الميزان .. قصة قصيرة .. محمود السانوسي .. مصر
الميزان
قصة قصيرة
محمود السانوسي
مصر
![]() |
محمود السانوسي |
عندما أصلحت الميزان ضربني، وعندما فرزت الفاكهة التالفة ونحيتها جانباً ضربني، وعندما خيرت الزبون بين أن يختار بيده بعدما تتأكد عينه من سلامة الفاكهة قال : أنت خسارة عليَّ وطردني.
أجمع بقايا الخضار أخر اليوم، أحمل على ظهري أقفاص وشكائر خيش إلى سقيفة الأغنام، وأتذكر شتائمه : أنت مثلها تأكل ولا تفهم، قلت: ماذا يريد أبي غير أن يغش الناس، قال الشيخ : هذا حرام، وقال أبي : من عقني ليس مني، وقال الحديث الشريف : من غشنا فليس منا، وقال الزبون : لا تفضحني ... وجدت نصف الفاكهة تالفة فقلت أختلس حقي.
قلت للمأذون: حاول أن تصلح بينهما، قال أبي غاضباً: لا تتدخل فيما لا يعنيك، ونظر للمأذون وحدثه وأخرج له نقوداً ورقية، وكان المأذون مقتنعاً بكلام أبي، قال الشاب لأختي: اضطررت أن أقدم لكي شبكة عيار 14 واتفقت مع تاجر المصوغات أن يوهم أهلك أنها من عيار 21، ليس لدي أموالاً تكفي لكل هذه الجرامات الذهبية التي طلبها والدك – وبكى – وقال لها سامحيني، ونظرت له أختي بحزن ومودة وقالت له: لو سامحتني أسامحك. اعتذر والد العريس لأبي وقال له: وأنتم ألم تفعلوا كذا وكذا، وشعرت أمي بالحرج، وحاولت أن تدافع عن أبي، فقالت لأم العريس: نحن مضطرين ...زوجي على باب الله وأخيها ما زال بالتعليم ... والمظاهر والعادات تطالبنا بالمفروشات والمطبخ، وما لا طاقة لنا به، ثم صمتت برهة وهي تتلصص رد فعل أم العريس وأكملت حديثها بثقة: وإن كانت هناك أدوات مستعملة من أختها المطلقة فهذا لا يعني أننا خدعناكم، وانتهى كل شيء على لا شيء.
ولكن أبي أصبح يتكلم معي ويدافع عن رأيه ويصر عليه، ولم يعد يستخدم معي الضرب والبصق والشتائم، قال لي أخر مرة: أصلح حالك قبل أن تصلح الميزان، وكنت كلما أسمع هذه الجملة وتتبعها نظرات حادة كاشفة من أبي، أنكس رأسي وانصرف صاغراً متبعاً الأوامر والتعليمات، قلت لها: تعالي ، لا تخشي شيئاً... أبي ينام القيلولة، وكانت تقول: الخضار غير طازج، وكنت أقول لها بلهجة مهتاجة وعينين واثبتين: أنت كل الطزاجة، وكانت تضحك وتملأ سلتها بالخضار والفاكهة، بينما كفتي الميزان يحركهما الهواء صعوداً وهبوطاً.
محمود السانوسي عبادي
التسميات: قصة قصيرة
2 تعليقات:
من النصوص المميزة . والجميل في تلك النوعية من النصوص أنها تستدعي مداخلات وتعليقات مميزة. كتعليق صديقي حسين , النص المميز يعد بذرة لحديقة وارفة من التفاعل الإيجابي المثمر، والممتع . يدور النص حول ممارسات أخلاقية تتعلق بالصدق، والكذب ، لكن الكاتب الجميل لا يسقط في فخ تبنى موقف أخلاقي معين , إنما يمنح الحرية لشخصياته لكي تفصح عن مواقفها من خلال سلوكياتها وردود أفعالها . المسألة نسبية، تتأرجح بين الواجب، وبين القدرة .
والقاص المميز لا يحكي الأحداث , بل يعايشها ، فتكتمل متعة التلقي .
لمست روح وأسلوب يحي الطاهر عبد الله . وهذا تميز آخر للمبدع الجميل السانوسي . أن تنتهج الأسلوب دون أن تسقط في التقليد لهو نوع من البراعة. أحييك صديقي العزيز على هذه القصة الجميلة
Hussein Alhilo Pl
يا صاحب الميزان ... لقد فقدت التوازن عند قرائتي نصك الجميل. فقدته لما اصابني من سحر المعنى حتى احسست انني احد ذراعي ميزانك واخذت اصفق معه في الهواء . يا ترى متى سيتحقق التوازن المنشود .... متى نعطي بقدر ما نأخذ ونحصل بقدر ما نعطي ؟! الحياة على قيد الحياة تسمع وترى.... مخطئ من ظن أنه شاطر ويستطيع خداع عينها التي لا تنام ... ميزان الحياة عادل وستحصد السنابل قريبا ... فتخير جودة المنتج وطيب المحصول. كن كما انت ..وطبت كاتبا ...مميزا...جدا.
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية