤولية خاصة وإن أمهم الرائعة تتصف بالتضحية وحب الأرض والتجذر بتربتها . وعليه فإن القاصة "صديقة صديق علي" قد عزلت بطلتها تماما وحرمتها من أية مساعدة ممكنة، لكن عشقها لأرضها يعتبر درساً لنا جميعاً. نصون الأرض هدف مقدس. نعتني بها.. نسقيها وندافع عنها إلى إخر رمق. ليل حالك الظلام وظهر أحنته السنون لكنها تتحسس تراب أرضها وتهتدي لغرسات باتت متجذرة بوجودها وهي تتلمس الطين ..."يداي ستعرفان كيف تسبران دروب الطين.." أجل يداها وتلك الألفة مع الأرض بدلاً من بصرها الكفيف الذي لم يعد يعينها، حيث انفلت منها "خرطوم الماء الوقح وكاد أن يرميني أرضاً..". وكانت صفة "الوقح" في محلها وكأنها تعكس غضبها reveals her anger . لقد جاءت من أجل الماء وها هو يتحداها ليزيد الطين ويعاكس حركتها غير المتوازنة، حيث انغرست فيه وشلت حركتها وبقت متسمرة الجسد تعاني الإرهاق فأسلمت رأسها للوحل.." ، وبدت حاضنة لتربتها وسطه. أي حب وأي عشق هذا؟ إن القصة برأيي عبرة تربوية للأجيال ودرس في غاية الأهمية. ويبدو أن انغماس القاصة "صديقة صديق علي" بعكس تفاصيل ثيمة القصة قد أبعدها، نوعاً ما، عن التكنيك القصصي الذي بدا قريباً من السرد الحكائي الذي جاء بصيغة "الأنا" وفاقد لأي حوار. وإن ابتعدت القاصة عن هذا التكنيك ولم تسيطر عليه، لكنها سيطرت تماماً على مشاعرنا. وجميل أن تتطابق عتبة القصة "فجر الطين" مع مجريات الحدث حيث بقت تلك الإمرأة الرائعة مغروسة فيه حتى الصباح منتظرة فجر يوم جديد. "وعلي أن أنتظر إلى أن تجف الأرض كي يقتلعوني... وما زلت أنتظر شمساً." وقد وردت كلمة "يقتلعوني" هادرة مليئة بالقوة والثورة والإصرار. وبالحقيقة لن تجف الأرض ليلاً فالعناق المصيري لتربة الوطن سيخلدها وتكون قصة رائعة للأجيال.. أجل هنا عانقت الطين تلك الإمرأة التي عشقت أرضها وانغرست في تربتها إلى الأبد. نحن بخير إذن مادام هكذا وفاء لتربة الوطن يعيش في أعماقنا.
تحياتي
علي البدر
قاص وناقد أدبي وتشكيلي
18/1/2020



سليمان جمعة

انتظر شمسا وانا عالقة في الطين بين عتبة النص وقفلته خيط من ضوء هو امنية لم تتحقق
وما النص الا محاولة لتحقيق ذلك
من يحقق الفكرة ؟
ما الفكرة التي ارادت القاصة ان تعالجها ؟
الفكرة :
مركبة من التمسك بالارض فهي كالام وكذلك جماد البنى التحتية في الاهتمام بالارض ..وكذلك الهجرة الداخلية ..
هل تستحق هذه الفكرة المعالجة ؟
هل هي ظاهرة في بلادنا العربية ..
من يتصدى لها ؟
فريق الكبار في السن الذين عاشوا في الارض الاب يغضب لضياع اداة زراعية .والام .
ان هدف الكتابة اليوم هو التغيير لواقع اثبت انه عقيم ..
الفكرة تحتاج حكاية تحملها ...والحكاية تكون متخيلة لا مرجعية لها الا ذاتها .
القاصة اقترحت لها حكاية او مشهد سردي .. هو مشروع تغييري اما مباشرة او بالاشارة .
الراوية امرأة عجوز متمسكة بارضها ويجب ان تبقيها منتجة فتهب اري اشجارها والري في الليل ..
ولا تريد ان تعلن عن عجزها فيخبر ابنها بذلك فيسوقها الى المدينة ..فتموت الارض..
اذن خرجت على عكازها لتروي .. ولكنها تفقد الاحساس بالاتجاهات ..وتفشل في ري الارض ...وتصب الماء من الخرطوم الذي اصبح بديلا عن المجرفة والساقية ..اي هي لم تتأقلم مع حداثة الادوات .. وهذه اشارة الى استرجاع قصة عادل زوجها بينها وبين الاداة ..وطردها من البيت .. ولكنها تمسكت بابنها الرضيع ...الذي يهددها الان بسوقها الى المدينة اي باجبارها على هجر بيتها وارضها.. لانها فشلت مع الحداثة ..
كما اضاعت المجرفة . ولكنها علقت في الطين...فهل يقتلعونها منه ..اي هي تجذرت في الارض وقد روت ذاتها بامنيتها ..وتنتظر شمسا ..تطلع من الطين ..هي الفجر /الامنية
ان حركة الفكرة التي تصورها النص هي اعتماد على الذات ولكن الذات كانت لا دون كيخوتية ..جسديا عاجزة و رسالية روحيا قوية ..
هذا الاقتراح لحياة الفكرة
كان درسا اخلاقيا .. اي لم يغير من واقع الارض . التي ما زالت تفتقر لبنى تحتية تسهل العمل فيها .مازال الري ليليا ..وهنا اشارة لتقصير المسؤول في الاهتمام بالارض مصدر الامن الغذائي وتلافي الهجرة الداخلية التي تسبب باكتظاظ المدينة فهي تمقت السكن في المدينة . لانها فلاحة ...تحب ارضها .. . .
اذن،
ما هي البنى المعرفية التي شكلت رؤية النص ..
هل هي نفسية تجلت في عزيمة العجوز اللافاعلة ..ولكنها قد اقدمت بروحية لم يحملها الابن الاكبر ..
هل هي سيرورة بناء الدولة الحديثة...المتعثرة في بلادنا ..والتي لم تحافظ على اهل الريف في
اريافهم ..
ثورة نفسية تجلت في مفرداتها ..القوية ..التي عجز جسدها عن حملها.. ..
"فجر الطين "
رسالة تقرأ خللا في بنى دولنا ...وانتقالا سريعا الى عصر لم نتدرج في الوصول اليه.. .




نص جميل ومؤثّر يزخر بالإنسانية، يسلط الضوء على العلاقة والآصرة التي تربط الإنسان بأرضه، وأصالة الإنسان الذي يحب أرضه كما يحب أبناءه.
استطاعت الكاتبة أن تنتقل بالقارئ بشكل مفاجئ من مشهد التيه والضياع الذي عانت منه العجوز بطلة القصة إلى مشهد استعادتها لذكرياتها مع زوجها ومع شبابها الذي مضى حتى صارت هذه الاستعادة أقوى مشهد مؤثّر في القصة، فقد فاق المشهد الأول بحرفية تحسب للقاصّة.
وفّق الله الكاتبة والجميع لما يحبه ويرضاه، شكرا وتحياتي لكم.



أبدعت حقا....سرد جميل متقن عابق بالتفاصيل وكل منها يشير ألى مشكلة إجتماعية تمس أرواحنا
فقط أنا لا أحب تحديد العمر لأن من يقرأ النصوص قد يكون عمره قد قارب الثمانين. ...وهو مازال يبدع ويمارس عمله وأنا أعرف الكثيرين من أحبتنا وهم ليس لهم علاقة بالشيخوخة...لا أحب أن يتحسسوا على رؤوسهم....
أحب دائما وصف هؤلاء النسوة اللواتي صنعونا ومسكوا قرني الحياة جرتهم وأعادوها إلى حيث يردن بلطف ولباقة دمعة حينا وهمسة حينا آخر....
نحن بحاجة لإعادة بناء ثقافة التعامل مع كبارنا وليس فقط العناية بهم....أن ندعهم يمارسون الحياة بشكل جدي تماما ويغنوها
أظن تلك هي رسالة النص
كل الود والتقدير




القصة اشارة عميقة للحياة مابين رمز الاشجار والاقتلاع والغرس وغاصت يداي وقدماي في الطين .فالطين رمز للخلق وللارض وتعلق الانسان فيها.
فالقصة تشير الى جذور الانسان وحبه للحياة وللارض والاستمرارية لذا طغت الانسانية في اشاراتها اما الناحية اللغوية فاتركها للاساتذة الكبار فتحية للكاتبة صديقة






الله على تلك القفلة ما أروعها ما أعمقها

( لكنني الآن مغروسةٌ وعليّ أن أنتظرَ إلى أن تجِفّ الأرضُ كي يَقتلِعوني ..

وما زلتُ أنتظرُ شمساً .. ويداً. )

أسأل الله ألّا تجف الأرض و ألّا يقتلعك أحد ..

و أسأل الله شمساً تُحررنا من استعبادنا و ما نحن فيه من ظلام

و يداً تنتشلنا مما نحن فيه من هوان .

هذا النص قرأته و سأعيد القراءة بقلبي و مشاعري الإنسانية

و سأترك أكاديمية القراءة لأهلها ..

أيا ليت الروح و العقل و الذاكرة يشيخون سوياً مع الجسد ..

ما أقسى على النفس شيخوخةً ظاهريةً و شباباً دفيناً .

كنتُ و أنا أقرأ النص أسير مع تلك العجوز متكئاً معها على عصاها

نتخبط معاً بين ذرات تراب أرضها

باحثاً عن بيتها و عن غِراسها كي أسقيها معها ..

كنتُ بأنفي الذي شاخ كأنفها و بمسامعي التي شاخت كمسامعها

أحاول الإستدلال من خلال رائحة النعناع و صوت تدفق الماء

و حين انفلت الخرطوم من أيدينا و رمانا أرضاً

كانت الأرض أحنَّ علينا من أسِرَّتنا ..

الله على جمال التعبير و كم الحُب للأرض الساكن في قلبها ..!

و بينما نحن على ذاك الحال هامَسَتني عن ذكرى كانت هنا ذات ليل

عن وفاءٍ و أصالةٍ و دفءٍ نفتقده في زماننا الذي نحن فيه

عن يمينٍ و غضبٍ و طردٍ ..

فعودةٍ و إرضاعٍ و سَمَرٍ دافئٍ و حبٍّ و حنان

من خلال تلك الطاقة في ذاك الحائط الطيني ..

الله على ذاك المشهد ما أروعه .

و حين بزغ الفجر و بانت أخيلة الأشجار أبَت إلّا أن تتفلت مني

راحت تحبو على أرضها الطينية اللزجة محاوِلةً التمسك بها

حتى غاصت حد عنقها

كزيتونة عتيقة أغصانها في متناول اليد و جذورها ممتدة ممتدة .

و مازالت تنتظر شمساً و يداً ..

تلك إشارةٍ لِما نحن فيه كشعوبٍ عربية من ظلام و ظُلمات و هوان .

نص إنسانيّ بالدرجة الأولى و فيه عن حُب الأرض و التمسك بها ما فيه .

تحياتي للأستاذة و احترامي لقلمها الجميل .


"الروح الجميلة "
قراءة انطباعية في قصة "فجر الطين"
لصديقة صديق علي
ناصر خليل*
بعد قراءة القصة تذكرت أبياتا للشاعر الألماني الكبير "شيللر " تكشف عن المثل الأعلى الشيللري "الروح الجميلة " والأبيات من بلادة (Ballade) " الغطاس "
" وصاح الناس فرحين في بعضهم البعض
إنه حي ، إنه هناك !لم تطبق عليه الدوامة
من القبر ، من الكهف المائي الفوار
أنقذ الشجاع روحه " ( )
نجد الشخصية الرئيسة في القصة أم تتحدى سنوات عمرها الثمانين وتحاول أن تثبت أنها ما زالت روحا جميلة منسجمة مع الطبيعة حولها وتعتبر نفسها جزءً منها وأنها قادرة على الفعل رغم رأي الآخرين المخالف " لن استنجد بأحد، إن فعلت، سيقولون أنني خرّفت وسيخبرون أولادي ..وهؤلاء لن يرحموني من عتابهم القاسي." (القصة ) ، تبدأ بفعل يبدو للأصحاء سهلا ولكنه كان لمن هم مثلها عملا شاقا ومجهدا (سقي الغراس) في إعلاء لشأن الإرادة الإنسانية والقدرة على الفعل وديمومة الحياة "ليس هناك شيء أهم من الإرادة "( ) تتابع ولا تتراجع رغم " قُلب رأسي بهذه الظلمة اللعينة، فقدتُ الاحساسَ بالاتجاهات ،بِتُّ أشرِّقُ وأنا مقتنعةٌ أنني بالطريقِ الصحيح غرباً ...عُدت أبحثُ بنظري الضعيف عن بصيصِ ضوءٍ يُعيدني، يا لِسخريةِ القدر!! لقد تهت بأرض أعرف ذراتِ ترابها ذرّةً ذرة" (القصة ).
البطل هنا امرأة تحمل فوق كاهلها تاريخا طويلا لأسرة أنشأتها وصبرت عليها حتى صارت أسرة يعتد بها ،و المرأة هنا تعطي دلالة واضحة "كرمز ثري موح للتعبير عن الوطن "( )
شخصية واحدة تقدم لنا احساسها بالعالم من حولها وتعطينا صورة لعالمها الداخلي بذكرها للعلاقة بينها وبين أبنائها وتسرد مشهدا من الماضي يوضح صفحها عن زوجها المتقلب والغاضب والذي كاد يهدم الأسرة في لحظة غضب "أقسمَ يميناً معظماً ألا أبيت تلك الليلة ببيتِه، كما أسماه.
ـ أُخرُجي من هنا أيتها الغبية ..بيتُ أهلِك أوْلى بغبائك ......وكان ذلك عقاباً لي لأنني أضعتُ المِجرفة. (القصة ). وتضحياتها الكبيرة لتبقى الأسرة وتبقى ممتلكاتها ، حياة طويلة من الشقاء " قضّيتُ عمري وأنا أُنقّي أرضي من الصخرِ ..إذنْ أنا لست بأرضي.. فأرضي كقطعةِ إسفنجٍ ...سهلةٌ ليّنةٌ ..كنت أقول لأولادي افترشوها ...هي أحنُّ عليكم من أسرّتكم...سقَى الله تلك الأيام بحُلوها ومُرها ." (القصة ). تلك الشخصية المتماهية مع ما حولها الجميلة الروح "يتوقف عليها فهم التجربة المطروحة في العمل ،فعليها نعتمد حين نحاول فهم مضمون العمل "( ) دونها يهتز العمل الأدبي ويفقد كثيرا من بريقه ،ففي هذه القصة شخصية المرأة الأم المتشبثة بالأرض والتي تبذل الغالي ولا تتقاعس في رعايتها تعطي دلالات رمزية وسيميائية لا تخطئها عين ولا يغفلها إدراك . نهاية القصة تفتح بابا للروح الجميلة التي تؤمن بالأمل وقدرته على منح السلام واحتمال مرارة الانتظار " لكنني الآن مغروسةٌ وعليّ أن أنتظرَ إلى أن تجِفّ الأرضُ كي يَقتلِعوني ..وما زلتُ أنتظرُ شمساً .. ويداً." (القصة )
تبقى هذه القراءة المتواضعة للقصة رؤية فردية ذاتية قد يجافيها الصواب أو قد تصيب شيئا من معاني النص ، وليكن معلوما لدى الجميع أن الخطاب مفتوح لآفاق التأويل والفهم مما يصعب مهمة التأويل والمؤول .

(1)مصطفى ماهر ،شيللر ، الهيئة العامة للكتاب ، 2005، ط 1،ص 253( (
Mel Thompson, PHILOSOPHY, Hodder Headline Plc,London,First(2) Published,1995,P93 ( (
(3)طه وادي ، صورة المرأة في الرواية المعاصرة ، دار المعارف ، القاهرة ، ط4، 1998، ص 54 ( (
(4)محمد بوعزة ، تحليل النص السردي تقنيات ومفاهيم ،الدار العربية للعلوم ناشرون ، الجزائر ، ط1، 2010، ص57 ( (

* قاص وروائي من مصر

واعبد الأمس واذكرصور الماضي ***** فدنيا العجوز ذكرى شبابه
أوبو القاسم الشابي

مقدمة:
الخرف مرض العصر، استفحل اخيرا في الوطن العربي وتحديدا عند نهاية القرن الماضي وبداية الحالي؛ لا لكونه غير موجود وإنما كان غير معروف لدى العامة والخاصة باستثناء الأطباء؛ هو مرض يستهدف - في الغالب - الفئة العمرية ما بعد السنين، وبما أن معدل العمر كان يجاور بالكاد حدود هذا الطيف لم نكن نسمع عنه البتة، لكن لما تحسن الوضع في البلدان العربية ، وباتت الأوبئة والمجاعات وبعض الأمراض الخطيرة في خبر كان، وعرف الدخل الفردي تحسنا، والرعاية الصحية تطورا إيجابيا؛ حدثت قفزة نوعية على متوسط العمر حل معها هذا المرض بل تغول بين شيوخنا وصار حديث العامة والخاصة...
مرض يتمظهر عند المتقدمين في السن كنسيان نمطي لا يعيره المريض ولا أهله بداية أي اهتمام !
فمن سيقلق أو يضطرب لنسيان المفاتيح، أو لتحير في أداء صلاة كاملة أو منقوصة، أو حاول تذكير حدث أو اسم شخصية ما ولم يفلح؟ ولكن حينما يجن المرض ويطغى وتتعدد أغراضه: من وسواس قهري حاد وبارانويا ( جنون الارتياب) تمتد حتى تصير تمس أقرب الناس إلى المريض مع تلف في الذاكرة الآنية المكانية والزمانية يذوب في زوبعتهما قلق المريض وينتفي في حين يتولد قلق أخر عند أسرته إلى أن تصير الحياة معه أحيانا جحيما لا يطاق...
مراوبة.َ. ! قصيصة فجر الطين، تعالج هذه الظاهرة.
ولمخرعباب سردها اختارت القاصة تبئيرا داخليا، تطرفت فيه حتى صار أقرب إلى مونولوج، تلبست خلاله شخصيتها الرئيسة تلبسا إلى أن تجلت وإياها روحا وجسدا واحدا، إذ تملكت المشاعر والحواس، وتقاسمت الأنفاس والنبض والمسعى.
وضعية الانطلاق ( الاستهلال ) كانت "تليغرافية " قصيرة، صيغت على شاكلة زوبعة ذهنية : ( لن استنجد بأحد،إن فعلت، سيقولون أنني خرّفت وسيخبرون أولادي ..وهؤلاء لن يرحموني من عتابهم القاسي؛ إبني الكبير، بحجة عطفه عليّ، سيجد مبرراً لسوقي معه إلى المدينة، وأنا أمقت السّكنة هناك، بعيداً عن أرضي وبيتي.) ضمنته عن طريق التلميح لا التصريح أن من حولها يشك في سلامة عقلها، شك بدا ابنها يُعدى به.
مباشرة بعد هذا الاستهلال شرعت في نحت ردود الأفعال.
ربطا بما سبق اختارت أسلوبا حجاجيا لتجيب عن ما ألمحت إليها في وضعية الانطلاق لتبرهن من خلال مولولوج وعبر القاصة أنها سليمة : ( ولدي لا يأتي إلا نهارَ العطلة. أردت أن أفرِحهُ بما سيُدهَش به، لذلك قررت أتحدّى سنيني الثمانين...)؛ لكن المسكينة تضيع في أرضها إذ تضيّع معالمها، ولا تعرف أي جهة تسلك، فتعوذ بجوارحها، لكن حتى أنفها هو ذاته لا يسعفها ويخونها، لن تستسلم وتستجدي ذاكرتها وتستحضرمشهدا مع زوجها حين طردها وأبقى معه صغيرها...لا تخيب بل تحس بفخر ونشوة انتصار داخلها: (لم أكن غبيّةً، كما أني لست خَرِفةً الآن،.ها أنا أذكرُ كل هذه التفاصيل،لكن توّهَني الظلامُ ...)
عند وضعية التحول في الأحداث تجعل القاصة الفجر يبزغ وتتبدى معالم الأرض أمام العجوز لتجدها كما ألفتها وعهدتها: (بَزغتْ خيوطُ الفجر، فبانت أخْيِلةُ الأشجار من حولي، أعرفُها جيداً هذه غرسَها زوجي، وهذه غرستُها بيدي، وتلك الغِراسُ الفتيّةُ لإبني أظنُّها الآن قدِ ارتوتْ).
النهاية يعلنها استواء بوصلة العجوز، وحبو أضاعت خلاله عكازها، مشهد درامي نستشف منه أنها كانت في مطاردة لأقانيم الزمان والمكان والأحداث داخل كيانها.
خلاصة
القصة إذا أراى فيها ذاك الصراع النفسي الذي ينتاب مريض الخرف عند البدايات، فكثيرا ما يجد من حوله يصححون له وضعه ويرتبون له ذاكرته ، مما يجعله مضطربا نفسيا...لا يعرف هل هو على صواب أو على خطأ، يقضي جل وقته ليبرهن لذاته أنه ليس مجنونا أو فاقد الرشد.
الكاتبة أجادت حين وظفت التضمين لا التصريح، واختارت الحوار الداخلي...ا"لمولولوج " البناء هذه الدراما.
اختيار للموضوع كان موفقا فقليل من يهتم لمثل هاته الحالات لتكون موضوعا قصصيا من خلالها نرسل الرسائل والعبر.
أخيرا أنوه بالقارئة... التي أعطت للنص رونقا ضافيا بتلويناتها الصوتية، فتأست حيث التاسي، وتعجبت حيث التعجب... وأعد قراءتها بتلك الطريقة قراءة ن
قدية صوتية... توثق طريق تمثلها له.


(التشكيل التأويلي ومسارات الدلالة)
في نص / فجر الطين / للكاتبة صديقة صديق علي
هذه قراءة خاطفة تتوافق وسعة المقام بما لا يخل بالنص ولا يسطح العرض دون الدخول في تأسيس نظري يعضد ما نرمي اليه من نتائج لأنها ليست دراسة وانما قراءة رصد لكيفيات استجابة المتلقي للنص وخروجه بــــ ( معنى ) هذا المعنى الذي لا يزال إشكالية كبرى في مفهومه وتنازعه بين سلطة المؤلف وسلطة التأويل ومروره بعدة أدوار فقد تدرج فلسفيا وفكريا في الهرمنيوطيقا ( فاتيمو. غادامير . ريكور ) ثم عدمية ( بودريار) مرورا بسياقات التمظهر والتجلي ( دو سارتوا ) وحتى التلاحم مع ( فوكو) وبعده التحول والانخراط في العقل العملي ( رورتي ) ثم التلاشي والتاجيل والأرجاء وتعدد المركزيات ( تفكيكية دريدا ) 1
هذا من الجانب الغربي ومن جانب الفلسفة الإسلامية فان المعنى حقائق مودعة في النص لها خزائن والفهم هو مراتب وجودية تتمظهر حسب استعدادها من استدعاء هذه الحقيقة علما ان النص الادبي هو بذاته تشكيل تأويلي يمثل تجربة كاتب النص فاذا مارس عليه المتلقي تأويلا
فهو اذن تأويل لتأويل ولهذا تفصيل ليس هذا محله انما سقناه لبيان ان المعنى هو ما يحظى باهتمامنا في هذا النص
النص القصصي يشتبك مع الفلسفي في مساحات الوصف لان الوصف ذو مرجعيات او احالات فلسفية في المغزى النهائي هذا التشابك يغفل بل أساسا لا يعلم به الا في حالات قليلة ومن هنا فان نصوص ( صديقة صديق علي ) تشتغل على هذا التشابك وبهذا تكون لغتها ذات تماسك فلسفي مخبئ في حركة المجازات والأشخاص والعلائق مع المكان والزمان

نجمل هذه القراءة المتسارعة (التشكيل التأويلي ومسارات الدلالة) بعدة نقاط جوهرية
1- الموقف النفسي – التحليلي / هنا نستجيب الى المعجم النفسي الذي انتجه النص عبر (مفردات / صورة سردية / صورة وصفية / إحالة / رسالة / الخ
- الموقف النفسي يستقبل هذ المعجم ويحيله الى معجم موازي ضمن الإطار النفسي وبنفس محدداته ومن مفردات هذا المعجم
الاغتراب عن الذات وعن المكان / التحدي / الحنين / الحب / الأمل / التجذر نحو الأصول / الوحشة / التنكر / التفجع
كما في (لكن لا قمر ولا ضوء الآن. ولا عيون تعتذر.. التيار الكهربائي مقطوع وكل الأواصر مقطوعة وقد لا يأتي ولدي)
2- الموقف التأويلي (الهرمنيوطيقي) / هنا المعنى مرصود من قبل المتلقي الذي لا يجيء الى النص الا وهو محمل بفهم خاص له تاريخه الخاص ولكن النص يمانع أيضا لأنه متموضع في تاريخ خاص لذا سيكون المعنى أعادة لترتيب التاريخين معا وفق حوارية بين ذاتية المتلقي وموضوعية النص وبتعبير (أليوت) تكون مهمة المتلقي تلقف التشكيلات اللغوية التي تفرز عند تتبع عناصرها ودلالاتها الجمالية فيكون المعنى واقعة تأويلة وبهذا عند عودتنا للمعجم الدلالي للقصة نرىان النص يشير الى
أ‌- الحقيقة (كثيرا ما نصل للحقيقة وللدرب الصحيح لكن بعد ان نخسر السند)
ب‌- زيف الأيديولوجيات المعبر عنها بالماء فليس كل من جاء بالحياة يهب الحياة
فقد وصف الماء بالوقح الماء الذي يفرق المتظاهرين هو ذاته الماء الذي يسقي
الأشجار الماء الذي يسكب على وجه المعتقل هو ذاته يفيق المريض من اغماءته
جـ- نفس المعجم النفسي يعامل هرمنيوطيقا
د – الحواس باعتبارها أنظمة ونظريات ورؤى لم تتمكن قيادة البشرية لذا دفعنا ثمن
انقيادنا لحكمها الناقص حكمنا على الأشياء من خلال حواسنا فقط يجعله حكما
منقوصا ولكل جيل رائحته الخاصة لكن نحن لم نطور حواسنا معه
وهكذا يمكن التطبيق على مواطن متعددة من النص
3- تنوع الوصف هنا كثيرا ولا أقول السرد فالنص فرّق بينهما ووظفهما ببراعة فالوصف ساكن بينما السرد متحرك ووزع النص بينهما طبقا لمتطلباته فنرى في صورة وصفية
حسية وأخرى وصفية نفسية وثالثة دلالية ونرى صورا بصرية
1- اذن لأصغي للماء
2- ليس لأشجارنا رائحة بل انفي شاخ
3- انا لست بأرضي فأرضي كقطعة اسفنج
4- هي احن عليكم من اسرتكم
5- جررت خيبتي
6- تركت قلبي مع ولدي
7- ادور حول صوته
8- لا عيون تعتذر
الوصف تأمل والسرد تعاقبي يتمظهر بالزمن ليروي أحداثا يتداخل فيها الوصف ليتأملها او يعطي رايا فيها او يشجبها أو يعضده وكما يقول جيرار جينت (انه يسقط القصة في الحيز)
4- طريقة الوصف هنا في هذا النص علائقية حتى لنكاد ان نقول ان النص مسرود بالوصف العلائقي وهو ( تعيين موقف الموصوف داخل المكان والزمان او مقارنته بموصوفات أخرى من خلال التشبيه والاستعارة وصيغ الموازنة والنفي
5- تنوع الوصف أيضا بكونه ذاتي وموضوعي مما خدم اهداف النص
6- الانزياح من الدلالة داخل السياق الى سياق مباغت مثلا
(الليل بارد وقاسي لكنه هادئ قد يساعدني بسماع تدفق الماء الذي يثلج صدري، نسيت أني فقدت الكثير من سمعي، يكفيني ما سمعته طوال عمري) ف يكفيني ما سمعته طوال عمري / التفات من الحضور الى الغيبة في التاريخ وهو توكيد سياقي ذكي
كذلك ( قضيت عمري وأنا انقي أرضي من الصخر ...إذا أنا لست بأرضي فأرضي كقطعة اسفنج ...سهلة لينة ...كنت أقول لأولادي افترشوها ...هي أحن عليكم من أسرّتكم) الانزياح نحو ( أحن )
وأيضا جملة النهاية الرائعة
(آخر ما لمحته كان الدرج الموصل إلى باحة البيت ،كان قريباً جداً ...لكنني الآن مغروسة وعليّ أن أنتظر إلى أن تجف الأرض كي يقتلعوني...ولا زلت انتظر شمساً .. ويداً ) فلاحظ الانزياح من الواقعي الى البلاغي ليعلن شعارا مدويا وحكمة نضرة وحبلى بالجمال وخصوصا تنكير الشمس واليد
7- انزياح عكسي من التاريخ الى الحاضر كقولها
ليلتها. تسامرنا حتى الفجر.. وكانت نسائم الفجر محملة بحب وحنان.. لم ينقطع إلا بوفاته.
لم أكن غبية، كما أني لست خرفة الآن. ها أنا أذكر كل هذه التفاصيل لكن توهني الظلام ،وقتها فعل ضوء القمرفعله،ورأيت ما أحببت بعيون زوجي، لكن لا قمر ولا ضوء الآن. ولا عيون تعتذر ..التيار الكهربائي مقطوع ..وكل الأواصر مقطوعة وقد لا يأتي ولدي. حيث توقف التاريخ حتى قولها ورأيت ما أحببت بعيون زوجي لتعلن الدالة الزمنية ( الان ) مغزى المشهد (لكن لا قمر ولا ضوء الآن. ولا عيون تعتذر.. التيار الكهربائي مقطوع ..وكل الأواصر مقطوعة وقد لا يأتي ولدي)
كذلك الانزياح من الواقعي الى البلاغي ولا زلت انتظر شمساً.. ويداً
حيدر الأديب


فجر الطين قصة التجذر في الأرض والتشبث بالأصول وعبق العرق العصي عن الاستئصال.عانقت فيها الكاتبة بأسلوبها المتفرد الإبداع السردي وكانت بحق صورة للمثقف العضوي المسكون بهموم الوطن.







تراب أرضي
طين خالص أحمر
أزرع فيه بذور الحب
فتنمو وتكبر
وأنا أيضا سأكبر
اقنباس من خاطرتي"جنون أم حلم"

"فجر الطين!" لماذا يا ترى هذا العنوان؟!
أحلى وأجمل ما في اليوم هو الفجر..والفجر هو بداية كل شيء جميل، هو الأمل، هو الحياة، هو الولادة...
الطين!..الطين هو التراب الخالص الأحمر، الذي منه وفيه ولادة الحياة، فمنه خلقنا، وفيه تزرع البذرة، وتكبر...
إذا، لدينا مفردتان سارتا متوازيتن في نفس السياق، تحيلاننا على أننا أمام ولادة..فيا ترى هل نحن حقا بصدد ولادة؟!..لننظر النص..

شخصيتنا الحكائية امرأة عجوز في سن الثمانين؛ عنيدة، ذات كرامة، تعشق الحرية، لم تعترف بالعجز ولم ترض بالوصاية ولا بالحماية، حتى من أقرب الناس إليها، تتشبث بأرضها.. مازالت، تعتني بغرس الماضي وتسقيه، حتى وإن فقد نكهته، حتى وإن شح الماء، وبات في يد أصحاب القرار الذين يتحكمون في كل شيء، في الغبار، والماء، وربما حتى في الهواء.

بطلتنا خرجت في الظلام رغم قلة بصرها، فتاهت. لم تفرق بين الجهات، وقفت على أرض لم تدر أهي أرضها حقا، أم هي للغريب، تحاول أن تستدل، الغرس ليست له، أو لم تعد له رائحة، لم تستطع سماع صوت الماء.. لم تتذمر ولم تأسف، فقد يئست من السماع(يكفيني ماسمعت في الماضي)، ربما كانت تسمع أشياء تسيء إليها، أو ربما وعودا لم يف أصحابها بها( إحالة على وعود الحكومات)، تتكئ على صخرة... صخرة؟! كيف؟! وهي التي سهرت، ونقت التراب من كل الأحجار التي تعيق نمو الأشجار ونضج الفاكهة.
هنا لدينا احتمالين إما أن الأرض للغريب (أو باتت له)، وإما أن الغريب هو من وضع صخرته، وفي كلا الحالتين يد ثانية تظهر في الصورة (إحالة على الواقع العربي عموما والواقع السوري خصوصا)...

(" كنت أقول لأولادي افترشوها...هي أحن عليكم من أسرتكم... ")، "كنت" الفعل جاء في الزمن الماضي! لماذا؟ هل أن الأرض لم تعد كما كانت، رطبة، حنونة، خالية من الصخر، غير قاسية، أم أن الأولاد(الجيل الجديد) رحلوا، وفرطوا، ولم يكترثوا!
كلا الاحتمالين، أحدهما لا ينفي الآخر(إحالة على الواقع العربي)...

في الفقرة الأولى تعرفنا على جانب صغير من شخصية المرأة العجوز، والآن سنتعرف على هاته المرأة بعمق وعن طينتها!...

("أقسم يمينا معظما ألا أبيت في بيته، كما أسماه")، تطوف أمام مخيلتها ذكرى من ذكرياتها، يطردها زوجها من بيتها على أنه بيته، ولكنها في قرارة نفسها تعلم أنه بيتها، وتعلم أيضا أن زوجها يوقن بذلك (ألا أبيت في بيته، كما أسماه)، إذا هنا نراها المرأة الذكية الواعية التي لاتأخذ بمظاهر الأمور...
لم يتركها زوجها تصطحب رضيعها، ليعيدها بكاؤه فتحضر مشهدا مؤثرا من طاقة في الحائط.
فلذة كبدها يبكي، ووالده يلهيه بضوء لمبة الكاز، يحاول إسكاته فلم يستطع.
طبعا لن يستطيع، ليس لأنه قاس أو عنده نقص في الحنان، ولكن لأنه لا يتوفر على ثدي يدر الحليب، وليست له خبرة.
يعلم هذا، ومع ذلك أبقى الطفل معه، لماذا! هنا يظهر كبرياؤه، وعناده، وعدم اعترافه بالعجز، ولكن أيضا ذكاؤه، فهو لم يعطها ابنها لتعود شاءت أم أبت، نعم هو يعلم أنها لن تترك نبضها يصرخ ويتألم.
وهذه هي تركيبة حواء وتلك تركيبة آدم...
تمد يدها من الطاقة وقلبها يعتصر ألما، من دون أن تنتبه إلى ما قد يحدث لها.
(" ناولني إياه أرضعه ثم خذه إلى سريره")، قالت ناولني! لم تقل أدخلني،!... يالهاته المرأة! تريد أن ترضع ابنها في العراء، لا يهمها إن بقيت خارجا، المهم أن يشبع رضيعها، ألا تسمع صراخه، أن يضحك حتى وإن بكت هي، هده هي الأم التي وصى بها الرسول صلى الله عليه وسلم.
("أنت هنا_قالها بصوت متهدج_")، صوت متدهج، صوت القلب الذي حاول أن يخفيه ويظهر عكسه، لكن بكاء الولد جعله بنفضح وبظهر ما بداخله من حب وعطف وحنان، وهذا هو آدم الأب، مزج بين العاطفة والكبرياء... قال الله سبحانه وتعالى " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه بالوالدين إحسانا"...
("خشيت أن يتناولوك بسوء...معاذ الله أن أكسر لك يمينا بعد البوم)، هنا تظهر المرأة النبيهة الواعية العالمة بشخصية زوجها وكيفية التعامل معه، ومسايرته في تقلباته، وقدرتها على كبح غضبه، وقول ما يرضيه..."خشيت أن يتناولوك بسوء"، معنى هذا أنه أقرب وأولى من أهلها...("معاذ الله أن أكسر لك يمينا بعد اليوم")، وهذا بعني أنها لم تكن لتعصي له أمرا حتى وإن كان ظلما في حقها، ولكن الضرورة هي التي حتمت...
فهاته، هي المرأة الزوجة الصالحة التي نعثها الرسول صلى الله عليه وسلم بالقارورة..
"فيا ترى كم قارورة كسرت أيها الزوج، في هذا العصر!".
تبيت ليتها في تسامر وتناغم مع زوجها إلى الفجر...

استطاعت بطلتنا أن تجمع شتات بيتها وأن تحتوي زوجها وابنها داخل صدرها بحنانها وعطفها وذكائها، ومن ثم فإن كان الزوج أمانا فالمرأة احتواء.

وصلنا إلى الفقرة الأخيرة؛ يبزغ الفجر، وتعلم المرأة أنها في أرضها، لكنها لا تستطيع الوقوف عليها، لقد ضاع عكازها، ضاعت ركيزها، فأمسى الطين وحلا، غرست فيه، ولا تستطيع الفكاك منه، وهي مازالت تنتظر شروق الشمس ربما تأتي يد لتنتشلها!...

يظهر أن الخاتمة بقيت مفتوحة تركت القارئ في حيرة، هل المرأة ستتخلص، وتقف على طين أرضها من جديد، أم أنها ستبقى مغروسة في الوحل؟! قد ببحث المتلقي هنا عن نقطة تنوير وقد لا يجدها وهذا ما لا يجوز في القصة القصيرة...
ولكن إذا تأملنا جيدا في النص، فلن تكون تلك النفطة سوى العنوان الذي جاء كجواب على تلك الحيرة!

"فجر الطين" ماهو إلا الأمل، والولادة، وخلاص تلك المرأة من الوحل.

تحيتي لك صديقتي على هذا النص الرائع.
كتب الجميع وأدلوا بدلوهم في قصة المبدعة الرائعة صديقة صديق ،فجر الطين
سألت نفسي وماذا سأزيد انا على ما قاله اساتذتنا الكبار فلست بناقدة ولكني كاتبة تخطو أولى خطواتها في هذا العالم الكبير عالم الكتابة والأدب ،
لكني أحببت هذا النص البديع لذا سأقدم قراءتيالمتواضعة له
أقدم رأيي كقارئة ،
أعجبتني القصة بمفرداتها بكلماتها العذبة بالوجع المختبئ وراء العبارات ،وضعتني ذكريات المرأة العجوز عن زوجها وبدايات حياتها في نفس الشعور الذي كانت تشعر به عندما طردها من البيت لقلة ادراكها وخبرتها ،،أبكتني مع وصفها مشاعر الأم وهى تسمع بكاء صغيرها ،فانخلع قلبي معها فانا أم وأعلم تلك المشاعر جيدا ، شعرت بضيق في أنفاسي كأني أسير في نفس الظلام الذي تسير فيه العجوز ،أصابني الحزن والانكسار عندما غرست في الطين دون أن تستطيع أن تخلص نفسها منه ،عشت معها شعورها باليأس وقبول النهاية القريبة بإستسلامها لقدرها وغرسها في الطين ،
ولكن السؤال هنا ' من الذي تم غرسه في الطين ،هل هى أوطاننا التي أصابها الإهمال وعزوف مواطنيها عنها بالتخلف والضعف فأصبحت كالمرأة العجوز التي لا تستطيع حتى الوصول لبر الأمان ،أم أنها أفكارنا البالية التى غرقت في كل ما يحيط بنا من تقدم وحداثة وتحتاج لفكر جديد ينتشلها من هذا التخبط الفكري ،أم هى تجسيد لأمهاتنا وابائنا الذين تم تجاهلهم ونكرانهم من اقبل ابنائهم ليصبحوا غارسين في الوحدة وظلام الهجر والنكران
أرى أن هذا النص البديع يحتمل كل هذه التأويلات ،
بالنسبة للإلقاء الناعم والرقيق من الاستاذة ايزيس فلقد أضافت نبراتها الهادئة المفعمة بالحزن والشجن جمالا آخر أعطى للنص روحا تتجسد مع انسياب الحروف منها
أبدعتم ،عمل راق متكامل فكرة وسردا والقاءا
شكرا لكم و لكل من ساهم في اخراجه بتلك الصورة الراقية

وقد لا يقتلع البطلة أحد فتنبت وتورد وتورق. أهي المرأة المعطاء وقد كسرها الزمان. وأنكرها الإنسان أم هي الشجرة الشامخة تنحني ولكنها لا تنكسر تظل تنتظر يدا حانية تعترف بالجميل فترده فلو عرف الزيتون غارسه لصار الزيت دمعا كما قال درويش. أم هي الوطن وقد رعى وحنا ولكنه عند الحاجة هُجِر. خواطري شردت بها نهاية القصة فوجدتني أبدأ القصة من منتهاها قصة أمي وأمك وكل أم عربية شرقية زانتها الشمس سمارا والحقول وقارا فأعطت وما قرأت للغد حسابا فإذا العمر يمضي... يسرق.. ولاتستفيق الا والعمر وقد انفرطت حباته والولد وقد سحرته حياته فهجر حضنها الدافئ وأنكر عليها لقاء يتيما في يوم غائم بكت سماؤه ترثي حال هذه المرأة. وتشاطرها ألم فقدها الحبيب الرجل الحنون عكاز زمانها وقد خان العهد وتركها وحدها تشكو غربتها.
يا لروعة قلمك يا صديقة يقطر ألما وجعا صدقا.
جفاء...
من شتات لغتي لملمت لصمتي شئ من فتات حروف ..رتَّقت بها رعشة شفَّة أنهكتها لثغة اللسان.. صرخة مغلولة تجتاح جرحاً مستوغلاً في كفِّ أيامي وقفتُ حائرة.. أي قدم ستقود
نبض خال الوفاض و دمعة ولودة تناجي الإله بين مفترقات الأماني
تاه مني الدليل يا ولدي فنثرت حقائب الذكرى ..أنقِّب في قيثارة الحب عن وشاح أدثِّر به صقيع روحي ..
وبين دَفتي أشعاري صفحات الحنين تتودد لتجد مأوى تواري به سوأة الخيبات..
لعلها تتعثر بقميص كان لكتف انَخْتُ عليها راحلة خوفي وحرماني..
أُقَلِّب الوجوه فأنزوي إلى عمر يتنهد تحت أسنان اقلام حبيسة الذكرى ..وحلم يجترُّ ما خبأته الليالي في ساعة صفا ...
أين مني الطريق وقد ضاعت بوصلة حقيقتي هي مدينة النسيان.. ولستُ إلا رحَّالة تفتش عن بقايا الحنان
*******
نعم إنه فجر الطين ولم أجد غير تلك الخاطرة أواسي بها ما تبقى من الإنتماء فربما فجر يأتي قريب...

فجر الطين ...
لعلها قصة واقع مرير لمس قلوبنا تعاطفاً مع حس إنتماء تلك العجوز التي تأبى، إلا أن تكون جزء من الأرض
مهما كلفها الأمر
وأي نص يحظى مثل هذه الإحتفالية فتزدحم الأقلام معبرة عن إعجابها به
ليس لأنه كتب بعناية فقط، او بطريقة مدروسة، بقدر ما فيه من العفوية، فقد تركتِ العنان للشخصية ان تتحدث بكل ما ٱتاها الله من سمات طبيعية، وهذا ما يسمى التقمص تلك المقدرة الفائقة على التعبير وملكة القص، لا يجيدها إلا فنان
كنت أود أن أتناول النص من حيث التدقيق والتمحيص بقلم ناقدة ولكني لست إلا قارئة وهذا ما ارتأته عيني ...
كل التوفيق للكاتبة المتألقة (صديقة صديق علي)

لبنى محمد /فلسطين

التسميات: