الأربعاء، 24 مايو 2017

آخر ما سمع .. قصة قصيرة .. ميسون سعدي .. سوريا


قراءة في القصة القصيرة 
آخر ما سمع 
للأديبة/ ميسون سعدي
سوريا 

ميسون سعدي




 أغدق علينا العصر بالكثير من النعم. قربت ثورة الاتصالات المسافات، ووفرت الكثير من وسائل الرفاهية. لكنها استلت من بين جوانحنا إحساساً بالحميمية والتٱزر الإنساني لا يعرفه إلا من عاش الزمن الجميل الذي سبق هبوب عاصفة التكنولوجيا. 
 هاهو الراوي تأخذه سنة من نوم يتذكر خلالها طقوس التواصل مع صديقه عبر الرسائل البريدية. حميمية الكتابة، الخطوات الى صندوق البريد، وأشواق الانتظار .. يجتر في غفوته حلاوة زمن التواصل الإنساني الجميل . لكنه يصحو على قسوة الواقع. قد كان يحلم بهاتف سلكي ليستمع إلى ضحكات صديقه، ويدرك تلميحاته، فلما أغدقت التكنولوجيا من خيراتها في صورة مواقع للتواصل جعلت العالم عند أطراف الأصابع، غاب الصديق وأعرض، واحتلت القلب وحشة.
 والصديق في النص الجميل هو معادل للصداقة في عمومها. فالقضية التي تبدو فردية في النص هي في حقيقتها قضية عامة في ذهن الكاتبة التي برعت في استخدام العبارات الدالة لكي ترفع من مستوى التجربة إلى المستوى أعم.
الاصدقاء الباهتون - 
- كأنه يجلس معه في الأزمان السابقة
نعيش عصراً اغدق علينا بالنعم ( لاحظ نبرة التهكم ) ) -
- قرر أن يزيل أصدقائه واحداً واحداً . 
 والقارىء يشارك الراوي وجدانياً في تجربته. فالصديق يتجاهل رسالته. وكلما أتته إشارة بوصول رسالة يسارع بتفقدها عساها تكون من صديقة فلا يجد إلا سيلاً من رسائل تافهة عن إعلانات وفرص وهمية، وترهات لا تعنيه. أما الرسالة التي ينتظرها فلا تأتيه أبداً رغم دلائل وجود الصديق أون لاين. عالم مزيف. وفرت فيه التكنولوجيا الوسائل. واستلت القيمة، والبهجة، والمعنى. 
 والخاتمة الموحية تعبر عن القلق وعدم الرضى اللذان يمثلان قدر الإنسان المعاصر. فحتى عندما قرر رفض هذا العالم المزيف، لم يستطع أن ينهي تعلقه به. فبينما يعالج سكرات الموت الاختياري، يظل يداعبه الأمل في أن الرسالة التي يعلن الجوال عن وصولها ربما تكون هي الرسالة المنتظرة من الصديق .
 نص جميل. يحمل فكرة مضمرة في ثنايا الأحداث، ويعجبني في نصوص ميسون اهتمامها وتعبها على الحبكة وقدرتها على توظيف الخيال لخدمة الفكرة دون أن تسقط في المباشرة أو التقرير.
أرجو فقط من صديقتي أن تراجع الفقرة التي تبدأ بجملة ( تذكر عبارة متداولة ..... ) . 
 كذلك الفقرة التي تبدأ بجملة ( أرجع ظهره إلى الوراء ...... ) 
فأراهما فقرتان زائدتان، شارحتان للمعلوم إضماراً. .
 كذلك أرجو أن تعيد صديقتي النظر في تكنيك الانتقال بالسرد مابين الحلم والواقع، فلم يبد لي متقنا كفاية. 
 أما القصة إجمالاً فأعدها من القصص المتميزة البارعة في عرض قضية عامة من خلال تجربة شخصية مغرقة في الخصوصية. 
تحياتي لإبداعك صديقتي ميسون
 ________ 



نص القصة 

 في سريره يتقلب ، يتذكر زمنا مضى ، كيف أنهى رسالته ، قرأها بصوت خافت ، قرأها بصوت عال . علت وجهه ملامح الفخر والإعجاب ، عاد وأضاف عليها عبارة رقيقة هنا وأخرى هناك ، وضعها في المغلف ، لبس ثيابه ، تأكد من وجود النقود في جيبه ، ثم انطلق إلى البريد كي يتم تلك المهمة الجميلة .
 عاد إلى غرفته سعيدا ، للحظات ... تمنى لوعنده هاتف .. لتكلما طويلاً ، تمتم : أسبوع أسبوعان وتأتي الرسالة ، إذا كنتُ مسافرا يضعها ساعي البريد عند البقال وأنا عند مروري كل يوم أسأله عن الرسائل .
آخ .... لو كان هناك هاتف .. كنت سمعتُ ضحكاتنا معا والتعليقات والتلميحات ...
 لو كنا معا ، كم كنا سنتمشى في الشوارع ونسهر مكررين نفس القصص ، ناسين أننا كنا معا عند حدوثها .
 استيقظَ مرة أخرى على نغمات جواله تُعلمه بوصول رسالة ، نعم ها هو صديقه يرد على رسالة البارحة والرسالة التي قبلها .
يقرأ : يبدأ التوقيت الصيفي بتاريخ 1/44 ، يقرأ الرسالة التي سبقتها : أسعار مخفضة بمناسبة الأعياد50% ... لا يكمل ، يعود للنوم ممتعضاً ، وفي نفس اللحظة يبتلع إمتعاضه كأنه يوقف شعوره قبل أن يستقر في ذاكرته وقلبه .
يستيقظ ، ينجز الكثير من الأعمال المهمة المتراكمة ، يأخذ كأس الشاي بين يديه ،
يجلس مستقرا في مكانه اليومي ، متخذا كل مايحتاج لجلسة طويلة .
 أنهى أعماله على الإنترنت ، تفقد المواقع التي تهمه ... شبكات التواصل الإجتماعي الأصدقاء الباهتون نوعا ما . بنظرة متفحصة منه يدرك أن صديقه الذي أرسل له رسالة البارحة موجود على موقع التواصل ، يستطيع أن يراه ويكلمه كأنه يجلس معه كما في الأزمان السابقة ، يكرر كما في الأزمان السابقة ، تدمع عيناه ، تزحف أصابعه باتجاه الأزرار ، يتراجع للحظة .
يرن هاتفه ...
 إحدى صديقاته المقربات تتصل تطمئن عليه ، تخبره بالكثير الكثير ، تنهي المكالمة يجلس لحظات يفكر بما قالته ، يعود للهاتف ، يتصل بها ، يخبرها ما عليها أن تفعله
 ناصحاً ، ينهي مكالمته بـ أخبريني فورا ماذا يحصل معك .. اتصلي بي بأي وقت دون إحراج أو تلكؤ .
 يعود إلى مكانه متمتما لا .. بين الأصدقاء لا يوجد .. لقد إتصلت أنا مؤخرا ولم يتصل بي حتى الآن . المهم أن نسمع بعضنا في زمن الإختراعات الجميلة .
كم نحن محظوظون .
 هيأ كل أسباب الراحة كي تكون جلسته مريحة ، دقت أصابعه برشاقة وسرعة على الأزرار ، تواصل الرنين ... لم يجبه أحد .
 للحظة فكر بعذر له ، خاصة أننا نعيش عصرا أغدق علينا بالنعم ، كل شيء فيه واضح جلي لايحتمل التساؤل مثل : لم يرَ إتصالي .
تشنجت تعابير وجهه ، تحسس ظهره شاعرا أنه جزآن .
تذكر عبارة متداولة ( لقد إنقسم ظهري ) ! ...
كان يسمع تلك العبارة عندما يفقد أحدهم إبنا أو أخا .
 شهق شهقات متكررة كي يستطيع أن يتنفس ، إمتعض بكل جوارحه ، أحس بما حوله دون أي ستار ، دائما كانت تلك رغبته ، غمره الهدوء والفرح ، كل أنواع السكينة ، تحسست أصابعه أزرار الحاسوب ، قرر أن يزيل أصدقاءه واحدا واحدا . توقف عند صديقه القديم ، إمتدت أصابعه كي تتصل المرة الأخيرة ، لم يفعل أيضا لم يزله .
أرجع ظهره للوراء ، تمدد متحسسا ظهره .
تمتم ساخرا .. إذًاً .. هذه هي حياتنا .. مهزلة وقذرة أيضا .
وضع بعضا من حبوب كان يتناولها في كأس الشاي ، نظر إلى العلبة .. أفرغ كامل محتوياتها .
كانت الخيالات تتوالى عليه وهو ذاهب إلى البريد واضعا الطوابع على رسالته .
 كم تمنى أن لا يكون آخر ماسمعه .. رنينه المتواصل لصديقه في زمن النعم .

التسميات:

1 تعليقات:

في 24 مايو 2017 في 10:59 ص , Blogger Unknown يقول...

نعوذ باللله من الاصدقاء مثل هذا القبيل الذين لا تهمهم صداقتنا

 

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية