السبت، 10 يونيو 2017

دراسات في القصة القصيرة 
بقلم الأديب الناقد/ مصطفى بلعوام
المغرب 
مصطفى بلعوام



الجزء الاول
٢- سياقات القصة بين القصيرة والقصيرة جدا.
إن أول إشكال يعترض بقدر ما تعرضه سياقات القصة يتعلق بمعنى مفهوم القصة ذاتها : هل تتوفر على تحديد مفهومي مستقل عن سياقاتها؟ وهل القصة في القصة القصيرة هي النوع ذاته في القصة القصيرة جدا وما شابهها؟ وهل من الممكن تلمس بعض معالمها في واقع عربي أدبي مأزوم يجري وراء كل شكل تعبيري جديد وغريب عنه ويبحث في نفس الوقت عن هويته وهوية قلق مصطلحاته النقدية ؟
 مفهوم القصة هو قصة مفهوم ذي زئبقية سيمية جعلته يتوسط غالبية الأشكال التعبيرية الأدبية التي توحي بالاعتماد عليه وبتسييجه وفق معايير مقتضياتها من دون أن تحدد مكوناته ، كما لو كان مفهوما تعفيه بداهته من التعريف بكينونته : القصة الومضة، القصة القصيرة جدا، القصة القصيرة.. على أية مادة ترتكز عليها هذه الأنواع التعبيرية وتمتح منها معاييرها في تحديد هويتها الأدبية ؟ في قراءة أولى لمجموع التعريفات التي تصاحب هذه الأنواع التعبيرية ، يشكل مفهوم السرد فيها حجر الزاوية على مستوى المصطلح النقدي الذي يعتبرها "سردا أولا وحكائيا ثانيا". هي سرد لحكائية تسمى أيضا قصة على اعتبار أن لا وجود لحكائية أو قصة بدون سرد و سارد يحولها من أحداث بالقوة إلى أحداث بالفعل في اللغة وبلغة تنسج "وجودها". لكن هل السرد فيها له خاصية يتميز بها كي يميزها عن باقي أنماط السرد؟ وهل الحكائية قاسم مشترك لهذه الأنواع الأدبية كوحدة بنيوية لا تتغير فيها إلا من حيث طريقة توظيفها ؟ وما علاقته بأدبيتها ؟ أي أين يجد السرد معدل أدبيته ؟
 هناك معطى عام للمصطلح النقدي المستثمر في لغة النقد العربية الحداثوية أو ما بعد الحداثوية: كل تعريفات مفهوم " السرد" تستقي تحديداتها على الأقل من ثلاتة مرجعيات تأسيسية، مرجعية رولان بارث ، مرجعية تزيفان تودوروف ، ومرجعية جيرار جنيت . إنها مرجعيات لها طبعا منطلقاتها الفرضية لتحصين"علمية" المفاهيم منهجيا وخلق آلية نظرية متكاملة وصورية " للسرد " ؛ وتناول المفهوم فيها بدون مفهومية النظرية التي يتأسس عليها لا قيمة له في الأصل بما أنه ليس بترجمة أو بإحالة على " فكرة " بل امتصاص من حيث هو مفهوم بالمعنى الذي تعطيه إياه ج. كريستيفا لمعرفة نظرية متواشجة مع باقي المفاهيم المكونة للحمتها. من أي معطى تنطلق هذه المرجعيات ؟ من لفظة لها تاريخ في تعدد الدلالة والإصطلاح في حقلها السوسيو-ثقافي الأصلي ؛ إنها لفظة " le récit " . ولها بالمقابل لَبْس في لغة النقد العربية التي تترجمها تارة بالحكي والسرد وتارة بالقصة والحكاية. وإن كان مشكل ترجمة المفهوم مسألة ذي أهمية نظرية تطرح إشكالية مفهوميته التي يحملها وتقتضي بالتالي تحيين عناصرها داخل جهازها المعرفي ، فإننا لن نتناوله هنا إلا بقدر ما تستدعيه إشكالية " القصة في القصة القصيرة " ومدى أبعاده " الأدبية " فيها. وعليه، سنستعمل مؤقتا لفظة " السرد " كمقابل للفظة " le récit ".
١.٢- مفهوم "السرد" وأشكلة " القصة ".
السرد من حيث هو نشاط إنساني سابق على تكوينه كمفهوم تجريدي ينتج معرفة بمكوناته. إنه معطى وجودي قبل أن يكون موضوع مفهوم ذي مفهومية مرتبطة بمفاهيم أخرى تحث إطار جهاز معرفي ما. ويمكننا أن نقول بتعبير مغاير لما قاله
 رولان بارث بأن وجوده هو من وجود الإنسان في وجوده ، إذ لاوجود له بدون سرد لوجوده يبدع به طرق التعبير عن وجوده. بتمظهر في الأسطورة ، في مشهدية إشهارية ، في النكثة ، في محادثة حول أشياء الحياة... لا مادة للسرد غير الإنسان في وجوده أو كما تقول جوليا كريستيفا :"الحياة هي ذاتها سرد - أوقفوا السرد وتهددون الحياة نفسها". للسرد خاصية وجودية بوجود الإنسان ، لا يعرف تخصيصا أو حتى تجنيسا لمادة سرده في وجود أشكاله اللامتناهية، "ولا يبالي إن كان الأدب جيدا أو رديئا"(رولان بارث ). لكن إلى أي حد يمكن الحديث عنه بصيغة المفرد الجامع لكل أشكاله؟ هل تموضعه في الأسطورة وبالأسطورة هو الشيء ذاته في القصة القصيرة مثلا ؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب فهل هناك فرق بينهما في اختلاف تسميتهما؟ وإذا كان أيضا وجود السرد من وجود الإنسان ، فعلى ماذا نبحث عنه في شتى تمظهرات وجوده ؟ 
جواب واحد ووحيد : نمذجة بنيته الحكائية التي بواسطتها نقرأ كل أشكال تمظهراته واعتبارها  "بنية رحيمية structure matricielle " لكل أنواع السرد . وذلك إنطلاقا من فرضية مفادها 
 " ألا أحد يستطيع مشج ( إنتاج ) سرد بدون أن يرجع إلى نظام ضمني من الوحدات والقواعد"، وأن ظاهر السرد هو نتاج بنية يمكن استنباطها من " وحدتيه اللسنية والحكائية " اللتان تشكلان سطح المقاربة له. فيصبح مجال الحكي موضوع مقاربة كل أنواع السرد مع انزلاقات دلالية ناتجة عن ضبابية المفاهيم في الحقل الذي تشتغل فيه، وذلك بدءا من تسمية تزفان تودوروف له ب " la narratologie " التي ستفرض نفسها كحقل معرفي جديد للمتن الأدبي على حساب الاقتراح البارثي "science du récit ". الحكائية تحل محل السرد ذاته : narration --récit ولو أن اللفظتين يعنيان في أصل دلالتهما نفس الشيء. 
مالسرد le récitt؟ وما علاقته بالأدب وتجنيساته الفرعية ؟ وهل يساعد في تحديد" هويتها" وهوية ما يميز موضوع شغلنا القصة القصيرة بباقي مشتقاتها في التسمية على أساس ما تيلور من من مفهوميات أنتجت حوله ؟ أي، ما علاقة السرد بمادته ؟ وهل مادته تشكل خاصية وجوده أم أن وجوده غير خاضع في تمظهرات وجوده لطبيعة مادته ؟
وعلى اختلاف المقاربات وإنتاجها لمفاهيم تخدم مصلحتها المعرفية داخل هذا " العلم الجديد " /  la narratologie ، فمن السهل ملاحظة أنها
تنطلق كلها من ترسيمة أولية ثلاتية الأطراف :
١- السرد : le récit 
٣- القصة/الحكاية : l'histoire 
٣- الحكي / القص :  la narration
يشكل هذا الثلاتي معادلة ذات مخارج متعددة تخضع للطرف والمعنى الذي نعطيه إياه، لأنهم لا يحملون معنى قارا يخول بضبطه الاعتماد عليهم "كمتغيرات مستقلة " . ما معنى "القصة " هنا / histoire؟ وهل لها ضوابط في ذاتها تعفينا من البحث عن معناها؟ في كلاسيكيات علم الحكي la narratologie الفرنسي بالأخص، كل سرد إلا وله بالضرورة حاكي narrateur وكل حاكي يحمل معه أو تحمله قصة histoire ، مما يفيد بأن السرد لا وجود له بدون قصة وحكي لها من طرف حاكي . لكن ما هي القصة ؟ هي الحدث أو مجموع الأحداث قبل أن تتحول إلى " مادة محكية chose racontée" كما يقول جيرار جنيت . إنها أحداث بالقوة من حيث هي قصة لكنها عندما تتحول بالفعل بفعل الحكي تصبح récit. وهو نفس منحى تزفان تودوروف الذي يعتبر بأن القصة لا وجود لها " في ذاتها "، هي وجود مجرد في افتراضية وجودها مع أن لاوجود للسرد récit بدون وجودها حسبه وجيرار جنيت. وهنا نلاحظ تقسيما اصطناعيا بينهما لأغراض نظرية يفرضها منهج اللسانيات الذي لا يقارب الشيء إلا بعد تحويله إلى مادة لسنية من حيث الملفوظ اللغوي. دلاليا، القصة histoire والسرد le récit وكذا الحكي narration يعنون نفس الشيء. اصطلاحيا، يتم التمييز بينهم من خلال علاقات الواحدة بالأخرى : لابد للقصة من حكي بما أنها قصة، غير أنها لما تحكى تصبح ملفوظا متلفظا، أي سردية حسب تعبير الأستاذ سليمان جمعة : كل سردية récit هي نتاج عمل الحكي narration في القصة وبالقصة histoire. ولا يمكن مقاربة الأخيرين إلا من خلال السردية كما يقول ج. جنيت، لأن غاية علم الحكي/ السرد في نهاية التحليل ليس هو القصة بما أن وجودها من وجود سردية تبلور وجودها تبعا لموقعتها للحاكي فيها وتقنياته الحكائية التي عبرها يخرجها حيّز الوجود اللغوي، ولكن غايتها المسكونة بهوس " العلمية " في مجال لا علمية فيه غير المنهجية هو نمذجة" القوانين التي تحكم العالم المحكي/ كلود بريمان" . 
وبناء عليه، فلا غرابة إن بنى هذه "العلم " طريقة تناوله للمادة الحكائية على تقسيم  لسني محض يقتضي التمييز بين الملفوظ "énoncé" والتلفظ 
"énonciationn"حيث يأتي إلى القصة كملفوظ قابل لتحليل لسني في علاقته مع التلفظ، ويحول محتواها إلى أفعال لوحدة بنيوية مكونة من فعل وفاعل كما حال " الجملة " في التحليل اللسني. معنى القصة يصبح مرادفا للملفوظ حيث تتغيب فيه تماما وتتحول إلى مقولات تخضع من بين ما تخضع له لمنطق الأفعال "(تودوروف). قد تختلف الكلمات/المفاهيم من محلل إلى آخر، لكنها ترتكز كلها على فرضية مفاد فكرتها بأن " دلالة الفعل" 
(
ب. ريكور)  هي كل ما يخدم مشروعها الرامي إلى نمذجة قوانين كونية مستقلة وقابلة الاستثمار في كل عالم المحكي. الشخصية في القصة مثلا لا قيمة لها إلا بما "تفعله" أو بالأفعال التي تقوم بها. نسميها " وظيفة " بدء من فلاديمير بروب أو نحشرها في شبكة من " الفواعل " مع غريماس ونفرغها من كل كينونة في وجودها التي لا تشي بها بالضرورة وفقط ما تقوم به من فعل أو أفعال.
وإذا كان صحيحا بأن المعنى في جملة هو أكبر مما تحتوي عليه  من كلمات في اللسانيات، فإن الشخصية في القصة أكبر من أفعالها التي لا 
 تختزل وجودها وإن كانت " من ورق" (ر. بارث). وصحيح أن عدة اقتراحات ستظهر في كثير من التحاليل للخروج من مأزقية هذه العلاقة الشكلية القائمة بين الأفعال وتهتم أكثر بطبيعة علاقاتها وماهيتها (ت. تودوروف)، بيد أنها لن تخرج عن منهجها التوصيفي إذ تختزلها إلى ثلات علاقات داخل ما أسماه تزفان تودوروف على سبيل المثل بالنعوت القاعدية les prédicats de base وهي : الرغبة والتواصل والمشاركة. هذه النعوت القاعدية لا تعبر إلا عن صبغة حالة موجودة في كل ملفوظ لغوي، وتوهم بالتحليل مع أنها لا تقوم إلا بالتوصيف. ولهذا السبب نجد أنه بالرغم من اختلاف المقاربات باختلاف مفاهيمها، فإنها لا تستطيع إلا ممارسة الموازنة في منهجيتها بين قطبي المستوى الوصفي والمستوي التأويلي، بين البنية السطحية والبنية العميقة... تسعى جاهدة أن تقلص من مسافة العلاقة بينهما لتبرهن على نجاعة نهجها. وعلى هذا النحو يأخذ علم الحكي نهجه حيث يموقع دراسته الوصفية للنص بالنظر إلى مكونات الحكي فيه وعلاقة الحاكي بالقصة وشخوصها. النص سردية والسردية ملفوظ لغوي والملفوظ اللغوي عالم أفعال لفواعل مجردة داخل ما يمكن تسميته "لعبة شطرنجية الحكي ". مما يسمح لنا بتسجيل النقط التالية :
أولا : إن علم الحكي لا يهتم بنوعية السردية من حيث التجنيس بل بأنماط وأدوات حكي القصة فيها سواء أكانت رواية أو قصة قصيرة ..
ثانيا : علم الحكي ليس تعويضا نظريا للأدب ولا علما يحل محله لدراسة الشأن الأدبي فشأنه هو الشأن الحكائي إذا جاز التعبير ..
ثالتا : إن مشروع نمذجة قوانين الحكي الكونية يحمل في ذاته فشله بسبب فصله للملفوظ عن سياقه السوسيو-لسني واعتباره لمفهوم السببية فيها مقولة مجردة من كل مرجعية ثقافية ، توجد في ذاتها ولا تتأثر بسابق ولاحق الأحداث التي تربط بينها في فهمهما : " إن منطق الملفوظ لا يمكن أن يعتبر كليا بمثابة منطق كوني لكونه يبقى هو أيضا خاضعا للثقافة ويوظف من أجل محتوى ثيميائي يحمل السببية. إنه منطق ثقافي وليس بكوني يحكم كل تراتبية الافعال. فتراتبية الأفعال وكذا العقدة في القصة لا يعنيان إلا لمن يمتلك الثقافة الضرورية لفهم وحدتهما الكلية ". مما يعني أن السببية ذاتها نسبية تخضع لمنطق الثقافي في ملفوظاته وأننا لا يمكننا الحديث عن قوانين كونية . لأن هذه الأخيرة لها مستويين من التنظيم كما يقول كلود بريمان نفسه : "أولا، إنها تعكس قيودا منطقية تتجلى في أية عينة أحداث منظمة بصيغة سردية تحترمها كي تكون مفهومة ثانيا ، إنها تضيف على هذه القوانين الممكنة في كل سردية مواثيق عالمها الخاص التي تميز كل ثقافة، وكل حقبة، وكل نوع أدبي (..) أو، إلى حد ما، تميز السردية وحدها في ذاتها".
منطق الحدث/ الأحداث هنا متذيل بحالة سياقية هي بالضرورة ثقافية ( أي أن كل ثقافة متفردة في خصوصيتها) أو نوعية ( أي أن كل سردية لها خصوصيتها في أحاديتها ).


الجزء الثاني
٢.٢ - التجنيس الأدبي والسردية


من منطق العبث، كل ما ينهض عليه الكلام سرد، مادام وجود هذا الأخير من وجود الذات التي لا توجد وتحقق وجودها إلا بالكلام وفِي الكلام. فأنا بمجرد ما أتكلم ، أحكي ، تقول جوليا كريستيفا. لكن هل السرد له وجود في ذاته بعيد عن وجوده لغير ذاته ؟ إنه نقل الحادثة من صورتها الواقعية إلى صورتها اللغوية، يقول عز الدين إسماعيل . فكرة جد بسيطة كبساطة وجود الذات التي لا توجد إلا بترجمة الحادثة باللغة أو بطرق تعبيرية اخرى. حتى الخطاب العلمي في ألاعيب لغته الفجة سرد، يشير غريماس. كل شيء سرد بما فيه ما نكتبه نحن حول ما يقال حول السرد. هذا هو الاتجاه الانجلو-سكسوني الذي يعتبر السرد خاصية عامة وليست حالة خاصة لنوع تعبيري محدد ، عكس الاتجاه الفرنسي على الأقل في بداياته الذي حصره في التعبير الأدبي. لكن هل فعل السرد هو السرد ذاته في حصيلته أي بما نسميه السردية؟ السرد سرديات والسرديات تعيد ربط الأحداث وتعطي معنى إلى الأشخاص لما يحدث لهم في الزمن، يقول ب.ريكور. وبناء عليه، ليس هناك سرد واحد في ماهيته وطبيعة سرديته كما ليس هناك وحدة عضوية بين موضوع السرد وما ننتجه من معرفة وإن ادعينا كشف بنيته. هل البنية السردية التى نمذج جيرار جنيت عناصرها نظريا من رواية " في البحث عن الزمن المفقود" أو تزفان تودوروف من " الارتباطات الخطيرة " هي استخلاص منها ولها، لا غير، أم أنها بنية متعالية بمعنى أن لها وجودا مستقلا ولا مناص من وجودها في كل رواية ، وبالتالي في كل ما هو يحسب على السرد الموسوم بالإبداعي؟ هنا إشكال علاقة التنظير بالأدبي وأدبية أدبه معه. التنظير يتحول الى معيار تستقي منه كل كتابة إبداعية شرعية وجودها الأدبي . وبشكل ضمني يصبح النص الادبي نصا سرديا يختزل ما فيه إلى لعبة شطرنجية تحصره بموقعة الحاكي أو
الراوي مسبقا من خلال ما يطلق عليه بالرؤية السردية : الجهة الخلفية ، الخارجية، المصاحبة.  ولا أدل على ذلك من كثرة تشابه الروايات العربية الحديثة في استنساخها للشطرنجية السردية. نصرح كما يفعل جيرار جنيت بأن " السردية لا تمثل قصة بل تحكيها، بمعنى تدل عليها عن طريق اللغة.. فلا مكان للمحاكاة في السردية ".
 
ولكننا في نفس الوقت نخضعها لنمطية الحاكي أو الراوي كضرورة من ضرورات السرد مع غض النظر عن علاقته بالجنس الأدبي الذي يستدعيه في اشتغاله به وعليه. نمطية تقسم معرفة الراوي أو الحاكي إلى أربعة وجوه : مطلقة / محايدة / متعددة / أحادية. وهي في ملخصها تدور حول معرفة الحاكي بالشخصيات : - الذي يعلم كل شيء/أو الذي لا يعلم إلا ما تعلمه الشخصيات/ أو الذي يعلم أقل مما تعلمه الشخصيات. نتناول الراوي أو الحاكي في علاقته مع ما يعرفه أو لا يعرفه كنموذج لما نتصوره حول ما بإمكان الذات أن تعرفه أو لا تعرفه مع ضرورة إقصاء المعرفة المطلقة للراوي ليبدو الأمر مقبولا " وواقعيا" كما يذهب إليه الانجلو- سكسيون. وهو ما بدأ أصلا مع ميخائيل باختين في بوليفونيته التي ترى أن كلام الشخصية يجب أن يكون مطابقا لمستواها الثقافي والاجتماعي. لا ننظر إلى السرد في ما يخلقه ولكن نقارن تخييليه بواقعية حقيقة واقعه، ولكأن المحاكاة ومرجعية الواقع لازمتان خفيتان منهما ننطلق وإن سعينا إلى تفادي صورهما بمحاولة مقاربة " النص السردي ولا شيء غير النص السردي ". والمسألة جد بسيطة تعود إلى كون أن لا وجود لمقاربة أو لمفهوم "حيادي ". فكل مفهوم ينتج على أرضية معرفية معينة. الواقعية الماركسية في أيديلوجيتها كانت ظلا خفيا في دراسة ميخائيل باختين ، ومفهوم السرد ذاته أو السردية يمكن دراسة الأرضية السياسية التى أنتجته في حقله الابيستمولوجي . 
 
السردية تكتب كما يقال على شكل قصة ورواية أو نوع أدبي أخر شريطة أن تحتوي على قصة ما. كل الأنواع الأدبية التي "تدل" عليها يوحدها إذن حكي قصة. لكن ما هي طبيعة لغتها ؟ من حيث هي سردية لقصة، لغتها هي "لغة الحكي" التي لا دور لها غير إيصال المعلومة من خلال ما تقوم بها الأشخاص من أفعال تحملها ملفوظاتها اللغوية . وما هي أيضا طبيعة القصة فيهم؟ وأين يكمن الفرق بينهم ؟ هنا، تطرح مسألة التجنيس الأدبي ووفروقاته النوعية التي تنزلق بالضرورة في التاريخ ، أي تتغير وفق خصوصية كل مرحلة تاريخية. أنواع ادبية تنسحب ويسحب بريقها لأخرى تأخذ مكانها على الواجهة. كيف يتمظهر ذلك في الساحة الأدبية العربية من خلال جنس القصة في السردية؟ وما هي إشكالاتها العامّة؟
٣ - القصة في السردية وعلاقاتها بجنس القصة الأدبي.
يقول الأستاذ محسن الطوخي في إحدى تعاليقه حول القصة القصيرة : " القصة القصيرة كنص أدبي هي عمل في اللغة . وهي كأحد فروع الفن عمل جمالي موضوعه الإنسان " ، بمعنى تجربة إنسانية في حدود إطار معمارية فن القصة من "أركان وخصائص معلومة ". ويضيف على أن إضافة اللفظ "جدا" عليها ليس مبررا لنسبة ما يكتب من خواطر وتهويمات إلى القصة القصيرة.
 
بينما يؤكد أحمد جاسم الحسين : " وفيما يخص القصة القصيرة جدا، فإننا نؤكد من جديد إنها قصة أولا، وقصيرة ثانية." وفِي إطار عام تقول سعاد مسكين :"القصة القصيرة جدا نوع سردي يندرج ضمن جنس كلي عام هو القصة "؛ كما يقول يوسف حطيني : "إن القصة القصيرة جدا نوع أدبي مستقل، له أركانه تميزه من الأنواع التي تنضوي تحث جنس النثر الحكائي كالقصة القصيرة والرواية وغيرها ". أما القصة -الومضة فلها تعريف مجمع عليه إذ تعتبر قصة تتكون من عنوان وجملمتين وبينهما فاصلة منقوطة.
 
نكتفي بهذه التعريفات التي نعتقد بإنها تلخص جوهر معضلة القصة في السردية وعلاقاتها بها. ويمكن أن نستشف منها الطروحات التالية :
*القصة القصيرة عمل في اللغة داخل معمارية فنية محكومة بأركان وخصائص تخدم " قصتها" المرتبطة " بالتجربة الإنسانية ".
*القصة القصيرة جدا " قصة "، ثارة من نوع سردي ينتمي إلى جنس القصة، وثارة أخرى من
نوع أدبي تنضوي تحث جنس النثر الحكائي.
*القصة -الومضة هي قصة في ومضة.
إن السؤال الإشكالي الذي يقلق هذه الطروحات عن قرب أو بعد هو : هل القصة في القصة هي التي تحدد " هويتها " الأدبية بغض النظر عن حجم مساحتها ونوعيتها؟ وماذا نعني بالقصة فيها؟ 
القصة بجميع أنواعها تعتبر جنسا أدبيا تعتمد على قصة une histoiree، تشكل في النهاية أسها حيث منها وبها تستقي كيونتها إلى درجة أن الفارق بينهما على الأقل في أدناه النظري يصبح تحصيل حاصل. ويستفحل الأمر عندما نترجم histoire إلى حكاية والقصة إلى سرد الذي يعني في نفس الوقت قصة récit ويغيب مفهوم القصة ذاته في حلقة مفرغة بدون معنى.
 
في محاولته لتحديد هوية القصة القصيرة جدا السردية يكتب يوسف حطيني وحسب السرديون كما يقول : " أقصر قصة يجب أن تتألف من واقعتين [..] لننشيء أصغر حكاية ممكنة". وبناء عليه، " فالقصة القصيرة جدا يمكن أن تحتمل واقعتين أو ثلاتة أو أربعة.. أو عشرا، مع ضرورة الإكتفاء بوحدة نصية واحدة Lexia ، قد تطول قليلا، ولكنها تكون أصغر مساحة حكائية". هنا القصة ليست هي الحكاية من حيث الدلالة التي تكتسي ترادفهما معا، هما فضاءان في علاقة احتواء : أصغر حكاية في أقصر قصة وأقصر قصة لأصغر حكاية ممكنة. وهكذا تكسب القصة التي تتكون على الأقل من واقعتين شرعية قصة قصيرة جدا بواسطة قياس أرسطي في البرهنة المنطقية : - كل قصة تتكون من واقعتين على الأقل. - القصة القصيرة جدا تتكون من واقعتين على الاقل. - القصة القصيرة جدا قصة. إنها برهنة منطقيه تستند على إنزلاقة دلالية تقوضها في العمق لفظة " قصة " التي يشترط وجودها بوجود حكاية. فإذا سلمنا بأن القصة تتكون على الأقل من واقعتين ، فهذا يعني من حبث الشرط المنطقي أن الحكاية تتكون من واقعتين ،وبالتالي تعني الحكاية القصة والقصة القصة القصيرة جدا والقصة القصيرة جدا الومضة. ماذا يقول السرديون؟ 
أولا : يختلفون فيما بينهم حول تثبيت ما يمكن أن يكون أصغر حكاية ( histoiree ) وفِي نفس الوقت أقصر قصة ( récit ).
 
ثانيا : مرتكزهم الأول هو القصة وليس الحكاية على اعتبار أن الأولى تأمين " تعبيري " للثانية التي لها معاني متعددة حسب سياقاتها المنتجة لها. 
ثالتا : الواقعتان اللتان يتحدثون عنهما يخصان "القصة " récitt من حيث هي وحدة عضوية لها والتي لا تكون في ذاتها نوعا أدبيا يستقي منها شرعيته، لأن أصلهما هو من اصل "القصة" في وجودها إذا اتفقنا مع فرضيتهم التي لا يتفقون فيما بينهم على صحتها.
نلاحظ إذن أن ربط " القصة " récit بالحكاية وتحديد وحدتهما الصغرى في " واقعتين " معبر عنهما "بتعبير سردي" هو من قبيل التحليل فقط وليس التجنيس؛ والبحث فيها عما يشكل أدناها le récit minimal هو استجابة لقواعد بنيوية لسنية لا يهمها طبيعة الجنس الذي تشتغل عليه بقدر ما يهوسها الجري وراء طوباوية اكتشاف قوانين عامة وجوهرية متخلصة من اللغة ذاتها ومن اختراق التاريخ لها. فتحليل "أدنى القصة " في الأسطورة عند ليفي ستروس يختلف على ما هو عليه عند جون ميشال آدم العالم اللسني في تحليله للخرافيات ( les fables ) وللحكايات ( les contes ). 
لنفرض أن أدنى " قصة " récit لا يمكن لها إلا أن تتكون من واقعتين ، فما علاقتها " بالحكاية " histoire ؟ وما معنى تشديد يوسف حطيني على أن أقصر قصة، من وجهة نظر السرد، يجب ألا تتخلى عن حكايتها. وبعبارة أدق، هل بإمكان القصة التخلي عن حكايتها؟ وما علاقة كل هاته الإنزياحات النظرية بالقصة القصيرة وأحجامها؟
يقول أ.الطنطاوي في حوار له : " ماذا يمكن أن تقدمه (حكاية) بضع أسطر في القصة القصيرة جداً، وما الغاية من هذا الاختصار الذي سيكون مخلا." مما يعني أن ( حكاية ) في بضعة أسطر لَيْسَت شرطا من شروط القصة القصيرة جدا ولا " غايتها " وإن احتوت عليها، عكس ما هي عليه في القصة القصيرة كما يؤكد أ. الطنطاوي. لنا هنا رأيان مختلفان غير أننا لا يمكن فهم سوء-فهم اختلافهما إلا بالتوقف على أس المصطلحين اللذين يعتمدان عليهما في تكوين وجهة نظرهما: القصة والحكاية. يستعملان مفهوم " الحكاية " وكأنه بداهة أو مقولة قبلية موجودة في ذاتها من ذاتها. الأول يجعل من الحكاية، متبعا كما يقول السرديين، لازمة من لوازم القصة القصيرة جدا، والثاني يرى بأنها ثانوية فيها بما أن تقزيمها في بضعة أسطر مخل بها. لكن عن أي مفهوم أو على الأقل اصطلاح للحكاية يتعلق الأمر؟ عود على بدء .. نترجم histoire بالحكاية و récit بالقصة وبين الحكاية والقصة تتوه خيوط معنى القصة في جنس القصة الأدبي ونخضع لانزلاقة دلالية تتحول فيها دلالة المصطلح الأصلية إلى دلالة مغايرة في الترجمة ومغيرة لأصل مفهوميته.
كما رأينا مع ت. تودوروف، مصطلح histoire هو تجريد لا يحيل على مادة محددة تحدده. فما يحدده هو ما يعطيه " للمشاهدة " إذا استعملنا تعبير ر. بارث. وما يعطيه للمشاهدة هو ما حدث الذي لا يشكل في ذاته حكاية أو قصّة. لذا فهذه الأخيرة لا توجد "في ذاتها" حسب ت.تودوررف،
لأن ما حدث هُو حادث منفتح على حدوث اللغة التي تحمله في سرديتها. ولئن عدنا إلى بعض السرديين ، فإننا نجدهم يفصلون ما بين القصة أو الحكاية histoire و السردية récit من كون أن الأولى هي عبارة عن أحداث وواقعات محكية والثانية تتكون من ملفوظات حكائية ، بمعنى أن الأحداث والواقعات يمكن ترجمة ملفوظاتها في بضعة أسطر أو عدة صفحات (ج. جنيت). وهي لاتعني diégésis التي غالبا ما نجعلها مرادفة لها في المتن الأدبي... ذلك الخلق التخييلي الذي تنهض عليه بدون أن نستطيع تحديد معالمه فيها ومنها. وسبب التشويش في تناول جنس القصة يعود إلى هذه الترجمة الشقية لمصطلحي récit بالقصة و histoire بالحكاية حيث تفضي إلى نوع من البلية المفاهيمية والمزايدات الفكرية التي لا دعامة لها في منهجية إنتاجها. فنجعل القصة récit هي القصة ذاتها لا فرق بينها وبين جنس القصة الأدبي في حين أنها خاصية فيه تخضع لشروطاته، فليس كل récit يمثل قصة أدبية لكن كل قصة أدبية هي سردية حسبما تستلزمه هي من شروطات. ونجعل من ترجمة histoire إلى حكاية هي القصة ذاتها مع أن لها عدة دلالات غير مرتبطة بها في مجال القصة الأدبية. فليس بها ومنها وفي ذاتها يتحدد النوع الأدبي الذي يشتغل عليها وبها، لأنها تعبر مجازا كل طرائق التعبير. ماذا تفعل الفلسفة مثلا؟ إنها " تَخلق المفاهيم ، يقول جيل دولوز ، وبخلقها ذاك تَخلق قصة لها." 
لا يكفي القول إذن بأن القصة القصيرة جدا هي قصة أولا وقصيرة ثانيا (أحمد جاسم الحسين )، ولا على أنها نوع يندرج ضمن القصة من حيث هي جنس كلي عام (سعاد مسكين) لنعتقد بأننا 
تخلصنا من لفظة "جدا" وجنس القصة القصيرة ذاتها، بل على العكس من ذَلِك، إنه يدخلنا في حلقة مفرغة من كل معنى لمعنى "قصة، من قبل أن تتحول إلى قصة قصيرة ، قصة قصيرة جداً أو قصة ومضة. ولعل هذا ما جعل ا. الطنطاوي يقول بأن اعتقاد الجميع بكون " كلمة (جداً) هي مجرد اختزال وتصغير وتلخيص للنمط أو الشكل السابق ( القصة القصيرة ) هي إهانة للقصة القصيرة جدا ". وما جعل م. الطوخي يشدد هو الآخر على أن " إضافة لفظة "جداً " ليس مبررا لنسبة ما يكتب من تهويمات وخواطر إلى القصة القصيرة ". لماذا تحمل القصة القصيرة تسمية قصيرة ؟ وما علاقة الثلاتي قصيرة /جدا/ ومضة بالقصة كنوع أدبي يراد له أن يراود قصة/حكاية histoire بالمعنى الذي نعطيه إياها حتى تكون قابلة لشرعنة ولو نظريا لما نبتغي منها ؟

الجزء الثالت


٣.٣ - حدود الاستدلال ومحدداته في الأنواع الأدبية للقصة.

يتعلق الأمر هنا بالبحث في منطق المفاهيم التي من خلالها يسعى كل نوع أدبي أن يوطد معالم هويته ويعطيها شرعية معرفية من حيث التنظير. همنا مفهومي بالدرجة الأولي : تقصي إنتاجية ملفوظات المفهوم المعرفية في النوع الأدبي الذي يستدعيه للاشتغال عليه ومساءلة نجاعة إجرائيته المفهومية، ننظر إليه في ذاته من حيث هو تجريد نظري ذو بنية معرفية تمنحه نوعا من الاستقلالية في مثالية ما يتوجب أن يكون عليه النوع الأدبي وليس في علاقته بما هو كائن من كتابة إبداعية. لن نبحث عنه إذن فيما يكتب ولا باللجوء إلى متن أدبي يشهد عليه كما يستشهد به بل سنبحث فيه هُو لاستجلاء ما يكون بنيته المعرفية، على اعتبار أن وجود المفهوم من وجود بنية مثالية فيه ووجود المتن الأدبي من وجود مثالية تشكل أفقا لوجوده. 
 
وعليه، فكل نوع أدبي له مفاهيم خاصة به تشكل له مثالية في وجوده وأفقا لكل متن أدبي يناشده في أن يكون وجوده فيه من وجوده، بمعنى يحققه ويتحقق داخل فضاءه. 
 
توضيح نظري لابد منه لاجتناب على الأقل ثلاتة مغالطات في المنهجية:
أولا، مغالطة الموازنة بين أنواع أدبية متباينة وغير
 
متجانسة من حيث معماريتها وخلفياتها النظرية، إذ تأخذ عامل المفاضلة قاعدة لها في موازنة من هو أكثر قيمة، فتتحول، بالتالي، القيمة إلى حكم قيمة لا قيمة له. هل القصة القصيرة أقل أو أكثر قيمة من القصة القصيرة جدا؟ سؤال بدون قيمة في غياب القيمة المطلقة لأي نوع أدبي. ولئن كنا نرى استقبالا على نوع أدبي معين، فهذا لا يدل على أن له قيمة في ذاته غير متوفرة في الأنواع الأدبية الأخرى، فقط يعبر عن قيمة ظرفية برانية عن قيمته الذاتية. والدليل أن كل ظرفية تاريخية لها حاجاتها في أساليب التعبير التي تتغير وفق تطورها. ماكان له قيمة ظرفية يترك مكانه لنوع آخر يستجيب في قيمته لظرفية آخرى ليس إلا.
ثانيا، مغالطة الاستدلال في المقارنة بين مثالية نوع أدبي ومتن أدبي لنوع أدبي آخر، بين مثالية القصة القصيرة جدا ونصوص للقصة القصيرة وكأنها تمثل مثاليتها، مع العلم أن لكل نوع أدبي مثاليته التي لا تتحقق على الإطلاق في أي متن ينضوي تحثه.
ثالتا، مغالطة جعل مقدرة الكاتب الإبداعية عاملا قيميا نعود إليه حين نعتبر متنه "غثا" داخل نوع 
 
أدبي ونقصيه إذا كانت نفس الحالة تخص نوعا أدبيا آخر. وهكذا، متن "غث" لقصة قصيرة جدا نحيل سببه على قصور مقدرة الكاتب الإبداعية، ولقصة قصيرة نستدل به من أجل تقويض نجاعة القصة القصيرة في مشروعية فنيتها الأدبية.
ماهي المفاهيم التي تختزل البنية المثالية لكل من القصة القصيرة جدا، والقصة الومضة، والقصة القصيرة؟ وعلى أي أساس معرفي تستند؟ لكن ماذا نعني قبل كل شيء بالمفهوم؟
 
المفهوم إجابة واستجابة معرفية لمواضيع مشكلة داخل منظومة نظرية يستمد منها ويمدها جدليا بالمعرفة التي تحتاجها، لا وجود له في غيابها ولا معالم تحدده إلا بما يقتضيه وجودها بما أنه في العمق يتوخى خلق إجابات محتملة لها. ونقصد بالمفهوم هنا، ليست دلالته اللفظية، وإنما عالمه المعرفي الافتراضي الذي يشي بِه بقدر ماينتجه في علاقته بمفاهيم أخرى داخل منظومة نظرية، له زخم حياة يخترق بفضلها حقول علوم متباينة الموضوع، والمنهجية، والابستمولرجية. ولذا، فكما أن للغة ذاكرة ثقافية ( ر. بارث )، فللمفهوم أيضا ذاكرة معرفية وتاريخ : نظامه من منظومة معرفية ( نظرية ) يستمد منها ويمدها بمعرفة في علاقته بالمفاهيم الأخرى التي تكونها.
١.٣.٣- ملفوظات مفاهيم القصة القصيرة جدا
ما هي ملفوظات مفاهيم القصة القصيرة جدا ؟ وعن أي مشكلات تروم الإجابة عنها في تحديد نوعها الأدبي؟
 
تعتبر القصة القصيرة جدا حديثة العهد إلى حد ما، وكما شأن كل حديث، فإن مشكلتها تمحورت في البدء حول شرعيتها الفنية من حيث هي نوع أدبي مستقل في هويته، مما ترتب عنه غزارة في التقعيد المفاهيمي، لدرجة أن كل كاتب له معاييره ومفاهيم خاصة به لتحديد"حقيقة " هوية القصة القصيرة جدا. نوع أدبي جد قصير في مساحته بيد أنه خلاق لمفاهيم تقصي بعضها البعض في بحثها عن هوية مفاهيمية قارة له. من أين نبدأ ؟
 
وهل هناك تماسك نظري في ظل مفاهيم متنازعة فيما بينها حول من تكون الأقرب على حمل صفة المفهومية لهوية القصة القصيرة جدا؟ حتما، لن نأتي على جميع ما قيل حولها بما أن غايتنا هي البحث في احتمالية المفاهيم التي تحمل بنيتها المثالية. ولن يكون خيارنا إلا نهجا انتقائيا يستند على منطق البدء بالبسيط في اتجاه المعقد بغية محصلة نظرية عامة. 
 
يحصر كلا من ج. الحسين وي. حطيني القصة القصيرة جدا في عدد قليل من المقومات، أربع مقومات بالنسبة للأول : 
-
القصصية، الجرأة ، الوحدة ، التكثيف.
وخمس مقومات بالنسبة للثاني: 
-
الحكائية، الوحدة، التكثيف، المفارقة، فعلية الجملة.
 
ثلاتة ملفوظات مشتركة بينهما: التكثيف/الوحدة/ القصصية ( الحكائية ). وتلاثة متغيرات، واحدة بالنسبة للأول ( الجرأة )، وهي من ملفوظها تعبر عن"حالة سلوكية"أكثر منها لازمة نصية؛ واثنتان بالنسبة للثاني حيث الأولى تحتوي على حمولة معرفية في ذاتها تتقاطعها حقول معرفية متعددة (المفارقة)، والثانية شرطية لغوية للجملة فيها ذات بنية تتكون من مسند ( فعل ) ومسند إليه (فاعل)
يمثلان الحد الأدنى لها، فعل يكتفي بفاعله مع صلاحية الإسناد في الدلالة على الحدث والزمن  وفاعل لا يتعداه فعله ( سيبويه). ما طبيعة علاقة التكثيف بالمفارقة ؟ وهل المفارقة تمثل فقط وجها أسلوبيا في القصة القصيرة جدا أم عمودا فقريا لبنيتها؟ ولماذا التقعيد للجملة الفعلية وما علاقتها بالتكثيف؟ 
 
عماد المفارقة حالة صراع لفكر يزواج بين فكرتين صائبتي المحمول من حيث المنطق لكن علاقتهما تناقضية من حيث المظهر. إنها في ذات الوقت وجه وأكثر من وجه أسلوبي في القصة القصيرة. تستدعي الفكر وتؤزم منطقه الاعتيادي للحقيقة: "الحقيقة توجد في المفارقة، والأدب هو بجوهر الحقيقة ، مادام مفارقاتيا بالتعريف ولا مرجعية له غير ذاته (...) وحتى عمليات الحكي، فإنها لا تحيل على أدوات سردية متعددة الاستعمالات، ولكن إلى فلسفة"، يقول ميشال كروزي. مفهوم المفارقة ذو بنية معرفية تقتضي مبدئيا اسكتناه طبيعة مواضيعها وكيفية تشكلها كأحد المقومات المهمة للقصة القصيرة جدا. هل يطالها التكثيف؟ 
 
قد نفترض بأننا أمام تكثيف قصصية مفارقة أو قصصية مفارقة مكثفة بلازمة جملة فعلية تقصي التركيب بالربط (السبيبة، التعليلية) وتنهض على التركيب بالارتباط ( إدراكها بتصور ذهني)، بنية الجملة فيها مركبة من فعل يكتفي بفاعله وبدون جمل وصفية وإسمية. لكن أين يكمن التكثيف؟ وما هو الحدث في الجملة وعلاقته بالحدث في القصة؟ 
 
أسئلة تثيرها المقومات القليلة المقترحة من لدن ج. الحسين و ي. الحطيني. وتفرض علينا من حيث المنهجية تعميق الإشكالية التي تطرحها القصة القصيرة جدا حول فرضية تعالق التكثيف فيها بوجوب مساحتها النصية ( قصيرة جدا). لنحاول ، ولو نسبيا، تقصي مجموع المواصفات التي غالبا ما تتكرر عند الحديث عن خصائص القصة القصيرة جداً، وذلك بتقسيمها وإدراجها في فصول توحد على الأقل فضاء دلالاتها:
فصل ١: التكثيف، الترميز، الإيحاء، الإيماءة . الاقتصاد، التدقيق، التركيز، الاختزال، شعرية اللغة، اللغة التيليغرافية، بلاغة الانزياح، التلميح، الرمزية المباشرة وغير المباشرة، سمات الحذف والاضمار، التصوير البلاغي..
فصل٢: الإدهاش، الإشراق، الإشعاع، الومضة، الشحنة، اللحظة الحرجة، الإثارة، النهاية المباغتة ذات الوقع الجمالي، التوثر المضطرب...
فصل ٣: القصصية المختزلة، الوحدة، المقصدية، الحجم القصير جدا..
فصل ٤: المفارقة ، الثنائية الضدية، التناص، الأسطورة ..
نلاحظ أن كل فصل هو ذاته إشكالية تتجاوز هم القصة القصيرة جداً في بحثها عن هويتها. في الفصل ١ تطرح إشكالية اللغة في الإبداع ومدى قابليتها للتخصيص بالشكل الذي تتتفرد بكينونة تعبيرية استثنائية لنوع أدبي لا غير. إشكالية لغة في لغة الإبداع وطبيعة صياغاتها اللغوية. وهي نفسها التي تنعكس على إشكالية الفصل ٢ من حيث مفعولاتها (إدهاش، إشراق..)، أي إشكالية فاعلية اللغة ومفعولها. أما الفصل ٣ فهو يطرح إشكالية المساحة النصية وعلاقتها بالقصصية المختزلة من حيث أنهما جوهر القصة القصيرة جدا، قصصية مختزلة في مساحة ضيقة لاسبيل لها في ذلك إلا بمقومات الفصل١. وفيما يخص الفصل٤ فهو يحمل نفس الإشكالية التي أشرنا لها سابقا. 
يمكننا محورة هذه الفصول في أربعة إشكاليات معرفية متشابكة : 
١- مشكلة اللغة ولغة اللغة في الإيداع 
٢- مشكلة الفكر بين اللغة والحقيقة في المفارقة 
٣- مشكلة القصصية في القصة كنوع أدبي
٤٤- مشكلة المساحة النصية
١- اللغة ولغة اللغة في الإبداع
تكاد تكون القصة القصيرة جدا قضية لغة ، بها تنحت هيكل مساحتها ومنها تستقي استدلالاتها وفيها تبحث عن هويتها، وذلك باللجوء إلى جدول عملية الطرح من الجمع لكل ما يقاسمها الإبداع باللغة وفِي اللغة ( القصة القصيرة، الرواية...)، لتتوصل إلى أضيق مساحة لقصة قصيرة جدا. عمق ما تصبو إليه هو خلق علاقات متوثرة في بحثها عن كثافة "تجويعية" بين المساحة واللغة داخل فضاء زئبقي يشترط وجوده بوجودهما ولا يكتسي منهما بشكل مفارقاتي هوية وجوده إلا بهما؛ فضاء افتراضي للغة تحيا من التجويع فيه ولمساحة تقول بكلماتها أكثر ما تعطيه من دلالة أولية في ترابط بعضها البعض. 
كيف يتم ذلك ؟ وما الذي يسمح بأن تتحول اللغة إلى أداة وغاية لغاية هي عاجزة أن تعطيها صك
الدليل والاستدلال ؟ 
 
بدءا،حجم ما نريده من المساحة هو أولا وقبل كل شيء عملية مرتبطة أساسا بفعل التضييق على اللغة تحث عدة مسميات تكون الخاصية اللغوية لجوهر لغة القصة القصيرة جداً. إن التكثيف هو حصيلة جمل مركزة، وطابع موحي واختصار في أسلوب السرد وقدرة على الإيحاء وإشعاع بأكثر من دلالة (ص. سليم ). يتعالق بالقصة القصيرة جداً "فكرا واقتصادا ولغة وتقنيات وخصائص ". (أ. جاسم)؛ ويتوسل في ذلك : الإيجاز، الكناية، 
الاستعارة، الإنزياح، الاختزال، التناص، الرمز..
 
التكثيف هنا في خدمة مساحة تشترط من بين ما تشترطه تقشف لغة تقول معان كثيرة في كلام قليل. وهو ليس بتقشف من شح في اللغة، ولكن من فائض فيها يخل بإشعاع " المعنى ومعنى المعنى" بسبب مجانية زوائده وترهلاته اللغوية. مما يدل على أننا أمام اقتصادية لغوية تمتح تكثيفها أساسا من البلاغة، وبعبارة أدق من لغة بلاغة. ونعني بها ميتا-بلاغة مرتبطة بعدم قدرة الصيغ البلاغية ذاتها على التوحد بكل المعاني وعلى مطابقتها لكل ما يريد الفكر الإفصاح عنه، عكس البلاغة في اللغة كطرائق ووساطة لغوية . 
 
ما نسميه تكثيف إذن إن هو لغة بلاغة لا حد لها لما نحدده من تجنيس أدبي، فهي تتجاوز حدود النثر والشعر كما قال الجرجاني، وعليه، تتجاوز القصة القصيرة جدا والشعر ذاته مادامت غير متعلقة بلغة الشعر بل بشعرية اللغة وتمظهراتها في لغة بلاغة هي ذاتها مشغلة لغة الشعر ولغة القصة القصيرة : " إن القصة القصيرة، يقول م. الطوخي، هي عمل على اللغة". اللغة ثم اللغة ولا شيء غير اللغة في الكتابة الإبداعية التي لا يحددها التكثيف كما لا تأخذ قيمتها الأدبية من مساحة محددة لها مسبقا. إبداعية اللغة خاصية كل كتابة كيفما كانت نوعيتها الأدبية. ورغم كل ذلك، فإن القصة القصيرة جدا تعتبر هذا الطرح مجحفا في حقها بحيث تعطي للغتها مقصدية لغوية خاصة بها تميزها عن باقي الكتابات: قول ما قل ودل، لا إطناب، ولا استطراد، ولا ترهل، ولا صنعة، ولا زوائد، ولا كثرة روابط ، ولا زخرفة، ولا إسهابات لغوية... 
 
وهنا المفارقة والمغالطة : مفارقة قول ما يدل بلغة مكثفة، ومغالطة جعل مما يبحث عنه في الكلام بدون لَبس وغموض محور عمل لغة في إبداعيتها تفتح الدلالات على مصراعيها بدون دال ( مادل) يقبض عليها ( بما قل ). وكأنها مسألة اقتصادية للغة بلاغة وبلاغة لغة قادرة على تحقيق وضوح معناها بما قل في مبناها دون مواربة لغوية. وهذا ما يشكل تناقضا جينيا في تحديد مقومات القصة القصيرة جدا:
 
تتبث لنفسها مشروعية القبض مباشرة على ما يدل فيما قل وتفرض " قارئا خاصا" غير عادي في نفس الوقت للبحث فيها عما يدل.
تنهض على قولة  "خير الكلام ما قل ودل"، لتجد نفسها تقوض ما يشكل هويتها داخل ما نسميه ب "مأزقية ميتافيزيقا الدلالة". من جهة، تخط لها ركيزة الكلام الدال على معناه، ومن جهة أخرى، تتشبت بركيزة تأدية معانٍ كثيرة وشاسعة بألفاظ قليلة. أي أنها تجد نفسها شقية تناقض ركيزتين، ركيزة دال صريح على معناه بدون لَبْس ولا حتى غموض بمعنى فقهاء اللغة، وركيزة لغة بلاغة لا دال فيها صريح المعنى بل " كلمات تكشف عن البقية -الخليل ابن أحمد" والبقية تأويلات تجري وراء الدلالة.
 
وعِوَض أن تكون لها ترسانة معيارية خاصة بها، تشرط شرعية وجودها وتستقيها من خلال علاقة سالبة مع القصة القصيرة وبالأخص في حقل اللغة. هي ترى أن لغة القصة القصيرة مترهلة وفيها حشو وإطناب ووصف ومقدمات وطول لا طائل منهم فتحذفهم كي تركز على ما قل ودل في لغة مكثفة وكأن اللغة المكثفة ضرورة حتمية في لغة الابداع. عبث منطق لمنطق العبث:
إنه منطق يحتمل عبث نعث القصة القصيرة جدا لأي نوع أدبي بالترهّل والحشو اللغوي (الرواية)،
 
وبمنطقها هذا تنسف نفسها بنفسها بالمقارنة مع القصة الومضة التي تأخذ منطقها لتثبت شرعية وجودها على حسابها باستدلال استرجاعي. 
من أين جاء مفهوم التكثيف وتم الاستحواذ عليه جاعلين منه حجر زاوية القصة القصيرة جدا؟
 
نكتفي غالبا بالإشارة على أنه مفهوم منقول من ميدان التحليل النفسي ونمر مر الكرام على من اختلقه ووظفه في تحاليله النظرية: فرويد.لا نعثر على أية محاولة بحث يحدد نقط تقاطعه بالتحليل النفسي والقصة القصيرة جدا.لنقل إن ثمة حلقة مفقودة تفقدنا فهم طبيعة علاقتهما. هل هو نفس المفهوم؟ وهل هي علاقة بنيوية أم علاقة اقتداء؟
 
إن وظيفة التكثيف هي :" إذابة مختلف العناصر والمكونات المتناقضة والمتباينة والمتشابهة وجعلها في كل واحد أو بؤرة واحدة"(نعيم السلفي). لذا "فهو يحدد بنية القصة القصيرة جدا ومتانتها لا بمعنى الاقتصاد اللغوي فحسب" يقول ج. خلف 
 
إلياس، " وإنما في فاعليته المؤثرة في اختزال الموضوع وطريقة تناوله، وإيجاز الحدث والقبض على وحدته، إذ يرفض الشرح والسببية". 
 
إنه التعريف ذاته وبحرفيته في التحليل النفسي: إذابة المتعدد في الواحد الذي يجهل منطق العقل العقلاني في ظاهره. المتعدد قوام خلفية الواحد، والواحد لغة عرضية لمتعدد في حالة انضغاط en compression ، تخفي من على سطحها عالم دلالات شاسعة وكبيرة. هذا ما يقوله فرويد. كيف تتم العملية ؟ باللغة ولاشيء غير اللغة : التلميح، الإيجاز بالحذف، الإيجاز بالقصر، اللفظة ذات المعنى المزدوج، الجملة العكسية، الباروديا، الكناية، الاستعارة، التضمير، التقابل، التطابق.. لاشيء قار على سطح ما تعطيه "اللغة المكثفة " للمعاينة : الحدث فيها ليس هو ما تعنيه كما أن الشخصية التي تظهرها على الواجهة ما هي إلا مواربة لإخفاء شخصيات أخرى، والكلمات ذاتها لا دلالة لها في ذاتها..
 
هكذا ينهج فرويد في قراءته لظواهر لغوية تظهر فاقدة المعنى ظاهريا نتيجة عمليات سيكولوجية معقدة. ويأخذ الحلم مثالا ينتج به أدواته المعرفية لتأسيس نظرية متفردة تتقصى المعنى من الذي 
يبدو بلامعنى، والباطن من الظاهر، والمعقول من اللامعقول، معتبرا أن " المثال هو الشيء ذاته".
 
الحلم لغة مقتضبة جدا لسلسلة أحداث مفتقدة في معطاها لروابط تستقي بها معناها بسبب ما يسميه فرويد"عمل الصوغ "المفروض على الحلم من فعل آليات الرقابة والحصر والذي يتم عبره صوغ " محتوى خفي" إلى" محتوى ظاهري" بشكل توافقي. المحتوى الظاهري إذن حصيلة لعملية صياغية تعبيء "منطقا" خاصا باللاوعي.
وهو منطق يعتمد على : 
-
التصويرية : وضع الصور في مشهدية لا 
تعرف السببية والروابط المنطقية إذ تقدمهما عن طريق تتابعهما وتماسهما فيها.
-
التكثيف: تضمين عناصر متعددة من 
المحتوى الخفي في عنصر واحد من المحتوى الظاهري.
-
التحويل : إحالة عنصر مهم في المحتوى 
الخفي على عنصر يبدو بلا قيمة في المحتوى الظاهري. 
-
الرمزنة : توظيف الرمز داخل عملية تتكسر 
 
فيها علاقة المرموز والمرموز له.
ماذا نلاحظ إذن إذا ما وضعنا واجهة تقابلية بين " البناء الحلمي" في عملياته والقصة القصيرة جدا؟ نلاحظ أن الحلم قصة قصيرة جدا، وأن القصة القصيرة جدا تنبني كانبناء الحلم، لهما بنية واحدة ولغة واحدة : التصويرية، التكثيف، التحويل، الرمزنة. وأنه من النادر أن يكون الحلم كما نضيف عليه القصة القصيرة جدا " تمثيلا، يقول فرويد، لفكرة واحدة، بل قل إخراج مشهدي لجملة، لسلسلة من الأفكار". لكن كيف نفهم هذا التعالق ؟ ماذا يعني " التكثيف والتحويل" في اللغة ذاتها؟ 
 
يقول ج.لاكان إن التكثيف لغة، يعادل المجاز كما يعادل التحويل الكناية في اللسانيات. وهما معا ينتميان إلى صيرورة تكوين اللغة التي نسميها بالاستعارة البلاغية. ويقول ت.تودروف في مقالته " بلاغة فرويد": ثمة تكثيف كلما قادنا دال واحد 
 
إلى أكثر من دلالة (..) ويمكن اعتباره مصطلحا واحدا لكل من الاستعارة البلاغية والتلميح." لهذا فمفهوم التكثيف الذي استخرجه فرويد ما هو إلا تحصيل حاصل للأشكال البلاغية المتمردة على معيارية اللغة؛ أشكال بلاغية تخدم وتستخدم في كل الأنواع الأدبية :"إن المجاز، يقول جاكبسون،
 
هو شكل البلاغة المفضل للشعر". لكننا إذا عدنا إلى مجال النقد الأدبي، فإن التكثيف يأخذ بعدا أخر ويستعمل مرادفا له densité يخرجه من مرجعياته البلاغية. " التكثيف ( densité) : لا يمكننا أن نمس نقطة من نسيج النص دون أن نغير توازن وقيمة المجموع له. فهو ليس مركزا مفهوميا ( مجموع وظيفي يعمل بمفاهيم متعالقة فيما بينها) يشكل فضاء لاشتغال الكتابة فيه".
 
اللغة وحدها غير كافية لأن نقتنص بها معايير هوية تجنيسية لما تنسجه مادامت تخترق كل الحدود الأدبية بأشكالها البلاغية وتتحول إلى ميتا-لغة. 

Top of Form
يتبع
----
٢- الفكر بين المنطق والمعرفة في المفارقة
٣- القصصية في القصة كنوع أدبي
٤- المساحة النصية :
بنية المفاهيم المثالية والقصة القصيرة جدا .

التسميات: